يُعذر المُخالف في مسائل الخلاف التى تُعرف بالمسائل الإجتهادية وهذه المسائل هى التي لا يوجد فيها نص قرآني أو حديث نبوي صريح يحدد الحكم فيها.
* وبالتالي، فإن الخلاف في هذه المسائل أمر مقبول وفيه سعة ورحمة،
طالما أنه يتبع أحد الأئمة ويعتقد صحة رأيه، ومع ذلك لا مانع من بحث المسألة وبيان القول الراجح فيها ، كمسألة : "نقض الوضوء بمس الذكر".
** وأما المسائل التي وُجدَ فيها إجماع أو نصٌ صريح أو نصوصٌ تدلّ على صحةِ أحدِ الآراء فيها،
فهذه المسائل لا يعذر فيها المخالف، بل يُنكر فيها على من خالف الدليل.
- سئل الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
متى يكون الخلاف خلافا سائغا يُعذر فيه المخالف، وهل يكتفى في تسويغ الخلاف أن يقول به إمام من الأئمة؟
الجواب :
هذه مسألة أصولية مشهورة، والجواب عليها أن الخلاف في المسائل ينقسم إلى قسمين :
الأول: خلاف فيما لم يرد به النص،
في مسألة نازلة، اختلف العلماء فيها، فهذا الخلاف فيها سائغ إلا إذا كان هناك اتفاق من أكثر أهل العلم في ذلك،
فالذي يرى غير ما عليه الأكثر في المسألة النازلة له أن يعمل بما يرى أو يعتقد في ذلك في نفسه؛
لكن لأجل قول الأكثر في المسألة الاجتهادية فإنه لا يخالف الأكثر لأن الأكثر في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، إنما هي تنزيل على الواقع هذا في الغالب أن لا يكون معه الصواب.
فإذن النوع الأول من الخلاف : خلاف في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، وهذه يعذر بعضهم بعضا، لأنها اجتهاد في تنزيل المسألة النازلة على النصوص.
الثاني: الخلاف في المسائل التي فيها دليل؛
لكن اختلف فيها العلماء نزع كل إلى جهة من الدليل، وبعضهم مثلا لم يقل بالدليل، قال بغيره؛ قال بقياس، قال برأيه،
فهذا الخلاف في المسائل التي فيها دليل ينقسم إلى قسمين :
الأول : خلاف ضعيف.
والثاني : خلاف قوي.
والخلاف الضعيف هو الذي يكون في مقابلة الدليل؛ يعني قال قياسا مع ظهور الدليل، لاحظ كلمة ظهور الدليل،
يعني دلّ الدليل على المسألة بظهور أو بما هو أعظم من الظهور وهو النص، وقال طائفة من أهل العلم بخلاف ما دل عليه الدليل ظاهرا أو نصا، فهذا لا شك أن هذا الخلاف يكون ضعيفاً.
الثاني : أن يكون الخلاف قويا بحيث يكون أن تكون الأدلة مُتعارضة، قد يرجِّح هذا وقد يرجِّح هذا، فإنه حينئذ يكون الخلاف قويًّا،
وإذا كان الخلاف قويًّا فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف القويّ .
وأمّا إذا كان الخلاف ضعيفا، فإنه يُنكر في مسائل الخلاف الضعيف.
أطلق بعض أهل العلم قاعدة وهي قولهم : (لا إنكار في مسائل الخلاف). وهذا الإطلاق غلطٌ ؛ لأنّ المسائل الخلافية الصحابة بعضهم أنكر على بعض فيها، والتابعون أنكر بعضهم على بعض فيها.
والمسائل الخلافية على التفصيل الذي ذكرته لك :
• إذا كان الخلاف في مسألة لم يرد فيها الدليل فهذه تسمى المسائل الاجتهادية، هذا الخلاف سائغ.
• والقسم الثاني : أن يكون الخلاف في مسائل فيها الدليل وهي منقسمة إلى خلاف قويّ وإلى خلاف ضعيف.
مثلا من مسائل الخلاف القوي :
(مسألة زكاة الحليّ) الأدلة فيها مختلفة، وفهم الدليل أيضا مختلف بين أهل العلم، فهذه نقول الخلاف فيها قويّ فلا إنكار،
من زكى فقد تبع بعض أهل العلم، ومن لم يزك فقد تبع بعض أهل العلم، فلا حرج في ذلك ولا إنكار في هذه المسألة.
كذلك : (مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة للمأموم)، هل يقرأ المأموم أو لا يقرأ، الخلاف فيها قوي والأدلة متنازع فيها، وكلام الأئمة في من يقول كذا وفي من يقول كذا،
والجمهور؛ جمهور الصحابة والتابعين، قول المحققين كشيخ الإسلام؛
بل كالإمام أحمد وشيخ الإسلام وابن القيم وجماعة أنه يتحمل الإمام عن المأموم، هذا يجعل المسألة فيها خلاف قوي فلا إنكار فيها كذلك.
مثلا بعض المسائل التي يختلف فيها أهل العلم في هذا الزمن :
مثل : (مسألة التصوير بالفيديو)، بعضهم يجعله داخلا في التصوير فيمنعه، بعضهم لا يجعله داخلا في التصوير فلا يمنعه،
فهذا يكون المسألة فيها خلاف قوي، بعضهم يجيز وبعضهم لا يجيز،
كذلك يلحق أو من هذه المسألة التي فيها الخلاف القوي بين أهل العلم (مسألة التصوير الضوئي)، لأن بعضهم أباحه، وبعض أهل العلم منعه، وهذا له حجة وهذا له حجة،
واختلف فيه علماؤنا المعاصرون، مع أن الصحيح كما هو معلوم أنه لا يجوز ذلك لعموم الأدلة كما هو مبسوط في موضعه.
المسائل التي فيها خلاف ضعيف كثيرة.
وهذا نقول فيه لأجل أن ينتبه طالب العلم إلى ما ينكر فيه وما لا ينكر فيه، فمسائل ترى أهل العلم ما ينكرون فيها لأجل الخلاف القوي فيها، أحيانا ينكرون لأجل الخلاف أن يكون خلافا ضعيفا.
مثل : (مسألة كشف المرأة لوجهها) الخلاف فيها ضعيف وبعض أهل العلم يرى أن الخلاف فيها قوي،
لكن الصحيح أنه ضعيف لأن الحجة التي أدلى بها من أجاز ذلك ليست بوجيهة إلى آخر المسائل التي فيها..
الخلاف ضعيف : مثل : (المعازف)، خلاف ابن حزم فيها شاذ وضعيف.
كذلك : (إباحة النبيذ) وما شابهه مما لا يسكر قليله، هذا معلوم الخلاف فيها لكن الخلاف فيها ضعيف.
كذلك : (أكل لحم ذي الناب من السباع) خلاف، خالف فيه أهل المدينة مالك ومن معه، غيره من الأئمة، ونقول الخلاف فيه ضعيف لوجود النص الواضح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
بخلاف ذلك إلى ذلك من المسائل المعروفة. ينظر: (شرح كشف الشبهات / الشريط 16/الدقيقة :(04:11 )).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق