✅ حديث "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديتُه" من الأحاديث المهمة التي تناولت مسائل القدر والهداية.
✅ يوضح الشيخ الألباني رحمه الله كيفية إزالة اللبس حول هذا الحديث، مبينًا الفرق بين ما يخص الله وما يخص المكلّف في الهداية والضلال.
1- معنى الحديث ومغزاه.
▣ قال الله - تبارك وتعالى: "يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه؛ فاستهدوني أهدِكم". (صحيح مسلم-رقم: (2577)).
✔ يشير الحديث إلى: أن الهداية والضلال بيد الله - عز وجل -، والإنسان مطالب بالاستجابة وطلب الهداية.
✔ الحديث يوضح حقيقة مهمة: أن الهداية من الله، لكن الإنسان مسؤول عن السعي وطلبها.
2- توضيح علاقة الحديث بالقضاء والقدر.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
قال الله - تبارك وتعالى : ( يا عبادي ، إني حرَّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرَّمًا ؛ فلا تظالموا . يا عبادي ، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه ؛ فاستهدوني أهدكم ) .
هذا الحديث له علاقة بالقضاء والقدر الذي أساءَ فهمَه كثيرٌ من المسلمين ، فكان فيهم مَن يقول بالجبر ، وبأن الإنسان لا يملك أن يكون سعيدًا ولا يملك أن يكون شقيًّا ، وإنما هو القدر المحتوم ؛
الحديث يردُّ على هؤلاء ، فيقول : ( كلكم ضالٌّ إلا من هديته ) ؛
إذًا ما دام الله كما قال في القرآن الكريم : "" يهدي من يشاء ويضل من يشاء "" نستسلم نحن لهذا الأمر الحقيقي الواقع أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ،
فإن كنا من المهتدين فسنهتدي ، وإن كنا من الضالِّين فلا سبيل للهداية ، فلنقل هكذا يأتي تتمة الجملة هذه في الرَّدِّ الصريح على مثل هذا الكلام المفضوح ، فيقول : ( فاستهدوني أهدِكم ). انتهى.
3- الحقائق المتعلقة بالله والمكلَّفين.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
بعد أن يقرِّر ( كلكم ضالٌّ إلا من هديته ) يقول ربُّ العالمين : اطلبوا مني الهداية أجعَلْكم من المهتدين ، إذًا هذا الحديث يقرِّر حقيقتين اثنتين ، إحداهما تتعلق بربِّ العالمين ، والأخرى تتعلق بالمكلَّفين ،
أما القضية الأولى التي تتعلق بربِّ العالمين هي أن الهداية هي من الله ، والضلال من الله ، (( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) بلا شك..
ولكن يأتي سؤال : من الذي أو الذين يضلُّهم الله ومن الذين يهديهم الله ؟
يأتي الجواب في القرآن وفي السنة ، أما الذي يضلُّهم الله، فقد قال الله - عز وجل - في حقِّ القرآن : "" يضل به من يشاء ، ويهدي به من يشاء "" (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )) ؛
إذًا الله يضلُّ الفاسقين ؛ أي : الذين يتعمَّدون الخروج عن طاعة ربِّ العالمين ، فهؤلاء الذين يضلُّهم ، ومن الذين يهديهم الله ؟
تسمعون الجواب في هذا الحديث ؛ هم الذين يُقبلون على الله بقلوبهم يطلبون منه أن يهديهم ؛ فإذًا الحديث يجمع بين حقيقتين اثنتين :
إحداهما : تتعلق بالله - عز وجل - وأنه فعَّال لما يريد ؛ يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، هذه حقيقة لا يجوز لأيِّ مسلم أن يشكَّ فيها أبدًا ،
ولكن هذه الحقيقة تتعلق بالله - عز وجل - وباختصاصه ليس لنا نحن دخل في ذلك.
أما الحقيقة الأخرى فهي التي تتعلق بنا : فهو - تبارك وتعالى - بعد أن يقول : ( كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه ) يأمرنا فيقول : ( فاستهدوني أهدِكُم ).انتهى.
4- مبدأ الأخذ بالأسباب.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
إذًا هذا الحديث يُثبِّت لنا قاعدة ، يؤسِّس لنا قاعدة ؛ وهي قاعدة الأخذ بالأسباب ، قاعدة الأخذ بالأسباب حتى في الهداية وفي الضلال ،
فالذي يطلب الهداية من الله فلا بد أن الله يهديه ، والذي يُعرِض عن الله - عز وجل - ولا يستهديه فسوف لا يهديه - تبارك وتعالى - ،
وفي صدد بيان هذا جاء قوله - تبارك وتعالى - في سورة الليل : (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )) .
فهذه الآية أو هاتان الآيتان تفسِّران لنا مبدأ الأخذ بالأسباب كهذا الحديث : ( فاستهدوني أهدِكُم ) ، خذوا بسبب الهداية وهو أن تطلبوا الهداية من الله دعاءً وعملًا ،
لا يكفي أن تدعوه أن يهديك وأنت تعرض عنه، وقد هداك كما قال - تعالى - : (( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )) ، دلَّنا على الطريقين طريق الخير وطريق الشر... انتهى.
5- تصحيح المفاهيم الخاطئة حول الجبر.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
إذا عرفنا هذه الحقيقة سهل علينا أن نفهمَ كثيرًا من الآيات وكثيرًا من الأحاديث النبوية، التي أحسن ما يُقال بالنسبة لبعض الناس أنهم لم يُحسِنُوا فهمَها ،
والواقع أنهم أساؤوا فهمَها أشدَّ الإساءة
من ذلك - مثلًا - الحديث المشهور الذي يقول : إن الله - عز وجل - لما خَلَقَ الخلقَ في عالم الذَّرِّ قبض قبضةً بيمينه ، فقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ،
وقبض قبضةً بشماله - وكما في بعض الأحاديث : ( وكلتا يدي ربي يمين ) - وقبض قبضةً بشماله فقال : هؤلاء للنار ولا أبالي .
يقول بعض الناس من أولئك الجبرية : إذًا القضية منتهية.. فلماذا نعمل ؟
جاء الجواب في الحديث : ( اعملوا فكلٌّ ميسَّر لِمَا خُلِقَ له ، فمَن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة ، ومَن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار ).
إذًا أهل الجنة يدخلون الجنة بأعمالهم ، وأهل النار يدخلون النار بأعمالهم ، وقد صرَّح ربنا - عز وجل - بشيء من هذا فقال : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ))،
والآية الأخرى : (( تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ))، ما قال : بما كُتِبَ عليكم ، أو بمَن كان من قبضة اليمين فهو من أهل الجنة ، ومن كان من قبضة الشمال فهو من أهل النار.انتهى.
6- تصحيح سوء فهم حديث “القبضتين”.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
ومن باب التوضيح لهذا الحديث حديث القبضتين يُوجب علينا التَّذكير بأن الله - عز وجل - : (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ))،
فكثير من الناس بسبب غفلتهم أو جهلهم أو ضلالتهم يتوهَّم أن قبضة الله هي كقبضة عبدٍ من عباد الله...
إذًا لمَّا قبض الله القبضة الأولى إنما قبض مَن عَلِمَ الله أنه حينما يُبعث في الدنيا وحينما يكون بشرًا سويًّا وتأتيه النُّذر والأنبياء والرسل ، ويدعونه إلى طاعة الله يستجيب،
فهذه القبضة إنما أحاطت بهؤلاء الذين سبقَ في علم الله - عز وجل - أنهم سيستجيبون لطاعته ، فهذه القبضة بحكمة وبعلم وبعدالة ،
والعكس بالعكس ؛ القبضة الأخرى إنما أحاطت بالذين سبقَ في علم الله - عز وجل - أنهم سيعصونه - تبارك وتعالى -؛ فإذًا هذه القبضة ليست قضية فوضى ؛ يعني خبط عشواء كما يُقال ، صدفة ، حظ ،
نصيب هاللي طلع باليمين فهو من أهل الجنة ، واللي طلع بالشمال فهو من أهل النار ؛ حاشا لله - عز وجل - أن يكون كذلك ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) .
إذًا كل حديث وكل آية يجب أن تُفسَّر على ضوء الأخذ بمبدأ الأسباب،.. فإذًا الجنة بالسبب ، وهو الإيمان والعمل الصالح ، والنار بالسبب، وهو الكفر والعمل الطالح ...
فيجب علينا أن نطلب الهداية من الله فهو يهدينا ، ( يا عبادي ، كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه ؛ فاستهدوني أهدِكُم ) .
أما أنُّو الإنسان يعيش الأبد الدهر كله ولا ينتصب إلى الله ، ولا يطلب منه هدايته ، ثم يقول : إن كان كتبني من أهل السعادة فأنا من أهل السعادة ، وإن كان كتبني الشقاوة فأنا من أهل الشقاوة؛
فهذا ضلال ليس بعده ضلال ؛ فهو ينكر مبدأ الأخذ بالأسباب... انتهى.
7- كيف أدّت العقائد المغلوطة إلى تراجع المسلمين؟
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
هذه العقائد هي في الواقع من أعظم الأسباب التي أودَتْ بالمسلمين إلى هذا الحضيض الذي هو فيه ؛ لأنهم عكسوا الأمور ؛ فيما يجب الأخذ فيه بالأسباب تركوا فيه العمل ،
كأن يقول الإنسان اليوم - وهذا موجود أيضًا - : إذا كان الله بينصرنا على اليهود بينصرنا ، ما في حاجة نتخذ الوسائل التي أمر الله بها في عديد من الآيات- كمثل الآية المشهورة : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) إلى آخر الآية .
... فحكموا على نفسهم بالموت وأنهم لا يحيون إلا بنزول عيسى ، من أين جاءهم هذا؟مِن ترك الأخذ بوسائل الحياة بوسائل العزَّة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة ،
أما السعادة التي لارتباط لها بالحياة الأخروية فهم - كما سمعتم - معتزلة ؛ يأخذون بكلِّ الأسباب ، أما الأسباب التي تعزُّهم بالدنيا قبل الآخرة فهم في ذلك موتى؛
فعلينا أن نتَّعظ بهذا الحديث خاصَّةً في قوله - تبارك وتعالى - : ( يا عبادي ، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديته فاستهدوني أهدِكُم ). انتهى.
8- الخلاصة والنصيحة.
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله :
إذًا فنصيحتي إياكم أن لا تنسوا هذه القاعدة ، قاعدة الأخذ بالأسباب أسباب الحياة ؛ سواء كانت دنيوية أو كانت أخروية ،
ومن ذلك من هذه الأسباب أن نطلب من الله - تبارك وتعالى - خاشعين ضارعين أن يجعَلَنا من عباده المهتدين ،
ومن تمام ذلك أن ندرس شرعَه كتابه وحديث نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه بذلك هدانا كما قال - عليه الصلاة والسلام.. انتهى من (متفرقات للألباني-(190)).
❓ الأسئلة الشائعة :
س: هل معنى “يهدي من يشاء ويضل من يشاء” أن العبد مجبور؟
ج: لا، بل يهدي الله من يطلب الهداية ويقبل عليه، ويضل من يعرض ويكفر.
س: ما سبب الهداية الحقيقي؟
ج: الدعاء، والعمل، والاتباع، ودراسة الكتاب والسنة.
س: هل حديث القبضتين يدل على أن الأعمال لا قيمة لها؟
ج: أبدًا، بل يدل على أن علم الله سابق، لكن دخول الجنة أو النار يكون بالعمل: “بما كنتم تعملون”.
✅ خلاصة حديث "يا عبادي كلكم ضال":
● حديث «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته… فاستهدوني أهدكم» ينسف الجبرية.
● الهداية بيد الله، لكن لها أسباب لا بد من فعلها.
● الله يضل الفاسقين ويهدي المقبلين عليه.
● حديث القبضتين لا يعني أن العمل لا قيمة له.
والله اعلم
اقرأ أيضا : اكتشف أقصر طرق الهداية إلى الله
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق