">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

جواز مس المصحف والقراءة فيه بدون وضوء


مس المصحف والقراءة فيه بغير وضوء جائز على الصحيح إن شاء الله،

لأنه لا يوجد دليل صحيح ولا إجماع يمنع من مس المصحف والقراءة فيه بغير وضوء،

ومادام يجوز قراءة القرآن بلا وضوء فيجوز أيضا مسه بلا وضوء، والتفريق بينهما تفريق لا دليل عليه .

ولكن لا شك أن قراءة القرآن على طهارة هو الأولى والأفضل.

إذن إيجاب الطهارة لمس المصحف حكم تكليفى لابد له من نص صحيح صريح يحسم مادة الخلاف وليس فى نصوص الشريعة ما يثبت ذلك.

وهو مذهب ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي والضحاك وزيد بن علي والمؤيد بالله والهادوية وقاضي القضاة وداود وابن حزم والشوكاني والألباني.

ودليل ذلك :

1- قال النبي ﷺ : "إِنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَنْجَسُ". صحيح مسلم

فهذا الحديث أصل عظيم في طهارة بدن المسلم ولا ينجسُ في كل أحواله ولو كان جنباً أو كانت حائضاً .

قال الحافظ ابن حجر فى فتح الباري : أراد بذلك نفي هذا الوصف وهو النجس عن المسلم حقيقة ومجازاً. اهـ.

عن ‏عبد الله بن عباس : ‏أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ‏خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا : ألا ‏‏نأتيك بوضوء. فقال : ‏إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة. (صحيح النسائي رقم: 132).

فقوله : (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)يفيد قصر الواجب على الوضوء عند القيام إلى الصلاة ، فدل على أن ما سوى الصلاة لا يجب له الوضوء ؛ لأن إنما أداة تفيد القصر.

- كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه. (صحيح مسلم).

في الحديث دلالة على : جواز ذكر الله على كل حال من الأحوال سواء كان الذاكر طاهراً أم محدثاً أم جنباً،

وسواء كان المذكور تسبيحاً أو تحميداً أو تكبيراً أو تهليلاً أو استغفاراً أو قراءةً للقران ونحو ذلك من الأذكار .

- عن أبي مريم الحنفي : أن عمر قرأ بعد الحدث فقال له أبو مريم الحنفي : إنك خرجت من الخلاء ، فقال له : أمسيلمة أفتاك بهذا؟!. (مصنف بن أبي شيبة- صحح اسناده ابن حجر فى الإصابة رقم: 1/117 ) 

فمادام النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه فقد يذكر الله وهو على غير طهارة،

ومادام يجوز قراءة القرآن بلا وضوء فيجوز أيضا مسه بلا وضوء، والتفريق بينهما تفريق لا دليل عليه .

أما إستدلال المانعين
 
بعموم قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ).

 فليس بصواب - والله أعلم - ذلك أن الآية مرتبطة بما قبلها فإن الله تبارك وتعالى قال في سياق الآيات : (إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ).

فالذي في الكتاب المكنون هو ما في اللوح المحفوظ ، وقد تكرر وصف القرآن بذلك .قال الله جل جلاله : (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ  فِي لَوْح مَحْفُوظ)هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى فإن المقصود بـ (الْمُطَهَّرُونَ) هم الملائكة كما قال جماهير السّلف مِن المفسّرينَ والمحدّثين والفُقهاء.

ولمزيد الأدلة والإيضاح فى هذه المسألة ينظر هذا الرابط : (الشرح الصحيح لقوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون)).


قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز ، كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب والحائض .

برهان ذلك أن قراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى أفعال خير مندوب إليها مأجور فاعلها،

فمن ادعى المنع فيها في بعض الأحوال كلف أن يأتي بالبرهان. انتهى من "المحلَّى" (1/ 107).

وقال أيضا رحمه الله :

 وأمَّا مسُّ المصحف فإِنَّ الآثار التي احتج بها من لم يُجزْ للجنب مسَّه، فإِنَّه لا يصحُّ منها شيء؛

لأنَّها مُرسلة، وإمَّا صحيفة لا تُسْنَد، وإِمَّا عن مجهول، وإمَّا عن ضعيف، وقد تقصَّيناها في غير هذا المكان.

ثمَّ ذكر رسالة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلى هِرَقل عظيم الروم (أخرجه البخارى) وما حَوَتْه من الذِّكر ولفظ الجلالة، وتضمُّنها لآية من القرآن الكريم. ثمَّ قال : 

فإِن قالوا : إِنِّما بعَث رسول الله ﷺ إِلى هِرَقل آية واحدة!.

 قيل لهم : ولم يمنع رسول الله ﷺ من غيرها وأنتم أهل قياس فإِن لم تقيسوا على الآية ما هو أكثر منها فلا تقيسوا على هذه الآية غيرها.

ثمَّ ذكر ردّه على من يحتجُّ بقوله تعالى : { لا يَمَسّه إِلاَّ المُطَهَّرونَ }.(سورة الواقعة)؛ بأنَّه خبر وليس أمراً، وأنَّنا رأينا المصحف يمسُّه الطَّاهر وغير الطَّاهر،

فنعلم أنَّ الله -عزّ وجلّ- لم يعْنِ المصحف، وإنما عنى كتاباً آخر، وأورد بعض أقوال السَّلف أنَّهم الملائكة الذين في السَّماءانتهى من ("المحلَّى" (1/ 107))

وقال الإمام الألباني رحمه الله في (تمام المنة - ص 107 ): 

ومن ( ما يجب له الوضوء ) قلت : ذكر فيه حديث : " لا يمس القرآن إلا طاهر " من طريقين ، ثم قال : 

" فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا، ولكن الطاهر لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر والطاهر من الحدث الأصغر،

ويطلق على المؤمن وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولا بد لحمله على معين من قرينة .

فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف ".

قلت (الألبانى) : هذا الكلام اختصره المؤلف من كلام الشوكاني على الحديث في " نيل الأوطار " ( 1 / 180 - 181 ) وهو كلام مستقيم لا غبار عليه إلا قوله في آخره:

" فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف ". فإنه من كلام المؤلف.

ومفهومه أن الحديث نص في منع المحدث حدثا أكبر من مس المصحف،

وهو على هذا غير منسجم مع سياق كلامه لأنه قال فيه : " ولا بد لحمله على معين من قرينة " فها هو قد حمله على المحدث حدثا أكبر فأين القرينة ؟

فالأقرب - والله أعلم - أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم : " المؤمن لا ينجس ". وهو متفق على صحته،

والمراد عدم تمكين المشرك من مسه فهو كحديث : " نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو ". متفق عليه أيضا،

وقد بسط القول في هذه المسالة الشوكاني قي كتابه السابق فراجعه إن شئت زيادة التحقيق .انتهى.

** قرائن قصد الطاهر من الشرك في الحديث كثيرة منها:

1- لما كان إطلاق اسم النجس على المؤمن المحدث أو الجنب لا يصح حقيقة ولامجازاً ولا لغةً، لقوله صلى الله عليه وسلم : ‏(( ‏المؤمن لا ينجس‏)) متفق عليه ؛ لأن الطاهر من ليس بنجس ، والمؤمن ليس بنجس دائمًا 

فلا يصح حمل الطاهر على من ليس بجنب أو حائض أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية.

2- أن المسلم يكون طاهراً دائماً ، ولا يصدق عليه أنه ليس بطاهر عند الإطلاق، أما عند تلبسه بجنابة أو حيض أو نفاس يقال ليس بطاهر من كذا،

أي ليس بطاهر مع تقييد عدم الطهارة وليس ليس بطاهر على سبيل الإطلاق أي عدم الطهارة مقيدة بأنه ليس بطاهر من كذا،

3- بل يتعين حمله على من ليس بمشرك كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [ التوبة من الآية 28 ] ، ولحديث النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو،

والحديث والآية السابقان يدلان على أن المراد بالطاهر الطاهر من الشرك.

4- ولو أريد بالحديث الطهارة الشرعية لكان الحديث لا يمس القرآن إلا متطهر أو إلا متوضيء،

فلفظ الطاهر مجمل فقد يكون طاهر من الشرك أو طاهر من الحدث الأكبر أو طاهر من الحدث الأصغر ، 

5- ويقوي الاحتمال بأنه الطاهر من الشرك أن كتاب عمرو بن حزم كتب إلى أهل اليمن، ولم يكونوا مسلمين في ذلك الوقت ، فكونه لغير المسلمين يكون قرينة أن المراد بالطاهر هو المؤمن ،

وللنهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو والمؤمن طاهر دائما لأن المؤمن لا ينجس ،

6- لو أراد النبي بالطاهر المحدث لبينه صلى الله عليه و سلم لأهل المدينة فهم أحوج لهذا البيان لكثرة حاجتهم إلى ذلك .

7- كما أن لفظ حديث : ( لا يمس القرآن إلا طاهر )حجة على من يقول المقصود به الطاهر من الحدث،

فلو كان المراد أمر المؤمنين ألا يمسوا القرآن إلا وهم متطهرين لقال لا تمسوا القرآن إلا وأنتم متطهرين أو لا يمس المؤمن القرآن إلا وهو متطهر .

فلما لم يذكر المؤمن دل على أن المقصود عدم مس الكافر ؛ لأنه ليس بطاهر، وقد ورد النهي عن عدم تمكين الكافر من المصحف فتأيد حمل الحديث عليه .

أما إستدلال المانعين

بقولهم: لم يكن من عادة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أن يُعَبِّرَ عن المؤمن بالطَّاهر.

والجواب عن ذلك: أن القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من عادته أن يُعَبِّرَ عن المؤمن بالطَّاهر: كلام يحتاج لدليل فهو نتيجة بلا مقدمات ،

والقول بأنه ما المانع أن يطلق لفظ المؤمن بدل الطاهر: يقال لمن يقوله وما المانع من أن يطلق الطاهر بدل المؤمن، وليس هذا المنع بأولى من هذا المنع.

، وبقولهم: يشكل عليه أن القرآن والسنة كانت تخاطب الصحابة بلفظ الايمان والإسلام ولم يخاطب القران الصحابة بوصف الطاهرين.

يجاب عنه: بأن الصحابة ماداموا خطبوا بالمفهوم فهو خطاب كالمنطوق فدلالة المفهوم خطاب ودلالة المنطوق خطاب،

فلا يصح هذا الإشكال والمؤمن لا ينجس فهو طاهر بدليل الخطاب ودليل الخطاب خطاب ،

 والمشركون نجس فالمسلمون أطهار بدليل الخطاب، ولولا فهم الصحابة لهذا وهذا ما خاطبهم القران والسنة بذلك،

ومادام خاطبهم القران والسنة بذلك فهم طبعا قد استعملوا هذا وهذا، ولا يوجد نص على أنهم لم يستعملوا الطاهر بمعنى الطاهر من الشرك.

وبقولهم: أن الطاهر في الحديث تعني الطاهر من الحدث ؛ لأنه المعنى المفهوم عند الصحابة. 

يقال له: يعارض ذلك دلالة حديث المؤمن لا ينجس وكون المشركين نجس .

وبقولهم:  كيف يكون المقصود بقوله : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) المؤمن والخطاب موجه إلى المشركين الذين لا علم لهم بتعبيرات القرآن والسنة.

والجواب: أن خطاب لا يمس القران إلا طاهر موجه للمؤمنين، وهو ألا يمكنوا مشرك من المصحف وليس موجها للمشركين .

وبقولهم: المقصود بالطاهر الطاهر من الحدث؛ لأن الأحكام لم تتعلق بصفة الطاهرة من الشرك وحدها.

 والجواب: أن هذا كلام غير مسلم فقوله ( المؤمن لا ينجس ) ترتب عليها أحكام أن المؤمن لا يصير نجسا حيا وميتا،

واستدل بها البعض على عدم وجوب الوضوء لمن يغسل مسلما، وقوله تعالى:﴿ إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا ﴾ترتب عليها حكم ألا وهو عدم تمكينهم من الاقتراب من المسجد الحرام.

وبقولهم:  أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على القول بعدم جواز مس المحدث المصحف، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف، فكـان إجماعًا سكوتيًا.

والجواب: دعوى الإجماع غير متيقن بدليل وجود المخالف من الصحابة والتابعين ومن بعدهـم فكــيف يقال أن هناك إجماعاً سكوتياً؟!،

قال الإمام القرطبي رحمه الله : واختلفت الرواية عن أبي حنيفة فرُويَ عنه أنه يَمَسُّه المُحدِث حدثًا أصغر، وقد رُوِيَ هذا عن جماعة من السلَف ، منهم ابن عباس وغيره. انتهى من (226/17-تفسير القرطبي).

وقال ابن عطية رحمه الله : ورخص بعض العلماء في مسه بالحدث الأصغر، وفي قراءته عن ظهر قلب ، منهم ابن عباس وعامر الشعبي. انتهى من [تفسير بن عطية 5/252] .

الخلاصة

غاية حجة المانعين هو حديث عمرو بن حزم الذى اختلف فى صحته، وهو يدل على أن الطاهر من الشرك لا يمس المصحف، كما في قوله تعالى : إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. [التوبة من الآية28 ]، 

ولحديث النهي عن السفر بالقـرآن إلى أرض العدو، ولا يدل على أن الطاهر من الحدثين لا يمس المصحف لقوله : (( ‏المؤمن لا ينجس‏))؛

لأن الطاهر من ليس بنجس ، والمؤمن ليس بنجس دائمًا فلا يصح حمل الطاهر على من ليس بجنب أو حائض،

أو محدث أو متنجس بنجاسة عينية بل يتعين حمله على من ليس بمشرك. 

فإيجاب الطهارة لمس المصحف حكم تكليفى لابد له من نص صحيح صريح يحسم مادة الخلاف،

وليس فى نصوص الشريعة أمر بالطهارة لمس المصحف بصيغة قاطعة الدلالة على الوجوب فمع الإحتمال يسقط الإستدلال.

ولمزيد الأدلة والتوضيح انظر هذا الرابط : (هل يجوز للحائض والجنب مس المصحف والقراءة فيه؟).
 

والله اعلم 

هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات