الدعاء بعد الصلاة المفروضة مشروع لثبوته عن النبي ﷺ فقد كان يدعو قبل السلام وبعد السلام،
* فإذا انتهى المُصلي من صلاته استحب له أن يدعو بما شاء منفرداً لوحده ولكن بعد أن يأتي بالأذكار المشروعة عقب الصلاة.
ومما يدل على ذلك:
1- قال الله تعالى : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ }، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: (( فإذا فرغت من صلاتك فانصب ـ أي: بالغ في الدعاء ـ وسله حاجتك )). ينظر: (تفسير ابن كثير والقرطبي وغيرهما، ونحوه عن مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ومقاتل) .
2- عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال : ( كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال:
فسمعته يقول : رب قني عذابك يوم تبعث أو تجمع عبادك ). رواه مسلم (709).
3- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال:
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ). ((صحيح سنن أبي داود)) (1509).
4- روى ابن أبي شيبة رحمه الله- بإسناد حسن- في “مصنفه”(3033) فقال : حدثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة قال:
(( كَانَ أَبُو مُوسَى إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي )).
فهذا الأثر صريح في أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يدعو بعد الفراغ من صلاته وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله عز وجل ـ كقبله.
* إذن هذه الأحاديث صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بعد السلام من صلاته وأن ما بعد السلام من مواطن دعاء الله عز وجل ـ كقبله.
قال ابن القٌيم رحمه الله :
" إلا أن هنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة،
استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة ،
فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسوله استجيب له عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد :
" إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ لِيَدْعُ بِمَا شَاءَ ". قال الترمذي : حديث صحيح . انتهى من ("زاد المعاد" (1/258)).
** كما أن الدعاء بعد صلاة الفريضة من مواطن استجابة الدعاء، لحديث : أي الدعاء أسمع؟ قال : " جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبة".(صحيح الترغيب-رقم : (1648)).
فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن المراد ب "دبر الصلوات المكتوبة " هو بعد انقضاء الصلاة، وليس قرب آخرها وهو التشهد،
وقالوا: إن الدعاء بعد الصلاة مستحب والدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة،
* ولهذا بوب البخاري - في صحيحه ( باب الدعاء بعد السلام ) أورد تحته حديث أبي هريرة في التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين وحديث المغيرة في قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له. (صحيح البخاري : 4 / 102 ). والذكر نوع دعاء فهو دعاء ثناء وتمجيد.
قال ابن العربي المالكي :
والدعاء ذكر والذكر دعاء، فكما قال : "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ"، كذلك من قال : سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة غفرت ذنوبه،
وكلاهما خبران صحيحان، وقد دعا النبي ربه وذكره وكلا المقامين عظيمان. انتهى من ( عارضة الأحوذي : 11 / 47) .
* كما أن جملة من الأذكار التي تقال بعد السلام قد جاءت في الأحاديث الثابتة بلفظ : ( دُبر كل صلاة ).
وقد حملها العلماء جميعاً على ما بعد السلام، فتعامل الأدعية التي جاء فيها : (( دبر كل صلاة )) نفس معاملتها، حتى يخرجها دليل صحيح صريح.
- قال العلامة محمد علي آدم الإتيوبي ـ رحمه الله ـ في “شرح سنن النسائي”(15/385 رقم:1347) :
وأما تأويل قوله : (( دبر الصلاة )) بأنه قبل السلام، لأن دبر الحيوان منه، فغير مُسَلَّم،
لأنه صلى الله عليه وسلم علمهم الأذكار والدعوات، وأمرهم أن يجعلوها دبر كل صلاة،
فلا يصح حمل بعضها على ما قبل السلام كالدعوات، وبعضها على بعده كالتسبيح وقراء آية الكرسي،
إذ لا دليل على التفريق، ولا سيما وبعضها فيه التصريح بأنه بعد السلام.انتهى.
وقال أيضا رحمه الله ـ في “شرح سنن النسائي”(15/382 عند حديث رقم :1347) :
وهذه الدعوات وإن كانت محتملة لأن تكون قبل السلام، لكن الظاهر كونها بعد السلام، كما هو رأي المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ،
فإنه أوردها لذلك، وقد تبع في هذا الإمام البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ حيث إنه عقد في “صحيحه” في كتاب “الدعوات” باباً للدعاء في الصلاة، وباباً للدعاء بعد الصلاة .انتهى.
** ومن أقوال المذاهب الفقهية :
1- من أقوال الحنفية، جاء فى (البحر الرائق -لابن نجيم (1/349)):
عن أبي إمامة قال قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال : جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات. رواه الترمذي وحسنه
والدبر يطلق على ما قبل الفراغ منها أي الوقت الذي يليه وقت الخروج منها، وقد يراد به وراءه وعقبه أي الوقت الذي يلي وقت الخروج،
ولا يبعد أن يكون كل من الوقتين أوفق لاستماع الدعاء فيه وأولى باستحبابه.انتهى.
2- من أقوال المالكية، جاء في (مواهب الجليل (2/126)):
ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة فقد قال عليه الصلاة والسلام: "اسمع الدعاء جوف الليل وأدبار الصلوات المكتوبات". انتهى.
- وفي (المدخل- لابن الحاج (2/280)): والسنة الماضية ألا يترك الذكر والدعاء عقيب الصلاة... انتهى.
3- من أقوال الشافعية، قال الإمام الشافعي في (الأم (1/241)):
وأستحب للمصلي منفردا وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة. انتهى.
- وقال النووي في (المجموع (3/448)): اتفق الشافعي والأصحاب وغيرهم رحمهم الله على أنه يستحب ذكر الله تعالى بعد السلام،
ويستحب ذلك للإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة والمسافر وغيره،
ويستحب أن يدعو أيضا بعد السلام بالإتفاق، وجاءت في هذه المواضع أحاديث كثيرة صحيحة في الذكر والدعاء قد جمعتها في كتاب الأذكار.انتهى.
4- من أقوال الحنابلة، جاء في (المغني لابن قدامة (1/630)):
فصل : الدعاء والذكر عقيب الصلاة : ويستحب ذكر الله والدعاء عقيب سلامه ويستحب من ذلك ما ورد به الأثر. انتهى.
- وجاء في "الرعاية الكبرى- لنجم الدين الحراني" : ويدعو كل مصل عقيب كل صلاة سرا. انتهى.
تعليقات
إرسال تعليق