الزوجة الرجعية :
هى زوجة لها حكم الزوجات فتعتد في بيت زوجها وتجب لها النفقة ويلزمها طاعته ويجوز لها أن تكشف له وجهها وأن تتطيب له وأن تخرج معه وتأكل معه وتفعل كل ما يجوز للزوجة مع زوجها إلا في القَسْم فلا قَسْم لها لأنها انفصلت عنه ولا يجوز للرجعية أن تخرج من بيت زوجها وتعتد في بيت أهلها إلا لعذر مبيح .
قال الله تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }. [الطلاق/1].
ولصحة رجعة المطلقة الرجعية لزوجها شروط وهى :
1- أن تكون الرجعة للمرأة بعد طلقة أو طلقتين .
قال الله تعالى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. [البقرة: 229]
قال ابنُ تَيميَّةَ رحمه الله : الطَّلاقُ ثلاثةُ أنواعٍ باتِّفاقِ المُسلِمينِ : الطَّلاقُ الرَّجعيُّ : وهو الذي يمكِنُه أن يَرتجِعَها فيه بغيرِ اختيارِها . انتهى من ((الفتاوى الكبرى)) (3/278).
2- أن تحصل الرجعة للزوجة المدخول بها ولا رجعة لغير المدخول بها .
قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. [الأحزاب: 49]
قال ابنُ حزم رحمه الله : أجمعوا أنَّ التي طُلِّقَت ولم تكن وُطِئَت في ذلك النِّكاحِ ولا طالت صُحبتُه لها بعد دُخولِه بها، ولا طَلَّقَها في مرَضِه : فلا عِدَّةَ عليها أصلًا، وأنَّ لها أن تَنكِحَ حينئذٍ مَن يحِلُّ له نِكاحُها إن أحَبَّت، وكانت ممَّن لها الخيارُ، ولا رَجَعَت للمُطَلِّقِ عليها إلَّا كالأجنبيِّ . انتهى من ((مراتب الإجماع)) (ص: 76).
3- أن الرجعة لا تكون إلا في العدة .
قال الله تعالى : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. [البقرة: 231].
فالمرادُ بالإمساكِ الرَّجعةُ، والمعنى : إذا قارَبْنَ بلوغَ أجَلِهنَّ، أي : انقِضاءَ عِدَّتِهنَّ . ينظر : ((المغني)) لابن قدامة (7/515).
قال ابنُ عبدِ البَرِّ رحمه الله : الأجَلُ لو انقضى، وهو انقِضاءُ العِدَّةِ، لم يجُزْ «لهم» إمساكُهنَّ، وهذا إجماعٌ لا خِلافَ فيه . انتهى من ((التمهيد)) (10/63).
4- يشترط في الرجعة ألا يكون الطلاق بعوض فالعوض في الطلاق إنما جعل لتفتدي به المرأة نفسها من الزوج ولا يحصل ذلك مع ثبوت الرجعة فإن كان على عوض فهي بائن.
ومن ذلك قولُه تعالى : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ. [البقرة: 229].
أنَّ اللهَ تعالى أذِنَ به وسَمَّاه فِديةً، فكان بَيِّنًا في كتابِ اللهِ تعالى إذ أحَلَّ له أخذَ المالِ : أنَّه إذا ملَكَ مالًا عِوَضًا مِن شَيءٍ لم يَجُزْ أن يكونَ له على ما مَلَك به المالَ سَبيلٌ، والمالُ هو عِوَضٌ مِن بُضعِ المرأةِ، فلو كان له عليها فيه رَجعةٌ كان مَلَك مالَها ولم تَملِكْ نَفسَها دونَه . ينظر : ((الأم)) للشافعي (5/275).
قال ابنُ قدامة رحمه الله : أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ الحُرَّ إذا طلَّق الحُرَّةَ بعد دخولِه بها أقَلَّ مِن ثلاثٍ، بغيرِ عِوَضٍ ولا أمرٍ يقتضي بينونَتَها : فله عليها الرَّجعةُ ما كانت في عِدَّتِها، وعلى أنَّه لا رجعةَ له عليها بعد قَضاءِ عِدَّتِها . انتهى من ((المغني)) (7/519).
5- لا يشترط إعلام الزوجة بالرجعة فإن راجعها الزوج دون علمها صحت الرجعة وإن كان الأفضل إعلامها بذلك .
وذلك لأن الرجعة إمساك للمرأة بحكم الزوجية فلا يعتبر فيها شيء كالإعلام ونحوه. ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343).
قال ابنُ قدامة رحمه الله : الرَّجعةُ لا تفتَقِرُ إلى وليٍّ، ولا صَداقٍ، ولا رِضا المرأةِ، ولا عِلمِها: بإجماعِ أهلِ العِلمِ . انتهى من ((المغني)) (7/522).
6- لا يشترط في الرجعة رضا الزوجة فللزوج ارتجاع زوجته شاءت أم أبت .
ومن ذلك قولُ الله تعالى : وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ. [البقرة: 228]
قال العيني رحمه الله : « إذا طَلَّق الرجُلُ امرأتَه تطليقةً رَجعيَّةً أو تطليقتينِ، فله أن يراجِعَها في عِدَّتِها، رَضِيَت بذلك أو لم تَرْضَ »... وهذا بإجماعِ أهلِ العِلمِ . انتهى من ((البناية)) (5/455).
7- تصح الرجعة بلا ولي لأن الله تعالى سمى الرجعة إمساكا؛ فدل على عدم اعتبار رضا الولي . ينظر : ((المغني)) لابن قدامة (7/522)
قال الله تعالى : فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. [الطلاق: 2]
وذلك أنَّ الله تعالى سمَّى الرَّجعةَ إمساكًا؛ فدَلَّ على عدَمِ اعتبارِ رِضا الوليِّ . ينظر : ((المغني)) لابن قدامة (7/522).
قال البهوتي رحمه الله : «وليس مِن شَرطِها» أي : الرَّجعةِ «الإشهادُ» عليها؛ لأنَّها لا تفتَقِرُ إلى قَبولٍ، كسائر حقوقِ الزَّوجِ، وكذا لا تفتَقِرُ إلى وليٍّ ولا صداقٍ، ولا رضا المرأةِ -كما مَرَّ- ولا عِلمِها : إجماعًا . انتهى من ((شرح منتهى الإرادات)) (3/148).
8- تصح الرجعة من الرجل بالقول، مثل قوله لامرأته : قد راجعتك، أو قد راجعت امرأتي . ينظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/478).
9- تحصل الرجعة بالجماع حتى ولو لم ينو لأن الرجعية زوجة شرعا داخلة تحت قوله تعالى : إلا على أزواجهم. ولا يشترط النية في لمس الزوجة وتقبيلها ووطئها إجماعا. ينظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/267).
10- ينتهي وقت الرجعة بانتهاء العدة والعدة تكون بثلاث حيض أو بعد ثلاثة أشهر فإن انتهت فلابد من عقد جديد برضاها وأوليائها كأنه أجنبي إذا خرجت من العدة وذلك لكي يرجعها .
فائدة : إذا اختلفَ الزَّوجانِ في حُصولِ الرَّجعةِ قبلَ انقِضاءِ العِدَّةِ وأنكَرَت المرأةُ قَولَ الزَّوجِ بالرَّجعةِ؛ فالقَولُ قَولُ الرَّجُلِ وذلك لأنَّ الزَّوجَ ما زال يَملِكُ رَجْعَتَها، فصَحَّ إقرارُه بها . ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/348).
فائدة : إذا اختَلَف الزَّوجانِ في حُصولِ الرَّجعةِ بعدَ انقِضاءِ العِدَّةِ، وأنكَرَت المرأةُ قَولَ الزَّوجِ بالرَّجعةِ في العِدَّةِ؛ فالقَولُ قَولُ المرأةِ مع اليَمينِ .
قال ابنُ المنذر رحمه الله : أجمعوا كذلك أنَّ المطَلِّقَ إذا قال بعدَ انقضاء العِدَّةِ : إنِّي كنتُ راجعتُكِ في العِدَّةِ، وأنكرت المرأةُ : أنَّ القَولَ قَولُها مع يمينِها، ولا سبيلَ له إليها .انتهى من ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/380).
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
طلق زوجته طلقة واحدة، ومضى على ذلك ستة أشهر، فهل يجوز له رجوعها بعد ذلك؟ وما يجب عليه؟ وهل يحرم الرجوع، أم لا؟
الجواب :
إذا كان طلقها طلقة واحدة، فهذه تسمى رجعية، له مراجعتها ما دامت في العدة إذا كانت طلقة واحدة ما قبلها شيء، طلقة واحدة فقط، وقد دخل بها، خلا بها، أو جامعها؛ فهذه تسمى رجعية، فله أن يراجعها، ولو بعد ستة أشهر إذا كانت ما خرجت من العدة لكونها حاملًا، أو لأن الحيض قد تأخر عليها، ما جاءها الحيض ثلاث مرات؛ فله أن يراجعها .
فإن كانت قد حاضت ثلاث مرات، أو وضعت الحمل إن كانت حاملًا؛ حرمت عليه إلا بعقد جديد، يعني بملاك جديد، برضاها، وأوليائها، كأنه أجنبي، إذا خرجت من العدة؛ لم تحل له إلا بنكاح جديد، بشروطه المعتبرة شرعًا، كسائر الخاطبين من غيره .
أما ما دامت في العدة؛ لأنها حامل، لم تضع، أو لأن عدة الشهور وهي كبيرة السن، ما تحيض ما مضت، وهي ثلاثة أشهر، أو مضى عليها ستة أشهر، لكن الحيض تأخر عنها، لا يجيها إلا في الشهر مرة مثلًا، فتأخرت الحيضة الثالثة، فراجعها بعد ذلك؛ فلا بأس له أن يراجعها، ما دامت الحيضة الثالثة لم تنتهِ، ولم تغتسل منها .
السائل : تعد له طلقة؟
الشيخ : تحسب عليه طلقة . انتهى
من (فتاوى الجامع الكبير)
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق