القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

لا إنكار في مسائل الإجتهاد وليس مسائل الخلاف


الصواب أن يقال : ( لا إنكار في مسائل الإجتهاد التي لا نص فيها ) وليس فى مسائل الخلاف فإذا كان الخلاف قويًّا أي تكون الأدلة مُتعارضة قد يرجِّح هذا وقد يرجِّح هذا فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف القويّ وأمّا إذا كان الخلاف ضعيفا أي يقول طائفة من أهل العلم قولا فى مسألة بخلاف ما دل عليه الدليل ظاهرا أو نصا فإنه يُنكر في مسائل الخلاف الضعيف .

فقد أطلق بعض أهل العلم قاعدة وهي قولهم : لا إنكار في مسائل الخلاف وهذا الإطلاق غلطٌ لأنّ المسائل الخلافية الصحابة بعضهم أنكر على بعض فيها والتابعون أنكر بعضهم على بعض فيها.

فالمسائل الخلافية ينكر فيها على المخالف بضوابط الإنكار من بيان الحق بعلم وتجرد وإنصاف وبالحكمة والحسنى مع بيان دليل القول الصحيح من الكتاب والسنة وكذلك من قال به من أهل العلم والأئمة المتبعين .

والمسائل التي اختلف العلماء فيها نوعان :

1- مسائلُ الخلافِ غيرُ الاجتهادية أي غير سائغ وهي التي وُجدَ فيها إجماع أو نصٌ صريح أو نصوصٌ تدلّ على صحةِ أحدِ الآراء فيها فهذه المسائل يُنكر فيها على من خالف الدليل مثل :

  أ- عدة الحامل المتوفى عنها زوجها قال الجمهور أن عدَّتها بوضع الحمل حتى لو وضعت بعد موتِ زوجها بلحظةٍ، وقال بعضُ العلماء أن عدّتها بأقصى الأجلين هي أربعة أشهر وعشراً أو وضع الحمل وإذا  بحثنا عن الدليل وجدنا نصاً صريحاً ثابتاً يدلَّ على أنّ عدّتها بوضع الحمل فقد روى مسلم عن سُبيعةَ أن زوجها توفي عنها وهي حاملٌ فوضعت حملها بعد وفاته ، فلمَّا طهرت من نفاسها تجمّلت للخطاّب، فأنكرعليها قريبٌ لها ، فذهبت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فسألته فأفتاها بأنها قد حلّت حين وضعت حملها وأمرها بالتزوّج.  (شرح النووي(10/109))

ب- تحريمُ نكاح التحليل :  فقد حرّمه الجمهور وأحلَّهُ بعضُ الحنفيّةِ وثبتت نصوصٌ صريحةٌ تدل على تحريمه منها حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم المُحِلّ والمحلَّل له". ( صحيح الترمذي ).

 2- مسائلُ الخلافِ الاجتهاديةُ أي الخلاف سائغ فيها وهي المسائلُ التي لا يوجدُ فيها نصٌ صريحٌ يدلّ على صحَّةِ أحد الآراء فيها فهذه المسائل لا ينكر فيها على المخالف ما دام متبعاً لإمام من الأئمة وهو يظن أن قوله هو الصواب ولا مانع من بحث المسألة وبيان القول الراجح فيها . كمسألة : نقض الوضوء بمس الذكر.  ومسألة : القنوت في صلاة الفجر كل يوم .

فإن المسائل الإجتهادية فيها سعة ورحمة وقد قال فيها عمر بن عبد العزيز: ما أحـب أن أصحـاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كان قولاً واحداً كان الناس في ضيق، وإنهم أئمةٌ يقتدى بهم، فلو أخذ رجلٌ بقول أحدهم كان في سعةٍ. وقال سفيان الثوري : «إذا رأيت الرجل يعمل بعمل قد اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه»([التمهيد،9/ 229 . ])

وإليك أقوال العلماء :

قال الإمامُ النوويُّ في شرحه على صحيح مسلم (2/ 24) :

"ولم يزل الخلافُ في الفروع بين الصَّحابة والتابعين فمَن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين ولا يُنكِر مُحتسبٌ ولا غيرُه على غيره وكذلك قالوا : ليس للمُفتي ولا للقاضي أن يَعترض على مَن خالفه إذا لم يُخالِف نصًّا، أو إجماعًا أو قياسًا جليًّا،. والله أعلم"

وقال ابن تيمية رحمه الله :

وقولهم : مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل .

أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما، وجب إنكاره وفاقا، وإن لم يكن كذلك، فإنه ينكر، بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء.

وأما العمل : فإذا كان على خلاف سنة، أو إجماع، وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار، كما ذكرناه من حديث شارب النبيذ المختلف فيه، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وإن كان قد اتبع بعض العلماء.

وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا، أو مقلدا، 

وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس - والصواب الذي عليه الأئمة، أن مسائل الاجتهاد لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا، مثل حديث صحيح، لا معارض من جنسه، فيسوغ له -إذا عدم ذلك فيها- الاجتهاد؛ لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها.

 وليس في ذكر كون المسألة قطعية، طعن على من خالفها من المجتهدين، كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف، وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها مثل : كون الحامل المتوفى عنها، تعتد بوضع الحمل. وأن الجماع  المجرد عن إنزال يوجب الغسل. وأن ربا الفضل، والمتعة حرام، وأن النبيذ حرام . اهـ ("الفتاوى الكبرى" (6/ 96))

وقال أيضاً رحمه الله :

" مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه ". انتهى . ("مجموع الفتاوى" (20/207)) .

قال ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (3/ 223 - 225) : 

كما أنَّ المكِّيِّين والكوفيِّين لا يجوزُ تقليدُهم في مسألة المُتعة والصَّرف والنَّبيذ، ولا يجُوزُ تقليدُ بعض المدنيِّين في مسألة الحُشُوش، وإتيان النِّساء في أدبارهنَّ، 

بل عند فقهاء الحديث أنَّ من شرب النبيذ المُختلف فيه حُدَّ، وهذا فوق الإنكار باللِّسان، بل عند فُقهاء أهل المدينة يُفسَّق، ولا تُقبل شهادتُه، وهذا يرُدُّ قولَ من قال : لا إنكار في المسائل المختلَف فيها، 

وهذا خلافُ إجماع الأئمَّة، ولا يُعلم إمامٌ من أئمَّة الإسلام قال ذلك، وقد نصَّ الإمامُ أحمد على أنَّ من تزوَّج ابنتَه من الزِّنا يُقتل، والشَّافعيُّ وأحمدُ ومالكٌ لا يرون خلاف أبي حنيفة فيمن تزوَّج أُمَّه وابنتَه أنَّه يُدرأ عنه الحدُّ بشُبهةٍ دارئةٍ للحدِّ، بل عند الإمام أحمد رضي الله عنه يُقتلُ، وعند الشافعي ومالك يُحدُّ حدَّ الزِّنا في هذا، مع أن القائلين بالمُتعة والصَّرف معهم سنَّة، وإن كانت منسوخةً، وأربابُ الحِيَل ليس معهم سنَّة ولا أثرٌ عن صاحبٍ، ولا قياسٌ صحيح". 

ثمَّ قال : "خطأ قول مَن قال : لا إنكار في المسائل الخلافيَّة : وقولهم : إنَّ مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيحٍ؛ فإنَّ الإنكار إمَّا أن يتوجَّه إلى القول والفتوى أو العمل، 

أمَّا الأول : فإذا كان القولُ يخالِف سنَّةً أو إجماعًا شائعًا، وجب إنكارُه اتِّفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنَّ بيان ضعفه ومُخالفته للدليل إنكار مثله، 

وأما العملُ فإذا كان على خِلاف سنَّةٍ أو إجماعٍ وجب إنكارُه بحسب درجات الإنكار، 

وكيف يقول فقيهٌ : لا إنكار في المسائل المُختلَف فيها، والفقهاءُ من سائر الطَّوائف قد صرَّحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالَف كتابًا أو سنَّةً، وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟

وأمَّا إذا لم يكن في المسألة سنَّة ولا إجماعٌ وللاجتهاد فيها مساغٌ، لم تُنكَر على من عمل بها مُجتهدًا أو مقلِّدًا. 

وإنما دخل هذا اللَّبس مِن جهة أنَّ القائل يعتقدُ أنَّ مسائل الخلاف هي مسائلُ الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائفُ من الناس ممَّن ليس لهم تحقيقٌ في العلم.

والصَّوابُ ما عليه الأئمَّةُ :

 أنَّ مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليلٌ يجب العملُ به وجوبًا ظاهرًا، مثل : حديث صحيحٍ لا مُعارض له من جنسه فيسوغُ فيها - إذا عدم فيها الدَّليلُ الظَّاهرُ الذي يجبُ العملُ به - الاجتهادُ؛ لتعارض الأدلَّة أو لخفاء الأدلَّة فيها. وليس في قول العالم : إنَّ هذه المسألة قطعيَّة أو يقينيَّةٌ، ولا يسوغ فيها الاجتهادُ - طعنٌ على من خالفها، ولا نسبةٌ له إلى تعمُّد خلاف الصَّواب،

 والمسائل التي اختلف فيها السَّلَف والخلَفُ، وقد تيقَّنَّا صحَّة أحد القولين فيها - كثيرٌ؛ مثل : 

كون الحامل تعتدُّ بوضع الحمل، وأنَّ إصابة الزَّوج الثاني شرطٌ في حلِّها للأوَّل، وأنَّ الغُسل يجبُ بمجرَّد الإيلاج وإن لم يُنزِل، وأنَّ ربا الفضل حرامٌ، وأنَّ المُتعة حرامٌ، وأنَّ النَّبيذ المُسكِر حرام، وأنَّ المُسلم لا يُقتلُ بكافر. وأنَّ المسح على الخُفَّين جائزٌ حَضرًا وسفرًا، وأنَّ السُّنَّة في الرُّكُوع وضعُ اليدين على الرُّكبتين دون التطبيق، وأنَّ رفع اليدين عند الرُّكُوع والرَّفعِ منه سنَّةٌ، وأنَّ الشُّفعة ثابتة في الأرض والعقار، وأنَّ الوقف صحيحٌ لازم، وأنَّ دية الأصابع سواءٌ، وأن يد السَّارق تُقطعُ في ثلاثة دراهم، وأنَّ الخاتم من حديدٍ يجوزُ أن يكون صَداقًا، وأنَّ التيمُّم إلى الكوعين بضربةٍ واحدةٍ جائزٌ، وأنَّ صيام الوليِّ عن الميِّت يُجزئُ عنه، وأنَّ الحاجَّ يُلبِّي حتى يرمي جمرةَ العقبة، وأنَّ المُحرم له استدامةُ الطِّيب دون ابتدائه. وأنَّ السُّنَّة أن يُسلِّم في الصلاة عن يمينه وعن يساره: السلامُ عليكم ورحمةُ الله، السَّلام عليكم ورحمةُ الله، وأنَّ خيار المجلس ثابتٌ في البيع، وأنَّ المُصراة يُرَدُّ معها عوضُ اللَّبن صاعًا من تمرٍ، وأنَّ صلاة الكُسُوف برُكُوعين في كُلِّ ركعةٍ، وأنَّ القضاء جائزٌ بشاهدٍ ويمينٍ، إلى أضعاف أضعاف ذلك من المسائل، ولهذا صرَّح الأئمَّةُ بنقض حُكم من حكَم بخلاف كثيرٍ من هذه المسائل، من غير طعنٍ منهم على مَن قال بها. 

وعلى كُلِّ حالٍ؛ فلا عُذر عند الله يوم القيامة لمن بلَغه ما في المسألة من هذا الباب وغيره من الأحاديث والآثار التي لا مُعارض لها، إذا نبذها وراءَ ظهره، وقلَّد من نهاه عن تقليده ". اهـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : 

فإن أراد القائل مسائل الخلاف ، فهذا باطل يخالف إجماع الأمة، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف وأخطأ كائناً من كان ، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم، وإذا كان الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق، وأمرنا باتباعه، وترك ما خالفه؛ فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئ ينبه على خطئه وينكر عليه،

وإن أريد بمسائل الاجتهاد : مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب فهذا كلام صحيح، ولا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم ، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم ، وهذا كله داخل في قوله تعالى : (ولا تقف ما ليس لك به علم) " انتهى. ("الدرر السنية" (4/8))

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :

 الإنكار معناه أن الإنسان ينكر عليه ما فعله، ولا يعذر به، وهذا لا ينكر في مسائل الاجتهاد، المسائل الاجتهادية لا ينكر فيها، فلو أننا رأينا رجلا يأكل لحم إبل ولا يتوضّأ بناء على اجتهاده أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء، فإننا لا ننكر عليه، 

ولكن عدم إنكارنا عليه لا يمنع مناقشته في الأمر، أن نقول له يا أخي تعال بيننا وبينك السنة هل ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل أو لا ينتقض.

أما المسائل غير الاجتهادية وهي التي لا مساغ للعقل فيها فإنه ينكر على المخالف فيها، كما لو أن أحدا تكلم في أمور الغيب وأنكر شيئا من أمور الغيب التي أخبر الله بها ورسوله فإننا لا يمكن أن نقره على ذلك، وذلك لأنه لا مجال للاجتهاد في الأمور الغيبية، نعم . (فتاوى الحرم النبوي-(21))

إذن فينكر على من خالف نصاً صريحاً ولا ينكر على غيره فمَن تتبَّع أقوالَ الصَّحابة فيما اختلفوا فيه في باب العقائد وفي الفروع وجد أنَّهم أنكر بعضُهم على بعضٍ مع بيان الدَّليل فعائشةُ رضي الله عنها أنكرَتْ على مَن قال بسماع الأموات وهي مسألةُ السَّماع المشهورة خالَفها الصحابةُ كما خالفَتهم في مسألة تعذيب الميِّت ببُكاء أهله عليه وأنكرَت على من قال برُؤية رسول الله ربَّه ليلة الإسراء رؤيةً عينيَّةً وهذه مسائل عقديَّة وكذلك إنكارُ عائشة على عبدالله بن عمرو في وُجُوب نقض المرأة لضفائرها في الغُسل مشهورةٌ .

ومن أمثلة الانكار أيضا فى المسائل الخلافية :

 ما حـدث بين عمار بن ياسر وأبي موسـى الأشعري من جهـة، وبين عمر بن الخطاب وابن مسعود من جهة أخرى رضي الله عنهم جمـيعاً، حيث أنكر عمار بن ياسر على عمر بن الخطاب فتواه بعـدم تيـمم الجنب وأنـكر أبو موسى عـلى ابن مسعود الفتوى ذاتها ودار بين الجميع حوار قمة في المثالية والواقعية ولم يحتج بعضهم على بعض بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف :

فعن شقيق قال : كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى الأشعري، فقال له أبو موسى : لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا أما كان يتيمم ويصلي؟ فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة (( لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا )). (المائدة:6)، فقال عبد الله : لو رخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا الصعيد. قلت : وإنما كرهتم هذا لذا، قال : نعم. فقال أبو موسى : ألم تسمع قول عمار لعمر : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : «إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا» فضرب بكفه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه. فقال عبد الله : أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار؟ وفي رواية : قال عمار: يا أمير المؤمنين! إن شئت، لما جعل الله علي من حقك، لا أحدث به أحدا.. وفي رواية أخرى، فقال عمر: اتق الله يا عمار، قال: إن شئت لم أحدث به . ([أخرجه البخاري]).

وعلى الرغم من جلالة هذين الصحابيين : عمر وابن مسعود إلا أنه لم يؤخذ بقولهما في عدم صـلاة المسلم عند فقد الماء، وتُرك قولهما رضي الله عنهما، كما قال ابن عبد البر: « فلما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد ربه من معنى آية الوضوء بأن الجنب داخل فيمن قصد بالتيمم عند عدم الماء بقوله : (( فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ )) (المائدة:6)، تعلق العلماء بهذا المعنى ولم يعرجوا على قول عمر وابن مسعود، وليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يصح ». ([التمهيد، 19/ 274 ])

وسئل الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :

متى يكون الخلاف خلافا سائغا يُعذر فيه المخالف، وهل يكتفى في تسويغ الخلاف أن يقول به إمام من الأئمة؟

 الجواب :

 هذه مسألة أصولية مشهورة، والجواب عليها أن الخلاف في المسائل ينقسم إلى قسمين :

الأول : خلاف فيما لم يرد به النص، في مسألة نازلة، اختلف العلماء فيها، فهذا الخلاف فيها سائغ إلا إذا كان هناك اتفاق من أكثر أهل العلم في ذلك فالذي يرى غير ما عليه الأكثر في المسألة النازلة له أن يعمل بما يرى أو يعتقد في ذلك في نفسه؛ لكن لأجل قول الأكثر في المسألة الاجتهادية فإنه لا يخالف الأكثر لأن الأكثر في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، إنما هي تنزيل على الواقع هذا في الغالب أن لا يكون معه الصواب. 

فإذن النوع الأول من الخلاف خلاف في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، وهذه يعذر بعضهم بعضا لأنها اجتهاد في تنزيل المسألة النازلة على النصوص.

 الثاني : الخلاف في المسائل التي فيها دليل؛ لكن اختلف فيها العلماء نزع كل إلى جهة من الدليل، وبعضهم مثلا لم يقل بالدليل، قال بغيره؛ قال بقياس، قال برأيه، فهذا الخلاف في المسائل التي فيها دليل ينقسم إلى قسمين :

الأول : خلاف ضعيف.

 والثاني : خلاف قوي.

والخلاف الضعيف هو الذي يكون في مقابلة الدليل؛ يعني قال قياسا مع ظهور الدليل، لاحظ كلمة ظهور الدليل، يعني دلّ الدليل على المسألة بظهور أو بما هو أعظم من الظهور وهو النص، وقال طائفة من أهل العلم بخلاف ما دل عليه الدليل ظاهرا أو نصا فهذا لا شك أن هذا الخلاف يكون ضعيفاً.

الثاني : أن يكون الخلاف قويا بحيث يكون أن تكون الأدلة مُتعارضة، قد يرجِّح هذا وقد يرجِّح هذا، فإنه حينئذ يكون الخلاف قويًّا، وإذا كان الخلاف قويًّا فإنه لا إنكار في مسائل الخلاف القويّ . وأمّا إذا كان الخلاف ضعيفا فإنه يُنكر في مسائل الخلاف الضعيف.

أطلق بعض أهل العلم قاعدة وهي قولهم : لا إنكار في مسائل الخلافوهذا الإطلاق غلطٌ؛ لأنّ المسائل الخلافية الصحابة بعضهم أنكر على بعض فيها، والتابعون أنكر بعضهم على بعض فيها.

والمسائل الخلافية على التفصيل الذي ذكرته لك :

• إذا كان الخلاف في مسألة لم يرد فيها الدليل فهذه تسمى المسائل الاجتهادية، هذا الخلاف سائغ.

• والقسم الثاني أن يكون الخلاف في مسائل فيها الدليل وهي منقسمة إلى خلاف قويّ وإلى خلاف ضعيف.

مثلا من مسائل الخلاف القوي :

مسألة زكاة الحليّ الأدلة فيها مختلفة، وفهم الدليل أيضا مختلف بين أهل العلم، فهذه نقول الخلاف فيها قويّ فلا إنكار، من زكى فقد تبع بعض أهل العلم، ومن لم يزك فقد تبع بعض أهل العلم، فلا حرج في ذلك ولا إنكار في هذه المسألة.

كذلك مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة للمأموم، هل يقرأ المأموم أو لا يقرأ، الخلاف فيها قوي والأدلة متنازع فيها، وكلام الأئمة في من يقول كذا وفي من يقول كذا، والجمهور؛ جمهور الصحابة والتابعين، قول المحققين كشيخ الإسلام؛ بل كالإمام أحمد وشيخ الإسلام وابن القيم وجماعة أنه يتحمل الإمام عن المأموم، هذا يجعل المسألة فيها خلاف قوي فلا إنكار فيها كذلك.

مثلا بعض المسائل التي يختلف فيها أهل العلم في هذا الزمن :

مثل مثلا مسألة التصوير بالفيديو، بعضهم يجعله داخلا في التصوير فيمنعه، بعضهم لا يجعله داخلا في التصوير فلا يمنعه فهذا يكون المسألة فيها خلاف قوي، بعضهم يجيز وبعضهم لا يجيز، 

كذلك يلحق أو من هذه المسألة التي فيها الخلاف القوي بين أهل العلم مسألة التصوير الضوئي؛ لأن بعضهم أباحه، وبعض أهل العلم منعه، وهذا له حجة وهذا له حجة، واختلف فيه علماؤنا المعاصرون، مع أن الصحيح كما هو معلوم أنه لا يجوز ذلك لعموم الأدلة كما هو مبسوط في موضعه.

المسائل التي فيها خلاف ضعيف كثيرة.

وهذا نقول فيه لأجل أن ينتبه طالب العلم إلى ما ينكر فيه وما لا ينكر فيه، فمسائل ترى أهل العلم ما ينكرون فيها لأجل الخلاف القوي فيها، أحيانا ينكرون لأجل الخلاف أن يكون خلافا ضعيفا. مثل مسألة كشف المرأة لوجهها الخلاف فيها ضعيف وبعض أهل العلم يرى أن الخلاف فيها قوي لكن الصحيح أنه ضعيف لأن الحجة التي أدلى بها من أجاز ذلك ليست بوجيهة إلى آخر المسائل التي فيها..

الخلاف ضعيف مثل المعازف، خلاف ابن حزم فيها شاذ وضعيف. كذلك إباحة النبيذ وما شابهه مما لا يسكر قليله، هذا معلوم الخلاف فيها لكن الخلاف فيها ضعيف. كذلك أكل لحم ذي الناب من السباع خلاف، خالف فيه أهل المدينة مالك ومن معه، غيره من الأئمة، ونقول الخلاف فيه ضعيف لوجود النص الواضح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخلاف ذلك إلى ذلك من المسائل المعروفة .اه (شرح كشف الشبهات / الشريط 16/الدقيقة :(04:11 )).


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات