لا يجوز فتح القبر وإدخال ميت على آخر ما دام به صاحبه لم يصر ترابا لما فيه من هتك لحرمة الميت إلا لسبب شرعي وأما إذا صار تراباً جاز فتح قبره ودفن غيره فيه .
ودليل ذلك :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كسر عظم الميت ككسره حيا . ((صحيح سنن أبي داود)) (3207). فكل ما لا يليق بالميت في حال حياته لا يفعل به بعد مماته إلا ما أذن الشرع فيه .
قال ابن حجر في الفتح في شرحه لهذا الحديث : يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته . انتهى
قال ابن الحاجِّ المالكي رحمه الله :
العلماءُ رحمةُ الله عليهم قد اتَّفَقوا على أنَّ الموضِعَ الذي دُفِنَ فيه المسلمُ وَقْفٌ عليه ما دام منه شيءٌ ما موجودًا فيه حتى يفنى؛ فإذا فَنِيَ حينئذ يُدْفَن غيرُه فيه،
فإنْ بَقِيَ شيءٌ ما مِن عِظامِه فالحُرْمَةُ قائمةٌ كجَميعِه . انتهى من (المدخل)) (2/18).
وقال ابن حجر في شرحه تحفة المحتاج :
يحرم إدخال ميت على آخر، وإن اتحدا قبل بلى جميعه ... ويرجع فيه لأهل الخبرة بالأرض .
ولو وجد عظمة قبل كمال الحفر، طمَّه وجوبًا، ما لم يحتج إليه، أو بعده، نحَّاه، ودفن الآخر، فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه، فظاهر قولهم : (نحَّاه) حرمة الدفن هنا حيث لا حاجة . اهـ.
قال في أسنى المطالب :
يحرم نبش القبر قبل البِلى عند أهل الخبرة بتلك الأرض، لهتك حرمة الميت، فإن بلي، بأن انمحق جسمه وعظمه وصار تراباً، جاز نبش قبره ودفن غيره فيه . انتهى
وفي " حاشية الشرواني على تحفة المحتاج " (3/173) :
[ قال ابن حجر : "وَيَحْرُمُ أَيْضًا إدْخَالُ مَيِّتٍ عَلَى آخَرَ ، وَإِنْ اتَّحَدَا [ يعني : اتحدا في الجنس ، كما لو كانا رجلين أو امرأتين ] قَبْلَ بِلَى جَمِيعِهِ" .
قال الشرواني : "وَمَحَلُّ تَحْرِيمِهِ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ ؛ وَأَمَّا عِنْدَهَا : فَيَجُوزُ ، كَمَا فِي الِابْتِدَاء]. اهـ.
قال الإمام النووي رحمه الله :
لا يجوز أن يُدفن ميت في موضع ميت حتى يبلى الأول، بحيث لا يبقى منه شيء لا لحم ولا عظم . انتهى من ("المجموع شرح المهذب" (5/ 284)).
وقال أيضا رحمه الله :
وأما نبش القبر، فلا يجوز لغير سبب شرعي باتفاق الأصحاب، ويجوز بالأسباب الشرعية...
ومختصره أنه يجوز نبش القبر إذا بلي وصار تراباً، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض، وسائر وجوه الانتفاع...
إلى أن قال : وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره، إلا أنه إذا دعت ضرورة لإدخال ميت على آخر قبل بلاء الأول جاز . انتهى من ( "المجموع" (5 / 273) )
وسئل الشيخ الألباني رحمه لله :
هل يجوز فتح قبر قديم لدفن آخر فوقه؟
فأجاب :
إذا كان قد صار رميماً يجوز وإلا فلا، إذا صار تراباً جاز وإلا فلا .
مداخلة : المدة كم؟
الشيخ :
المُدَّة بارك الله فيك تختلف باختلاف الأراضي، فبعض الأراضي تجعل الفساد يسري بسرعة إلى الجثة، وبعضها تكون أراضي ناشفة تحتفظ الجثة إلى أمد بعيد. فهذه أمور لا تعرف إلا بالتجربة, وكما قيل: أهل مكة أدرى بشعابها وصاحب الدار بما فيها فكل أهل قرية بالتجربة يعرفون هذا . انتهى باختصار من (الهدى والنور / ٣١٧/ ٤٠: ١٦: ٠٠)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
كلُّ إنسانٍ يُقْبَر وحده، إلا إذا وقعت كارثةٌ أو وقعت مصيبةٌ وكثر الموتى؛ فلا مانع أن يُجمع اثنان وثلاثة في قبرٍ واحدٍ عند الضَّرورة وعند الحاجة، كما جرى يوم أحدٍ لما كثر القتلى، والمسلمون فيهم جراحات، ويخافون من شرِّ العدو؛ فلذلك دفنوا الاثنين والثلاثة في قبرٍ واحدٍ، وكان النبيُّ ﷺ يُقدِّم أفضلَهم إلى القبلة - عليه الصلاة والسلام-.
أما إذا كان الناسُ في أمنٍ وعافيةٍ فالواجب أن يُجعل كلُّ واحدٍ في قبرٍ، ولا يُجعل معه غيره، والأراضي موجودة.
وإذا ضاقت الأمور، وكانوا في بلدٍ ضيقٍ، ولا توجد فيه أرضٍ؛ جاز لهم أن يدفنوا الجماعة . انتهى من (فتاوى الدروس)
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق