">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

هل يتعارض نزول الله إلى السماء الدنيا مع استوائه على العرش؟


✅ يتساءل بعض الناس : كيف ينزل الله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، وهو مستوٍ على العرش؟ وهل في ذلك تعارض؟

هذه المسألة من أعظم أبواب العقيدة التي تحتاج إلى فهم صحيح قائم على النصوص وإجماع السلف.

هل يتعارض نزول الله إلى السماء الدنيا مع استوائه على العرش؟


✅ لا، لا يوجد تعارض بين نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا واستوائه على العرش، وبيان ذلك فيما يلي:  

1- الله تعالى فوق جميع خلقه، مستوٍ على عرشه بذاته، بائن من خلقه، ليس داخل العالم ولا يحيط به شيء من خلقه، وهو مع ذلك قريب من عباده بعلمه وقدرته وإحاطته.  

2- نزول الله إلى السماء الدنيا ثابت في الأحاديث الصحيحة، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وكماله، لا يشبه نزول المخلوقين، ولا يمكن للعقول إدراك كيفيته، لقوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾. [طه: 110].

3-  تعارض بين النزول والاستواء؛ فالله سبحانه ينزل كيف شاء، وهو في الوقت نفسه فوق عرشه، لا يخلو العرش منه، ولا يكون تحت المخلوقات، بل هو العلي الأعلى: العلي في دنوه، القريب في علوه.  

4- نزوله ليس كنزول البشر؛ فالمخلوق إذا نزل من مكان خلا منه ذلك المكان، أما الله تعالى فمُنزه عن هذا، لأنه لا يقاس بخلقه، قال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾. [الشورى: 11].

5- وكما لا يُقاس نزوله من حيث المكان، لا يُقاس أيضًا من حيث الزمان؛ فالله تعالى ينزل على أهل كل بلد في ثلث ليلهم الأخير، ولا يلزم من ذلك أن يكون نازلاً طول الليل كله، لأن اختلاف الأوقات لا يؤثر في صفاته سبحانه.  

6- ويكون نزوله بحسب كل بلد؛ فحين يكون الثلث الأخير في السعودية مثلًا، ينزل الله إلى السماء الدنيا، وإذا كان في أمريكا أو غيرها ثلث الليل الأخير يكون نزوله هناك كذلك،

فإذا طلع الفجر انتهى وقت النزول في كل مكان بحسب ليله، فآمن أنه ينزل ولا تقل كيف؟.  

7- الله تعالى قادر على أن يجعل نزولًا واحدًا يشمل جميع خلقه، بحيث يكون لكل بلدٍ في ثلثهم الأخير، دون أن يكون متصفًا بالنزول الدائم، وهذا من كمال قدرته سبحانه.

8- ألا ترى أن الله تعالى يحاسب الخلق جميعًا في وقت واحد، فيرى كل عبد أنه منفرد بمناجاة ربه، وأن الله مقبل عليه وحده، ومع ذلك لا يشغله شأن عن شأن؟

يعطي هذا ويمنع ذاك، ويعز ويذل، وينصر وينتقم، وهو سبحانه في كل ذلك واحد لا مثيل له، كما قال عز وجل : ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

9- الواجب الإيمان بما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ، دون تكييف أو تمثيلأو تعطيل أو تحريف، فالله تعالى ينزل كما يليق بجلاله،

من غير أن يتنافى ذلك مع علوه واستوائه على العرش، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير. 

10- توهّم التعارض بين نزول الله إلى السماء الدنيا واستوائه على العرش ناشئ من قياس الخالق على المخلوق،

ومَن عجز عن تصور مخلوقات غيبية كنعيم الجنة فكيف يتصور الخالق جلّ جلاله؟فنؤمن بالاستواء والنزول والعلو كما يليق بعظمته سبحانه.

 نزول الله إلى السماء الدنيا.


1- قَالَ ﷺ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ(رواه البخاري( كتاب التوحيد/6940). ومسلم ( صلاة المسافرين/1262)) .

◄ هذا الحديث أصل في إثبات صفة النزول لله تعالى على الوجه اللائق به دون تكييف أو تشبيه أو تعطيل، والنزول هنا نزولا حقيقيا يليق بجلال الله، ولا يشبه نزول المخلوقين، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾. [طه: 110].

2- روى النجاد- عن الإمام إسحاق بن راهويه- أنه قال : " دخلت على ابن طاهر فقال : ما هذه الأحاديث؟ تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا؟ قلت : نعم، رواها الثقات الذين يروون الأحكام،

فقال : ينزل ويدع عرشه؟ فقلت : يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ قال : نعم، قلت: فلم تتكلم في هذا؟ ". (صححه الألباني في "مختصر العلو- للذهبي"، ص (192)) .

 ما معنى استواء الله على العرش؟


✅ قال تعالى : «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى». [طه: 5].

● الاستواء في لغة العرب هو العلو والارتفاع، ومعناه : أن الله سبحانه علا على عرشه وارتفع فوق جميع خلقه، استواءً يليق بجلاله،

وهو بائن من خلقه، لا يحويه مكان، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، وهو مع ذلك قريب من عباده بعلمه وقدرته.

✔ وأما ما هو الدليل على أن الله لا يزال مستويا على العرش : 

فيطالب به من ينفي انقطاع هذه الصفة عن الله، فنحن لم نتجاوز القرآن والحديث في هذه الصفة ولا في غيرها من الصفات، فلما أخبر الله تعالى أنه استوى على العرش ـ وصفناه بها.

أقوال العلماء في الجمع بين النزول والإستواء :


 قال الإمام الدارمي رحمه الله :


 في رده على من زعم أن المراد بحديث النزول نزول أمره وسلطانه : « ما بال أمره ورحمته لا تنزل الا في ثلث الليل ثم إلى السماء الدنيا! وما بال أمره ورحمته لا تنزل إلى الأرض حيث مستقر العباد!

فما بالها تنزل إلى  السماء الدنيا ثم لا تجوزها! وما بال رحمته تبقى على عباده من ثلث الليل إلى انفجار الفجر ثم ترجع من حيث جاءت بزعمك! ». ينظر: (النقض | لـ عثمان الدارمي صـ(٢٢٤)).

★ قال العلامة ابن عبد البرِّ رحمه الله -:


 (وقول رسول الله ((يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا (( عندهم مثل قول الله عزَّ وجل: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾. [الأعراف: 143]، ومثل قوله: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾. [الفجر: 22]،

كلُّهم يقول : ينزل ويتجلَّى ويجيء بلا كيفٍ، لا يقولون : كيف يجيء؟ وكيف يتجلَّى؟ وكيف ينزل؟ ولا من أين جاء؟ ولا من أين تجلَّى؟ ولا من أين ينزل؟

لأنه ليس كشيءٍ من خلقه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريك له ). ينظر: [((التمهيد)) (7/ 153)].

★ قال الحافظ ابن رجب رحمه الله -:


وقد اعترض بعض من كان يعرف هذا [أي: علم النجوم] على حديث النزول ثلث الليل الآخر، وقال : ثلث الليل يختلف باختلاف البلدان؛ فلا يمكن أن يكون النزول في وقت معين،

ومعلوم بالضرورة من دين الإسلام قبح هذا الاعتراض،

وأن الرسول  أو خلفاءه الراشدين لو سمِعوا من يعترض به لما ناظروه؛ بل بادروا إلى عقوبته، وإلحاقه بزمرة المخالفين المنافقين المكذبين. ينظر: ((فضل علم السلف على علم الخلف((، ص3))).

★ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :


 مذهب السلف والأئمة : أنه مع نزوله إلى سماء الدنيا لا يزال فوق العرش لا يكون تحت المخلوقات ولا تكون المخلوقات محيطة به قط،

بل هو العلي الأعلى : العلي في دنوه، القريب في علوه، ولهذا ذكر غير واحد إجماع السلف على أن الله ليس في جوف السماوات،

ولكن طائفة من الناس قد يقولون : إنه ينزل ويكون العرش فوقه ويقولون : إنه في جوف السماء وإنه قد تحيط به المخلوقات وتكون أكبر منه، وهؤلاء ضلال جهال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول،

كما أن النفاة الذين يقولون : ليس داخل العالم ولا خارجه، جهال ضلال مخالفون لصريح المعقول وصحيح المنقول، فالحلولية والمعطلة متقابلان. انتهى.

 وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :


هل يفهم من حديث النزول أن الله ليس فوقه شيء عندما ينزل إلى السماء الدنيا ؟

فأجاب : 

قطعاً هذا هو الفهم أي إن نزول ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا يجب أن لا ننسى القاعدة التي تحدثنا عنها آنفاً وهي أنه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء،

فلا يجوز للمسلم أن يتصور حينما يقرأ أو يسمع هذا الحديث المتضمن للنزول الإلهي أن نزوله تبارك وتعالى كنزول أي إنسان،

يعني الآن هؤلاء الأطفال ينزلون فحينما نزلوا من غرفة الدرس إلى المسجد إلى الطريق فرغ مكان الدرس منهم،

فلا ينبغي أن نتصور أن الله عز وجل حين ينزل إلى السماء الدنيا أن نزوله كنزول هؤلاء الناس، فهذا تشبيه والتشبيه كله باطل... ينظر: (متفرقات- للألباني-(020)).

 هل يستلزم نزول الله عز وجل خلو العرش منه أو لا؟ 


★ قال الشيخ ابن باز رحمه الله :


فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به،

ليس كنزولنا إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من السيارة خلت منه السيارة، فهذا قياس فاسد له، لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته... ينظر: (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (9/ 75)).

★ قال الشيخ العثيمين رحمه الله : 


يقولون : كيف تقولون : إن الله ينزل؟ إذا نزل؛ أين العلو؟ وإذا نزل؛ أين الاستواء على العرش؟ إذا نزل؛ فالنزول حركة وانتقال. إذا نزل؛ فالنزول حادث، والحوادث لا تقوم إلا بحادث.

فنقول : هذا جدال بالباطل، وليس بمانع من القول بحقيقة النزول. هل أنتم أعلم بما يستحقه الله عز وجل من أصحاب الرسول ﷺ؟

فأصحاب الرسول ﷺ ما قالوا هذه الاحتمالات أبدا؛ قالوا : سمعنا وآمنا وقبلنا وصدقنا. ينظر: (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين - جـ (٨)).

 الخلاصة :


● لا تعارض بين نزول الله إلى السماء الدنيا واستوائه على العرش؛ فكلتا الصفتين ثابتتان في النصوص الصحيحة، نؤمن بهما كما وردتا، من غير تكييف ولا تمثيل.

الله تعالى ينزل نزولًا يليق بجلاله وكماله، وهو في الوقت نفسه مستوٍ على عرشه، عالٍ على خلقه، قريب من عباده.


والله اعلم

اقرأ أيضا :


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات