المطلقة ثلاثًا إذا لم تكن حاملاً لا نفقة لها ولا سكنى على زوجها وعليها أن تعتد بثلاث حيض إن كانت ممن تحيض أو ثلاثة أشهر إن كانت أيست من الحيض أو وضع الحمل إن كانت حاملا .
والدليل :
عن فاطمة بنت قيس : أنه طلقها زوجها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أنفق عليها نفقة دون فلما رأت ذلك قالت : والله لأعلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لي نفقة أخذت الذي يصلحني، وإن لم تكن لي نفقة لم آخذ منه شيئا، قالت : فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : لا نفقة لك، ولا سكنى . (رواه مسلم (1480)). وفي رواية لأبي داود : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا ).
فالحديث نص صريح صحيح في أن البائن بالطلاق لا نفقة لها ولا سكنى فتعتد حيث شاءت .
قال ابن عبد البر رحمه الله :
" لأنه لو وجب السكنى عليها ، وكانت عبادة تعبدها الله بها ، لألزمها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرجها عن بيت زوجها إلى بيت أم شريك ، ولا إلى بيت ابن أم مكتوم ... وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس وقد طلقت طلاقا باتا : ( لا سكنى لك ولا نفقة وإنما السكنى والنفقة لمن عليها رجعة ) ؛ فأي شيء يعارَض به هذا ؟ هل يعارَض إلا بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو المبين عن الله مراده من كتابه . ولا شيء عنه عليه السلام يدفع ذلك ، ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله عز وجل : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ) من غيره " انتهى من ("التمهيد" (19/151)).
قال ابن القيم رحمه الله :
المطلقة البائن (غير الحامل) لا نفقة لها ولا سكنى بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، بل الموافقة لكتاب الله ، وهي مقتضى القياس ومذهب فقهاء الحديث .انتهى من (" إعلام الموقعين " (3/378)) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
حديث فاطمة بنت قيس القرشية الفهرية : أن زوجها أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو في اليمن؛ طلقها ثلاثا الطلقة الأخيرة، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فاشتكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : « ليس لك عليه نفقة ولا سكنى »، فدل ذلك على أن المرأة إذا طلقت طلقة أخيرة ثالثة بائنة لا يكون لها سكن ولا نفقة على زوجها، وإنما لها النفقة والسكنى إذا كانت رجعية له رجعتها؛ إذا طلقها واحدة أو اثنتين فله رجعتها، ولها النفقة حتى تعتد . انتهى من ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 638).
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
المطلقة ثلاث طلقات هذه ليس على زوجها نفقة لها هي ، لكن ينفق عليها من أجل الحمل ، وعلى هذا فما احتاجت إلى الإنفاق على الحمل : فيجب على زوجها أن يأتي به ، بعد الوضع يكون الإنفاق على الحمل خاصة ، يعني : أجرة الرضاع – حليب - وأيضاً ثياب الصبي ، وما شابه ذلك ، كل ذلك ، لكن طعام الأم بعد الوضع ليس عليه ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) الطلاق/6 .انتهى من (" لقاءات الباب المفتوح " (147/السؤال رقم 8)) .
المطلقة البائن بينونة كبرى أي المطلقة ثلاثا تعتد حيث شاءت ولا يجب عليها أن تبيت في بيت مطلقها .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
إذا طلقها الطلقة الثالثة فإن كان في البيت سواها بحيث لا يحصل خلوة بينها وبين زوجها المطلق، فلا بأس أن تبقى في البيت ولها أن تنتقل إلى أهلها،
وأما إذا لم يكن في البيت إلا الرجل الذي طلقها الطلقة الثالثة، فإنه يجب عليها أن تخرج؛ وذلك لأنها صارت بائنة منه لا تحل له، وعلى هذا لا يجوز له أن يخلو بها، فتخرج إلى بيت أهلها . انتهى من ((فتاوى نور على الدرب)) (10/434).
يجوز للمعتدة البائن بينونة كبرى الخروج من بيتها نهارا للحاجة ومن ذلك خروجها للدراسة أو العمل.
قال ابن جريج رحمه الله :
أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول : طلقت خالتي، فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : بلى، فجدي نخلك؛ فإنك عسى أن تصدقي، أو تفعلي معروفا. أخرجه مسلم (1483).
قوله : ( فجدي نخلك ) والجداد لا يكون إلا نهارا غالبا لذلك جاز خروجها نهارا .
قال الخطابي رحمه الله :
وجه استدلال أبي داود منه في أن للمعتدة من الطلاق أن تخرج بالنهار : هو أن النخل لا يجد عادة إلا نهارا، وقد نهي عن جداد الليل، ونخل الأنصار قريب من دورهم؛ فهي إذا خرجت بكرة للجداد رجعت إلى بيتها للمبيت، وهذا في المعتدة من التطليقات الثلاث . انتهى من ((معالم السنن)) (3/285).
وإليك بعض الأحكام
1- المتعة لا تجب إلا للمطلقة قبل الدخول التي لم يحدد لها مهر عند العقد لقوله تعالى : ( لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ). البقرة/236.
- فإن كان الطلاق بعد الدخول لم تجب لها المتعة عند جمهور الفقهاء، لكن يستحب له أن يعطيها المتعة ، بحسب حاله ، وما يقدر عليه .
2- إذا طلقها الطلقة الأولى أو الثانية ولم يرجعها حتى انقضت العدة وبانت بذلك، فإن لها النفقة أثناء العدة كما لو لم تكن مطلقة، وذلك لبقاء سلطان الزوج عليها وانحباسها تحت حكمه، حيث يمكنه أن يراجعها ما دامت العدة لم تنقض .
فإن انقضت العدة ولم يراجعها فقد بانت منه بينونة صغرى، وبذلك لا يلزمه لها لا نفقة ولا سكنى .
3- إذا كانت المطلقة هي الحاضنة فقد اختلف الفقهاء في سكنها هي : هل يلزم الأب ( والد المحضون )، أم يلزمها ويلزم من ينفق عليها، أم يكون مشتركا، يدفع أجرته الزوج والمطلقة، حسب اجتهاد الحاكم، أم : إن كان لها سكن، اكتفت به، وإن لم يكن لها سكن لزم الأب إسكانها؟ وهذا القول الأخير قول حسن . انظر : الموسوعة الفقهية (17/ 313)
4- إن كانت المطلقة هي الحاضنة لأولاده فلها المطالبة بأجر للحضانة ولو مع وجود متبرعة بالحضانة وهذا مذهب الحنابلة.
قال في منتهى الإرادات : وأمٌّ أولى ولو بأجرة مثلها ، كرضاع . انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/249).
5- حق المطلقة في الحضانة للمرأة المطلقة حق حضانة طفلها، ولها حق النفقة من أجله في الحولين. ولا يحق للزوج أن يأخذ ولدها منها، لقوله تعالى : ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ [البقرة: 233]. وهذا الحق هو من أكثر الحقوق التي تظلم فيها المطلقة من قبل الزوج، ومتى تم فطام الطفل، فللأم حق حضانته حتى يبلغ سبع سنين ما لم تتزوج الأم .
6- يلزم الزوج النفقة على أولاده ومن ذلك المسكن والمأكل والمشرب والملبس ومصاريف الدراسة والعلاج، وكل ما يحتاجون إليه وتقدر النفقة بالمعروف، ويراعى فيها حال الزوج؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ). الطلاق/7 .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق