من زل لسانه وتكلم بكلمة الكفر أو بلفظ محرم بغير قصدٍ أو إكراه ، فلا يكفر ولا يخرج من الملة بذلك،
فإن الله واسع المغفرة عظيم الرحمة ، وقد تجاوز عنه ولا يلزم عليه شيء.
* فالنصوص متواترة من الكتاب والسنة في إعذار المخطئ وبيان أن حكمه حكم الجاهل والمتأول،
فلا يكفر إلا بعد قيام الحجة عليه فإن فرط أثم لتفريطه ، وإن لم يفرط فلا يؤاخذ بذلك سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام، وفي الفروع أو الأصول.
وإليك الأدلة :
1 - قال الله تعالى : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ). البقرة/ 286. فقد ثبت في صحيح مسلم : أن رسول الله ﷺ قال : " قال الله : قد فعلت ".
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي ﷺ قال : إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه . "صحيح ابن ماجة" .
- قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وهو حديث جليل قال بعض العلماء : ينبغي أن يعد نصف الإسلام لأن الفعل إما عن قصد واختيار ، أو لا ,
الثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه ؛ فهذا القسم معفو عنه باتفاق.
وإنما اختلف العلماء : هل المعفو عنه الإثم أو الحكم أو هما معا ؟ وظاهر الحديث الأخير وما خرج عنه كالقتل فله دليل منفصل ". انتهى من ("فتح الباري" (5/161)) .
3 - عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه،
فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح. (أخرجه البخاري).
- قال القاضي عياض : قوله : " فقال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك " : فيه أن ما قاله الإنسان من مثل هذا من دهش وذهول، غير مؤاخذ به إن شاء الله. انتهى من (((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (8/ 245)) .
وإليك بعضاً من كلام أهل العلم
- قال ابن القيم رحمه الله :
الله تعالى رفع المؤاخذة عمن حدث نفسه بأمر بغير تلفظ أو عمل، كما رفعها عمن تلفظ باللفظ من غير قصد لمعناه ولا إرادة؛
ولهذا لا يكفر من جرى على لسانه لفظ الكفر سبقا من غير قصد؛ لفرح أو دهش وغير ذلك، كما في حديث الفرح الإلهي بتوبة العبد. انتهى من (((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (4/ 428)) .
- قال ابن نجيم عمن تكلم بكلمة الكفر :
من تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل. انتهى من ((البحر الرائق)) (5/134).
- قال العلامة ابن قاسم ـ رحمه الله في حاشية الروض :
لا يكفر من حكى كفرا سمعه وهو لا يعتقده، قال في الفروع : ولعل هذا إجماع،
وكذا من نطق بكلمة الكفر، ولم يعلم معناها، ولا من جرى على لسانه سبقا من غير قصد لشدة فرح أو دهش، أو غير ذلك،
لحديث : عفي عن أمتي الخطأ والنسيان، وخبر الذي أخطأ من شدة الفرح. اهـ.
- سُئل الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
عن حال من صدر منه كفر من غير قصد منه بل هو جاهل، هل يعذر، سواء كان قولًا أو فعلًا أو توسلًا؟
فأجاب :
إذا فعل الإنسان الذي يؤمن بالله ورسوله ما يكون فعله كفرًا أو اعتقاده كفرًا جهلًا منه بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم،
فهذا لا يكون عندنا كافرًا، ولا نحكم عليه بالكفر حتى تقوم عليه الحجة الرسالية التي يكفر من خالفها،
فإذا قامت عليه الحجة، وبيّن له ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصرَّ على فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه، فهذا هو الذي يكفر. انتهى من (الدرر السنية في الأجوبة النجدية ( ٢٣٩ / ١٠ )) .
وقال الشيخ العُثَيمين رحمه الله :
... أمَّا شئٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍّ بدون قصد بل سبقًا على اللسان، فهذا لا يُكفَّر لأنه ما قصد السبَّ،
بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصدًا وقع في قلبه، فصار له حكم الجادّ،
أمَّا هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإنَّ هذا لا يضرُّ، ولهذا ثبت في الصحيح في قِصَّة الرَّجُل الذي (( كان في فلاةٍ فأضاع راحِلَته وعليها .... وقال : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح ))،
فلم يؤاخذ؛ لأنَّ هذا القول الذي صَدَرَ منه غيرُ مقصودٍ له بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يَضُرّ الإنسانَ لا يضر الإنسانَ لأنه ما قصده،
فَيَجِبُ أن نَعْرِفَ الفَرْقَ بين القصد وعدمِه يجب أن نعرف الفرق بين قَصْدِ الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قَصْدِ السب وعدم قصده لأنَّ هنا ثلاث مراتب :
المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسَّبّ، وهذا فعل الجادّ كما يصنع أعداء الإسلام بسبّ الإسلام.
الثانية: أن يقصد الكلام دون السَّبّ؛ بمعنى يقصد ما يدل على السَّبّ لكنَّه مازحٌ غير جاد فهذا حكمه كالأوَّل يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسخرية.
المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السَّبَّ وإنَّما يسبق لسانُه فيتكلَّمُ بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقًا، لا قَصَدَ الكلامَ ولا قَصَدَ السَّبَّ،
فهذا هو الذي لا يؤاخذ به وعليه يتنزل قولُه تعالى :{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ }.[المائدة: 89]. انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [99]).
والله اعلم
اقرا أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق