القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

كيف أطلب من الله الهداية؟ وما هى طرقها؟


اعلم أخى المسلم أن الهداية بيد الله وحده فهو الذي يهدي من يشاء ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً فهو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية .

ولا يعني أن الهداية بيد الله وحده أن العبد مجبر على أفعاله غير مختار لما يفعله فإنه تعالى خلق للعبد مشيئة وإرادة بها يختار فعل ما يريد وخلق له القدرة على فعل ما يريد فعله ويسره لفعل ما يختاره بإرادته وأنزل الكتب وأرسل الرسل وقطع المعاذير فمن أطاع الله ورسوله دخل الجنة ومن عصى الله ورسوله دخل النار كما قال سبحانه : ( قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ ) الأنعام/104 .

فالله تعالى لم يجبر العباد على أفعالهم بل جعل أفعالهم تبعا لاختيارهم فإن شاءوا فعلوا وإن شاءوا كفوا وهذا أمر مشاهد لا ينكره إلا من كابر وأنكر المحسوسات فإن كل أحد يفرق بين الحركة الاختيارية والحركة القسرية وإن كان الجميع داخلا في مشيئة الله ومندرجا تحت إرادته .

طلب الهداية من الله

قال الله تعالى فى الحديث القدسي : " فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ ". أي : سَلوني الهدَى واطلُبوه مِنِّي أُوفِّقكم لِلهداية فيا عبد الله متى طلبت الهداية من الله دعاءً وعملاً بصدق وافتقار إليه وإلحاح فإن الله يهديك .

فالذي يطلب الهداية من الله فلا بد أن الله يهديه والذي يُعرِض عن الله عز وجل ولا يستهديه فسوف لا يهديه - تبارك وتعالى. 

ولقد كان طلب الهداية حاضراً في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " اللهمَّ إني أسألُك الهدى والتقى، والعفافَ والغنى ". رواه مسلم.

 فالهداية والتوفيق من الله والأسباب من العباد والعبد كلما ترقى في العبودية اقترب من قمم أعلى وقد جعل سبحانه للهداية طرقاً توصل إليها:

1- منها : الدعاء والاعتصام بالله.

قال تعالى : ﴿ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [آل عمران: 101 ].

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

 " وإنما فرض عليه من الدعاء الراتب الذي يتكرر بتكرر الصلوات، بل الركعات فرضها ونفلها هو الدعاء الذي تتضمنه أم القرآن، وهو قوله تعالى‏ :﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾. [الفاتحة: 6، 7]؛ لأن كل عبد فهو مضطر دائماً إلى مقصود هذا الدعاء، وهو هداية الصراط المستقيم ".اهـ (الفتاوى 22/ (399)).

2- ومنها : خشية الله وإقامة الصلوات في بيوت الله

قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾.[التوبة: 18]

قال ابن مسعود رضي الله عنه :

 " من سرَّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فلْيحافظْ على هؤلاءِ الصلواتِ حيثُ يُنادَى بهنَّ، فإنَّ اللهَ شرع لنبيِّكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سَننَ الهُدى وإنهن من سَننِ الهُدى.". ( رواه مسلم ).

3- ومنها : تحقيق التوحيد بالله سبحانه.

قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾. [الأنعام: 82].
 
4- ومنها : الإستجابة لله ورسوله

قال تعالى : ﴿ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾. [الأعراف: 158]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

 إذا ألهم العبد أن يسأل الله الهداية ويستعينه على طاعته أعانه وهداه، وكان ذلك سبب سعادته في الدنيا والآخرة، وإذا خذل العبد فلم يعبد الله ولم يستغن به ولم يتوكل عليه وُكِلَ إلى حوله وقوته فيوليه الشيطان، وصد عن السبيل، وشقي في الدنيا والآخرة . اه (مجموع الفتاوى - المجلد الثامن).

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

 قال الله - تبارك وتعالى - : ( يا عبادي ، إني حرَّمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرَّمًا ؛ فلا تظالموا . يا عبادي ، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه ؛ فاستهدوني أهدكم ) .

هذا الحديث له علاقة بالقضاء والقدر الذي أساءَ فهمَه كثيرٌ من المسلمين ، فكان فيهم مَن يقول بالجبر ، وبأن الإنسان لا يملك أن يكون سعيدًا ولا يملك أن يكون شقيًّا ، وإنما هو القدر المحتوم ؛ فهذا الحديث يردُّ على هؤلاء ، فيقول : ( كلكم ضالٌّ إلا من هديته ) ؛ 

إذًا ما دام الله كما قال في القرآن الكريم : "" يهدي من يشاء ويضل من يشاء "" نستسلم نحن لهذا الأمر الحقيقي الواقع أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، فإن كنا من المهتدين فسنهتدي ، وإن كنا من الضالِّين فلا سبيل للهداية ، فلنقل هكذا يأتي تتمة الجملة هذه في الرَّدِّ الصريح على مثل هذا الكلام المفضوح ، فيقول : ( فاستهدوني أهدِكم ) .

بعد أن يقرِّر ( كلكم ضالٌّ إلا من هديته ) يقول ربُّ العالمين : اطلبوا مني الهداية أجعَلْكم من المهتدين ، إذًا هذا الحديث يقرِّر حقيقتين اثنتين ، إحداهما تتعلق بربِّ العالمين ، والأخرى تتعلق بالمكلَّفين ، 

أما القضية الأولى التي تتعلق بربِّ العالمين هي أن الهداية هي من الله ، والضلال من الله ، (( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) بلا شك ، ولكن الناس واقع أمرهم - أو بعضهم على الأقل - يؤمنون في عقيدتهم ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ، صحيح ربنا يقول : (( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )) ، ولكن يأتي سؤال : من الذي أو الذين يضلُّهم الله ومن الذين يهديهم الله ؟ 

يأتي الجواب في القرآن وفي السنة ، أما الذي يضلُّهم الله فقد قال الله - عز وجل - في حقِّ القرآن : "" يضل به من يشاء ، ويهدي به من يشاء "" (( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )) ؛ إذًا الله يضلُّ الفاسقين ؛ أي : الذين يتعمَّدون الخروج عن طاعة ربِّ العالمين ، فهؤلاء الذين يضلُّهم ، ومن الذين يهديهم الله ؟ 

تسمعون الجواب في هذا الحديث ؛ هم الذين يُقبلون على الله بقلوبهم يطلبون منه أن يهديهم ؛ فإذًا الحديث يجمع بين حقيقتين اثنتين ، إحداهما تتعلق بالله - عز وجل - وأنه فعَّال لما يريد ؛ يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، هذه حقيقة لا يجوز لأيِّ مسلم أن يشكَّ فيها أبدًا ، ولكن هذه الحقيقة تتعلق بالله - عز وجل - وباختصاصه ليس لنا نحن دخل في ذلك.

أما الحقيقة الأخرى فهي التي تتعلق بنا ؛ فهو - تبارك وتعالى - بعد أن يقول : ( كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه ) يأمرنا فيقول : ( فاستهدوني أهدِكُم ) ؛ إذًا هذا الحديث يُثبِّت لنا قاعدة ، يؤسِّس لنا قاعدة ؛ وهي قاعدة الأخذ بالأسباب ، قاعدة الأخذ بالأسباب حتى في الهداية وفي الضلال ، فالذي يطلب الهداية من الله فلا بد أن الله يهديه ، والذي يُعرِض عن الله - عز وجل - ولا يستهديه فسوف لا يهديه - تبارك وتعالى - ، 

وفي صدد بيان هذا جاء قوله - تبارك وتعالى - في سورة الليل : (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ))

فهذه الآية أو هاتان الآيتان تفسِّران لنا مبدأ الأخذ بالأسباب كهذا الحديث : ( فاستهدوني أهدِكُم ) ، خذوا بسبب الهداية وهو أن تطلبوا الهداية من الله دعاءً وعملًا ، لا يكفي أن تدعوه أن يهديك وأنت تعرض عنه وقد هداك كما قال - تعالى - : (( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ )) ، دلَّنا على الطريقين طريق الخير وطريق الشر ، ومن تمام دلالته - تبارك وتعالى - لنا على الطريقين أن قال لنا : هذا طريق الخير فاسلكوه ، وهذا طريق الشَّرِّ فاجتنبوه .

فكما أنُّو هذا الحديث يضع لنا سبب الهداية ؛ وذلك بأن نطلب من الله - عز وجل - بألسنتنا وقلوبنا أن يهدينا لما أنزل علينا من الحقِّ من القرآن الكريم ، وأن نستجيب نحن بدعوته وأن نعمل بهدايته - تبارك وتعالى - ، فكما أن هذا الحديث يُثبِت هذا المبدأ مبدأ الأخذ بالأسباب ؛ كذلك الآيات السابقات : (( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى )) ، فهؤلاء هم الذين يهديهم الله - عز وجل - لا العكس ، (( وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى )) .

إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي تتلخَّص بأن الله يهدي مَن توجَّه إليه وطلب الهداية منه ويضلُّ المعرضين عنه ؛ إذا عرفنا هذه الحقيقة سهل علينا أن نفهمَ كثيرًا من الآيات وكثيرًا من الأحاديث النبوية التي أحسن ما يُقال بالنسبة لبعض الناس أنهم لم يُحسِنُوا فهمَها ، والواقع أنهم أساؤوا فهمَها أشدَّ الإساءة ، من ذلك - مثلًا - الحديث المشهور ... ذلك الحديث المشهور الذي يقول : 

إن الله - عز وجل - لما خَلَقَ الخلقَ في عالم الذَّرِّ قبض قبضةً بيمينه ، فقال : هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي ، وقبض قبضةً بشماله - وكما في بعض الأحاديث : ( وكلتا يدي ربي يمين ) - وقبض قبضةً بشماله فقال : هؤلاء للنار ولا أبالي .

يقول بعض الناس من أولئك الجبرية : إذًا القضية منتهية ، فأنا إما من هذه القبضة قبضة اليمين ؛ أي : هو من أهل اليمين من الجنة ، وإما من هذه القبضة الأخرى ؛ فإن كنت من أهل القبضة الأخرى فما يُفيدني العمل الصالح شيئًا أبدًا ، وإن كنت من أهل القبضة الأولى فلا يضرُّني العمل الصالح أبدًا ؛ فلماذا نعمل ؟ 

جاء الجواب في الحديث : ( اعملوا فكلٌّ ميسَّر لِمَا خُلِقَ له ، فمَن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة ، ومَن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار ) . 

إذًا أهل الجنة يدخلون الجنة بأعمالهم ، وأهل النار يدخلون النار بأعمالهم ، وقد صرَّح ربنا - عز وجل - بشيء من هذا فقال : (( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ، والآية الأخرى : (( تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) ، ما قال : بما كُتِبَ عليكم ، أو بمَن كان من قبضة اليمين فهو من أهل الجنة ، ومن كان من قبضة الشمال فهو من أهل النار .........

إذًا لمَّا قبض الله القبضة الأولى إنما قبض مَن عَلِمَ الله أنه حينما يُبعث في الدنيا وحينما يكون بشرًا سويًّا وتأتيه النُّذر والأنبياء والرسل ، ويدعونه إلى طاعة الله يستجيب ؛ فهذه القبضة إنما أحاطت بهؤلاء الذين سبقَ في علم الله - عز وجل - أنهم سيستجيبون لطاعته ، فهذه القبضة بحكمة وبعلم وبعدالة ، 

والعكس بالعكس ؛ القبضة الأخرى إنما أحاطت بالذين سبقَ في علم الله - عز وجل - أنهم سيعصونه - تبارك وتعالى - ؛ فإذًا هذه القبضة ليست قضية فوضى ؛ يعني خبط عشواء كما يُقال ، صدفة ، حظ ، نصيب هاللي طلع باليمين فهو من أهل الجنة ، واللي طلع بالشمال فهو من أهل النار ؛ حاشا لله - عز وجل - أن يكون كذلك ، (( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )) .

....... فهنا يقول الله - عز وجل - منبِّهًا عباده بأننا فقراء وهو الغني ، بأننا ضعفاء وهو القوي ، بأننا ضالُّون فيجب علينا أن نطلب الهداية من الله فهو يهدينا ، ( يا عبادي ، كلُّكم ضالٌّ إلا من هديتُه ؛ فاستهدوني أهدِكُم ) .

أما أنُّو الإنسان يعيش الأبد الدهر كله ولا ينتصب إلى الله ، ولا يطلب منه هدايته ، ثم يقول : إن كان كتبني من أهل السعادة فأنا من أهل السعادة ، وإن كان كتبني الشقاوة فأنا من أهل الشقاوة ؛ فهذا ضلال ليس بعده ضلال ؛ فهو ينكر مبدأ الأخذ بالأسباب .

ومن عجائب الناس اليوم أنهم فيما يتعلَّق بأمور الإيمان والإسلام هم جبريُّون ، وفيما يتعلق بمسائل الحياة والمعيشة فهم معتزلة لا يؤمنون بالقدر ، فهم يسعون في الأرض سعيًا حثيثًا ؛ ليش ؟ لأنهم بيعرفوا بالتجربة أنُّو إذا ما خرج من بيته وركض وراء رزقه ما بيجيه الرزق ، لكن أهم من هذا الرزق وهو رزق الجنة هذا يأتيه بخبط عشواء كما يظن ؛ إن كان من القبضة اليمنى فهو من أهل الجنة ، وإلا فهو من أهل النار !!

هذه العقائد هي في الواقع من أعظم الأسباب التي أودَتْ بالمسلمين إلى هذا الحضيض الذي هووا فيه ؛ لأنهم عكسوا الأمور ؛ فيما يجب الأخذ فيه بالأسباب تركوا فيه العمل ، 

كأن يقول الإنسان اليوم - وهذا موجود أيضًا - : إذا كان الله بينصرنا على اليهود بينصرنا ، ما في حاجة نتخذ الوسائل التي أمر الله بها في عديد من الآيات كمثل الآية المشهورة : (( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ )) إلى آخر الآية .

وهذا ما وقع فيه - أيضًا - كثيرٌ من المتأخِّرين ما في " خواص " ، الأمة الإسلامية كل ما لها في تأخر حتى ينزل عيسى - عليه السلام - من السماء ويلتقي مع المهدي - عليه السلام - ؛ فيقتل الدجال ، ويُخرجون اليهود من بيت المقدس ، فحكموا على نفسهم بالموت وأنهم لا يحيون إلا بنزول عيسى ، من أين جاءهم هذا ؟ مِن ترك الأخذ بوسائل الحياة بوسائل العزَّة والسعادة في الدنيا قبل الآخرة ، 

أما السعادة التي لارتباط لها بالحياة الأخروية فهم - كما سمعتم - معتزلة ؛ يأخذون بكلِّ الأسباب ، أما الأسباب التي تعزُّهم بالدنيا قبل الآخرة فهم في ذلك موتى ؛ فعلينا أن نتَّعظ بهذا الحديث خاصَّةً في قوله - تبارك وتعالى - : ( يا عبادي ، كلكم ضالٌّ إلا مَن هديته فاستهدوني أهدِكُم ) .

إذًا فنصيحتي إياكم أن لا تنسوا هذه القاعدة ، قاعدة الأخذ بالأسباب أسباب الحياة ؛ سواء كانت دنيوية أو كانت أخروية ، ومن ذلك من هذه الأسباب أن نطلب من الله - تبارك وتعالى - خاشعين ضارعين أن يجعَلَنا من عباده المهتدين ، 

ومن تمام ذلك أن ندرس شرعَه كتابه وحديث نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه بذلك هدانا كما قال - عليه الصلاة والسلام - وبذلك أختم هذا الدرس في الحديث الصحيح المشهور : ( تركت فيكم أمرين لن تضلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما ؛ كتاب الله وسنَّتي ، لن يتفرَّقا حتى يَرِدَا عليَّ الحوض ) وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين . انتهى من (متفرقات للألباني-(190)).

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

إن الله تبارك وتعالى إنما يهدي من كان أهلاً للهداية ويضل من كان أهلاً للضلالة قال تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً). المائدة/13. وقال تعالى : { فلما زاغوا أزاغ اللّه قلوبهم}. سورة الصف.

فبين الله تبارك وتعالى أن أسباب إضلاله لمن ضل إنما هو بسبب من العبد نفسه والعبد لا يدرى ما قَدَّر الله تعالى له لأنه لا يعلم بالقدر إلا بعد وقوع المقدور . 

فما باله يسلك طريق الضلال ثم يحتج بأن الله تعالى قد أراد له ذلك !. أفلا يجدر به أن يسلك طريق الهداية ثم يقول : إن الله تعالى قد هداني للصراط المستقيم .أيجدر به أن يكون جبريا عند الضلالة وقدريا عند الطاعة !كلا.

فالإنسان في الحقيقة له قدرة وله اختيار وليس باب الهداية بأخفى من باب الرزق والإنسان كما هو معلوم لدى الجميع قد قُدِّر له ما قُدِّر من الرزق ومع ذلك هو يسعى في أسباب الرزق في بلده وخارج بلده يميناً وشمالاً لا يجلس في بيته.

فهذا الرزق أيضا مكتوب كما أن العمل من صالح أو سيئ مكتوب فما بالك تذهب يمينا وشمالاً وتجوب الأرض والفيافي طلباً لرزق الدنيا ، ولا تعمل عملا صالحا لطلب رزق الآخرة والفوز بدار النعيم !!.

إن البابين واحد ليس بينهما فرق

 فكما أنك تسعى لرزقك وتسعى لحياتك وامتداد أجلك ، فإذا مرضت بمرض ذهبت إلى أقطار الدنيا تريد الطبيب الماهر الذي يداوي مرضك ، ومع ذلك فإن لك ما قُدِّر من الأجل لا يزيد ولا ينقص ، ولست تعتمد على هذا وتقول : أبقى في بيتي مريضاً طريحاً وإن قُدِّر الله لي أن يمتد الأجل امتد . بل نجدك تسعى بكل ما تستطيع من قوة وبحث لتبحث عن الطبيب الذي ترى أنه أقرب الناس أن يُقَدِّر الله الشفاء على يديه. 

فلماذا لا يكون عملك في طريق الآخرة وفى العمل الصالح كطريقك فيما تعمل للدنيا ؟..اه (" رسالة في القضاء والقدر " (ص14-21)) . 

فاللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى يا ذا الجلال والإكرام ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾. [الفاتحة: 6، 7]. ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾. [آل عمران: 8] .


والله اعلم

هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات