القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الدعاء بعد الصلاة المفروضة مشروع لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو قبل السلام وبعد السلام فيُستحب للمصلي إذا فرغ من صلاته ثم أتى بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة فله أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء منفردا كلٌ لوحده والأصل أن يرفع الداعي يديه حال دعائه تضرعاً إلى ربه واستجداء لنواله وإظهاراً للذلوا والانكسار والفقر إليه سبحانه وتعالى فرفع اليدين من أداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته فعموم الأدلة ومطلقاتها تشمل الفريضة حتى يقوم دليل على تخصيصها .

ولا يخرج عن هذا الأصل ويترك إلا في الحالات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم على الدعاء فيها في ملأ من الناس ولم ينقل عنه أنه رفع يديه فيها كالدعاء أثناء الصلاة وفي خطبة الجمعة في غير الاستسقاء أما ما سوى ذلك من الدعاء فرفع اليدين فيه مشروع .

وقد بوب البخاري بذلك قال : " باب الدعاء بعد الصلاة "

 قال الحافظ في الفتح أي : المكتوبة. وفي هذه الترجمة رد على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع، متمسكاً بالحديث الذي أخرجه مسلم من رواية عبد الله بن الحارث عن عائشة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يتثبت إلا قدر ما يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذ الجلال والإكرام.

والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالساً على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر فقد ثبت أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه. فيحتمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه .

ثم نقل الحافظ كلام ابن القيم في الهدي والذي فهم منه بعض أهل العلم أنه ينفي فيه مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً، 

ثم ذكر الحافظ عقب ذلك أن دعوى نفي مشروعية الدعاء بعد الصلاة مطلقاً مردودة وساق بعض ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كحديث:

1- معاذ بن جبل حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول : "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم.

2- وحديث زيد بن أرقم :" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر كل صلاة :"اللهم ربنا ورب كل شيء ". الحديث أخرجه أبو داود والنسائي.

3- وحديث صهيب رفعه : كان يقول إذا انصرف من الصلاة :" اللهم أصلح لي ديني …". الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان.

4- عن البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ( كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ : فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ  عِبَادَكَ ). رواه مسلم

وهو صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بعد السلام من صلاته وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله عز وجل ـ كقبله.

ثم قال : 

فإن قيل المراد بدبر كل صلاة قرب آخرها وهو التشهد.

 قلنا :

 قد ورد الأمر بالذكر دبر كل صلاة والمراد به بعد الصلاة إجماعاً فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه. وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال : "جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة". فهذا الحديث صريح في أن دبر المكتوبات من مواطن الدعاء.

وقال شيخ الاسلام :

وأما حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة، فهذا يجب أن لا يخص ما بعد السلام بل لا بد أن يتناول ما قبل السلام. 

وإن قيل إنه يعم ما قبل السلام وما بعده لكن ذلك لا يستلزم أن يكون دعاء الإمام والمأموم جميعا بعد السلام سنة، كما لا يلزم مثل ذلك قبل السلام بل إذا دعا كل واحد وحده بعد السلام فهذا لا يخالف السنة .اه (مجموع الفتاوى 22 / (500))

وذهب جماعة من الفقهاء إلى أن المراد به بعد انقضاء الصلاة وقالوا : إن الدعاء بعد الصلاة مستحب والدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة ، ثم ذكر الحافظ أن حاصل كلام ابن القيم يفيد أن ما نفاه من مشروعية الدعاء بعد الصلاة مقيد باستمرار استقبال المصلي القبلة وإيراده له بعد السلام. وأما إذا انتقل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمتنع عنده الإتيان بالدعاء حينئذ. انتهى كلام الحافظ مختصراً.

وهو كما قال الحافظ 

فإن ابن القيم بعد ما نفى مشروعية الدعاء بعد الصلاة قال : " إلا أن هنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة ، فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسوله  استجيب له عقيب ذلك ، كما في حديث فضالة بن عبيد :" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ " . قال الترمذي : حديث صحيح . اهـ

("زاد المعاد" (1/258))  

والذي يظهر أنه يراد بالدبر قبل السلام وبعده فقد صح عن النبي  أنه كان يدعو قبل السلام وصح عنه أنه ندب إلى الذكر دبر كل صلاة ، والمراد به بعد السلام إجماعا . والذكر نوع دعاء فهو دعاء ثناء وتمجيد 

 ولهذا بوب البخاري - في صحيحه ( باب الدعاء بعد السلام ) أورد تحته حديث أبي هريرة في التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له .

صحيح البخاري : 4 / 102 ) 

وقال ابن العربي المالكي -:

والدعاء ذكر والذكر دعاء  فكما قال :  أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ  ،كذلك من قال :سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة غفرت ذنوبه ، وكلاهما خبران صحيحان وقد دعا النبي ربه وذكره وكلا المقامين عظيمان. اهـ

( عارضة الأحوذي : 11 / 47) .

وبالجملة فإن الدعاء بعد الصلاة مشروع إلا أنه كغيره من السنن لا بأس أن يفعل تارة ويترك تارة أخرى لئلا يظنه الجاهل واجباً لا بد منه بعد الصلاة .اه

وروى ابن أبي شيبة ـ رحمه الله

في “مصنفه”(3033) فقال :

حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة قال : (( كَانَ أَبُو مُوسَى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )). وإسناده حسن.

وهو صريح في أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يدعو بعد الفراغ من صلاته وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله عز وجل ـ كقبله.

كما أن جملة من الأذكار التي تقال بعد السلام قد جاءت في الأحاديث الثابتة بلفظ : ( دُبر كل صلاة ). وقد حملها العلماء جميعاً على ما بعد السلام، فتعامل الأدعية التي جاء فيها : (( دبر كل صلاة )) نفس معاملتها، حتى يخرجها دليل صحيح صريح.

قال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في “شرح سنن النسائي”(15/385 رقم:1347) :

وأما تأويل قوله : (( دبر الصلاة )) بأنه قبل السلام، لأن دبر الحيوان منه، فغير مُسَلَّم، لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم الأذكار والدعوات، وأمرهم أن يجعلوها دبر كل صلاة، فلا يصح حمل بعضها على ما قبل السلام كالدعوات، وبعضها على بعده كالتسبيح وقراء آية الكرسي، إذ لا دليل على التفريق، ولا سيما وبعضها فيه التصريح بأنه بعد السلام .اهـ

- ومن أقوال الحنفية :

في البحر الرائق لأبن نجيم 1/349 :

 وعن أبي إمامة قال قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال : جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات. رواه الترمذي وحسنه

والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها وقد يراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يلي وقت الخروج ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه وأولى باستحبابه .اه

من أقوال المالكية :

في مواهب الجليل 2/126 : 

( ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: اسمع الدعاء جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات ). اه

وفي المدخل لابن الحاج 2/280 :

 ( والسنة الماضية ألا يترك الذكر والدعاء عقيب الصلاة ... ) اه

من أقوال الشافعية :

قال الإمام الشافعي في الأم 1/241 :

 (وأستحب للمصلي منفردا وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة ). اه

وقال الإمام النووي في المجموع 3/448 :

 ( اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام ، ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره ، ويستحب أن يدعو أيضا بعد السلام بالاتفاق وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب الأذكار ). اه

وقال أيضا في المجموع أيضا 3/452 :

 ( قد ذكرنا استحباب الذكر والدعاء للامام والمأموم والمنفرد وهو مستحب عقب كل الصلوات بلا خلاف وأما ما اعتاده الناس أو كثير منهم من تخصيص دعاء الإمام بصلاتي الصبح والعصر فلا أصل له). اه

من أقوال الحنابلة :

في المغني لابن قدامة 1/630 :

 (فصل : الدعاء والذكر عقيب الصلاة : ويستحب ذكر الله والدعاء عقيب سلامه ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر ). اه

وفي الشرح الكبير 1/629 :

 (فصل : ويستحب ذكر الله تعالى والدعاء عقيب الصلاة والاستغفار كما ورد في الأخبار ). اه

وقال في الرعاية الكبرى : ويدعو كل مصل عقيب كل صلاة سرا ). اه

قال عبد الرزاق الصنعاني ـ رحمه الله ـ في “مصنفه”(3645) : عن معمرٍ عن قتادة في قوله تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ } قال : (( إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلَاتِكَ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ )). وإسناده صحيح.

وقال الحافظ ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ في “تفسيره”(24/498) : حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } قال : (( أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه )). وإسناده حسن أو صحيح . اه

وقال القاضي بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه “تصحيح الدعاء”(ص:430) :

المطلب الأول :

 الأذكار المشروعة بعد الصلاة..

ثم بعد الذكر يشرع في الأدعية التي دَلَّ عليها مجمل قول الله تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ }، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (( فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك )) كما في تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل .اهـ

وقال الإمام ابن باز رحمه الله :

 أن الدعاء في دبر الصلاة أمر مشروع وأفضله ما كان قبل السلام، وإن دعا بعد السلام وبعد الذكر بينه وبين نفسه فلا بأس، قد جاء في رواية مسلم من حديث علي ما يدل على شريعة الدعاء أيضًا بعد السلام : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، أو قال : أنت إلهي لا إله إلا أنت. فإذا دعا بينه وبين نفسه بعض الدعوات بعد الذكر وبعد السلام فلا حرج في ذلك،

لكن يبدأ أولًا حين يسلم في الفريضة أستغفر الله ثلاثًا اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم يذكر الله يقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد فإذا دعا بعد هذا بما تيسر كله طيب ولا حرج في ذلك والحمد لله، نعم .اه


وقال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ سلمه الله ـ في “شرح سنن النسائي”(15/382 عند حديث رقم :1347) :

وهذه الدعوات وإن كانت محتملة لأن تكون قبل السلام، لكن الظاهر كونها بعد السلام، كما هو رأي المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ، فإنه أوردها لذلك، وقد تبع في هذا الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث إنه عقد في “صحيحه” في كتاب “الدعوات” باباً للدعاء في الصلاة، وباباً للدعاء بعد الصلاة .اهـ

وقال أيضاً (15/ 385 عند حديث رقم:1347) :

والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاري والنسائي .اهـ

فإذا علمت 

مشروعية الدعاء بعد الصلاة على الصورة المتقدمة فاعلم أن الأصل أن يرفع الداعي يديه حال دعائه على وجه انفرادى بعد الفراغ من الذكر المشروع تضرعاً إلى ربه واستجداء لنواله وإظهاراً للذل والانكسار والفقر إليه سبحانه وتعالى لأن رفع اليدين فى الدعاء من أداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته وأن عدم العلم بالشيء لا يقتضي العلم بالعدم فالأصل المقرر هو أن رفع اليدين من آداب الدعاء عموماً ولا يخرج عن هذا العموم إلا بدليل .

وتقرر في الأصول أن الآية أو الحديث إذا شملت بعمومها أمرا دل اشتمالها على أنه مشروع وجائز، وفي الحديث : (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب..) .وحديث : (إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين)، وهذا الحديث يدل على جواز رفع اليدين في الدعاء مطلقا وفي أي وقت طالما لم يرد نهي عنه في وقت أو وضع أو مكان معين. 

وذكر السيوطي في رسالته فض الوعاء عن محمد بن يحيى الأسلمي قال : رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلا رافعا يديه قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاتهقال رجاله ثقات قلت: وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني وترجم له فقال محمد بن يحيى الأسلمي عن عبد الله بن الزبير ورجاله ثقات. انتهى

 و
في ذلك أحاديث كثيرة منها :

1 - حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما وفيه : " فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ ثم رفع يديه ثم قال: "اللهم اغفر لعبيد أبي عامر حتى رأيت بياض إبطيه…" 

2 - ومنها ما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في قصة خالد وأمره لأصحابه أن يقتل كل واحد منهم أسيره فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رفع يديه فقال : "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" مرتين.

وقد بوب البخاري أيضاً لهذه المسألة فقال : "باب رفع الأيدي في الدعاء" وأشار ضمن هذه الترجمة لهذين الحديثين وغيرهما.

 قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" : وفي الحديث الأول ردّ من قال لا يرفع كذا إلا في الاستسقاء ، بل فيه وفي الذي بعده رد على من قال لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء أصلا ، وتمسك بحديث أنس " لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء " وهو صحيح ، لكن جمع بينه وبين أحاديث الباب وما في معناها بأن المنفي صفة خاصة لا أصل الرفع، ورفع اليدين في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلا، وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ، ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما "حتى يرى بياض إبطيه" بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره ، وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض، وفي الدعاء يليان السماء.

 قال المنذري : (وبتقدير تعذر الجمع، فجانب الإثبات أرجح) . ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك ، فإن فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في " الأذكار " وفي " شرح المهذب " جملة . 

3 - وعقد لها البخاري أيضا في " الأدب المفرد " بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه " قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن دوسا عصت فادع الله عليها ، فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال : اللهم اهد دوسا " وهو في الصحيحين دون قوله " ورفع يديه " 

4 - وحديث جابر " أن الطفيل بن عمرو هاجر " فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه " فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم وليديه فاغفر ورفع يديه " وسنده صحيح , وأخرجه مسلم . 

5 - وحديث عائشة رضي الله عنها أنها " رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول : اللهم إنما أنا بشر " الحديث، وهو صحيح الإسناد . 

6 - ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف في " جزء رفع اليدين " : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان "، 

7 - ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف " فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو "، 

8 - وعنده في حديث عائشة رضي الله عنها في الكسوف أيضا"ثم رفع يديه يدعو " 

9 - وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع " فرفع يديه ثلات مرات " الحديث 

 10 - ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة " فرفع يديه وجعل يدعو " 

11 - وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية " ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول : اللهم هل بلغت " 

12 - ومن حديث عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال : اللهم أمتي " 

13 - وفي حديث عمر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل ، فأنزل الله عليه يوما ، ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا " الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم ، 

14 - وفي حديث أسامة " كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو ، فمالت به ناقته فسقط خطامها ، فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى " أخرجه النسائي بسند جيد ، 

15 - وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود " ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول : اللهم صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة " الحديث وسنده جيد . والأحاديث في ذلك كثيرة .

وأما ما أخرجه مسلم من حديث عمارة بن رُوَيبة أنه " رأى بشر بن مروان يرفع يديه ، فأنكر ذلك وقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يزيد على هذا يشير بالسبابة " فقد حكى الطبري عن بعض السلف أنه أخذ بظاهره وقال : السنة أن الداعي يشير بإصبع واحدة ، ورده بأنه إنما ورد في الخطيب حال الخطبة ، وهو ظاهر في سياق الحديث، فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيتها ، 

16 - وقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه وغيرهما من حديث سلمان رفعه " إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفرا ". أي خالية وسنده جيد .انتهى من فتح الباري بلفظه

هذا وإنَّ رفع اليدَيْن في دعاء خطبة الجمعة ليس أمرًا منهيًّا عنه بل هو جائز واستحبَّه العلماءُ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في دعاء خطبة الجمعة، وقد بوَّب له الإمام البخاري تحت عنوان : باب رفع اليدين في الخطبة، وحديث الباب : بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلك الكراع (جماعة الخيل)، وهلك الشاء، فادعُ الله أن يسقينا، فمدَّ يديه ودعا. انظر : "فتح الباري شرح صحيح البخاري" ج 3 ص 78.

قال الونشريسي في ( المعيار المعرب ) : 

قال في ( العتبية ) : 

قال مالك : رأيت عامر بن عبد الله يرفع يديه وهو جالس بعد الصلاة يدعو  فقيل لمالك : أترى بذلك بأسًا ؟ قال : لا أري به بأسًا ولا يرفعها جدًا .

قال ابن رشد :

إجازة مالك في هذه الرواية لرفع اليدين في الدعاء عند خاتمة الصلاة نحو قوله في المدونة لأن خاتمة الصلاة موضع الدعاء .اهـ 

( المعيار المعرب : 1 / 282 ) .

- وقال المباركفوري في

 ( تحفة الأحوذي ) :

 قلت :

القول الراجح عندي أن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة جائز لو فعله أحد لا بأس عليه إن شاء الله تعالى . والله تعالى أعلم

(تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي : 2 / 202 ) .

- وقال أيضا المباركفوري في التحفة2/172 :

واستدلوا [ أي الجمهور على الرفع ] أيضا - بعموم أحاديث رفع اليدين في الدعاء قالوا إن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة مستحب مرغب فيه - وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بعد الصلاة المكتوبة - وأن رفع اليدين من آداب الدعاء

وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
 رفع اليدين في كثير من الدعاء وأنه لم يثبت المنع عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة. انتهى

وقال الإمام القُرطبي :‏ 

والدعاء حسن كيفما تيسَّر، وهو المطلوب من الإنسان؛ لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه - عزَّ وجلَّ - والتذلُّل له أو الخضوع، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن، وإن شاء فلا؛ فقد فَعَل ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حسبما ورد في الأحاديث، وقد قال الله تعالى : ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾. [الأعراف: 55].

ولَم ترد صفة رفع اليَدَين وغيرهما، وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾. [آل عمران: 191]، فمدحهم ولم يشترطْ حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم الجمعة، وهو غير مستقبل القبلة.‏ اه

 "تفسير القرطبى ج 7 ص 255 "

وقال العلامة الشريف صديق حسن القَنوجي البخاري الهندي ـ رحمه الله ـ في رسالة له طبعت في كتابه “دليل الطالب على أرجح المطالب”(ص:525-526) بعنوان : “الفاكهة العريضة في جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الفريضة”:

رفع اليدين في الدعاء ثابت بكل من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله مطلقاً، لا مقيداً بالفريضة لا نفياً ولا إثباتاً، فعموم الأدلة ومطلقاتها تشمل الفريضة حتى يقوم دليل على تخصيصها .اهـ

وقال في كتابه: “نزل الأبرار بالعلم بالمأثور من الأدعية والأذكار”(ص:73) :

والحاصل أن رفع اليدين في الدعاء، أيّ دعاء كان، وفي أي وقت كان، بعد الصلوات الخمس أو غيرها، أدب من أحسن الآداب، دلَّت عليه الأحاديث عموماً وخصوصاً، ولا يضر ثبوت هذا الأدب عدم رواية الرفع في الدعاء بعد الصلاة، لأنه كان معلوماً لجميعهم، فلم يعتنوا بذكره في هذا الحين .اهـ

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي، بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك.

 وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء ومثل قول : "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول : "رب أجرني من النار سبع مرات" بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به السنة.

 أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل السلام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه حين ذكر التشهد : "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو" .(رواه البخاري)، ولأنه في الصلاة يناجي ربه فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف.

 وإن دعا بعد السلام فلا حرج لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك سنة راتبة فيلحقه بالوارد لما سبق في أول الجواب من أن العبادات تتوقف على الوارد عن الشارع في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها .اه (مجموع فتاوى العثيمين - ج (13))

وسئل العلامة ربيع المدخلى حفظه الله كما في “مجموع كتبه ورسائله وفتاويه”(15/486) هذا السؤال :

هل من يرفع يديه بعد الصلاة يحكم عليه بالبدعة؟

فأجاب :

لا نستطيع أن نعد ذلك من البدع، رفع اليدين بعد الفراغ من الصلاة المكتوبة بالدعاء لا نستطيع أن نحكم على صاحبه بالبدعة، لأنه عنده عمومات، بل عنده بعض الأحاديث، والغالب في الدعاء رفع اليدين، رفع اليدين بالدعاء ثابت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فإذا رفع الإنسان يديه، يعني : نعلمه أولاً فقط أنك رفعت يديك بالدعاء إثر المكتوبة، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يقبل فما نستطيع أن نحكم عليه بالبدعة، لأنه كما قلنا هناك أدلة، يعني : وردت في كثير من المواطن، بل وصلت إلى حد التواتر يرفع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حينما يدعو .اهـ 


والله اعلم


وللمزيد..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات