💠 تُعد كرامات الأولياء من المسائل التي كثر فيها الجدل بين الناس، بين من يثبتها مطلقًا ومن يبالغ فيها حتى يخرج عن حدّ الاعتدال.
وفي هذا المنشور نوضح ضوابط الكرامة عند أهل السنة والجماعة، وكيف يميز المسلم بين الكرامة الحقيقية والخرافة أو الشعوذة، وفق منهج الكتاب والسنة.
ما هي الكرامة؟
● الكرامة هي أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد وليٍّ من أوليائه؛ تأييدًا له، أو إعانةً، أو تثبيتًا، أو نصرًا للدين.
◄ وليست الكرامة سحرًا ولا شعوذة، بل تُمنَح لأهل الإيمان والتقوى، ولا تكون أبدًا سببًا لمخالفة الشرع أو التهاون بالأوامر الإلهية.
ضوابط الكرامة عند أهل السنة والجماعة.
الضابط الأول : أن توافق الكرامة أحكام الشرع.
● فلا تكون الكرامة سببًا لترك واجب أو فعل محرَّم أو ابتداع عبادة لم ترد في النصوص، ولا تُستعمل في معصية الله.
فالله لا يكرم عبدًا بخبيث، ولا يجعل الطاعة سببًا لارتكاب المعصية.
✔ من ذلك : من يزعم أنه يُنقل إلى عرفة بلا إحرام ولا التزام بالمناسك، أو من يتخلف عن صلاة الجماعة بزعم أنه يصلي مع "رجال الغيب"، أو من يخبر الناس بأمورٍ تُعد غيبةً أو نميمة.
فهذه كلها باطلة، لأن الله لا يكرم عباده بما نهى عنه.
★ قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :
"قد لبَّس إبليس على قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم والحق لا يحتاج لتشييد بباطل".
ثم ساق قصة تُروى عن سهل بن عبد الله فيها : أن أحد الأولياء اشترط عليه أن يرمي ما معه من الزاد حتى يعطيه نور الولاية فتكون له خوارق العادات، ففعل، إلى أن قال سهل : فغشيني نور الولاية!.
ثم علَّق ابن الجوزي على القصة بقوله : " ويدل على أنها حكاية موضوعة قولهم : اطَّرِحْ ما معك لأن الأولياء لا يخالفون الشرع والشرع نهى عن إضاعة المال ". ينظر: (تلبيس إبليس، ص285).
★ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومنهم من يطير به الجني إلى مكة ، أو بيت المقدس أو غيرهما ، ومنهم من يحملهم عشية عرفة ، ثم يعيده من ليلته ، فلا يحج حجا شرعيا ، بل يذهب بثيابه ، ولا يحرم إذا حاذى الميقات ، ولا يلبي ،
ولا يقف بمزدلفة ، ولا يطوف بالبيت ، ولا يسعى بين الصفا والمروة ، ولا يرمي الجمار ، بل يقف بعرفة بثيابه ، ثم يرجع من ليلته ،
وهذا ليس بحج مشروع باتفاق المسلمين ، بل هو كمن يأتي الجمعة ويصلي بغير وضوء وإلى غير القبلة ". ينظر: " الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان " ( ص 171 ) .
الضابط الثاني : أن لا تتضمن الكرامة ما يستحيل شرعًا.
● فلا تصح دعوى من يزعم أنه يرى النبي ﷺ يقظة، أو يسمع من يقول له : " أبحتُ لك الحرام " أو " أسقطتُ عنك التكاليف "، فهذه خرافات مردودة.
★ قال الإمام الشاطبي رحمه الله :
" مخالفة الخوارق للشريعة دليل على بطلانها في نفسها وذلك أنها قد تكون في ظواهرها كالكرامات وليس كذلك بل من أعمال الشيطان.
كما يُحكى عن عبد القادر الجيلاني : أنه عطش عطشاً شديداً فإذا سحابة قد أقبلت وأمطرت عليه شبه الرذاذ حتى شرب ثم نودي من سحابة : يا فلان! أنا ربك، وقد أحللت لك المحرمات.
فقال له : اذهب يا لعين.! فاضمحلت السحابة. وقيل له : بِمَ عرفت أنه إبليس ؟ قال : بقوله : قد أحللت لك المحرمات. وأشباهه لو لم يكن الشرع حَكَماً فيه لما عرف أنها شيطانية ". ينظر: (الموافقات، 2/275-276 ).
◄ فما خالف نصوص الشريعة فهو من أعمال الشيطان لا من كرامات الأولياء.
الضابط الثالث : أن تكون الكرامة لأولياء الله المتقين.
● فالكرامة لا تكون إلا لمن عُرف بالإيمان والتقوى والاستقامة على الشريعة، قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
◄ أما من ظهرت له خوارق وهو ضعيف الإيمان أو فاسق السلوك، ففعله ليس كرامة بل استدراج أو سحر أو تلبيس من الشيطان.
★ قال العلامة ابن أبي جمرة رحمه الله :
خرق العادة قد يكون للصديق والزنديق، وهي للزنديق من طريق الإملاء والإغواء، وإنما تقع التفرقة بينهما -ما هو منها كرامة أو بلاء وإغواء- بالاتباع للكتاب والسنة. يُنظر: ((بهجة النفوس)) (4/ 239).
✅ الأسئلة الشائعة :
1- هل يمكن أن تقع الكرامة لغير المسلم؟
لا، لأن الكرامة تكون لأولياء الله المؤمنين المتقين، أما غير المسلم فقد تُظهر له الشياطين خوارق استدراجًا وإغواءً.
2- هل كل خرق للعادة يُعد كرامة؟
ليس كل خرق كرامة، فقد يكون سحرًا أو استدراجًا أو عملًا شيطانيًا، ويُعرف صدقه بموافقته للشرع.
3- ما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟
المعجزة تكون للنبي مقرونه بدعوى النبوة تأييدًا لرسالته،
أما الكرامة فتكون لوليٍّ تأييدًا لإيمانه وطاعته دون دعوى النبوة، وإنما حصلت له الكرامة باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والاستقامة على شرعه.
📌 خلاصة المسألة :
✔ كرامات الأولياء ثابتة، لكنها لا تكون أبدًا سببًا لمخالفة الشرع.
✔ الولي الصادق يُعرف باتباعه للنصوص لا بادعاء الخوارق.
والله اعلم
اقرأ أيضا :
.webp)
تعليقات
إرسال تعليق