القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن؟


قراءة وتعليم القرآن عبادة وواجب شرعي فلا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن لأنَّ هذا عمل يقصد به ثواب الآخرة ولا ينبغي أن يكون عمل الآخرة يراد به عمل الدنيا.

 فهى عبادة يختص فاعلها بالتقرب الى الله فلا يجوز أخذ الأجر على القربات لقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }. [البيِّنة: ٥]. وقوله عز وجل : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }. [الكهف: ١١٠]. ولقوله تعالى : مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ** أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. (هود: 15، (16)).

وهو الذي كان عليه الصحابة والتابعون وكل خير في اتباع من سلف فلا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع أَن يَجعل الْعِبَادَات الْخَالِصَة لَهُ معاملات تقصد بهَا الْمُعَاوَضَات والإكساب الدُّنْيَوِيَّة.

وممن قال بهذا : الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأبو حنيفة والضحاك بن قيس وعطاء. وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر. وقال عبد الله بن شقيق : هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت .

قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : « كلّ عبادة لم يَتَعبدْ بها أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم - فلاَ تَتَعبَّدوا بها ؛ فإِن الأَوَّلَ لَمْ يَدع للآخِر مَقالا ؛ فاتَّقوا اللهَ يا مَعْشَر القرَّاء ، خُذوا طَريقَ مَنْ كان قَبلكُم ». انتهى من [الإبانة لابن بطه]

وإليك الأدلة من الكتاب :

1- قال تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ). [46: القلم]

قال الكاسانى رحمه الله :

تدل الآية على أن دفع الأجرة للمعلمين من قبل المتعلمين سبب لتنفير الناس من التعليم؛ لأن ثقل الأجرة يمنعهم من الرغبة فيه بل قد يؤدي إلى الرغبة عنه، بسبب دفع العوض .اه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج4، ص44-(45))

2- قال تعالى : ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ )[104:يوسف].

قال الكاسانى رحمه الله :

فالخطاب موجه للنبي عليه الصلاة والسلام أن لا يأخذ أجرة عما يبلغ فينبغي كذلك المعلم لأنه مأمور بالتبليغ من قبل النبي عليه السلام فلا يستحق الأجرة .اه (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج4، ص44-(45)))

وفي هذا السياق يقول ابن تيمية :

 ( بما أن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم بغير أجرة كما قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام : (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ).[الشعراء: ١٠٩]، وكذلك قال هود وصالح وشعيب ولوط وغيرهم وكذلك قال خاتم الرسل عليه السلام -كما أخبر القرآن-: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).[86: ص]، وقال أيضاً : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا).[57: الفرقان] .اه (مجموع الفتاوى، ج30، ص(204)))

قال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾. [سورة ص: الآية 29]. قال ربنا جل وعلا ليدبروا آياته ولم يقل ليأكلوا به.

3- وقال تعالى : ( اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ). أي : لا يسألونكم أموالكم على ما جاءوكم به من الهدى وهم لكم ناصحون فاتبعوهم تهتدوا بهداهم .اه (تفسير الطبرى)

ويؤخذ أيضا من هذه الآيه الكريمة : أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم: أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوَض على ذلك  وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام انتهى (" أضواء البيان " ( 2 / 179 ))

4- جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى : وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا . [البقرة: 41]. أن الأحبار كانوا يعلِّمون دينهم بالأجرة فنُهُوا عن ذلك، ثم قال : وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول مَن فعل فعلهم، فمن أخذ رشوة على تغيير حق أو إبطاله أو امتنع من تعليم ما وجب عليه أو أداء ما علمه وقد تعين عليه حتى يأخذ عليه أجرًا فقد دخل في مقتضى الآية.

 وقد روى أبو داود : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليُصِيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني: ريحها .اه

5- قال ابن كثير فى تفسيره عند قول الله تعالى :  أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. (المؤمنون - 72)، قال : ( قال « الْحَسَن » " أجراً " ، وقـال « قتادة » " جُعْلاً " ،  فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ. أي : أنت لا تسألهم أُجرةً ولا جُعْلاً ولا شيئـاً على دعوتك إياهم إلى الهـدى ، بل أنت في ذلك تحتسب عند الله جزيل ثوابه كما قال قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ . ، وقال :  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ . انتهى

6- قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. (سورة البقرة-159)

استدل العلماء من قوله تعالى : {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البينات}الآية. على أنه لا يجوز أخذ الأجر على تعليم القرآن، أو تعليم العلوم الدينية، لأن الآية أمرت بإظهار العلم ونشره وعدم كتمانه، ولا يستحق الإنسان أجرًا على عملٍ يلزمه أداؤه، كما لا يستحق الأجر على الصلاة، لأنها قربة وعبادة، لذلك يحرم أخذ الأجرة على تعليمها.

غير أن المتأخرين من العلماء لما رأوا تهاون الناس، وعدم اكتراثهم لأمر التعليم الديني، وانصرافهم إلى الاشتغال بمتاع الحياة الدنيا، ورأوا أن ذلك يصرف الناس عن أن يعنوا بتعلم كتاب الله، وسائر العلوم الدينية، فينعدم حفظة القرآن، وتضيع العلوم، لذلك أباحوا أخذ الأجور، 

بل زعم بعضهم أنه واجب للحفاظ على علوم الدين، وما هذه الأوقاف والأرصاد التي حبسها الخيّرون إلا لغرض صيانة القرآن وعلوم الشريعة، وسبيل لتنفيذ ما وعد الله به من حفظ القرآن في قوله : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. [الحجر: 9]. غير أننا نجد المتقدمين من الفقهاء متفقين على حرمة أخذ الأجرة على علوم الدين لأن العلم عبادة وأخذ الأجرة على العبادة غير جائز.

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله :

 وقد دلت الآية على لزوم إظهار العلم، وترك كتمانه، فهي دالة على امتناع جواز أخذ الأجرة عليه، إذ غير جائز استحقاق الأجر على ما عليه فعله، ألا ترى أنه لا يجوز استحقاق الأجر على الإسلام؟!

ويدل عليه أيضًا قوله تعالى : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}. [البقرة: 174] وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجر على الإظهار والكتمان جميعًا، لأن قوله تعالى : {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}. [البقرة: 174]. مانع أخذ البدل عليه من سائر الوجوه، إذ كان الثمن في اللغة هو البدل، قال عمر بن أبي ربيعة :

إن كنت حاولت دنيا أو أصبت بها ** فما أصبت بترك الحج من ثمن

فثبت بذلك بطلان الإجارة على تعليم القرآن، وسائر علوم الدين . انتهى من (كتاب روائع البيان تفسير آيات الأحكام)

7- قال تعالى : يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . (سورة هود-51)

قال الإمام الطبري فى تفسيره : يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هود لقومه : يا قوم لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله وخلع الأوثان والبراءة منها، جزاءً وثوابًا ، (إن أجري إلا على الذي فطرني)، يقول : إن ثوابي وجزائي على نصيحتي لكم، ودعائكم إلى الله، إلا على الذي خلقني (26) ،

(أفلا تعقلون) ، يقول : أفلا تعقلون أني لو كنت ابتغي بدعايتكم إلى الله غير النصيحة لكم ، وطلب الحظ لكم في الدنيا والآخرة ، لالتمست منكم على ذلك بعض أعراض الدنيا ، وطلبت منكم الأجر والثواب؟ . انتهى

وقال ابن كثير فى تفسيره : وأخبرهم أنه لا يريد منهم أجرة على هذا النصح والبلاغ من الله إنما يبغي ثوابه من الله الذي فطره أفلا تعقلون من يدعوكم إلي ما يصلحكم في الدنيا والآخرة من غير أجرة . انتهى

وقال العلامة السعدى فى تفسيره : ثم ذكر عدم المانع لهم من الانقياد فقال { يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } أي : غرامة من أموالكم، على ما دعوتكم إليه، فتقولوا : هذا يريد أن يأخذ أموالنا، وإنما أدعوكم وأعلمكم مجانا.{ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ } ما أدعوكم إليه، وأنه موجب لقبوله، منتف المانع عن رده . انتهى

فليعلم كل مَن جعل القرآن الكريم حِرْفَـةً له ومصدرَ رِزقٍ أنه مُخَالف لسلف هذه الأمة المقتدى بهم لأن قدوتهم في ذلك الأنبيـاء والمرسليـن - عليهم الصلاة والسلام - الذين أخبر الله عنهم أنهم لا يسألون الناس أجراً على تبليغ دين ربهـم ونُصْرَتِه ونفعهمُ الناسَ في ذلك .

وإليك الأدلة فى السنة :

1- حديث عبدالرحمن بن شبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ اقرءوا القرآن واعملوا به ولا تجفوا عنه ولا تغلوا فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ]. رواه أحمد والطبراني وغيرهما وقال الهيثمي : " رجاله ثقات" وقال الحافظ في الفتح : "وسنده قوي"، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " وصححه شعيب الأرناؤوط

دل الحديث على : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل بالقرآن والتكسب به والنهي عند الإطلاق يفيد التحريم لأنه لم يتصل بقرينة تصرفه الى الكراهة فأفاد تحريم أخذ الأجرة على قراءة القرآن أو تعليمه . فلا نتقرب إلى الله بأمر قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال المناويُّ رحمه الله في "فيض القدير" :

قوله : ((ولا تأكلوا به)) أي :  ينهى الحديث عن جعل القرآن سبباَ للعيش والإكثار من الدنيا به بل ينبغي أن يكون تعليم القرآن حسبة لوجه الله تعالى .اه (وانظر الفتح الربانى للساعاتى)

* قال ميمون بن مهران : يا أصحاب القرآن لا تتخذوه بضاعة تلتمسوا به الشف في الدنيا -يعني الربح- واطلبوا الدنيا بالدنيا، والآخرة بالآخرة".اه (تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر - ج (٦١)))

قال عبدالرحمن بن مصعبٍ : كان رجل ضرير يجالس سُفْيان الثَّوري فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى ويعطى. فقال سُفْيان : إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم ويقال لمثل هذا : قد تعجَّلت ثوابك في الدنيا فقال : يا أبا عبدالله، تقول لي هذا وأنا جليسك؟ قال : أخاف أن يقال لي يوم القيامة : كان هذا جليسَك، أفلا نصحتَه. (حلية الأولياء( ١٦/٧))

وقد سُئل « عبدُ الله بن المبارك » عن سَفَلة الناس ؟! ، فقال : الذي يأكل بدِينِه(مختصر تاريخ دمشق)

صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وَشُرَيْحٍ : لَا تَأْخُذْ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا. ينظر(المحلى لابن حزم)

2- عن عثمان بن أبي العاص رضي الله تعالى عنه، قال : كان آخر ما عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أتخذ مؤذنا يأخذ على الأذان أجرا  . ((صحيح سنن أبي داود)) (531)

 فإذا كانَ هذا في الأذان وهو أقلُّ شأناً من القرآن فما بَالُكَ بالقرآن وأخْذِ الأُجْرة عليه ؟!.

3- حديث أبى بن كعب أنه قال : علَّمتُ رجلًا القرآنَ فأَهدى إليَّ قوسًا فذَكرتُ ذلِكَ للنبيِّ فقالَ إن أخذتَها أخذتَ قوسًا من نارٍ فرددتُها. ( إرواء الغليل . صحيح )

فهذا الحَديثِ يدلُّ على أنَّ أخْذَ الأُجرةِ والعِوَضِ على تَعليمِ القُرآنِ غيرُ مُباحٍ وعلى المُسلِمِ أنْ يَتحرَّى في مَكسَبِهِ الحَلالَ .

كما رد الحديث على من زعم أن الأجرة تحرم إذا كانت باستشراف نفس وسؤال فإن الصحابي أبي بن كعب لم يحدث له شئ من ذلك ومع ذلك نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال الماوردى رحمه الله :

يدل الحديث على حرمة أخذ أجرة مقابل تعليم القرآن الكريم وذلك لنهي النبي عليه السلام الصريح لأبيّ من أخذ القوس ممن علمه القرآن؛ 

لأن أخذ ذلك سيكون عوضاً وأجرة بدل التعليم وهذا منهي عنه، كون النبي عليه الصلاة والسلام هدد وتوعد وعيداً شديداً بالنار لمن يقبل الأجرة والعوض على تعليم القرآن ولو على سبيل الهدية والهبة .اه (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي)

4- حديث أبو سعيد الخدرى أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يكون خلف من بعد ستين سنة، أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن، لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر"، قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: "المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به. (تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط -اسناده حسن) وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3034)

دل الحديث على ذم من يأخذ على القراءة أجرًا فى الدنيا .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لإياس بن عامر: "إنك إن بقيت فسيقرأ القرآن ثلاثة أصناف صنف لله، وصنف للدنيا، وصنف للجدل".اه (سنن الدارمي)

5- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : خَرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ونحنُ نقرأُ القرآنَ وفينا الأعرابيُّ والأعجَميُّ، فقالَ: اقرَءوا فَكُلٌّ حسَنٌ وسيَجيءُ أقوامٌ يقيمونَهُ كما يقامُ القِدْحُ يتعجَّلونَهُ ولا يتأجَّلونَهُ. (صحيح أبي داود)

وفى هذا الحديث ذم المتكلفين في القراءة المتعمقين في إخراج الحروف.

وجاء فى عون المعبود على شرح سنن أبي داود : وقوله : " يتَعجَّلونَه " أي : أي ثوابه في الدنيا " ولا يتَأجَّلونَه " أي : لا يَطْلُبونَ الأَجْرَ في الآخِرَةِ بل يؤثرون العاجلة على الآجلة .اه

6- حديث أبو هريرة مرفوعا : من تعلَّمَ عِلمًا يبتغى - يعني به وجهَ اللهِ - لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عَرَضًا من الدنيا لم يجد عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ- يعني ريحَها. (صحيح سنن أبي داود)

وفي الحديث : الحثُّ على طَلَبِ العِلمِ لوَجْهِ اللهِ أي : هذا العِلمُ الذي تعلَّمَه كان من المُفتَرَضِ أنْ يَطلُبَه للهِ. " لا يتعلَّمُه إلَّا لِيُصيبَ به عَرَضًا من الدُّنيا " أي : أنَّه تعلَّمَ العِلمَ لِيُصيبَ به مَتاعَ الدُّنيا وعَرَضَها وزينتَها، أو سُمعةً أو رِياءً أو ظُهورًا أو لمَنصِبٍ أو مَنزِلَةٍ أو مالٍ فإنْ كان حالُه ذلك  " لم يَجِدْ عَرفَ الجَنَّةِ يَومَ القِيامَةِ " والمُرادُ : أنَّه لن يَنفَعَه عِلمُه يَومَ القِيامَةِ بل يُحبِطُه اللهُ .

قال الشوكانى رحمه الله :

ودل على أن التعلم والتعليم يشترط فيه الإخلاص وأخذ الأجرة عليه ينافي ذلك .اه انظر:(نيل الأوطار: (5/ 322))

7- عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بشِّرْ هذهِ الأُمَّةَ بالسَّناءِ والدِّينِ والرِّفعةِ ، والتَّمكينِ في الأرضِ ، فمَن عمِلَ منهُم عَمَلَ الآخرةِ للدُّنيا  لَم يكُن لهُ في الآخرةِ مِن نصيبٍ. (صحيح الترغيب والترغيب)

 قوله " فمن عمل منهم " : أي : بعد أن أحسن الله تعالى إليهم بما ذكر، ينبغي لهم الإخلاص وطلب الآخرة، وترك النظر إلى الدنيا، فمن فعل مع ذلك خلافه، استحق هذه العقوبة .اه (حاشية مسند الإمام أحمد بن حنبل - مسند الأنصار - مسند أبي المنذر أبي بن كعب)

8- روى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده : أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون أن يأخذوا على الغلمان في الكتاب أجراً .اه (المصنف، ج4، ص(347))

9- ذكر ابن حزم رحمه الله : قال شعبة في روايته : إن عمار بن ياسر أعطى قوما قرءوا القرآن في رمضان فبلغ ذلك عمر فكرهه - وقال سفيان في روايته : إن سعد بن أبي وقاص قال : من قرأ القرآن ألحقته على ألفين . فقال عمر أو يعطى على كتاب الله ثمنا ؟ . وصح عن عبد الله بن يزيد  وشريح : لا تأخذ لكتاب الله ثمنا .اه (انظر: ابن حزم، المحلى، ج9، ص(14))

كما أنه لا تقاس الرقية بالتعليم لأن الرقية نوع من التداوي فهي من الأمور المباحة وليست مثل التعليم إذ هو عبادة وقربة فالقياس عليها قياس مع الفارق .

قال ابن تيمية رحمه الله :

 والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلِّمون بغير أجرة ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلاً . اهـ (مجموع الفتاوى: (30/ 204))

قال شيخ الإسلام ابن القيِّم 

"... ولا يُنافي هذا قوله : « إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله » في قصة الرقية لأن تلك جعالة على الطب فطبُّه بالقرآن، فأخذ الأجرة على الطبِّ لا على تعليم القرآن، وههنا منعه مِن أخْذ الأُجرة على تعليم القرآن فإنَّ الله تعالى قال لنبيِّه : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}. [الأنعام: 90]، وقال تعالى : {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}. [سبأ: 47] وقال تعالى : {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا}. [يس: 21]، فلا يجوز أخذ الأجرة على تبليغ الإسلام والقرآن " .اه  (إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 254))

وقال أيضا رحمه الله :

وَنحن نمْنَع من أَخذ الْأُجْرَة على كل قربَة ونحبط بِأخذ الْأجر عَلَيْهَا كالقضاء والفتيا وَتَعْلِيم الْعلم وَالصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وَغَيرهَا فَلَا يثيب الله عَلَيْهَا إِلَّا لمخلص اخلص الْعَمَل لوجهه 

فَإِذا فعله للأجرة لم يثب عَلَيْهِ الْفَاعِل وَلَا الْمُسْتَأْجر فَلَا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع أَن يَجْعَل الْعِبَادَات الْخَالِصَة لَهُ معاملات تقصد بهَا الْمُعَاوَضَات والإكساب الدُّنْيَوِيَّة . انتهى من (كتاب الروح - ص(163))

قال ابن تيمية رحمه الله :

أما تعليم القرآن والعلم بغير أجرة فهو أفضل الأعمال وأحبها إلى الله وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام ليس هذا مما يخفى على أحد ممن نشأ بديار الإسلام والصحابة والتابعون وتابعوا التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلمون بغير أجرة ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلا . انتهى من (مجموع الفتاوى٢٠٤/٣٠)

وقال أيضا رحمه الله :

ومأخذ العلماء في عدم جواز الاستئجار على هذا النفع : أن هذه الأعمال يختص أن يكون فاعلها من أهل القرب بتعليم القران والحديث والفقه والإمامة والأذان لا يجوز أن يفعله كافر ولا يفعله إلا مسلم . 

 بخلاف النفع الذي يفعله المسلم والكافر : كالبناء والخياطة والنسج ونحو ذلك . وإذا فعل العمل بالأجرة لم يبق عبادة لله فإنه يبقى مستحقا بالعوض معمولا لأجله . والعمل إذا عمل للعوض لم يبق عبادة : كالصناعات التي تعمل بالأجرة .

 فمن قال : لا يجوز الاستئجار على هذه الأعمال قال : إنه لا يجوز إيقاعها على غير وجه العبادة لله .انتهى باختصار (مجموع الفتاوى - (30 / 204))

وروي عن ابن مسعود أنه قال : " أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء ". ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي .اه (نيل الأوطار للشوكانى)

وقال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله :

أخذ العوض على التحديث يشبه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله . انتهى من (علوم الحديث٢٣٥)

وقال العلامة الألباني رحمه الله :

كل العبادات لا يجوز أن يأخذ عليها أجر كل العبادات منها ما جاء النص العام فيدخل في النص العام كل عبادة وكل ما كان دينًا ، كمثل قوله تعالى (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) وكذلك قوله تعالى (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) . الآية الأولى صريحة الدلالة فيّ الموضوع (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )) ، 

أما الآية الأخرى فتحتاج إلى شيء من الشرح والبيان مما ذكره علماء التفسير . فقوله تعالى (( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا )) قالوا العمل الصالح هو الموافق للسنة أي فمن كان مخالفًا للسنة فهو ليس عملاً صالحًا ، 

وهذا قد جاءت فيه أحاديث كثيرة تترًا عن النبي صلى الله عليه وسلم كمثل قوله فيّ الحديث المشهور المعروف في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ ) ، والأحاديث فيّ هذا المعنى معروفة إن شاء الله فلا حاجة لإيثترة الكلام بذكرها .

فقوله تعالى (( فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا )) ، أي موافق للسنة (( وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) ، أي لا يطلب أجر تلك العبادة من غيره تبارك وتعالى والأحاديث التي تأمر بإخلاص النية فيّ الطاعة والعبادة هي أيضًا كثيرة ومشهورة .

فهذا النص القرآني بعد شرحه مع النص الأول كلاهما نصٌ عام على أنه العبادة لا تكون عبادة إلا بشرطين اثنين الشرط الأول أن يكون على وجه السنة. الشرط الثاني : أن يكون خالصًا لوجه الله تبارك وتعالى فهذه نصوص عامة تشمل كل عبادة ، 

أما بالنسبة للقرآن فهناك نصوص خاصة ، من أشهرها وأصحها قوله عليه الصلاة و السلام ( تعاهدوا هذا القرآن وتغنوا به قبل أن يأتي أقوامٌ يتعجلونه ولا يتأجلونه ) يتعجلونه أي يطلبون أجره العاجل ولا يتأجلونه أي ما يطلبون الأجر الآجل فيّ الآخرة .

 فلهذا كله لا يجوز للمسلم أن يبتغي من وراء عبادةٍ يقوم بها أجرًا إلا من الله تبارك وتعالى وعلى هذا فليست القضية متعلقة بتلاوة القرآن فقط وبصورة خاصة على حاله التي وصل إليها بعض القراء اليوم حيث صَدَق فيهم نبأ الرسول الكريم المذكور آنفًا قبل ( أن يأتي أقوامٌ يتعجلونه ولا يتأجلونه ).

فالمسألة أعم وأوسع من ذلك كثير فلا فرق بين من يتلو القرآن للتلاوة فقط ويأخذ أجرًا ، وبين من يعلم القرآن ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يفسر القرآن ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يعلم الحديث ويأخذ عليه أجرًا ، وبين من يؤم ويؤذن ويخدم المسجد كل هذه عبادات لا يجوز لأي مسلمٍ أن يبتغي من رواء ذلك أجرًا إلا من عند الله تبارك وتعالى .اه (سلسلة الهدى والنور-(656))

وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

ما حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن؟

الإجابة :

 قراءة القرآن بالأجرة حرام، لأن قراءة القرآن عملٌ صالح، والعمل الصالح لا يجوز أن يُتخذ وسيلة للدنيا، فإن اتخذ وسيلة لها بطل ثوابه لقوله تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، 

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه "، فقارئ القرآن لأخذ الأجرة ليس له ثواب عند الله وعلى هذا فلا ينتفع الميت بقراءته .اه (مجموع فتاوى العثيمين المجلد الثاني عشر - باب الأذان والإقامة). 

فالأدلة هنا من حيث الصحة جميعها صحيح رغم محاولة المجوزين تضعيفها وقولهم بأنها وقائع أعيان ومحتملـة التأويل وأن النهي الوارد فيها قد يحمل على الكراهة وليس على الحرمة كما أنه لا يجوز الحكم على كل واقعة بأنها قضية عين بمجرد الإحتمال هكذا دون دليل واضح .

-----------------------------------------------------------------------------------------------

وأما من أجاز أخذ الأجرة من العلماء 

فأدلتهم ليست قطعية فكلها يتطرق إليها الإحتمال والدليل إذا تطرق إليه الإحتمال سقط به الإستدلال كما هو مقرر. 

وأقوى ما استدلوا به حديثين وهما :

الحديث الأول : 

ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً، حتى قدموا المدينة فقالوا يارسول الله: أخذ على كتاب الله أجراً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله. رواه البخارى

والرد على ذلك : 

أن النبي عليه الصلاة والسلام يعني بالأجر هنا الجعل في الرقية وليس أخذ الأجرة على التعليم لأنه ذكر ذلك عليه الصلاة والسلام في سياق خبر الرقية كما أن هذا الحديث وارد في باب أخذ الأجرة على الرقية لا على تعليم القرآن 

فالعوض المأخوذ هو جعل على الرقية والرقية نوع مداواة وهذه يباح أخذ الأجرة عليها لأنها علاج ومداواة، 

والعلاج ليس واجباً على كل الناس تعلمه وتعليمه خلافاً لتعليم القرآن فهو واجب على الناس تعليمه وإن أخذ الأجرة على تعليمه يكون كأخذ الجعل على تعليم الصلاة لأنها تتوقف على القرآن ولهذا فلا يصح أخذ الأجرة لأن الرقية ليست بقربة محضة فجاز أخذ الأجرة عليها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :وكان الْجُعْل على عافيةِ مريض القوم لا على التلاوة ). [مجموع الفتاوى (18/128)]

وانظر رعاك الله إلى قول الصحابة رضى الله عنهم لصحابهم : ( أخَذْتَ على كتابِ الله أجْـراً ! ) ؛ فالْمُتقرِّر عند الصحابة رضى الله عنهم أنه لا يُؤْخَذ على كتاب الله أجراً ، وإنما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ ذلك حَلاَلٌ لهم بهذه المشارطة وحصول الشفاء وقد حصَل .

فهي إذاً مسألة عينية خاصَّة فى الرقية وإلا فلو كان ذلك عامًّا لفعَلَه الصحابة والسلف بل ولتنافسوا عليه لأنَّ صورةَ كلامِهِ لو كانَ عامًّا مُطْلقاً لكان معناه الإغراء والمدح لأخْذِ الأجرة على كتاب الله تعالى ؛ 

ولو أخَذْنا بفهم البعض للحديث بأنه عامٌّ مُطلَق لأصبح كتاب الله - عزَّ وَجَلَّ- بضاعةً وحِرفةً للتكسُّب - والعياذ بالله - ، وهذا خِلاف ما أُنزل من أجله وهو أن يهتدي به الناس إلى الله تعالى والـدَّار الآخرة لأنه شِفـاء للقلوب بالقصد الأول ، وشفاءٌ - أيضاً - للأبدان بغير أجْرة ولا أثمان .

وإنظر إلى « الفُضَيل بن عِياض » لَمَّا رأى من بعض التابعين كثرةَ تلاوة القرآن قال : ( إنَّما نزَل القرآن لِـيُعمل به فاتَّخذتم تلاوته عَمَلاً ) فقيل له : كيف العمل بـه ؟! ؛ فقال : ( لِيحلُّوا حلالَه ، ويُحرِّموا حرامه ، ويأتمروا بأوامره ، وينتهوا عن نواهيـه ، ويقفوا عند عجائبه )انتهى من (كتاب اقتضاء العلم العمل - الخطيب البغدادي). فهو ~ خاف انصراف الهِمَم إلى كثرة التلاوة مع التهاون بالعمـل ، فكيف إذاً لو رأى المحترفين بالقرآن في وقتِنا المتاجرين به ؟! .

فمن جعَل قول النبي صلى الله عليه وسلم  : ( إنَّ أحقَّ ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ). عامًّا مُطْلَقـاً فإنه مُخَالِف لِمُراد الله من إنزال القرآن.

كما أن الحديث براويتيه منقوض بحديثي "القوس" الذي نهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابيين (أُبي وعبادة) عن أخذ القوس إذا كان ذلك أجرة على تعليمهما القرآن.

قال العلامة الألباني رحمه الله :

قوله عليه الصلاة والسلام : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ) هذا الحديث في صحيح البخاري كما ذكرنا، وإنما قلنا : إنه لا يجوز الاستدلال به دراية مع صحته رواية؛ لأن لهذا الحديث مناسبة جاءت مقرونة مع الرواية نفسها، وهو في صحيح البخاري -كما قلنا- من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه : 

أنه كان في سرية مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمروا بقبيلة من القبائل العربية، فطلبوا منهم أن ينزلوا عليهم ضيوفاً، فأبوا، فنزلوا بعيداً عنهم، فقدر الله تبارك وتعالى أن أرسل عقرباً فلدغت أمير القبيلة، فأرسل أحد أتباعه إلى هؤلاء الذين أرادوا أن ينزلوا عليهم فأبوا، وقال: انظروا لعل عندهم شيء؛ لأنهم من أهل الحضر، فجاء الرسول من قبل ذلك الأمير، فعرض عليه أحد الصحابة أن يعالجه، ولكن اشترط عليه رءوساً من الغنم -أنا نسيت الآن، إما عشراً وإما مائة- وهو رئيس قبيلة وغني، فقبل ذلك، فما كان منه إلا أن رقاه بالفاتحة بعد أن مسح بالبصاق مكان اللدغ، فكأنما نشط من عقال.. هكذا يقول في الحديث، فأخذ الجعل وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محتاطاً لعله لا يجوز أن يستفيد منه، فقال له عليه الصلاة والسلام الحديث السابق : (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله).

فاختلف العلماء هنا، فالجمهور أخذ بالحديث مفسراً بالسبب، والشافعية أخذوا بالحديث دون ربطه بالسبب، وهذا هو السبب في الخلاف، وينبغي أن يكون معلوماً لدى كل طالب للعلم، أن من الضروري جداً لمن أراد التفقه ليس في السنة فقط، بل وفي القرآن أيضاً، أن يعرف أسباب نزول الآيات، وأسباب ورود الأحاديث.

فقد ذكر علماء التفسير أن معرفة سبب نزول الآية يساعد الباحث على معرفة نصف معنى الآية، والنصف الثاني يؤخذ من علم اللغة، وما يتعلق بها من معرفة الشريعةربط الحديث بسبب وروده مما يعين على فهمه كذلك نقتبس من هذا فنقول :

 كثير من الأحاديث لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً إلا مع ربطها بأسباب ورودها، منها هذا الحديث، وهناك أحاديث كثيرة، أيضاً، لا يمكن أن تفهم فهماً صحيحاً إلا بربط الرواية مع سببها، 

فحينما فصل الحديث : (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)عن سبب وروده؛ أعطى الإباحة العامة : (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله). فسواء كان الأجر مقابل التلاوة، أو كان مقابل تعليم القرآن، أو تفسير القرآن، وهكذا، فالحديث عام.

ولكننا إذا ربطناه بسبب الورود؛ تخصص هذا العموم للوارد، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، وبخاصة منهم علماء الحنفية، حينما فسروا هذا الحديث : (أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) في الرقية، فأضافوا هذه الجملة (في الرقية) أخذاً لها منهم من سبب ورود الحديث.

وهذا الأخذ لا بد منه؛ لكي لا يصطدم التفسير -إذا كان من النوع الأول- بقواعد إسلامية عامة ذكرناها آنفاً من بعض الآيات وبعض الأحاديث، وهذا من القواعد الأصولية الفقهية :

 أنه إذا جاء نص، سواءً كان قرآناً أو كان سنة، فلا يجوز أن يؤخذ على عمومه إلا منظوراً إليه في حدود النصوص الأخرى، التي قد تقيد دلالته، أو تخصصه فهذه كقاعدة لا خلاف فيها عند علماء الفقه والحديث، بل علماء المسلمين جميعاً.

وإنما الخلاف ينشأ من سببين اثنين : إما ألا يرد الحديث مطلقاً إلى بعضهم، أو أن يرجع إليه مطلقاً دون السبب الذي يوضح معناه، كما نحن في هذا الحديث بالذات .اه (سلسلة الهدى والنور-(656))

الحديث الثانى : 

ما روي عن سهل بن سعد رضي الله عنه : أن جاءت إمرأة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقالت : إني وهبتك من نفسي، فقامت طويلاً، فقال رجل : زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال : (هل عندك من شيء تصدقها؟) قال : ما عندي إلا إزاري فقال : (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئاً) فقال: ما أجد شيئاً فقال :(التمس ولو خاتماً من حديد) فلم يجد فقال : (أمعك من القرآن شيء؟) قال : نعم. سورة كذا وسورة كذا، بسور سماها فقال : (زوجناكها بما معك من القرآن)

والرد على ذلك :

1- أنه نقل عن أحمد جواز عقد النكاح بلا صداق لأن المهر ليس بعوض محض وإنما وجب نحلة وصلة ولهذا جاز خلو العقد عن تسميته و صح العقد مع فساد المهر، بخلاف الأجرة في غيره .اه ([ ابن قدامه، المغني، ج5، ص332])

2- يحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت عن المهر لأنه معلوم أنه لا بد منه كون الفروج لا تستباح إلا بالأموال لقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ). [24: النساء]، ولذكره تعالى في النكاح الطول وهو المال حيث قال : (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ).[25: النساء]، والقرآن ليس بمال .اه (انظر: العيني، البناية، ج10، ص280)

3- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم لها مهراً ولم يعطها صداقاً وأوصى لها بذلك عند موته .اه  ([انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ص1072]) 

ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامرأنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل : (أترضى أن أزوجك فلانة؟) قال : نعم. وقال للمرأة : (أترضين أن أزوجك فلاناً). قالت : نعم. فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقاً ولم يعطها شيئاً وكان ممن شهد الحديبية وله سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانه ولم أفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر، فأخذت سهماً فباعته بمائة ألف. ([صحيح سنن أبي داود]) إذن هذين الحديثين خارج محل النزاع .

ولك أن تصاب بالرعب 

عندما تقرأ حديث فى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من غازية تغزو فى سبيل الله فيصيبون الغنيمة , إلا تعجلوا ثلثى أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث , وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ". [أخرجه مسلم] ..

ففى هذا الحديث : أن الذين يغزون فيغنمون ويسلمون استعجلوا ثلثى أجرهم , أى : ضيعوا الثلثين من الاجر فى الدنيا , فلم يبق لهم فى الآخرة إلا الأجر القليل بخلاف من سلم ولم يغنم.. 

فالذى أخذته من الدنيا كم ضيعت فى مقابله من الآخرة فإن كل ما تأخذه من الدنيا مخصوم من حسابك فى الآخرة . انتهى

وأخيراً

لا يجوز أخذ الأجر على الطاعات فالأصل منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن الكريم لأن الأحاديث والأدلة المجوزة خاصة في الرقية فقط وتعميمها على التعليم لا يجوز وهو الذي كان عليه الصحابة والتابعون وكل خير في اتباع من سلف .

فاحتسب أجرك عند الله فالإحتساب في الطاعات يجعلها خالصة لوجه الله تعالى وليس لها جزاء إلا الجنة كما أنه علامة على صلاح العبد واستقامته ويبعد صاحبه عن شبهة الرياء وأن يكون من الآكلين لأموال الغير بالباطل فقد كان الصحابة رضى الله عنهم يتركون سبعين بابا من الحلال مخافة أن يقعوا في باب من الحرام .

فكن ورعاً فإنَّ اللَّهَ لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ لَهُ خالصًا وابتغيَ بِهِ وجهُهُ .

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى : " من أراد أن يأكل الخبز بالعلم فلتبك عليه البواكي ". (ربيع الأبرار ونصوص الأخيار [4/37]).


 والعلم عند الله

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات