▣▣ هل يصح أن أبا لهب يخفف عنه العذاب لفرحه بمولد النبي ﷺ؟
انتشر بين الناس قول : أن أبا لهب يُخفف عنه العذاب يوم الإثنين لأنه فرح بمولد النبي ﷺ وأعتق ثويبة مولاة له التي بشّرته بالميلاد، لكن هل هذا الحديث صحيح؟ وما درجة سنده؟
✅ الجواب : هذه القصة لم تثبت عن النبي ﷺ بسند صحيح، وإنما وردت في خبر مرسل ضعيف، ولا تصلح للاحتجاج بها،
لأنها ليست من كلام الرسول ﷺ، ولا من كلام الصحابة رضي الله عنهم، كما لا يوجد فيها ذكر يوم الإثنين.
▣▣ أصل القصة عند البخاري:
روى البخاري هذا الخبر معلقًا من قول التابعي عروة بن الزبير، وليس من كلام النبي ﷺ، وجاء فيه: " وثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتْ النَّبِيَّ ﷺ،
لَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ – أي بسوء حال قَالَ لَهُ : مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهَبٍ : لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ ".
◄ إذن هذا ليس حديثًا نبويًا مرفوعًا للنبي ﷺ ولا قولًا للصحابة، بل خبر ضعيف مرسل من عروة عن رؤيا منام، فلا حجة فيه، ولا ذكر ليوم الإثنين.
▣▣ أقوال العلماء في هذه الرواية :
★ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
قوله : ( وكان أبو لهب أعتقها فأرضعت النبي ﷺ )، ظاهره أن عتقه لها كان قبل إرضاعها , والذي في السير يخالفه , وهو أن أبا لهب أعتقها قبل الهجرة وذلك بعد الإرضاع بدهر طويل ...
وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة ; لكنه مخالف لظاهر القرآن, قال الله تعالى ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا )، وأجيب :
أولا: بأن الخبر مرسل ، أرسله عروة ، ولم يذكر من حدثه به ، وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام ، فلا حجة فيه , ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد ، فلا يحتج به .
وثانياً: على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي ﷺ مخصوصا من ذلك , بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عنه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح...
وقال ابن المنير في الحاشية :
هنا قضيتان :
إحداهما محال : وهي اعتبار طاعة الكافر مع كفره , لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح , وهذا مفقود من الكافر .
الثانية : إثابة الكافر على بعض الأعمال تفضلا من الله تعالى , وهذا لا يحيله العقل , فإذا تقرر ذلك لم يكن عتق أبي لهب لثويبة قربة معتبرة,
ويجوز أن يتفضل الله عليه بما شاء كما تفضل على أبي طالب , والمتبع في ذلك التوقيف نفيا وإثباتا .
قلت – أي الحافظ ابن حجر : وتتمة هذا أن يقع التفضل المذكور إكراما لمن وقع من الكافر البر له ونحو ذلك. والله أعلم ". ينظر: (" فتح الباري " (9/145-146)).
▣▣ هل يصح الإستدلال بهذا الأثر على الإحتفال بالمولد النبوي؟
◄ بعض الناس يستشهدون بهذه الرواية لإثبات مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وهذا غير صحيح للأسباب التالية:
1- انقطاع السند : الخبر عند البخاري مرسل، فليست من كلام النبي ﷺ ولا الصحابة، وإنما رواه عروة وهو تابعي لم يدرك أبا لهب ،
ولم يذكر من حدثه به ، والانقطاع من أسباب ضعف الحديث، وعلى تقدير أن يكون موصولا فالذي في الخبر رؤيا منام ، فلا حجة فيه.
2- هوية الرائي : ليس في الخبر أن الرائي هو العباس، بل "بعض أهله"، وحتى لو كان العباس، فقد رأى المنام وهو كافر، ورؤيا الكافر لا يُحتج بها إجماعاً.
3- طبيعة الخبر : القصة رؤيا منام، والمنام لا يُحتج به في العقائد والأحكام.
4- مخالفة القرآن : نصوص قطعية تقرر أن الكفار لا يخفف عنهم العذاب ولا ينتفعون بأعمالهم، مثل قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان: 23]. ينظر: (" فتح الباري " (9/145-146)).
5- إجماع العلماء : القاضي عياض وغيره قرروا أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها، وإن تفاوتوا في شدة العذاب. ينظر: (إكمال المُعلم بفوائد مسلم [ ج1/597 ]).
6- غياب السبب المباشر : ليس في الرواية أن أبا لهب أعتق ثويبة لأجل البشارة بميلاد النبي ﷺ أو لرضاعتها له، إنما ورد مجرد العتق والرضاعة.
7- غياب التفاصيل المشهورة : الرواية لا يوجد فيها ذكر يوم الإثنين ولا فرح أبي لهب بولادة النبي ﷺ، وهذه إضافات أوردها السهيلي بلا سند.
8- تاريخ العتق : عند أهل السير، عتق أبي لهب لثويبة كان بعد زمن طويل من الولادة، لا في يومها.
9- التخفيف – إن صح – سببه العتق : وهو عمل معتبر شرعاً، لا الفرح بالمولد، إذ لم يقل أحد من العلماء إن الفرح بالولادة عبادة أو قربى.
10- التناقض مع سورة المسد : القرآن نصّ على هلاك أبي لهب ويديه {تبت يدا أبي لهب}، فلا يُعقل أن تُجعل يده سبب نعمة أو تفجر ماء في جهنم التي لا شراب فيها إلا الحميم.
▣▣ الخلاصة :
✔ حديث تخفيف العذاب عن أبي لهب يوم الإثنين غير صحيح، بل هو أثر ضعيف مرسل لا تقوم به حجة.
✔ لا يجوز الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.
✔ أبو لهب نزل فيه قرآن يتوعده بالعذاب: "تبت يدا أبي لهب وتب"، ولا دليل صحيح على أي تخفيف عنه.
✔ الأصل أن الأحكام تؤخذ من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، لا من المنامات والروايات الضعيفة.
والله اعلم
اقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق