يرى بعض أهل العلم أن المال المحرم لكسبه مثل المأخوذ عن طريق الغش أو عن طريق الربا أو عن طريق الكذب وما أشبه ذلك هو حرام على من اكتسبه فقط بطريق محرم لأن الحرمة متعلقة بذمة الكاسب لا بعين ماله فلا تحرم معاملة كاسبه فيه فعلى هذا لا حرج مِن أكل طعامه وقبول هديته والتورع عن ذلك أولى .
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل الهدية من اليهود وأكل طعام اليهود واشترى من اليهود مع أن اليهود معروفون بالربا وأكل السحت لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يأكل بطريق مباح .
وأما إذا كان المال محرم لذاته كالمال المغصوب والمسروق فهو حرام على الآخذ وغيره فلا يجوز لمن علم أن مال هذا الشخص مغصوب أو مسروق أن يأكل طعامه أو يقبل هديته أو يبيع له شيئا .
قال العلامة العثيمين رحمه الله :
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعامل مع اليهود بالبيع والشراء ويقبل منهم الهدية مع أنهم يتعاملون بالربا قال تعالى : ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ). النساء/160-161
ومع ذلك قَبِل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هديّتهم قَبِل هدية المرأة التي أهدت الشاة بخيبر وعاملهم ومات ودرعه مرهونة عند يهودي .
والقاعدة في هذا : أن ما حَرُمَ لكسبه فهو حرام على الكاسب فقط دون من أخذه منه بطريق مباح فعلى هذا يجوز قبل الهدية ممن يتعامل بالربا وأيضاً يجوز معه البيع والشراء إلا إذا كان في هجره مصلحة يعني في عدم معاملته وعدم قبول هديته مصلحة فنعم . فنتبع هذا ابتغاء للمصلحة.
أما ما حرم لعينه فهو حرام على الآخذ وغيره فالخمر مثلاً لو أهداه إليّ يهودي مثلاً أو نصراني ممن يرون إباحة الخمر فلا يجوز لي قبوله لأنه حرام لعينه ولو أن إنساناً سرق مال شخص وجاء إليّ فأعطاني إياه فهذا المال المسروق يحرم عليّ أخذه لأنه حرام لعينه .
هذه القاعدة تريحك من إشكالات كثيرة
ما حرم لكسبه فهو حرام على الكاسب دون من أخذه بطريق الحلال إلا إذا كان في هجره وعدم الأخذ منه وعدم قبول هديّته وعدم المبايعة معه والشراء مصلحة تردعه عن هذا العمل فهذا يهجر من أجل المصلحة .اه (" أسئلة الباب المفتوح " ج1ص76 للشيخ ابن عثيمين رحمه الله)
وسئل أيضا رحمه الله :
رجل يعمل في بنك يتعامل بالربا، فزار قرابة له وجاء معه بهدايا من طعام وملابس لأولئك القرابة فما حكم استعمال أولئك القرابة لهذه الملابس وأكلهم لهذا الطعام هل يحل لهم أم يحرم عليهم؟
فأجاب :
يحل لهم أن يأكلوا؛ لأن من كسب مالاً على وجه محرم وليس المال محرماً لعينه فإنه يجوز لمن أخذه منه بطريق شرعي أن يأكل منه وهؤلاء أخذوها بطريق شرعي وهو الهدية، لكن إذا كانوا امتنعوا من قبول هديته صار سبباً لبعده عن الربا فإنه في هذه الحالة يجب عليهم أن يردوا الهدية وأن يبينوا له أنهم إنما ردوا الهدية لكونه يتعامل بالربا حتى يتوب.
أما إذا كان لن يقلع عما هو عليه فلا حرج عليهم في قبول هديته ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل هدية اليهود ففي خيبر قبل هدية المرأة التي أهدت له الشاة، وفي المدينة دعاه غلام يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجاب عليه الصلاة والسلام، وكذلك عامل رجلاً يهودياً اشترى طعاماً لأهله، ورهنه النبي صلى الله عليه وسلم درعه، ومات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند هذا اليهودي
فعلى هذا نقول لهؤلاء الجماعة : إذا كان ردكم لهديته يفضي إلى تركه التعامل بالربا فردوها وإذا كان لا يفضي إلى ذلك وأن الرجل لن يهتم بردكم أو قبولكم فلا بأس بقبول هذه الهدية. اه [اللقاء الشهري لابن عثيمين - منقول من الشاملة]
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
...... فينبغي للمؤمن التَّحرز من المكاسب الخبيثة مهما أمكن، كالعمل في البنوك، أو في شركات التأمين، أو ما أشبه ذلك من الطرق التي فيها خُبثٌ، ينبغي له أن يحتاط .
أما كونه تُجاب دعوته أو كونه يُهجر أو ما أشبه ذلك : هذا فيه كلامٌ لأهل العلم : منهم مَن يستحب عدم إجابة دعوته؛ لأنه حينئذٍ مكسبه خبيث، ومنهم مَن لا يرى ذلك؛ لأنَّ الأصل السلامة، وأنت لا تدري ما قدم لك؟
والهجر له مُستحبٌّ؛ لعله ينتفع بالهجرة، ولكن لا يَحْرُم طعامه، وقد قال جماعةٌ من أهل العلم : إن هجران أهل المعاصي سنة مؤكَّدة إذا أظهروها -أظهروا المعاصي-، وقال بعضُهم : يجب هجره حتى يدع المعصية، والنبي ﷺ فعل هذا وهذا، هجر قومًا وترك قومًا .
فالمسلم إذا رأى المصلحة في الهجر هجر، وإذا رأى المصلحة الشرعية في عدم الهجر وفي مُوالاة النَّصيحة والتَّوجيه والإرشاد فعل.......
فالحاصل :
أنَّ ترك ذلك إذا كان كسبُه كله خبيثًا، ليس له إلا الكسب الخبيث، ترك الإجابة أوْلى وأحوط، من باب الهجر، ومن باب إظهار كراهة العمل الذي هو فيه؛ لعله يستجيب، لعله يتوب، إلا أن يكون في ترك الهجر مضارٌّ وخطرٌ ديني ومصالح تفوت دينية، فهذا محل النظر من المؤمن، ينظر ويتأمَّل : فإن كانت إجابته أصلح في الدين وأنفع للمسلمين أجاب، وإن كانت عدم الإجابة أصلح، وفيها ردعٌ لهذا العاصي، وفيها دعوةٌ له إلى الخير؛ ترك الإجابة، لعله يستجيب، ولعله ينتفع . انتهى من (فتاوى الدروس)
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق