من حلف بالطلاق وكان يقصد به الحث أو المنع أو التهديد وليس المقصود فراق زوجته إن لم تفعل أو إن فعلت فهذا له حكم اليمين وفيه الكفارة .
أما إذا أراد إيقاع الطلاق فإنه يقع الطلاق طلقةً واحدة فالمرجع في ذلك كله الى نية الحالف .
ودليل ذلك :
1 - قال الله تعالى : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم . [التحريم: 1، 2]. ففى هذه الاية الله جعل التحريم يمينا .
2 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى . أخرجه البخاري. فالذي ينوي اليمين أو معنى اليمين إذا حنث فإنه يجزئه كفارة يمين .
قال ابنُ تيميَّةَ رحمه الله :
النوع الثالث مِنَ الصِّيَغِ : أنْ يُعلِّقَ الطَّلاقَ أو العِتاقَ أو النَّذرَ بشَرطٍ؛ فيَقولَ : إنْ كان كذا فعلَيَّ الطَّلاقُ، أو الحجُّ، أو فعَبِيدي أحرارٌ، ونحوَ ذلك :
فهذا يُنظَرُ إلى مقصودِه؛ فإنْ كان مقصودُه أنْ يَحلِفَ بذلك ليس غَرَضُه وُقوعَ هذه الأمورِ -كمَن ليس غَرَضُه وُقوعَ الطَّلاقِ إذا وقَعَ الشَّرطُ- فحُكمُه حُكمُ الحالِفِ، وهو مِن بابِ اليمينِ . انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (33/60).
قال ابنُ القَيِّمِ رحمه الله :
قال أميرُ المؤمنينَ عليٌّ كرَّمَ اللهُ وجْهَه وشُرَيحٌ وطاوسٌ : لا يَلزَمُ مِن ذلك شَيءٌ، ولا يُقضى بالطَّلاقِ على مَن حلَفَ به بحِنثٍ،
ولا يُعرَفُ لعليٍّ في ذلك مُخالِفٌ من الصَّحابةِ، هذا لَفظُه بعَيْنِه؛ فهذه فَتوى أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الحَلِفِ بالعِتقِ والطَّلاقِ، وقد قَدَّمْنا فتاويَهم في وُقوعِ الطَّلاقِ المُعلَّقِ بالشَّرطِ، ولا تَعارُضَ بيْن ذلك؛ فإنَّ الحالِفَ لم يَقصِدْ وُقوعَ الطَّلاقِ، وإنَّما قصَدَ مَنْعَ نفْسِه بالحَلِفِ ممَّا لا يُريدُ وُقوعَه . انتهى من ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (3/52).
سئل الشيخ الألباني رحمه الله :
ما حكم في من تفوه الحلف بالطلاق، وهو لا ينوي الطلاق عند الحلف؟
فأجاب :
عليه كفارة يمين، لا يقع عليه الطلاق . انتهى
(الهدى والنور ٤٣١/ ٠٠: ٤١: ٥٣)
وسئل أيضا رحمه الله :
لو قال رجل لامرأته: تحرمي علي إذا انتقلنا من هذه الدار ولم ينتقل، فما هو ..
فأجاب :
نفس الجواب، بارك الله فيكم نفس الجواب، هذا يمين وكفارته كفارة يمين، حلف عليها ألا تخرج فخرجت .. حلف عليها ألا تدخل فما دخلت ..
كل هذا داخل في باب الحلف بالطلاق ليس طلاقاً وإنما هو يمين، فإذا حنث فيه كفارته كفارة اليمين . انتهى من (الهدى والنور /٧٣١/ ٢٤: ٢٦: .. ) (الهدى والنور /٧٣١/ ٥٢: ٣١: ..)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
الحكم في هذا يختلف، إذا كان قال عليه الطلاق ما يفعل كذا، عليه الطلاق ما يكلم فلان، عليه الطلاق ما يعمل العمل الفلاني، وهو قصده من ذلك منع نفسه من هذا الشيء أن يمنع نفسه، وليس قصده إيقاع الطلاق على زوجته، إنما أراد منع نفسه عليه الطلاق ما يكلم فلان، علي الطلاق أن تأكل هذه الذبيحة، على الطلاق أن تسافر معي، أن تذهب معي إلى فلان، هذا كله في حكم اليمين على الصحيح، وعليه كفارتها إذا لم ينفذ مطلوبه.
يكون حكمه حكم اليمين فيما ذكره جماعة من أهل العلم وروي عن جماعة من السلف، وعن بعض الصحابة ما يدل على ذلك، وهذا هو الذي قرره أبو العباس ابن تيمية وابن القيم وجماعة وذكروا أنه في حكم اليمين، واحتجوا على هذا بآثار سلفية، وبعض الأحاديث الواردة في هذا الباب .
والخلاصة : أن الواجب على هؤلاء عدم التلاعب بالطلاق والحذر من ذلك، فإذا وقع الطلاق بهذه الصيغة، عليه الطلاق ما يفعل كذا، عليه الطلاق أن يكلم فلان، عليه الطلاق أن يسافر، عليه الطلاق أنه ما يأكل عند فلان، وما أشبه هذه الأشياء، فإن نفذ فلا شيء عليه، وإن لم ينفذ بل أخل بما قال فعليه كفارة اليمين إذا كان المقصود هو تنفيذ هذا الشيء أو عدم تنفيذه، ليس المقصود فراق الزوجة، فهو بمثابة لو قال: والله لا أفعل كذا، والله لا أكلم فلان، والله لا أسافر، عليه كفارة اليمين . اه
وقال أيضا رحمه الله :
هذا الكلامُ فيه تفصيلٌ : فإذا كنتَ أرَدْتَ مَنْعَ نفْسِك مِن هذا الشَّيءِ، قلْتَ : علَيَّ الطَّلاقُ لا أفعَلُ كذا، علَيَّ الطَّلاقُ لا أُكلِّمُ فُلانًا، علَيَّ الطَّلاقُ لا أَزورُ فُلانًا...، فإذا كان المقصودُ حَثَّ نفْسِك على الفعلِ أو التَّركِ، وليس المقصودُ فِراقَ أهْلِك إنْ لم تَفعَلْ أو إنْ فَعَلْتَ؛ فهذا له حُكمُ اليمينِ، وفيه الكفارة المذكورة في كتاب الله في سورة المائدة، وهي :
إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو عتق رقبة، مخير، كل مسكين يعطى نصف الصاع، يعني : كيلو ونص من التمر، أو غيره من قوت البلد، أو يعطى كسوة، إزار ورداء، أو قميص، أو يعتق رقبة، فإن عجز عن الثلاث؛ فإن عليه أن يصوم ثلاثة أيام، هذه كفارة اليمين، وهذا الطلاق الذي وصفنا له حكم اليمين.
أما إذا أردت إيقاع الطلاق، مع منع نفسك من هذا الشيء، قلت : علي الطلاق لا أفعل كذا، علي الطلاق لا أكلم فلانًا، علي الطلاق لا أزور فلانًا، ومقصودك الامتناع، وفراق أهلك أيضًا، إن فعلته، فإنه يقع الطلاق طلقةً واحدة بهذا الكلام؛ لأنك أردت إيقاع الطلاق، والأعمال بالنيات .
وهكذا أشباه ذلك، ومثل : علي الحرام لأفعلن كذا، أو علي الحرام لا أفعل كذا، إن قصدت التحريم والمنع، أو قصدت التحريم وحده، فعليك التحريم إذا لم تفعل، تكون زوجتك حرام عليك، حتى تكفر كفارة الظهار .
أما إذا ما أردت التحريم، وإنما أردت منع نفسك عليك، قلت : علي الحرام لأفعلن كذا، تريد حث نفسك على الفعل، ومنعها من عدم الفعل، لا تحريم زوجتك، فإن هذا له حكم اليمين، وعليك كفارة اليمين على حسب النية . انتهى من ((فتاوى نور على الدرب)) (22/193).
وقال الشيخ العُثيمين رحمه الله :
تعليقُ الطَّلاقِ بالشُّروطِ يَنقسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
الأوَّلُ : أنْ يَكونَ شَرطًا مَحْضًا؛ فيقَعُ به الطَّلاقُ بكلِّ حالٍ.
الثاني : أنْ يَكونَ يمينًا مَحضًا؛ فلا يقَعُ به الطَّلاقُ، وفيه كفَّارةُ يمينٍ.
الثالثُ : أنْ يَكونَ مُحتمِلًا الشَّرطَ المَحضَ واليمينَ المَحضَ؛ فهذا يُرجَعُ فيه إلى نيَّةِ المُعلِّقِ. وهذا هو الصَّحيحُ في هذه المسألةِ، وهو الَّذي تَقتضيهِ الأدلَّةُ . انتهى من ((الشرح الممتع)) (13/125).
وسئلت اللجنة الدائمة :
عمن قال لزوجته : علي الطلاق تقومين معي ولم تقم معه. فهل يقع بذلك طلاق ؟
فأجابت :
إذا كنت لم تقصد إيقاع الطلاق وإنما أردت حثها على الذهاب معك فإنه لا يقع به طلاق ويلزمك كفارة يمين في أصح قولي العلماء ،
وإن كنت أردت به إيقاع الطلاق إذا هي لم تستجب لك وقع به عليها طلقة واحدة . انتهى من (فتاوى اللجنة الدائمة (20/86)) .
كذلك من قال : عليَّ اليمين
فالحكم فيما يترتب على حنثك في يمينك، يختلف باختلاف قصدك بصيغة اليمين التي تلفظت بها،
فإن كنت قصدت بها اليمين بالله تعالى ففى هذه الحالة تكفر كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد، يعني : كيلو ونص من قوت البلد، أو كسوتهم لكل واحد قميص، يعني : مدرعة يلبسها، أو إزار ورداء يكفي، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام وأما إن كنت قصدت باليمين الطلاق فهو طلاق .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا قال الرجل لزوجته : عليَّ اليمين لتخرجين من البيت، أو لا تخرجين من البيت، أو لا تكلمين فلانًا، أو لا تعملين كذا وكذا، فهو على نيته، إن كان نيته الطلاق، فهو طلاق، وإن كان نيته اليمين بالله على نيته .اه
تنبيه : الحلف بالطلاق ليس حلفاً بغير الله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أما الطلاق فلا يسمى حلف في الحقيقة، وإن سماه الفقهاء حلفاً، لكن ليس من جنس هذا،
الحلف بالطلاق معناه : إيقاعه على وجه الحث والمنع والتصديق والتكذيب مثل : والله ما أقوم، والله ما أكلم فلان، هذا يسمى يمين، فإذا قال : عليه الطلاق ما يقوم، عليه الطلاق ما يكلم فلان، نسميه يمين من هذه الحيثية، يعني : من جهة ما يتضمنه من الحث والمنع أو التصديق والتكذيب، سمي يميناً لهذا المعنى،
وليس فيه حلفاً بغير الله، ما قال : بالطلاق ما أفعل كذا، لا يحلف بالطلاق، لا يقول : بالطلاق ما أفعل كذا، بالطلاق ما أكلم.. لا، هذا لا يجوز،
لكن إذا قال : عليه الطلاق إنه ما يكلم فلان، عليه الطلاق إنك ما تروحي يا فلانة عند كذا وكذا، يعني زوجته، عليه الطلاق ما يسافر إلى كذا وكذا، هذا طلاق معلق يسمى يميناً؛ لأنه في حكم اليمين من جهة الحث والمنع والتصديق والتكذيب . انتهى من (فتاوى نور على الدرب (29) )
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق