يقع الطلاق بالكتابة سواء كانت هذه الكتابة على ورقة أو فى رسالة على الهاتف المحمول ،
وذلك إذا نوى الزوج الطلاق عند الكتابة وبشرط أن تكون كتابة مستبينة مفهومة المعنى واضحة لا يفهم منها إلا الطلاق ، وأما إن كتب بلا نية الطلاق لم يقع .
وذلك لأن الكتابة من باب الكناية والكنايات غير موضوعة للطلاق، بل تحتمل الطلاق وغيره، فلا بد من التعيين بالنية . ينظر : ((البناية)) للعيني (5/360).
ومما يدل على ذلك :
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها، ما لم تعمل أو تكلم ) . أخرجه البخاري .
ففي قوله : (( ما لم تعمل، أو تكلم )) دليل على وقوع الطلاق؛ لأنه عمل بالكتابة .
لأن الكتابة تقوم مقام القول من الكاتب، بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بدعوة جميع الناس إلى الإسلام، ثم كتب إلى كسرى وقيصر؛ فقام ذلك مقام دعوتهما إلى الإسلام . ينظر : ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/345).
جاء في بدائع الصنائع :
أن يكتب على قرطاس، أو لوح، أو أرض، أو حائط كتابة مستبينة لكن لا على وجه المخاطبة، امرأته طالق، فيسأل عن نيته، فإن قال : نويت به الطلاق وقع، وإن قال : لم أنو به الطلاق صدق في القضاء؛
لأن الكتابة على هذا الوجه بمنزلة الكناية؛ لأن الإنسان قد يكتب على هذا الوجه، ويريد به الطلاق، وقد يكتب لتجويد الخط ، فلا يحمل على الطلاق إلا بالنية،
وإن كتب كتابة غير مستبينة بأن كتب على الماء، أو على الهواء، فذلك ليس بشيء حتى لا يقع به الطلاق وإن نوى؛ لأن ما لا تستبين به الحروف لا يسمى كتابة فكان ملحقا بالعدم . انتهى من [بدائع الصنائع ج3 ص109].
قال في المدونة :
وسمعت مالكا وسئل عن رجل يكتب إلى امرأة بطلاقها فيبدو له فيحبس الكتاب بعد ما كتب،
قال مالك : إن كان كتب حين كتب يستشير وينظر ويختار فذلك له والطلاق ساقط عنه، ولو كان كتب مجمعاً على الطلاق فقد لزمه الحنث وإن لم يبعث بالكتاب . انتهى.
قال ابن قدامة رحمه الله :
" ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق ، إلا في موضعين :
... الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق ، فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي ، والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ".
وإن كتب بلا نية الطلاق ، لم يقع عند الجمهور : " لأن الكتابة محتملة ، فإنه يقصد بها تجربة القلم ، وتجويد الخط ، وغم الأهل ، من غير نية " . انتهى من "المغني" (7/373) .
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
س : طلق زوجته ثلاثا بكتابة هذه الحروف : (نعم أنا ف. ع. ع قد طلقت زوجتي بالثلاث) ولم يتكلم، بل كتب وهو صامت، وهذا كان على إثر زعل بينهما، ثم راجعها فورا وأشهد عليها ثم آذته زوجته مرة أخرى فطلقها ثلاثا بكتابة هذه
الحروف : (إنها طالق وطالق وطالق) كتبها وهو صامت لم يتكلم، يقول : فهل يقع طلاق بلا إشهاد، وهل يقع الطلاق بالكتابة مع الصمت عن النطق بالطلاق، وهل لي رجعة أو لا؟
فأجابت :
إذا كان الحال كما ذكرت في سؤالك وتفسيره من تطليقك زوجتك ثلاثا بالكتابة، ثم رجعتها بشهود، ثم تطليقك إياها ثلاثا بكتابتك : (أنت طالق وطالق وطالق) -
فزوجتك هذه مطلقة ثلاثا على كل حال، نطقت بالطلاق أم كنت صامتا، ما دمت كتبت إليها الطلاق، وسواء شهدت على طلاقك أم لم تشهد،
وعليه فقد بانت منك امرأتك البينونة الكبرى، فلا تحل لك حتى تنكح زوجا غيرك، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٥٤)).
وجاء فيها أيضا :
س : إنه كتب طلاق زوجته مرتين، وراجعها ثم كتب طلاقها المرة الثالثة، ويسأل هل يجوز له مراجعة مطلقته والحال ما ذكر؟
فأجابت :
إذا كان الأمر كما ذكره المستفتي من أنه كتب طلاق زوجته مرة ثم راجعها وكتبه مرة ثانية ثم راجعها وكتبه مرة ثالثة ثم أرسل بها إلى أهلها-
فقد بانت منه مطلقته بينونة كبرى، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة، لا نكاح تحليل . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (٣٦٧)).
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق