⃣ يُعدّ سؤال : هل يجوز جماع الحائض بعد الطهر وقبل الغسل؟ من أكثر الأسئلة تكرارًا، خاصةً عند النساء اللاتي ينقطع عنهن دم الحيض قبل التمكن من الاغتسال مباشرة.
⃣ وفي هذا الموضوع سنعرض الحكم الصحيح، ومعنى التطهّر في الآية، وأقوال العلماء من السلف والخلف.
هل يجوز جماع الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الغسل؟
● عند انقطاع دم الحيض ورؤية الطهر، يجوز لزوج المرأة الحائض أن يجامعها إذا قامت بأيٍّ مما يلي:
1- الاغتسال الكامل وهو غسل جميع الجسد والرأس بالماء
2- الوضوء للصلاة
3- غسل موضع الدم فقط الخارج من فرجها.
✔ وفي حال عدم وجود الماء : تتيمم.
◄ فأيٌّ من هذه الوجوه الثلاثة فعلت، صار لها ولزوجها حلّ الجماع، وذلك لقوله تعالى: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
⃣ وهو قول : مجاهد، وعكرمة، وطاوس، والأوزاعي، وعطاء، وقتادة، ويحيى بن بكير، وابن عبد الحكم، وابن حزم، واختاره الألباني، ومحمد بازمول.
معنى "التطهر" في الشريعة.
● غسل المرأة : موضع الدم، أو تتوضأ، أو تغتسل بالكامل، يُسمّى "التطهر"، لعدة أسباب:
✔ لا يوجد دليل شرعي يوجب الغسل الكامل فقط عند انقطاع الدم.
✔ لا يوجد نص شرعي صحيح من الكتاب أو السنة أو الإجماع يمنع الجماع بعد أي من هذه الطهارات.
✔ لا تُلزم النصوص الشرعية حمل لفظة "التطهر" على الغسل فقط، بل تشمل جميع صور الطهارة الشرعية السابقة.
⃣ تنبيه مهم حول شبهة شائعة.
▣ لعلّ بعضهم يقول : لا يجوز وطؤها حتى يُحِلَّ لها الغسلُ الصلاة. لكن هذا خطأ، لأن:
الجماع ليس معلّقًا بالصلاة، فقد تكون المرأة جنبًا فيحل وطؤها ولا تحل لها الصلاة، وقد تكون معتكفة أو محرمة أو صائمة فتصلّي ولا يحل وطؤها،
فالصلاة شيء، وإباحة الوطء شيء آخر، ولا يلزم أن يجتمعا في حكم واحد.
النص القرآني الدال على ذلك :
▪️ قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾. (البقرة 222).
✅ فالمراد بالتطهّر في قوله {فإذا تطهَّرن} يشمل غسلَ موضع الدم أو الوضوء أو الغسل؛ فالآية مطلقة تشمل هذه الأنواع الثلاثة، ولا دليل يخصّه بالاغتسال وحده، إذ الآية علّقت جواز جماع الحائض على أمرين:
1- انقطاع دم الحيض عن المرأة، ويكون الانقطاع هو الغاية النهائية المانعة لقرب الزوج منها (يطهرن).
2- التطهّر بفعل المرأة، فتغسل موضع الدم، أو تتوضأ، أو تغتسل بالكامل (يتطهّرن). وبأي منها قامت يُحلّ لزوجها الجماع.
⃣ قال الشيخ محمد عمر بازمول حفظه- فى تفسير معنى التطهّر في الآية:
قراءة : (حَتَّىَ يَطْهُرْنَ) بالتخفيف، أي: ينقطع الدم عنهن. فيكون المعنى:
نهى الله عباده عن قرب الحائض حتى ينقطع دم الحيض، فيكون انقطاع دم الحيض غاية النهاية عن قربانهن. [معاني القرآن للفراء (1/143)، تفسير الطبري (2/385)].
وقراءة : (حَتَّىَ يَطّهَرْنَ) بالتشديد، أي: يستعملن الماء، بأن تغسل موضع الدم منها فقط، أو تتوضأ أو تغتسل، أي ذلك فعلت جاز لها، وأباح لزوجها قربانها. [معاني القرآن لنحاس (1/183)، تفسير الطبري (2/385)].
ويتحصل من القراءاتين : عدم جواز قربان المرأة حتى ينقطع عنها دم الحيض، وحتى تغسل موضع الدم منها بالماء، أو تتوضأ أو تغتسل..[تفسير الزمخشري (1/134)، تفسير الرازي (6/68)، تفسير البيضاوي (ص:78)].. ينظر:(كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة).
خطأُ حصر معنى التطهّر في قوله ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ في الغسل الشرعي فقط لأجل الجماع.
● لأن كل ما تقدَّم ذكره من (الغسل أو الوضوء أو غسل الفرج أو التيمم) يدخل في معنى التطهّر في الشريعة واللغة، ويُسمّى: تطهُّرًا، وطَهورًا، وطُهرًا. فمن فعل شيئًا من ذلك فقد حصل له التطهّر.
◄ فليس في النصوص ما يدلّ على أن معنى التطهّر في قوله ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ هو الاغتسال فقط؛ إذ جاء لفظُ "التطهّر" في السنة بمعنى غسلِ موضع الدم، وسُمِّي بذلك تطهّرًا، فمن ذلك حديث عَائِشَةَ :
أن امرأة سألت النبي ﷺ عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة من مسك، فتطهري بها قالت: كيف أتطهر؟
قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله، تطهري فاجتبذتها إلي، فقلت: تتبعي بها أثر الدم. (البخاري ومسلم).
▣ ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾. (التوبة: 108)، وجاءت النصوص وأقوال أهل العلم : بأن المراد بالطهارة في هذه الآية هو غسل الفرج والدبر بالماء، وليس الغسل الشرعي الكامل.
▣ كما قال النبي ﷺ: «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»، وفيه دليل واضح على أن التيمم طهور معتبر يرفع الحدث والجنابة، مما يدل على أن التطهّر أوسع من مجرد الغسل الكامل.
▣ وقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾، وثبت عنه ﷺ: «لا يَقْبَلُ اللهُ صَلاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ»، أي بدون وضوء، وهو نوع من التطهّر أيضًا.
◄ فأما من زعم أن قوله تعالى : ﴿فَإِذَا تَطَهَّرْنَ﴾ لا يشمل إلا الغسل الشرعي دون الوضوء أو التيمم أو غسل الموضع؛ فقد تكلّم بغير علم، وخصّص ما أطلقه الله بغير دليل، وخالف استعمال اللفظ لغةً وشرعًا.
◄ ولو كان المراد من الطهارة في الآية نوعًا محدّدًا دون غيره، لبيّن النبي ﷺ ذلك بيانًا شافيًا، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
✔ فإن قيل : الاقتصار على الغسل الكامل أحوط، فالجواب : معاذ الله! بل الأحوط ألا نحرّم ما أحلّ الله بلا يقين ولا برهان.
زوال الأذى هو علّة المنع من جماع الحائض، وبه يزول الحكم.
● المانع من قربان الحائض هو وجود الأذى بنص القرآن: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾، فدلّ على أن عِلّة المنع هي وجود الأذى، فإذا انقطع الدم زال الأذى، فزال الحكم بزوال علّته.
● ولولا أن الآية أمرت بالتطهر قبل قربانها لكان الراجح جواز وطئها بمجرد انقطاع الدم، ولكن الله أمر بأمر زائد على مجرد طهرها بانقطاع الدم حتى تحل لزوجها، ألا وهو التطهر.
● ويكفي المرأة بعد انقطاع الدم أن تغسل فرجها لإزالة أثره؛ فهذا يُعتبر تطهّرًا،
إذ التطهّر — كما نصّ ابن حزم — يكون بالغسل الكامل، أو بالوضوء، أو بمجرد غسل الفرج، كما دلّت عليه الآية وسبب نزولها، وهو الأليق بحال الحائض عند الطهر.
أقوال العلماء في المسألة :
★ قال الإمام ابن حزم رحمه الله:
... وجب حمل الآية على مقتضاها وعمومها، لا يجوز غير ذلك، ولا يجوز تخصيصها، ولا الأختصار على بعض ما يقع عليه لفظها دون كل ما يقع عليه بالدعوى الكاذبة،
فيكون إخبارا عن مراد الله تعالى بما لم يخبر به عز وجل عن مراده، وهذا حرام،
ونحن نشهد بشهادة الله عز وجل أنه تعالى لو أراد بعض ما يقع عليه اسم " تطهرن " دون سائر ما يقع عليه لاخبرنا به، ولبينه علينا، ولما وكلنا إلى التكهن والظنون.. ينظر: (المحلى (۱٠/ ۸۱)).
★ قال الشيخ الألباني رحمه الله:
فإذا طهرت من حيضها ، وانقطع الدم عنها ؛ جاز له وطؤها بعد أن تغسل موضع الدم منها فقط ، أو تتوضأ ، أو تغتسل ، أي ذلك فعلت ، جاز له إتيانها،
لقوله تبارك وتعالى في الآية السابقة : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين }.
وهو مذهب ابن حزم ١٠/٨١ ورواه عطاء وقتادة قالا في الحائض إذا رأت الطهر: أنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها. وهو مذهب الأوزاعي أيضا كما في "بداية المجتهد" ١/٤٤...
ثم اعلم أننا إنما خيرنا بين "أن تغسل الدم أو تتوضأ أو تغتسل" لأن اسم "التطهر" يقع على كل من هذه الأمورالثلاثة ...
وفي مثل المعنى الثاني وهو غسل الفرج بالماء- نزل قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}،
فإن المراد المتطهرين من الغائط - فقد صح أنه لما أنزلت هذه الآية- قال ﷺ لأهل قباء: "إن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم فما هذا الذي تطهورن به؟ "
قالوا: والله يا رسول الله مانعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود وكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا. قال: "هو ذاك فعليكم به" .
وقد استعمل التطهر بنفس هذا المعنى في حديث عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألت النبي ﷺ عن غسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل قال:
خذي فرصة من مسك، فتطهري بها قالت: كيف أتطهر؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله، تطهري فاجتبذتها إلي، فقلت: تتبعي بها أثر الدم. رواه البخاري ١/٢٢٩ – ٣٣٠ ومسلم ١/١٧٩ وغيرهما.
وبالجملة فليس في الدليل ما يحصر معنى قوله عز وجل : {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} بالغسل فقط، فالآية مطلقة تشمل المعاني الثلاثة السابق فبأيها أخذت الطاهر حلت لزوجها... ينظر:(كتاب:آداب الزفاف في السنة المطهرة للألباني رحمه الله).
★ قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله:
والذي يترجح- والله أعلم : أن المرأة تحل لزوجها إذا انقطع دم الحيض عنها ، وغسلت محل الدم، ويرجح ذلك الأمور التالية :
الأمر الأول : أنه ليس في هذه المسألة نص من الكتاب أو السنة، كما أنه لا يصح فيها إجماع، بل قد ذكر الإمام ابن جرير الطبري (ت ۳۱۰هـ) والإمام ابن حزم (ت٤٥٦هـ) يرحمهما الله الخلاف في المسألة .
قال ابن جرير الطبري (ت ۳۱۰هـ) الله : اختلف في التطهر الذي عناه الله تعالى ذكره فأحل له جماعها ، فقال بعضهم : هو الاغتسال بالماء، ولا يحل لزوجها أن يقربها حتى تغسل جميع بدنها .
وقال بعضهم : هو الوضوء للصلاة.
وقال آخرون : بل هو غسل الفرج ؛ فإذا غسلت فرجها فذلك تطهرها الذي يحل به لزوجها غشيانها». اهـ (تفسير الطبري (دار الفكر ) (٢/ ٣٨٥)).
... قلت : القول بأن تطهر المرأة بعد انقطاع الدم يكون بغسل موضع الدم أو بالوضوء أو بغسل جميع بدنها أي ذلك فعلت حلت لزوجها،
روي ذلك عن عطاء وقتادة فقالا جميعا في الحائض: إذا رأت الطهر فإنها تغسل فرجها ويصيبها زوجها.( المصنف لا بن أبي شيبة (١ (٩٦) المحلى (۱٠ (۸۱) ، الدر المنثور (١/ ٦٢٤))... ينظر:(كتاب الترجيح في مسائل الطهارة والصلاة).
الأسئلة الشائعة :
س1: هل يشترط الغسل الكامل ليحلّ وطء الحائض؟
الغسل أفضل، لكنه ليس شرطًا على الراجح، فيكفي غسل موضع الدم أو الوضوء.
س2: متى تحل المرأة لزوجها بعد الطهر؟
بعد انقطاع الدم وتحقيق أحد صور التطهّر الثلاثة: غسل موضع الدم، أو الوضوء، أو الغسل الكامل.
✅ الخلاصة :
• يجوز جماع الزوجة بعد انقطاع دم الحيض إذا اغتسلت، أو توضأت، أو غسلت الفرج، أو تيممت عند عدم وجود الماء.
• القول بإلزام الغسل فقط لا دليل شرعي عليه، ولفظة “تطهّر” تشمل جميع تلك الصور.
والله اعلم
اقرأ أيضا:
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق