هل سبق لك أن شككت في عدد ركعات الصلاة التي قمت بها؟
إذا كانت الإجابة بنعم، فأنت لست وحدك.
يعاني الكثير من المسلمين من الشك في عدد ركعات الصلاة من وقت لآخر ولكن لا داعي للقلق.
فمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى من الركعات، فله حالتين :
1- فإنه يتحرى فى أثناء الصلاة فيفكر قليلا فإن ترجح له شيء عمل به سواء كانت زيادة أو نقص فيبني على ما ترجح عنده ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك : شخص يصلي العصر فيشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
2- وأما إن لم يترجح له شيء من الزيادة أو النقص أثناء الصلاة فيبني على اليقين وهو الأقل ويتم عليه ويسجد للسهو قبل السلام .
مثال ذلك : شخص يصلي العشاء فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول ويأتي بعده بركعتين ويسجد للسهو ويسلم .
ودليل ذلك :
1- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر كم صلى؟ ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع، كانتا ترغيما للشيطان )). رواه مسلم (571).
2- عن عبد الله ابن مسعود رضى الله عنه، قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة زاد فيها، أو نقص منها، فلما أتم قلنا : يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال : فثنى رجله فسجد سجدتين،
ثم قال : لو حدث في الصلاة شيء لأخبرتكم به، ولكن إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا أحدكم شك في صلاته فليتحرى الصواب، وليبن عليه، ثم ليسجد سجدتين . رواه البخاري
قال الإمام الشوكاني رحمه الله :
والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب؛ وذلك لأن التحري في اللغة - كما عرفت - هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب،
وقد أمر به صلى الله عليه وسلم، وأمر بالبناء على اليقين، والبناء على الأقل عند عروض الشك ،
فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك لغة - ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات - فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل؛
لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية ، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف،
وهذا المتحري قد حصلت له الدراية، وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد،
ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن، وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة، وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل . انتهى من ((نيل الأوطار)) (3/138).
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
في تعقباته على الشيخ سيد سابق رحمه الله في فقه السنة :
قوله بعد أن ذكر حديثين في بناء الشاك على اليقين : « وفي هذين الحديثين دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا شك المصلي في عدد الركعات بنى على الأقل المتيقن له ثم يسجد للسهو ».
قلت (الألباني) : لكن قد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - ما يدل على أن الحديثين المشار إليهما ليسا على إطلاقهما ، بل هما مقيدان بمن لم يغلب على رأيه شيء فهذا هو الذي يبني على الأقل،
وأما من ظهر له الصواب ولو كان الأكثر فإنه يأخذ به ويبني عليه وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: « إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب. في رواية : فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب.
وفي أخرى : فلينظر الذي يرى أنه الصواب. وفي أخرى : فليتحر أقرب ذلك من الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين ».
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم» والرواية الثانية والثالثة لهم إلا البخاري والرابعة للنسائي وهو عندهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد سلم النووي رحمه الله بأن الحديث ظاهر الدلالة على الأخذ بغالب الظن وعدم الاقتصار على الأقل كما هو مذهب أبي حنيفة.
ولكن النووي رحمه الله تأول الحديث وأخرجه عن ظاهره حتى يتفق مع مذهبه فحمل قوله فيه : « فليتحر » على الأخذ باليقين الذي هو الأقل،
ولا يخفى على المنصف بعد هذا التأويل بل بطلانه إذا أمعن النظر في الروايات التي ذكرتها للحديث مثل قوله : « فلينظر الذي يرى أنه الصواب » فإنه كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه ،
ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد : « فلم يدر كم صلى » فإن مفهومه أن من تحرى الصواب بعد الشك حتى درى كم صلى - أنه ليس له أن يبني على الأقل بل حكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث ،
وقد تولى بيانه حديث ابن مسعود حيث أمر - صلى الله عليه وسلم - فيه بالأخذ بما يظن أنه أقرب إلى الصواب سواء كان الأقل أو الأكثر ثم يسجد بعد التسليم سجدتين.
وأما في حالة الحيرة وعدم الدراية فإنه يبني على الأقل ويسجد قبل التسليم ، وفي هذا إشارة إلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه فتأمل...انتهى باختصار من [تمام المنة ص (٢٧٣)].
قال العلامة العثيمين رحمه الله :
الشك هو التردد بين أمرين أيهما الذي وقع والشك إذا كان بعد الفراغ من العبادات فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه .
مثال ذلك : شخص صلى الظهر فلما فرغ من صلاته شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فلا يلتفت لهذا الشك ،
إلا إن يتيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً فإنه يكمل صلاته إن قرب الزمن ثم يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم فإن لم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد .
وأما الشك في غير هذه المواضع الثلاثة فإنه معتبر ولا يخلو الشك في الصلاة من حالين :
الحال الأولى : أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
مثال ذلك : شخص يصلي الظهر فيشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم .
دليل ذلك : ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : « إذا شك أحدكم في صلاته فليتحرَّ الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين ». (رواه البخاري).
الحال الثانية : أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم .
مثال ذلك : شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول ويأتي بعده بركعتين ويسجد للسهو ويسلم .
دليل ذلك : ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : « إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان ».
ومن أمثلة الشك :
إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل ثم يركع وحينئذ لا يخلو من ثلاث حالات :
الأولى : أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع منه فيكون مدركاً للركعة وتسقط عنه قراءة الفاتحة .
الثانية : أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه فيه فقد فاتته الركعة .
الثالثة : أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركاً للركعة أو أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه ففاتته الركعة ،
فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بما ترجح فأتم عليه صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم إلا أن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا سجود عليه حينئذ .
وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين (وهو أن الركعة فاتته) فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم .
تبين مما سبق أن سجود السهو تارة يكون قبل السلام وتارة يكون بعده.
فيكون قبل السلام في موضعين :
الأول : إذا كان عن نقص ، لحديث عبد الله ابن بحينة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : سجد للسهو قبل السلام حين ترك التشهد الأول، وسبق ذكر الحديث بلفظه .
الثاني : إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وسبق ذكر الحديث بلفظه .
ويكون سجود السهو بعد السلام في موضعين :
الأول : إذا كان عن زيادة ، لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فذكَّروه بعد السلام فسجد سجدتين ثم سلم.
ولم يبين أن سجوده بعد السلام من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعده فدل على عموم الحكم وأن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام سواء علم بالزيادة قبل السلام أم بعده ، ومن ذلك :
إذا سلم قبل إتمام صلاته ناسياً ثم ذكر فأتمها فإنه زاد سلاماً في أثناء صلاته فيسجد بعد السلام ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه حين سلم النبي صلي الله عليه وسلم في صلا ة الظهر أو العصر من ركعتين فذكروه فأتم صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم، وسبق ذكر الحديث بلفظه.
الثاني : إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من شك في صلاته أن يتحرى الصواب فيتم عليه ثم يسلم ويسجد، وقد سبق ذكر الحديث بلفظه. انتهى باختصار من [((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (14/17)].
والله أعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق