الصحيح هو وقوع الطلاق مع الإثم ولكن لا يجوز تطليق المرأة حال كونها حائضًا أو نفساء فتطليقها حرام على هذه الحالة وهذا يسمى بالطلاق البِدْعِي والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته أن يوقع الطلاق في طهر لم يمسها فيه أو يطلقها حاملاً قد استبان حملها ولكن مع ذلك يقع الطلاق مع الإثم .على القول الراجح من جماهير أهل العلم واختاره الإمام الألبانى .
: والدليل
1- قال تعالى : الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ . [البقرة: 229] .
أن هذا يقتضي عموم الطلاق، وثبوت حكمه في حال الطهر والحيض وأما الطلاق البدعي كونه منهيا عنه لا يمنع وقوعه لأن الله تعالى جعل الظهار منكرا من القول وزورا وألزمه مع ذلك حكم التحريم . ينظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (5/27).(5/62).
2- ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : "مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء". وفي رواية للبخاري : "وحسبت طلقة".
فقوله صلى الله عليه وسلم : "مره فليراجعها" ولا تكون الرجعة إلا بعد طلاق سابق فدل ذلك على وقوع الطلاق في الحيض .
قال الماوردي :
" .. فموضع الدليل منه : أن أمره بالرجعة موجب لوقوع الطلاق لأن الرجعة لا تكون إلا بعد الطلاق" .اه
وقال العلامة الألبانى رحمه الله :
"وجملة القول :
إن الحديث -مع صحته وكثرة طرقه- فقد اضطرب الرواة عنه في طلقته الأولى في الحيض؛ هل اعتَدَّ بها أم لا؟ فانقسموا إلى قسمين :
القسم الأول :
من روى عنه الاعتداد بها وهم حسب الطرق المتقدمة :
الطريق الأولى :
نافع؛ ثبت ذلك عنه، من قوله وإخباره، وعنه عن ابن عمر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه جعلها واحدة".
الطريق الثانية :
سالم بن عبد الله بن عمر، وفيها قول ابن عمر أنها: "حُسِبَت عليه".
الطريق الثالثة :
قول ابن عمر أنها : "حُسِبَت عليه".
الطريق الرابعة :
قول ابن عمر أنها : "حُسِبَت عليه"، وفي رواية عنه : "أنه اعتد بها"، وفي أخرى : رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكن إسناد هذه ضعيف كما سبق بيانه خلافاً للحافظ.
الطريق الخامسة :
وفيها قول ابن عمر : "أنها حُسِبَت عليه".
الطريق الحادية عشر :
رفعه إلى النبي ﷺ.
والقسم الآخر :
الذين رووا عنه عدم الاعتداد بها
الطريق الخامسة :
قال : "فردَّ النبي ﷺ ذلك عليَّ".
الطريق السادسة :
أبو الزبير عنه مرفوعاً : "فردها عليّ ولم يرها شيئاً".
وطريق ثالثة :
أوردناها في التي قبلها : "ليس ذلك بشيء".
والقسم الأول أرجح لوجهين :
- الأول :
كثرة الطرق.
- الثاني :
قوة دلالة القسم الأول على المراد دلالة صريحة لا تقبل التأويل بخلاف القسم الآخر فهو محتمل التأويل . بمثل قول الشافعي : "ولم يرها شيئاً" أي صواباً، وليس نصاً في أنه لم يرها طلاقاً .
بخلاف القسم الأول فهو نص في أنه رآها طلاقاً فوجب تقديمه على القسم الآخر" .اه . ("ارواء الغليل تحت حديث( 2059 ) في الجزء السابع ، كتاب الطلاق").
- أيضا ففى هذا الحديث
أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بمراجعة زوجته حينما طلقها حائضا والمراجعة لا تكون إلا بعد الطلاق فدل ذلك على لزوم الطلقة لأنه لا يقال لرجل زوجته في عصمته راجعها ولو كانت غير لازمة لقال دعه فليس هذا بشيء أو مره فليمسكها ونحو ذلك والرجعة بعد ذكر الطلاق تنصرف إلى رجعة الطلاق فيحمل اللفظ على الحقيقة الشرعية لا اللغوية.
وقد جاء في السنة لفظ الرجعة في رد المطلقة رجعيا.
1- فعن فاطمة بنت قيس قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أنا بنت آل خالد وإن زوجي فلانا أرسل إلي بطلاقي وإني سألت أهله النفقة والسكنى فأبوا علي قالوا يا رسول الله إنه قد أرسل إليها بثلاث تطليقات قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة. (صحيح النسائي)
2- عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال : طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: مره فليراجعها حتى تحيض حيضة أخرى مستقبلة سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله. وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة، فحسبت من طلاقها، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم . (أخرجه البخاري (4908)، ومسلم (1471) واللفظ له).
دل هذا الحديث على أن الطلاق في الحيض واقع ويحتسب من عدد الطلقات بدليل ما ورد في الحديث " فحسبت من طلاقها " فكان هذا صريحا في احتساب الطلاق الواقع في الحيض والاعتداد به .
3- عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ : «حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ».صحيح البخاري (7/ 41)
وقد اختلف البعض هل هذه اللفظة من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول ابن عمر والراجح الذي رجحه الشيخ الألباني أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم وجد لها دليل كما في مسند أبي داود الطيالسي (1/68):
- حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : «أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فجعلها واحدة». (صححه الشيخ الالباني فى التعليقات الرضية رقم: 247/2 )
دل هذا الحديث أن طلاق ابن عمر في الحيض واقع ومحسوب من طلاقه إذن هذا الحديث نص فى موضع الخلاف .
وأما الذين تمسكوا بروايه مسلم:
"لم يرها شيئا " فتأويلها الصحيح لم يراها صوابا.
قال العلامة الألباني عن تردد ابن القيم فى ذلك : هذه الروايات مما لم يقف عليها ابن القيم رحمه الله تعالى وظني أنه لو وقف عليها لتبدد الشك الذي أبداه في رواية ابن وهب ولصار إلى القول بما دل عليه الحديث من الاعتداد بطلاق الحائض والله تعالى هو الموفق والهادي إلى سبيل الرشاد .اه (الإرواء (7/ 135)).
4- عن نافع : كانَ ابنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَهي حَائِضٌ يقولُ : أَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ إنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَرْجِعَهَا، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى، ثُمَّ يُمْهِلَهَا حتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، وَأَمَّا أَنْتَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا فقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ فِيما أَمَرَكَ به مِن طَلَاقِ امْرَأَتِكَ وَبَانَتْ مِنْكَ. (صحيح مسلم رقم: 1471)
قال ابن عبدالبر :
ابن عمر صاحب القصة يفتي بوقوع طلاق الحائض فأفتى من طلق ثلاثا في الحيض أنها لا تحل له ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتد بها لكانت الثلاث أيضا لا يعتد بها فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحسبها عليه طلقة لم يفت بوقوع طلاق الحائض .اه [التمهيد (15/ 63)]
5- قال عبيد الله : قلت لنافع ما صنعت التطليقة قال واحدة اعتد بها. "صحيح مسلم"
قال ابن المنذر :
كل من نحفظ عنه من أهل العلم وكذلك نقول ولا نعلم أحدا خالف ماذكرناه إلا فرقة من أهل البدع فإنهم زعموا أن الحائض لا يلحقها طلاق .اه [الأوسط (9/ 149)]
وقال الجصاص :
الاتفاق يوجب إيقاع الطلاق في الحيض وإن كان معصية وزعم بعض الجهال ممن لا يعد خلافه أنه لا يقع إذا طلق في الحيض .اه [أحكام القرآن (1/ 530)]
وقال ابن عبد البر :
وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار وجمهور علماء المسلمين وإن كان الطلاق عند جميعهم في الحيض بدعة غير سنة فهو لازم عند جميعهم ولا مخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال والجهل فإنهم يقولون إن الطلاق لغير سنة غير واقع ولا لازم وروي مثل ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أهل العلم من أهل الفقه والأثر في شيء من أمصار المسلمين .اه [التمهيد (15/ 58)]
وقال أيضا رحمه الله :
الطَّلاقُ في الحَيضِ لازِمٌ لِمن أوقَعَه، وإن كان فاعِلُه قد فَعَل ما كُرِهَ له؛ إذ تَرَك وَجهَ الطَّلاقِ وسُنَّتَه... وعلى هذا جماعةُ فُقَهاءِ الأمصارِ وجُمهورُ عُلَماءِ المسلمين، وإن كان الطَّلاقُ عند جميعِهم في الحَيضِ بِدعةً غَيرَ سُنَّةٍ، فهو لازِمٌ عند جميعِهم، ولا مخالِفَ في ذلك إلَّا أهلُ البِدَعِ . ((التمهيد)) (15/58).
وقال أبو الوليد ابن رشد :
ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر الطلقة التي طلقها في الحي فقال مره فليراجعها دل ذلك أيضا على أن الطلاق لسنة ولغير سنة وهو مذهب جميع الفقهاء وعامة العلماء ولا يشذ في ذلك عنهم إلا من لايعتد بخلافه منهم .اه [المقدمات (1/ 264)]
وقال القاضي عياض :
الطلاق في الحيض محرم ولكنه إذا وقع لزم... وذهب بعض الناس ممن شذ أنه لايقع الطلاق .اه [ إكمال المعلم (5/ 5،8)]
وقال القرطبي :
الطلاق في الحيض يقع ويلزم. وهو مذهب الجمهور خلافا لمن شذ .اه [ المفهم (4/ 225)]
وقال ابن قدامة :
وقع طلاقه في قول عامة أهل العلم قال ابن المنذر وابن عبد البر : لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال .اه [المغني (8/ 237)]
وقال النووي :
شذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه.. والصواب الأول وبه قال العلماء كافة .اه [شرح النووي على مسلم (10/ 88)]
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق