اعلم أخي المسلم أن لله سبحانه وتعالى عينين حقيقيتين يُبصر بهما على الوجه اللائق به،
فاثبت لله ما أثبته لنفسه وأبعد عن عقلك كل تشبيه أو تمثيل، واعلم أن ربك أعظم مما يدور في خيالك لأنه سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}. [الشورى:١١].
** فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق البارئ لنفسه من العين،
وكل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة -كاليد، والإصبع، والمجيء، والإتيان- فالإيمان بها فرض والإمتناع عن الخوض فيها واجب،
فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }.
** والعينين صفة ذاتية (ملازمة للذاتً لا تنفك عنها) خبرية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة،
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله يبصر بعينين كما يعتقدون أن الله عز وجل له عينان تليقان به { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }.
ودليل ذلك :
1 - قولـه تعالى : "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا". [هود: 37].
* قال ابن جرير الطبري رحمه الله : " وقوله : ( بأعيننا ) أي : بعين الله ووحيه كما يأمرك. انتهى.
2 - قولـه تعالى : "وألقيـت عليك محبة مني ولتصنع على عيني". [طه:39].
* أي : أن تربية موسى على عين الله تعالى ينظر إليه بعينه ، فهذا كما تقول : جرى هذا الشيء على عيني، أي حصل وأنا أشاهده وأراه بعيني.
3 - أخرج عبد الرزاق في تفسيره (ج2/ص186) بإسناد صحيح : عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى : {بأعيننا ووحينا}. [هود: 37]، قال : بعين الله تعالى ووحيه.
4 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية "إن الله كان سميعا بصيرا" فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينيه. (صحيح سنن أبي داود).
* أشار عليه السلام إلى العين لكن لا يعني العين هذه كعين رب العالمين لكنها صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.
5 - حديث أنس رضي الله عنه : ( إن الله لا يخفى عليكم إن الله ليس بأعور (وأشار إلى عينيه) وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية ). رواه البخاري (7407).
* وجه الإستدلال بحديث الدجال فى إثبات العينين لله ظاهر جدا : فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يبين لأمته شيئا مما ينتفي به الاشتباه عليهم في شأن الدجال،
في أمر محسوس يتبين لذوي التفكير العالمين بالطرق العقلية وغيرهم بذكر أن الدجال أعور العين والرب سبحانه ليس بأعور،
ولو كان لله تعالى أكثر من عينين لكان البيان به أولى لظهوره وزيادة الثناء به على الله تعالى ، فلما لم يذكره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علم أنه ليس بثابت لله عز وجل، وهذا هو المطلوب.
- قال الإمام الشافعي رحمه الله :
لله تبارك وتعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه صلى الله عليه وسلم أمته... وأنه ليس بأعور؛
بقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذكر الدجال، فقال : (( إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور )). ينظر: ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/ 283).
- وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله- بعد أن ذكر جملة من الآيـات تثبت صفة العين :
فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبت الخالق البارئ لنفسه من العين،
وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبته الله في محكم تنزيله ببيان النبي ﷺ الذي جعله الله مبينا عنه عز وجل في قولـه : "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"،
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين فكان بيانه موافقا لبيان محكم التنزيل، الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب. ينظر: ((كتاب التوحيد)) (1/97).
- قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله :
وقال أهل السنة وأصحاب الحديث ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش ...
وأن له يدين كما قال : "خلقت بيدي" ، وأن له عينين كما قال : " تجرى بأعيننا ". ينظر: (مقالات الإسلاميين ص (211)).
- قال العلامة أبو عمرو الداني (المتوفى 444 هـ) :
الأعين : كما أفصح القرآن بإثباتها من صفاته، فقال عز وجل : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم. [الطور: 48]...
وقال صلى الله عليه وسلم حين ذكر الدجال : ((وإنه أعور))، وقال : ((وإن ربكم ليس بأعور))، فأثبت له العينين )). يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 123).
- قال العلامة ابن باز رحمه الله :
الله سبحانه موصوف بأن له عينين وأنه ليس بأعور خلافًا للدجال فإنه أعور العين اليمنى.
والمثنى قد يطلق عليه الجمع باللغة العربية، كما قال سبحانه في سورة التحريم : إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا. [التحريم:4]، والمراد : قلبكما. فعبر عن المثنى بالجمع،
وهكذا قوله سبحانه : وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا. [المائدة:38] والمراد : يداهما،
وبذلك يزول الإشكال في قول الله سبحانه : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا. [الطور:48]. وفي قوله : تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا. [القمر:14] والله ولي التوفيق. انتهى من (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 28/ 397).
- وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
..... فليس عندنا نص صريح بأن له أكثر من عينين والمتوارث عن عقيدة السلف هو إثبات العينين على ظاهر حديث الدجال على كثرة طرقه الذي يتبادر من هذا الحديث،
ولا يخطر في البال سواه أن الدجال إحدى عينيه طافية وهو أعور وإن ربكم ليس بأعور،
معنى ذلك أن الله عز وجل موصوف بالعينين وليس بالثلاثة ولا بأكثر لأن ما عندنا نص بالأكثر،
وكما نقول دائما وأبداً الأمور الغيبية وبخاصة ما يتعلق بغيب الغيوب وهو رب العالمين تبارك وتعالى لا ينبغي أن نصفه بالأقيسه ...
أو ما شابه ذلك إنما بالشيء الذي جاءنا عن سلفنا الصالح وجاءت به الأحاديث... انتهى باختصار من (سلسلة الهدى والنور-(183)).
- قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
والعين لله سبحانه وتعالى هي عينٌ حقيقيةٌ ودليل ذلك: أن الله أثبتها لنفسه في غير موضع وأثبت الرؤية في غير موضع وإثبات هذا تارة وهذا تارةً يدل على التغاير بينهما،
فالرؤية شيءٌ، والعين شيءٌ آخر، فقوله تعالى : وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ. التوبة/105 ، وقوله : أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى. العلق/14 ، فهاتان في الرؤية.
ولكن : ( تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ). القمر/14 ، وقوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي). طـه/39 ، فهاتان الآيتان ليستا في الرؤية بل أثبتتا عيناً مخالفةً للرؤية.
ولهذا نقول : إن العين صفةٌ حقيقيةٌ. انتهى من ("شرح العقيدة السفارينية").
- قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله :
لا يجوز تفسير العينين بالعلم ولا بالرؤية مع نفي الصفة، وذلك لأمور منها :
1 - مخالفته لظاهر النصوص.
2 - ثم إن تأويلها وردها هو من جملة التحريف الذي هو كفر بالصفات كما قال جل وعلا ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي ﴾،
لما أنكروا اسم الرحمن لله جل وعلا وقالوا لا نعرف إلا رحمان اليمامة فكل من أنكر صفة من صفات الله جل وعلا فهو كافر بها.
3 - وفيه مخالفته لإجماع السلف على إثبات العين.
4 - لا دليل عليه.
5 - أما تفسير بعض السلف لقوله تعالى ﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾، أي : بمرأى منا، فجوابه :
أ- أنهم لم يريدوا بذلك نفي حقيقة معنى صفة العين.
ب- أنه تفسير باللازم مع إثبات الصفة. انتهى من ( شرح الواسطية -للشيخ صالح آل الشيخ ).
والله اعلم
واقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق