قراءة وتعليم القرآن عبادة وواجب شرعي ،
فلا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأنَّ هذا عمل يقصد به ثواب الآخرة ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يراد به عمل الدنيا.
* فهى عبادة يختص فاعلها بالتقرب الى الله فلا يجوز أخذ الأجر على القربات ، لقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }.[البيِّنة: ٥].
وقوله عز وجل : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }. [الكهف: ١١٠].
ولقوله تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ** أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. (هود: 15، (16)).
** فلا فرق بين من يتلو القرآن للتلاوة فقط ويأخذ أجرًا ، وبين من يعلم القرآن ويأخذ عليه أجرًا ،
وبين من يفسر القرآن ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يعلم الحديث ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يؤم ويؤذن ويخدم المسجد،
كل هذه عبادات لا يجوز لأي مسلمٍ أن يبتغي من رواء ذلك أجرًا إلا من عند الله تبارك وتعالى.
** كما أنه لا يقاس تعليم القرأن على الرقية لأن الرقية نوع من التداوي فهي من الأمور المباحة،
وليست مثل التعليم إذ هو عبادة وقربة ، فالقياس عليها قياس مع الفارق.
* وعدم أخذ الأجرة هو الذي كان عليه الصحابة والتابعون وكل خير في اتباع من سلف،
فلا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع أَن يَجعل الْعِبَادَات الْخَالِصَة لَهُ معاملات تقصد بهَا الْمُعَاوَضَات والإكساب الدُّنْيَوِيَّة.
* وممن قال بهذا : الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأبو حنيفة والضحاك بن قيس وعطاء.
وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر.
وقال عبد الله بن شقيق : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت .
وإليك الأدلة من الكتاب :
1 - قال تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ). [46: القلم]
- قال الكاساني رحمه الله : تدل الآية على أن دفع الأجرة للمعلمين من قبل المتعلمين سبب لتنفير الناس من التعليم؛
لأن ثقل الأجرة يمنعهم من الرغبة فيه بل قد يؤدي إلى الرغبة عنه، بسبب دفع العوض .انتهى من (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج4، ص44-(45)).
2 - قال تعالى : ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ). [104:يوسف].
- قال الكاساني رحمه الله : فالخطاب موجه للنبي عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ أجرة عما يبلغ،
فينبغي كذلك المعلم لأنه مأمور بالتبليغ من قبل النبي عليه السلام فلا يستحق الأجرة .انتهى من (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج4، ص44-(45)).
- وفي هذا السياق يقول ابن تيمية : بما أن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم بغير أجرة،
كما قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام : ( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ).[الشعراء: ١٠٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم،
وكذلك قال خاتم الرسل عليه السلام -كما أخبر القرآن-: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ).[86: ص]،
وقال أيضاً : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ).[57: الفرقان]. انتهى من (مجموع الفتاوى، ج30، ص(204)).
3 - قال تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾. [سورة ص: الآية 29]. قال ربنا جل وعلا ليدبروا آياته ولم يقل ليأكلوا به.
4 - وقال تعالى : ( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ). أي : لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى وهم لكم ناصحون فاتبعوهم تهتدوا بهداهم. انتهى من (تفسير الطبرى).
- ويؤخذ أيضا من هذه الآيه الكريمة : أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم : أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوَض على ذلك،
وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام. انتهى من (" أضواء البيان " ( 2 / 179 )).
5 - جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى : وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا . [البقرة: 41]. أن الأحبار كانوا يعلِّمون دينهم بالأجرة فنُهُوا عن ذلك،
ثم قال : وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول مَن فعل فعلهم ،
فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرًا فقد دخل في مقتضى الآية.
وقد روى أبو داود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليُصِيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني: ريحها. انتهى.
6 - قال ابن كثير فى تفسيره عند قول الله تعالى : أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. (المؤمنون - 72)،
قال : قال « الْحَسَن » " أجراً " ، وقـال « قتادة » " جُعْلاً " ، فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ. أي : أنت لا تسألهم أُجرةً ولا جُعْلاً ولا شيئـاً على دعوتك إياهم إلى الهـدى ،
بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه كما قال : قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ . ، وقال : قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. انتهى.
7 - قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. (سورة البقرة-159).
- استدل العلماء من قوله تعالى : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البينات }، الآية. على أنه لا يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن، أو تعليم العلوم الدينية، لأن الآية أمرت بإظهار العلم ونشره وعدم كتمانه،
ولا يستحق الإنسان أجرًا على عملٍ يلزمه أداؤه ، كما لا يستحق الأجر على الصلاة، لأنها قربة وعبادة ، لذلك يحرم أخذ الأجرة على تعليمها.
غير أن المتأخرين من العلماء لما رأوا تهاون الناس ، وعدم اكتراثهم لأمر التعليم الديني، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا،
ورأوا أن ذلك يصرف الناس عن أن يعنوا بتعلم كتاب الله، وسائر العلوم الدينية، فينعدم حفظة القرآن، وتضيع العلوم، لذلك أباحوا أخذ الأجور،
غير أننا نجد المتقدمين من الفقهاء متفقين على حرمة أخذ الأجرة على علوم الدين ، لأن العلم عبادة وأخذ الأجرة على العبادة غير جائز.
- قال أبو بكر الجصاص رحمه الله :
وقد دلت الآية على لزوم إظهار العلم ، وترك كتمانه ، فهي دالة على امتناع جواز أخذ الأجرة عليه،
إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما عليه فعله، ألا ترى أنه لا يجوز استحقاق الأجر على الإسلام؟!
ويدل عليه أيضًا قوله تعالى : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}. [البقرة: 174] وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجر على الإظهار والكتمان جميعًا،
لأن قوله تعالى : { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلً ا}. [البقرة: 174]. مانع أخذ البدل عليه من سائر الوجوه ، إذ كان الثمن في اللغة هو البدل ، قال عمر بن أبي ربيعة :
إن كنت حاولت دنيا أو أصبت بها ** فما أصبت بترك الحج من ثمن
فثبت بذلك بطلان الإجارة على تعليم القرآن، وسائر علوم الدين. انتهى من (كتاب روائع البيان تفسير آيات الأحكام).
8 - قال تعالى : يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . (سورة هود-51).
- قال ابن كثير فى تفسيره : وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله،
إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره أفلا تعقلون من يدعوكم إلي ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة. انتهى.
** فليعلم كل مَن جعل القرآن الكريم حِرْفَـةً له ومصدرَ رِزقٍ أنه مُخَالف لسلف هذه الأمة المقتدى بهم،
لأن قدوتهم في ذلك الأنبيـاء والمرسليـن - عليهم الصلاة والسلام - الذين أخبر الله عنهم أنهم لا يسألون الناس أجراً على تبليغ دين ربهـم ونُصْرَتِه ونفعهمُ الناسَ في ذلك .
وإليك الأدلة من السنة :
1 - حديث عبدالرحمن بن شبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ اقرءوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ]. رواه أحمد والطبراني وغيرهما وقال الهيثمي : " رجاله ثقات" وقال الحافظ في الفتح : "وسنده قوي"، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " وصححه شعيب الأرناؤوط.
دل الحديث على : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالقرآن والتكسب به،
والنهي عند الإطلاق يفيد التحريم لأنه لم يتصل بقرينة تصرفه الى الكراهة،
فأفاد تحريم أخذ الأجرة على قراءة القرآن أو تعليمه، فلا نتقرب إلى الله بأمر قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- قال المناويُّ رحمه الله في "فيض القدير" : قوله : (( ولا تأكلوا به )) أي : ينهى الحديث عن جعل القرآن سبباَ للعيش والإكثار من الدنيا به بل ينبغي أن يكون تعليم القرآن حسبة لوجه الله تعالى. انظر: (الفتح الربانى- للساعاتى).
2 - عن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه، قال : كان آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أتخذ مؤذنا يأخذ على الأذان أجراً. ((صحيح سنن أبي داود)) (531).
فإذا كانَ هذا في الأذان وهو أقلُّ شأناً من القرآن فما بَالُكَ بالقرآن وأخْذِ الأُجْرة عليه ؟!.
3 - حديث أبى بن كعب أنه قال : علَّمتُ رجلًا القرآنَ فأَهدى إليَّ قوسًا فذَكرتُ ذلِكَ للنبيِّ فقالَ إن أخذتَها أخذتَ قوسًا من نارٍ فرددتُها. (إرواء الغليل . صحيح ).
فهذا الحَديثِ يدلُّ على أنَّ أخْذَ الأُجرةِ والعِوَضِ على تَعليمِ القُرآنِ غيرُ مُباحٍ وعلى المُسلِمِ أنْ يَتحرَّى في مَكسَبِهِ الحَلالَ .
* كما رد الحديث على من زعم أن الأجرة تحرم إذا كانت باستشراف نفس وسؤال، فإن الصحابي أبي بن كعب لم يحدث له شئ من ذلك، ومع ذلك نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- قال الماوردى رحمه الله : يدل الحديث على حرمة أخذ أجرة مقابل تعليم القرآن الكريم ، وذلك لنهي النبي عليه السلام الصريح لأبيّ من أخذ القوس ممن علمه القرآن؛
لأن أخذ ذلك سيكون عوضاً وأجرة بدل التعليم وهذا منهي عنه، كون النبي عليه الصلاة والسلام هدد وتوعد وعيداً شديداً بالنار
لمن يقبل الأجرة والعوض على تعليم القرآن ولو على سبيل الهدية والهبة. انتهى من (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي).
4 - حديث أبو سعيد الخدرى أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون خلف من بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن، لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن، ومنافق، وفاجر،
قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال : المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به. (تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط -اسناده حسن) وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3034).
دل الحديث : على ذم من يأخذ على القراءة أجرًا فى الدنيا .
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لإياس بن عامر: " إنك إن بقيت فسيقرأ القرآن ثلاثة أصناف صنف لله، وصنف للدنيا، وصنف للجدل ". انتهى من(سنن الدارمي).
5 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خَرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ نقرأُ القرآنَ وفينا الأعرابيُّ والأعجَميُّ،
فقالَ : اقرَءوا فَكُلٌّ حسَنٌ وسيَجيءُ أقوامٌ يقيمونَهُ كما يقامُ القِدْحُ يتعجَّلونَهُ ولا يتأجَّلونَهُ. (صحيح أبي داود).
- جاء فى عون المعبود على شرح سنن أبي داود : وقوله : " يتَعجَّلونَه " أي : أي ثوابه في الدنيا " ولا يتَأجَّلونَه " أي : لا يَطْلُبونَ الأَجْرَ في الآخِرَةِ بل يؤثرون العاجلة على الآجلة. انتهى.
6 - حديث أبو هريرة مرفوعا : من تعلَّمَ عِلمًا يبتغى - يعني به وجهَ اللهِ - لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ- يعني ريحَها. (صحيح سنن أبي داود).
- قال الشوكاني رحمه الله : ودل على أن التعلم والتعليم يشترط فيه الإخلاص وأخذ الأجرة عليه ينافي ذلك. انظر: (نيل الأوطار: (5/ 322)).
7 - عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالسَّناءِ والدِّينِ والرِّفعةِ ، والتَّمكينِ في الأرضِ ، فمَن عمِلَ منهُم عَمَلَ الآخرةِ للدُّنيا لَم يكُن لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ. (صحيح الترغيب والترغيب).
* قوله " فمن عمل منهم " : أي : بعد أن أحسن الله تعالى إليهم بما ذكر، ينبغي لهم الإخلاص وطلب الآخرة، وترك النظر إلى الدنيا،
فمن فعل مع ذلك خلافه، استحق هذه العقوبة. انتهى من (حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل - مسند الأنصار - مسند أبي المنذر أبي بن كعب).
8 - روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون أن يأخذوا على الغلمان في الكتاب أجراً. انظر: (المصنف، ج4، ص(347)).
9 - ذكر ابن حزم رحمه الله : قال شعبة في روايته : إن عمار بن ياسر أعطى قوما قرءوا القرآن في رمضان فبلغ ذلك عمر فكرهه -
وقال سفيان في روايته : إن سعد بن أبي وقاص قال : من قرأ القرآن ألحقته على ألفين . فقال عمر أو يعطى على كتاب الله ثمنا ؟.
وصح عن عبد الله بن يزيد وشريح : لا تأخذ لكتاب الله ثمنا. انظر: ( ابن حزم، المحلى، ج9، ص(14)).
10 - روي عن ابن مسعود أنه قال : " أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء ". ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي. انظر:(نيل الأوطار للشوكانى).
11 - قال ميمون بن مهران : " يا أصحاب القرآن لا تتخذوه بضاعة تلتمسوا به الشف في الدنيا -يعني الربح- واطلبوا الدنيا بالدنيا، والآخرة بالآخرة ". انظر: (تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج (٦١)).
12 - قال عبدالرحمن بن مصعبٍ : كان رجل ضرير يجالس سُفْيان الثَّوري فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى ويعطى.
فقال سُفْيان : إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم ويقال لمثل هذا : قد تعجَّلت ثوابك في الدنيا فقال : يا أبا عبدالله، تقول لي هذا وأنا جليسك؟
قال : أخاف أن يقال لي يوم القيامة : كان هذا جليسَك، أفلا نصحتَه. انظر: (حلية الأولياء( ١٦/٧)).
13 - سُئل « عبدُ الله بن المبارك » عن سَفَلة الناس ؟! ، فقال : الذي يأكل بدِينِه. انظر: (مختصر تاريخ دمشق).
وإليك بعضاً من كلام أهل العلم
- قال ابن تيمية رحمه الله :
والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه،
إنما كانوا يعلِّمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلاً. انتهى من (مجموع الفتاوى: (30/ 204)).
- وقال أيضا رحمه الله :
ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع :
أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القران والحديث والفقه والإمامة والأذان لا يجوز أن يفعله كافر ولا يفعله إلا مسلم .
بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر : كالبناء والخياطة والنسج ونحو ذلك . وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله فإنه يبقى مستحقا بالعوض معمولا لأجله.
والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة : كالصناعات التي تعمل بالأجرة .
فمن قال : لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال قال : إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله... انتهى باختصار (مجموع الفتاوى - (30 / 204)).
- وقال ابن القيِّم رحمه الله :
"... ولا يُنافي هذا قوله : « إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله » في قصة الرقية،
لأن تلك جعالة على الطب فطبُّه بالقرآن، فأخذ الأجرة على الطبِّ لا على تعليم القرآن، وههنا منعه مِن أخْذ الأُجرة على تعليم القرآن،
فإنَّ الله تعالى قال لنبيِّه : { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا }. [الأنعام: 90]، وقال تعالى : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ }. [سبأ: 47]،
وقال تعالى : { اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا }. [يس: 21]، فلا يجوز أخذ الأجرة على تبليغ الإسلام والقرآن ". انتهى من (إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 254)).
- وقال أيضا رحمه الله :
وَنحن نمْنَع من أَخذ الْأُجْرَة على كل قربَة ونحبط بِأخذ الْأجر عَلَيْهَا كالقضاء والفتيا وَتَعْلِيم الْعلم وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَغَيرهَا،
فَلَا يثيب الله عَلَيْهَا إِلَّا لمخلص اخلص الْعَمَل لوجهه، فَإِذا فعله للأجرة لم يثب عَلَيْهِ الْفَاعِل وَلَا الْمُسْتَأْجر،
فَلَا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع أَن يَجْعَل الْعِبَادَات الْخَالِصَة لَهُ معاملات تقصد بهَا الْمُعَاوَضَات والإكساب الدُّنْيَوِيَّة. انتهى من (كتاب الروح - ص(163)).
- وقال العلامة الألباني رحمه الله :
كل العبادات لا يجوز أن يأخذ عليها أجر كل العبادات منها ما جاء النص العام فيدخل في النص العام كل عبادة وكل ما كان دينًا ،
كمثل قوله تعالى (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) وكذلك قوله تعالى (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) .
الآية الأولى صريحة الدلالة فيّ الموضوع (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) ، أما الآية الأخرى فتحتاج إلى شيء من الشرح والبيان مما ذكره علماء التفسير .
فقوله تعالى (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا )) قالوا العمل الصالح هو الموافق للسنة أي فمن كان مخالفًا للسنة فهو ليس عملاً صالحًا ،
... فقوله تعالى (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا )) ، أي موافق للسنة (( وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) ،
أي لا يطلب أجر تلك العبادة من غيره تبارك وتعالى والأحاديث التي تأمر بإخلاص النية فيّ الطاعة والعبادة هي أيضًا كثيرة ومشهورة .
... قوله عليه الصلاة و السلام ( تعاهدوا هذا القرآن وتغنوا به قبل أن يأتي أقوامٌ يتعجلونه ولا يتأجلونه ) يتعجلونه أي يطلبون أجره العاجل ولا يتأجلونه أي ما يطلبون الأجر الآجل فيّ الآخرة .
فلهذا كله لا يجوز للمسلم أن يبتغي من وراء عبادةٍ يقوم بها أجرًا إلا من الله تبارك وتعالى،
وعلى هذا فليست القضية متعلقة بتلاوة القرآن فقط وبصورة خاصة على حاله التي وصل إليها بعض القراء اليوم حيث صَدَق فيهم نبأ الرسول الكريم المذكور آنفًا قبل ( أن يأتي أقوامٌ يتعجلونه ولا يتأجلونه ).
فالمسألة أعم وأوسع من ذلك كثير، فلا فرق بين من يتلو القرآن للتلاوة فقط ويأخذ أجرًا ، وبين من يعلم القرآن ويأخذ عليه أجرًا ،
وبين من يفسر القرآن ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يعلم الحديث ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يؤم ويؤذن ويخدم المسجد،
كل هذه عبادات لا يجوز لأي مسلمٍ أن يبتغي من رواء ذلك أجرًا إلا من عند الله تبارك وتعالى. انتهى من (سلسلة الهدى والنور-(656)).
الخلاصة
* لا يجوز أخذ الأجر على الطاعات فالأصل منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم،
لأن الأحاديث والأدلة المجوزة خاصة في الرقية فقط وتعميمها على التعليم لا يجوز، وهو الذي كان عليه الصحابة والتابعون وكل خير في اتباع من سلف .
* إذن الأدلة هنا من حيث الصحة جميعها صحيح ، رغم محاولة المجوزين تضعيفها، وقولهم بأنها وقائع أعيان ومحتملـة التأويل، وأن النهي الوارد فيها قد يحمل على الكراهة وليس على الحرمة،
كما أنه لا يجوز الحكم على كل واقعة بأنها قضية عين بمجرد الإحتمال هكذا دون دليل واضح .
* فاحتسب أجرك عند الله فالإحتساب في الطاعات يجعلها خالصة لوجه الله تعالى وليس لها جزاء إلا الجنة،
كما أنه علامة على صلاح العبد واستقامته ويبعد صاحبه عن شبهة الرياء وأن يكون من الآكلين لأموال الغير بالباطل،
فقد كان الصحابة رضى الله عنهم يتركون سبعين بابا من الحلال مخافة أن يقعوا في باب من الحرام .
- قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : « كلّ عبادة لم يَتَعبدْ بها أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم - فلاَ تَتَعبَّدوا بها ؛
فإِن الأَوَّلَ لَمْ يَدع للآخِر مَقالا ؛ فاتَّقوا اللهَ يا مَعْشَر القرَّاء ، خُذوا طَريقَ مَنْ كان قَبلكُم ». انتهى من [الإبانة لابن بطه].
- قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي ". انظر: (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار [4/37]).
والعلم عند الله
تعليقات
إرسال تعليق