الزوج الذي يسب الدين يعتبر مرتدا عن دين الإسلام فيستتاب فإن تاب وإلا قتل من قبل ولي الأمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه ». أخرجه البخاري.
ولا يجوز لزوجته المسلمة أن تبقى معه لأنها مسلمة وهو كافر فتحرم عليه حتى يتوب إلى الله توبة صحيحة فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء .
فقد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم أو سب بعض الرسل غير محمد صلى الله عليه وسلم كأن يسب نوح أو هود أو آدم أو غيرهم من الرسل والأنبياء أو دفع شيئا أنزله الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر .
وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا له أو كان ذاهلا عن اعتقاده وسواء كان مازحا أو جادا ذلك لأن في سب الله تنقصا لله تعالى واستخفافا واستهانة به سبحانه وانتهاكا وتمردا على رب العالمين ينبعث من نفس شيطانية ممتلئة من الغضب أو من سفيه لا وقار لله عنده فحاله أسوأ من حال الكافر. لقول الله تعالى : قل أبالله واياته ورسوله كنتم تستهزؤون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. (65-66) سورة التوبة.
ومن فعل ذلك بأنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل من قبل ولي الأمر لأنه بدل دينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « من بدل دينه فاقتلوه ». أخرجه البخاري. ويعزر أيضاً ولو تاب يعزر عن فعله القبيح بالجلد والسجن ونحو ذلك حتى لا يعود لمثل هذا .
قال إسحاق بنِ راهويه ـ رحمه الله :
: «قد أجمع العلماءُ أنَّ مَنْ سَبَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، أو سبَّ رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم، أو دَفَعَ شيئًا أنزله اللهُ، أو قَتَلَ نبيًّا مِنَ أنبياء الله ـ وهو مع ذلك مُقِرٌّ بما أنزل اللهُ ـ: أنه كافرٌ ». انتهى. («التمهيد» لابن عبد البرِّ (٤/ ٢٢٦).).
وقال القاضي عياضٌ المالكيُّ ـ رحمه الله :
« لا خلافَ أنَّ سابَّ اللهِ تعالى مِنَ المسلمين كافرٌ حلالُ الدم، واخْتُلِفَ في استتابتِه ». انتهى.(«الشفا» للقاضي عياض (٢/ ٢٢٩).)،
وقال ابنُ قدامة المقدسيُّ الحنبليُّ ـ رحمه الله :
« ومَنْ سبَّ اللهَ تعالى كَفَرَ سواءٌ كان مازحًا أو جادًّا ». انتهى. ( «المغني» لابن قدامة (١٠/ ١٠٣).)،
وقال ابنِ تيمية ـ رحمه الله :
« إنَّ سَبَّ اللهِ أو سَبَّ رسوله كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أنَّ ذلك محرَّمٌ أو كان مُسْتحِلًّا له أو كان ذاهلًا عن اعتقاده، هذا مذهبُ الفقهاءِ وسائرِ أهلِ السُّنَّةِ القائلين بأنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ ». انتهى («الصارم المسلول» لابن تيمية (٥١٢)).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
سب الدين من أعظم الكبائر ومن أعظم المنكرات، وهكذا سب الرب عز وجل، وهذان الأمران من أعظم نواقض الإسلام، ومن أسباب الردة عن الإسلام، فإذا كان من سب الرب سبحانه أو سب الدين ينتسب للإسلام، فإنه يكون مرتدا بذلك عن الإسلام، ويكون كافرا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل من جهة ولي أمر البلد بواسطة المحكمة الشرعية .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يستتاب بل يقتل؛ لأن جريمته عظيمة، ولكن الأرجح أن يستتاب؛ لعل الله تعالى يمن عليه بالهداية فيلزم الحق، ولكن ينبغي أن يعزر بالجلد والسجن؛ حتى لا يعود لمثل هذه الجريمة العظيمة .اه ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 387).
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
مسألة العذر بالجهل هل تدخل فيها مسألة سب الدين وسب الرب؟
فأجاب بقوله :
هل أحد يجهل أن الرب يجب تعظيمه؟ قل : نعم، أو : لا؟
السائل : لا.
الشيخ :
لا أحد يجهل أن الرب له من التعظيم والإجلال ما لا يمكن أن يسبه أحد، وكذلك الشرع، فهذه مسألة فرضية في الذهن لا وجود لها في الواقع .اهـ. (سلسلة لقاء الباب المفتوح-(230))
فإذا سب أحد الزوجين الرب جل وعلا فقد ارتد بذلك
وقد أجمع العلماء على أن المرتد يحال بينه وبين زوجته المسلمة ولا يحل له البقاء معها والعكس فإن تاب ورجع إلى الإسلام قبل انقضاء العدة فالنكاح باقٍ بينهما والمرأة زوجته . وإن عاد إلى الإسلام بعد انقضاء العدة فالأمر بيد زوجته إن شاءت أن ترجع إليه بعقد النكاح الأول ولا تجدد العقد فلها ذلك ولكن خروجا من الخلاف ترجع بعقد جديد وإن شاءت عدم الرجوع إليه فلها ذلك أيضاً ويكون عقد النكاح قد انفسخ من حين ارتداده ولا يحتاج إلى إيقاع الطلاق بل ينفسخ عقد النكاح ولو لم يطلق .
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
سب الدين ردة عن الإسلام، سب الإسلام ردة عن الإسلام، وسب القرآن وسب الرسول ......... ردة عن الإسلام نعوذ بالله، كفر بعد الإيمان لكن لا يكون طلاقًا للمرأة بل يفرق بينهما من دون طلاق ما يكون طلاقًا بل تحرم عليه؛ لأنها مسلمة وهو كافر فتحرم عليه حتى يتوب فإن تاب وهي في العدة رجعت إليه من دون حاجة إلى شيء إذا تاب وأناب إلى الله رجعت إليه،
وأما إن خرجت من العدة وهو على حاله لم يتب فإنها تنكح من شاءت، ويكون ذلك بمثابة الطلاق لا أنه طلاق لكن بمثابة الطلاق لأن الله حرم المسلمة على الكافر .
المقدم : ولو أرادها هو؟
الشيخ :
لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ. [الممتحنة:10] . فإن تاب وأراد يتزوجها بعد ذلك فلا بأس.
المقدم : بعقد جديد؟
الشيخ :
بعد العدة، يكون بعقد جديد أحوط خروجًا من خلاف العلماء، فإن الأكثرين يقولون : متى خرجت من العدة بانت منه وصارت أجنبية لا تحل إلا بعقد جديد، فهذا أولى له أن يعقد عقدًا جديدًا، هذا إذا كانت قد خرجت من العدة و قبل أن يتوب، فأما إن تاب فهي زوجته. نعم. إن تاب .. وهي في العدة فهي زوجته . اه
وأما عدة المرأة هي :
* ثلاث حيضات إن كانت تحيض .
* وثلاثة أشهر إن كانت آيسة لا تحيض .
* ووضع الحمل إن كانت حاملاً .
أما إذا سب الدين وهو فى غضب شديد
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
أما إذا قالها عند غضب شديد بحيث لا يملك نفسه ولا يدري ما يقول ولا يدري حينئذ أنه في سماء أم في أرض وتكلم بكلام لا يستحضره ولا تعرفه فإن هذا الكلام : لا حكم له ولا يحكم عليك بالردة لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد .
وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد : فإن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ به ، يقول الله تعالى في الأيمان : ( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ). فإنه لا يكفر بذلك؛ لأنه غير مريد للقول . انتهى (مجموع فتاوى العثيمين - المجلد الثاني - باب الكفر والتكفير).
ولهذا لو طلق الإنسان زوجته في غضب شديد لا يملك نفسه عنده أى حال الإغلاق التام كحال المجنون الذي لا يدري فيه ما يقول فإن زوجته لا تطلق لأنه لم يرد طلاقها .
أما إن كفرا أو أحدهما قبل الدخول
فيبطل النكاح في قول عامة أهل العلم ولا تحل لك إلا بعقد جديد ولا تحسب طلقة .
قال الإمام ابن قدامة :
"ولو تزوجها، وهما مسلمان، فارتدت قبل الدخول، انفسخ النكاح، ولا مهر لها وإن كان هو المرتد قبلها وقبل الدخول، فكذلك، إلا أن عليه نصف المهر، وجملة ذلك أنه إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول، انفسخ النكاح، في قول عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن داود، أنه لا ينفسخ بالردة، لأن الأصل بقاء النكاح. ولنا، قول الله تعالى : { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }. [الممتحنة: 10]، وقال تعالى : { فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ }. [الممتحنة: 10]،
ولأنه اختلاف دين يمنع الإصابة، فأوجب فسخ النكاح، كما لو أسلمت تحت كافر، ثم ينظر؛ فإن كانت المرأة هي المرتدة، فلا مهر لها؛ لأن الفسخ من قبلها، وإن كان الرجل هو المرتد، فعليه نصف المهر؛ لأن الفسخ من جهته، فأشبه ما لو طلق، وإن كانت التسمية فاسدة، فعليه نصف مهر المثل ". اهـ. ("المغني" (7/ 173))
فالواجب على من فعل ذلك أن يعظم دين الإسلام وأن يبادر بالتوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه والندم على ما صدر منه والعزم الصادق أن لا يعود في ذلك والاستكثار من العمل الصالح لعل الله يتوب عليه .
ولا يكفيه النطق بالشهادتين أو الصلاة للرجوع إلى الإسلام بل لابد مع ذلك من الإقلاع عن ذلك الجرم العظيم الذي فعله والندم على ذلك والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى فربّ كلمة يطلقها العبد لا يلقي لها بالاً يشقى بها أبد الآباد، كما جاء في الحديث الصحيح : ( إنّ الرّجلَ لَيَتكلّمُ بالكلمةِ مِن سَخطِ الله عزّوجلّ لايظنّ أنْ تبلغَ ما بلغتْ يكتبُ اللهُ عزّوجلّ بها عليهِ سخطهُ إلى يومِ القيامةِ ). صحيح ابن ماجه
وجدير بالذكر التنبيه على أنه من سب الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويجب قتله
بخلاف من سب الله فإنها تقبل توبته ولا يقتل لا لأن حق الله دون حق الرسول صلى الله عليه وسلم بل لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد إليه بأنه يغفر الذنوب جميعاً أما ساب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يتعلق به أمران :
الأول : أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الوجه تقبل توبته إذا تاب .
الثانى : أمر شخصي لكونه من المرسلين ومن هذا الوجه يجب قتله لحقه صلى الله عليه وسلم ويقتل بعد توبته على أنه مسلم فإذا قتل غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين . وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
من سب الله أو رسوله ثم تاب، فالصحيح قبول توبته، ثم إن كان في حق الله ارتفع عنه القتل؛ لأنه إنما يقتل لحق الله، وقد عفا الله عنه، وإن كان في حق الرسول، فهو مؤمن، ولكن نقتله، ثم نغسله ونكفنه ونصلي عليه . اه ((شرح العقيدة السفارينية)) (1/ 391).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق