✅ يتساءل كثيرون عن صحة الربط بين حديث "تقتله الفئة الباغية" والفتن التي حدثت بين الصحابة، خاصة فيما يتعلق بالصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
✅ فيما يلي توضيح مفصل وفق أقوال أهل العلم:
▣▣ نص الحديث :
▪️ عن عكرمة، قال لي ابن عباس ولابنه علي : انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا من حديثه، فانطلقنا فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى،
ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى ذكر بناء المسجد، فقال : كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين،
فراه النبي ﷺ فينفض التراب عنه، ويقول : ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار. قال : يقول عمار : أعوذ بالله من الفتن. (رواه البخاري).
▣▣ قد حاول بعض المتأثرين بأهواء معينة من الخوارج والروافض الطعن في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بهذا الحديث، لكن لا دليل صحيح على ذلك، وذلك للأسباب التالية:
أولا : المقصود بالفئة الباغية هم الخوارج :
فليس في هذا الحديث دليل من قريب ولا من بعيد على أن المقصود بالذين يدعون إلى النار هم العسكر الذين مع معاوية رضى الله عنه، بل المقصود بهم الخوارج، كما قال بذلك بعض أهل العلم.
★ قال ابن بطال رحمه الله :
 " قوله : ( يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) ، إنما يصح ذلك في الخوارج الذين بعث إليهم علىّ عمارًا ليدعوهم إلى الجماعة ، وليس يصح في أحد من الصحابة؛
لأنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتأول عليهم إلا أفضل التأويل؛ لأنهم أصحاب رسول الله ﷺ الذين أثنى الله عليهم وشهد لهم بالفضل، فقال تعالى : ( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس ). آل عمران/ 110 .
قال المفسرون : هم أصحاب رسول الله، وقد صح أن عمارًا بعثه علىّ إلى الخوارج يدعوهم إلى الجماعة التي فيها العصمة " ينظر: "شرح صحيح البخاري" (2/ 98-99).
ثانياً : عدم ارتباط الحديث بمعاوية وجيشه :
ليس فى حديث ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) دليلاًً يشير إلى أن معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه ومن معه هو المقصود بالفئة الباغية المذكور فى هذا الحديث.
◄ لأن الفئة الباغية التي قتلت عمار بن ياسر هي نفسها قتلة عثمان بن عفان، ومسؤوليتها عن الدماء التي سفكت قبل وبعد موقعة الجمل وصفين وكل المصائب التي حلت بالأمة بسبب أعمال أهل الفتنة.
★ قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
 وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم ، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه، وإقامة حق الله تعالى فيهم، 
فتسرع الخائفون على أنفسهم أخذ حد الله تعالى منهم، وكانوا أعدادا عظيمة يقربون من الألوف، فأثاروا القتال خفية ،
حتى اضطر كل واحد من الفريقين إلى الدفاع عن أنفسهم إذ رأوا السيف قد خالطهم. ينظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (2/85).
★ وقد وضح هذا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقال :
 ثم ( إن عمارا تقتله الفئة الباغية ) ليس نصا في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه; بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته, وهي طائفة من العسكر, ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها،
ومن المعلوم أنه كان في العسكر من لم يرض بقتل عمار، كعبد الله بن عمرو بن العاص, وغيره; بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار, حتى معاوية, وعمرو... انتهى باختصار من [مجموع الفتاوى – ج 28 ص 208 – 209].
ثالثاً : الصحابة كانوا مجتهدين معذورين:
لأن النبي ﷺ سمّى قتلة عمار بالفئة الباغية أو البغاة وهذا لا يرفع عنهم اسم الإيمان، كما قال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا...). [الحجرات:9].
★ قال الامام الشافعي رحمه الله : " وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَهِيَ مُسَمَّاةٌ بِاسْمِ الْإِيمَانِ ". ينظر: [ الام –  ج 4 ص 227 .].
✅ قال ﷺ : ( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق ). رواه مسلم ( 1064).
★ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين - علي وأصحابه، ومعاوية وأصحابه - على حق ، وأن عليا وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه. ينظر: " مجموع الفتاوى " ( 4 / 467 ).
✔ والظن بالصحابة في تلك الحروب أنهم كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطئ أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق الأولى.
✔ فليس كل ما كان بغيا وظلما أو عدوانا يخرج عموم الناس عن الإيمان, ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون؟!.
★ قال الحافظ ابن كثير رحمه الله :
... لأنهم ، وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيبا، بل المصيب له أجران، والمخطئ له أجر..
وأما قوله : يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار : فإن عمارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة ، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به،
وأن يكون الناس أوزاعا على كل قطر إمام برأسه ، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة ، واختلاف الأمة، فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم ، وإن كانوا لا يقصدونه. والله أعلم ". ينظر: "البداية والنهاية" (4/538) .
★ وقال الإمام النووي رحمه الله :
.. مذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم ، والإمساك عما شجر بينهم ، وتأويل قتالهم ، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ، ولا محض الدنيا ، 
بل اعتقد كل فريق أنه المحق ، ومخالفه باغ ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله ، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ ، لأنه لاجتهادٍ ، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه ". ينظر: " المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ".
★ وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : 
فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟
فالجواب : أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون لا لوم عليهم في اتباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإمام،
وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم. ينظر: (الفتح (1/543)).
▣▣ الخلاصة :
● حديث «تقتله الفئة الباغية» لا يطعن في معاوية رضي الله عنه ولا في جيشه ولا ينطبق عليه، بل المقصود به الفئة التي باشرت قتل عمار، وهم أهل الفتنة والمحرضون كالخوارج.
● الصحابة في الفتنة كانوا مجتهدين متأولين؛ المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، ولا يجوز الطعن في عدالتهم ولا فضلهم.
● الواجب تجاه ما جرى بين الصحابة هو الإمساك وحسن الظن، وأخذ الدروس والعبر دون الدخول في سبّهم أو تنقصهم.
والله اعلم
اقرأ أيضا:
 

 
تعليقات
إرسال تعليق