يُستحب للمُصلي إذا فرغ من صلاته أن يأتي بالأذكار المشروعة عقب الصلاة ثم يدعو بما شاء منفرداً لوحده،
وله أن يرفع يديه أحياناً عند دعاءه لعموم الأحاديث الصحيحة الواردة فى رفع اليدين حال الدعاء من قول النبي ﷺ وفعله.
لأن الأصل أن يرفع الداعي يديه حال دعائه تضرعاً إلى ربه فرفع اليدين من أداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته،
فعموم الأدلة ومطلقاتها تشمل الفريضة حتى يقوم دليل على تخصيصها.
* ولا يخرج عن هذا الأصل ويترك إلا في الحالات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الدعاء فيها في ملأ من الناس،
ولم ينقل عنه أنه رفع يديه فيها كالدعاء أثناء الصلاة وفي خطبة الجمعة في غير الاستسقاء، أما ما سوى ذلك من الدعاء فرفع اليدين فيه مشروع.
* كما أن عدم العلم بالشيء لا يقتضي العلم بالعدم، فالأصل المقرر هو أن رفع اليدين من آداب الدعاء عموماً ولا يخرج عن هذا العموم إلا بدليل .
ومما يدل على ذلك :
* ما ذكره العلامة السيوطي رحمه الله- في رسالته "فض الوعاء" : عن محمد بن يحيى الأسلمي قال:
رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلا رافعا يديه قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته. قال الهيثمي في المجمع : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَتَرْجَمَ لَهُ فَقَالَ : مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وقال السيوطي في فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين بالدعاء : رجال ثقات .
- قال العلامة المباركفوري رحمه الله:
واستدلوا [ أي الجمهور على الرفع ] أيضا : - بعموم أحاديث رفع اليدين في الدعاء،
قالوا : إن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة مستحب مرغب فيه - وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بعد الصلاة المكتوبة - وأن رفع اليدين من آداب الدعاء.
وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في كثير من الدعاء، وأنه لم يثبت المنع عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة .... ثم ذكر جملة من الأحاديث، ومنها:
- حديث عائشة : أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول : اللهم إنما أنا بشر الحديث ، وهو صحيح الإسناد.
- ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف يعني البخاري في جزء رفع اليدين : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان.
..... قلت: وفي رفع اليدين في الدعاء رسالة للسيوطي سماها فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء.
واستدلوا أيضا : بحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال : أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فقال :
يا رسول الله ، هلكت الماشية ، هلك العيال ، هلك الناس ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون ، الحديث ، رواه البخاري.
قالوا : هذا الرفع هكذا ، وإن كان في دعاء الاستسقاء ، لكنه ليس مختصا به، ولذلك استدل البخاري في كتاب الدعوات بهذا الحديث على جواز رفع اليدين في مطلق الدعاء .
قلت: القول الراجح عندي أن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة جائز لو فعله أحد لا بأس عليه إن شاء الله تعالى ، والله تعالى أعلم. انتهى من (تحفة الأحوذي-2/172).
- قال الونشريسي في ( المعيار المعرب ) :
قال في ( العتبية ) : قال مالك : رأيت عامر بن عبد الله يرفع يديه وهو جالس بعد الصلاة يدعو.
فقيل لمالك : أترى بذلك بأسًا ؟ قال : لا أري به بأسًا ولا يرفعها جدًا .
قال ابن رشد : إجازة مالك في هذه الرواية لرفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة نحو قوله في المدونة، لأن خاتمة الصلاة موضع الدعاء. انتهى من ( المعيار المعرب : 1 / 282 ).
- وقال العلامة الشريف صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله-في كتابه: “نزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار”(ص:73) :
والحاصل أن رفع اليدين في الدعاء، أيّ دعاء كان، وفي أي وقت كان، بعد الصلوات الخمس أو غيرها،
أدب من أحسن الآداب، دلَّت عليه الأحاديث عموماً وخصوصاً،
ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع في الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوماً لجميعهم، فلم يعتنوا بذكره في هذا الحين. انتهى.
- وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه : فإن كان على وجه جماعي، بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك.
وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة ، مثل الاستغفار ثلاثاً فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء، ومثل قول:
"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول : "رب أجرني من النار سبع مرات" بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به السنة.
أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل السلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حين ذكر التشهد:
"ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو". (رواه البخاري)، ولأنه في الصلاة يناجي ربه فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف.
وإن دعا بعد السلام فلا حرج لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك سنة راتبة فيلحقه بالوارد،
لما سبق في أول الجواب من أن العبادات تتوقف على الوارد عن الشارع في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها. انتهى من (مجموع فتاوى العثيمين - ج (13)).
- وسئل العلامة ربيع المدخلى حفظه الله كما في “مجموع كتبه ورسائله وفتاويه”(15/486) هذا السؤال :
هل من يرفع يديه بعد الصلاة يحكم عليه بالبدعة؟
فأجاب :
لا نستطيع أن نعد ذلك من البدع، رفع اليدين بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة بالدعاء لا نستطيع أن نحكم على صاحبه بالبدعة،
لأنه عنده عمومات، بل عنده بعض الأحاديث، والغالب في الدعاء رفع اليدين، رفع اليدين بالدعاء ثابت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا رفع الإنسان يديه، يعني : نعلمه أولاً فقط أنك رفعت يديك بالدعاء إثر المكتوبة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
فإذا لم يقبل فما نستطيع أن نحكم عليه بالبدعة، لأنه كما قلنا هناك أدلة، يعني :
وردت في كثير من المواطن، بل وصلت إلى حد التواتر يرفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حينما يدعو. انتهى.
ينظر: (تحفة الأحوذي- للمباركفوري (2/172)).
اقرأ أيضا : رفع اليدين في الدعاء بين الأذان والإقامة
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق