لا بأس من وجود لعب الأطفال كالدمى والدباديب في البيت ما دامت ممتهنة يلعب بها الأطفال لوجود الرخصة في لعب البنات فهى أمر جائز في السنة ،
فهى مستثناه من عموم النهي عن التصوير لأنها لو لم تكن صورة لم تكن داخلة في النهي حتى يمنع منها ،
وذلك لغرض شرعي وهو تعويد البنات على الشفقة على الصغار وتربيتهم ولأن الصغار يستأنسن بهذه اللعب.
والصور المباح اقتناؤها كلعب الأطفال لا تمنع دخول الملائكة البيت لأن الوعيد وارد على الصور المحرمة على الأظهر.
والأحوط للمسلم أن تكون هذه اللعب بدون ملامح فى الوجه أو أن يقلع رأس لعب الأطفال ،
أو يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية ، خروجاً من الخلاف، لقوله عليه الصلاة والسلام-: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
وأما تزيين البيت بلعب الأطفال فلا يجوز لأنها مستثناه لحاجة الأطفال فلا يتعدى عنها إلى غيرها .
ومما يدل على ذلك :
1- عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : ( كُنْتُ ألْعَبُ بالبَنَاتِ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانَ لي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، فَكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ منه، فيُسَرِّبُهُنَّ إلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ). رواه البخاري (6130) ومسلم (2440) . و(البنات) أي : ألعابٌ مُجسَّمةٌ .
2- وعنها رضي الله عنها قالت : قدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، من غزوةِ تبوكٍ – أو خيبرٍ وفي سهوتِها سترٌ ، فهَبَّتْ ريحٌ، فكَشَفَتْ ناحيةَ السِّتْرِ ، عن بناتٍ لعائشةَ – لَعِبٌ – فقال : ما هذا يا عائشةُ ؟
قالت : بناتي ! ورأى بينَهُنَّ فرسًا له جَناحانٍ مِن رِقاعٍ ، فقال : ما هذا الذي أرى وَسَطَهُنَّ ؟ قالت : فَرَسٌ . قال : وما هذا الذي عليه ؟
قالت : جَناحان . قال : فرسٌ له جَناحانِ ؟ قالت : أما سَمِعْتَ أن لسليمانَ خيلًا لها أجنحةً ؟ قالت : فضَحِكَ حتى رَأَيْتُ نواجذَه!. (صحيح أبي داود-رقم: (4932)).
وهذا الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة يدل على أنه يستوضح الأمور أولا، ثم لو علم فيها حرمة نهى عنها، ولكن ضحكه وعدم نهيها يشعر بمشروعية هذه الألعاب . ينظر: (الدررالسنية -الموسوعة الحديثية).
وأما كون لعب الأطفال لا تمنع دخول الملائكة المنزل ، فقد جاء في كشاف القناع عن متن الإقناع :
(ولا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة) قال في المبدع : والمراد به : كل منهي عن اقتنائه.
وفي الآداب : هل يحمل على كل صورة أم صورة منهي عنها؟ قلت : الأظهر الثاني .اهـ .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح :
واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن ، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور ،
وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور ، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن .
...... وقيل : معنى الحديث اللعب مع البنات أي الجواري والباء هنا بمعنى مع حكاه ابن التين عن الداودي ، ورده .
قلت : ويرده ما أخرجه ابن عيينة في " الجامع " من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عنه عن هشام بن عروة في هذا الحديث " وكن جواري يأتين فيلعبن بها معي " وفي رواية جرير عن هشام " كنت ألعب بالبنات وهن اللعب " أخرجه أبو عوانة وغيره ،
وأخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر عن عائشة قالت : " قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوة تبوك أو خيبر " فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها قالت : " فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب فقال : ما هذا يا عائشة ؟
قالت : بناتي . قالت : ورأى فيها فرسا مربوطا له جناحان فقال : ما هذا ؟ قلت فرس . قال فرس له جناحان ؟ قلت : ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لها أجنحة ؟ فضحك " فهذا صريح في أن المراد باللعب غير الآدميات .
قال الخطابي : في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد : وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغ .
قلت : وفي الجزم به نظر لكنه محتمل ; لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة إما أكملتها أو جاوزتها أو قاربتها .
وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فيترجح رواية من قال في خيبر ، ويجمع بما قال الخطابي لأن ذلك أولى من التعارض . انتهى من (فتح الباري: جزء 10، من صفحة 526 - 527)
وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
في (باب حكم التصوير، وصنع الصور والتماثيل، واتخاذها)، بعدما ذكر حديث عائشة السابق في اللعب بالبنات، قال :
"وقد حرَّف بعض المشدِّدين في مسألة الصور هذا الحديث، فزعم أن معنى قولها : " كنتُ ألعب بالبنات "؛ كنتُ ألعب (مع) البنات.
ثم ذكر كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على الحديث، وعلَّق على شرحه [لما] قاله الخطابي بقوله :
"قال الخطَّابي في شرح حديث اللعب : إن اللَّعب بالبنات ليس كالتلهِّي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما رخّص لعائشة فيها؛ لأنها إذا ذاك كانت غير بالغ ".
ثم قال : " قال الحافظ عقب نقله : وفي الجزم به نظرٌ، لكنه محتملٌ ؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة ، إما أكملتها ، أو جاوزتها، أو قاربتها،
وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قَطْعاً؛ فيترجَّح رواية من قال في خيبر. ويجمع بما قال الخطابي؛ لأن ذلك أولى من التعارض. اه-".
وأقول : إن هذا ليس بجمع ؛ إذ لو كانت لعب البنات محرَّمة ؛ لما أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وصواحبها على اللعب بها ، وإن كنَّ غير بالغات ، ولما تركها في بيته .
والصواب : أن هذه اللعب لا تدخل في عموم ما أنكره من الصور المعلَّقة ؛ بل هي أشبه بما أقرَّه من الصور في الوسائد والمرافق ، في أن كلاً منهما لا يشبه ما كان يُعبَد من الصور والتماثيل ". انتهى من [(فتاوى الشيخ (محمد رشيد رضا): المجلد الرابع، صفحة 1409).].
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
استثنى أكثر العلماء من تحريم التصوير، وصناعة التماثيل صناعة لعب البنات، وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.
وقد نقل القاضي عياض جوازه عن أكثر العلماء، وتابعه النووي في شرح مسلم، فقال : يستثنى من منع تصوير ما له ظل، ومن اتخاذه لعب البنات؛ لما ورد من الرخصة في ذلك .
وهذا يعني جوازها، سواء أكانت اللعب على هيئة تمثال إنسان أم حيوان، مجسمة أم غير مجسمة، وسواء أكان له نظير في الحيوانات أم لا، كفرس له جناحان.
وقد اشترط الحنابلة للجواز أن تكون مقطوعة الرؤوس، أو ناقصة عضو لا تبقى الحياة بدونه، وسائر العلماء على عدم اشتراط ذلك.
واستدل الجمهور لهذا الاستثناء بحديث عائشة ـ رضي الله عنها - قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي، فيلعبن معي .
وفي رواية قالت : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، أو خيبر، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح، فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال : ما هذا يا عائشة؟
قالت : بناتي، ورأى بينهن فرسًا لها جناحان من رقاع، فقال : ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت : فرس، قال : وما هذا الذي عليه؟
قالت : جناحان، فقال : فرس له جناحان؟ قالت : أما سمعت أن لسليمان خيلًا لها أجنحة؟ قالت : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه.
وقد علل المالكية، والشافعية، والحنابلة هذا الاستثناء لصناعة اللعب بالحاجة إلى تدريبهن على أمر تربية الأولاد .
وهذا التعليل يظهر فيما لو كانت اللعب على هيئة إنسان ، ولا يظهر في أمر الفرس الذي له جناحان ؛ ولذا علل الحليمي بذلك، وبغيره ، وهذا نص كلامه، قال :
للصبايا في ذلك فائدتان : إحداهما عاجلة، والأخرى آجلة :
فأما العاجلة : فالاستئناس الذي في الصبيان من معادن النشوء ، والنمو ، فإن الصبي إن كان أنعم حالًا ، وأطيب نفسًا ، وأشرح صدرًا كان أقوى ، وأحسن نموًا ؛
وذلك لأن السرور يبسط القلب ، وفي انبساطه انبساط الروح ، وانتشاره في البدن ، وقوة أثره في الأعضاء ، والجوارح ،
وأما الآجلة : فإنهن سيعلمن من ذلك معالجة الصبيان ، وحبهم ، والشفقة عليهم ، ويلزم ذلك طبائعهن ،
حتى إذا كبرن ، وعاين لأنفسهن ما كن تسرين به من الأولاد كن لهم بالحق ، كما كن لتلك الأشباه بالباطل .
هذا وقد نقل ابن حجر في الفتح عن البعض دعوى أن صناعة اللعب محرمة ، وأن جوازها كان أولًا ، ثم نسخ بعموم النهي عن التصوير،
ويرده : أن دعوى النسخ معارضة بمثلها ، وأنه قد يكون الإذن باللعب لاحقًا ، على أن في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ في اللعب ما يدل على تأخره ،
فإن فيه أن ذلك كان عند رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، فالظاهر أنه كان متأخرًا . انتهى من (الموسوعة الفقهية الكويتية (12/ 112)).
وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
ما حكم شراء عرائس البنات والصور الموجودة في الكتب ، كصور الحيوانات والطيور وغيرها ، حيث إن الأطفال يجدون في النظر إليها متعة ويتعلمون من خلال النظر إليها ، فما أدري ما حكم ذلك ؟
فأجاب :
ما يسمى بعرائس الأطفال وهي الصور المجسمة على صورة امرأة أو بنت أو ولد ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : جائز ولا إشكال فيه ، وهو ما صار يصنع الآن حديثاً بحيث تكون الصور كظل ليس لها عين ولا أنف ولا فم وهذه لا إشكال في جوازها ، وكان لـ عائشة رضي الله عنها بنات من هذا النوع تلعب بهن .
القسم الثاني : ما يصنع من البلاستيك ويكون على شكل الصورة الآدمية تماماً حتى في العيون والشفتين والأهداب والحواجب ،
حتى إن بعضها ربما تمشي وتصوت ، فهذا في جوازه نظر ، ولكن لا أشدد فيه ؛ لأن حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تلعب بالبنات ، فقد يقال : إنه يدل على الفسحة والتوسع للبنت ، لاسيما وأنها يحصل لها بذلك -كما قلت- شيء من المتعة ،
لكن مع هذا نقول : ما دام قد وجد ما يغني عن ذلك ، فلا ينبغي العدول إلى شيء مشتبه مع وجود شيء لا شبهة فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) .
أما صور الحيوانات الأخرى كالحصان والأسد وما أشبهها فلا وجه لاقتنائها إطلاقاً ويستغنى عن هذا بصور الآلات المصنوعة كالسيارة والجراف وما أشبه ذلك ، فإن الصبي يلهو بها كما يلهو بصور الحيوان الأخرى ،
وإذا لم يكن فيها بد بأن أهدي للإنسان شيء من هذه الحيوانات فإنه يقطع رأسها ويبقيها بلا رأس ولا حرج في هذا ". انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (26/6) .
وقال أيضا رحمه الله :
لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم فإن عائشة رضي الله عنها كان لها بنات أي لعب تلعب بهن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه ،
والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة فتجعل لها فراشا ووسادة ، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها ،
وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف ، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية ،
ولا شك أن هذا يعطيها تعليما لتربية الأولاد في المستقبل ويعطيها أيضا حنانا على من يكون طفلا لها حقيقة ويعطيها تسلية وفرحا وسرورا ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه ،
أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة لها رأس وأنف وعين وربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك ،
فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية .
ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلا بعموم الحالات لا بعموم اللفظ لأنه ليس هناك لفظ عام ،
وهي أن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة ،
ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها . انتهى من (فتاوى نور على الدرب-(223)).
سئل الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله :
ما هو الحكم في دُمَى الأطفال التي تُصنع من القماش المحشوِّ بالقطن ؟وهل يجوز رسم العينين والفم على رؤوسها ؟ أفتونا في ذلك ، جزاكم الله خيرًا ؟
فأجاب :
الذي أراه - والله أعلم - أن اتِّخاذ هذه التماثيل أو الدُّمى بالنسبة للأطفال الصغار هو أمر جائز في السنة ، لكن التعمُّق في تصويرها وتكوينها كما جاء في السؤال ما أرى ذلك ؛
لأني ألاحِظُ شيئًا وهذا في الواقع من دقيق العلم الذي ينبغي على طلاب العلم أن يُلاحظوه :
إنَّ لُعَب الأطفال هذه ووجودها في الدار مع أنها تماثيل للعلماء فيها قولان:
أحدهما : أنها لا تجوز إعمالًا للنصوص العامة التي تنهى عن التصوير وعن الإبقاء على الصور في البيوت ،
ومنهم مَن يقول : أن هذه الصور مُستثناة من النصوص العامة صنعًا وقُنيةً ، وهذا الذي نحن نتبنَّاه ونراه صوابًا إن شاء الله ،
لكن لا نشك بأن الشارع الحكيم عندما يستثني حكمًا من نصٍّ عامٍّ فَلِحكمة قد تظهر لبعض الناس وقد تخفى على آخرين ،
فنحن نلاحظ أنَّ من الحكمة في إباحة هذه اللُّعَب للأطفال الصغار تمرينًا لهم على ما يتعلَّق بشؤون المنزل مما يسمَّى اليوم بتدبير المنزل ؛ من الخياطة وتركيب زر ونحو ذلك ،
أما التعمُّق في تصوير الآذان والأعين والأنف والفم بالخطِّ فهذا له علاقة بما يسمُّونه بالفن ، والشارع الحكيم أباح هذا لمصلحة ظاهرة بالنسبة للفتيات الصغيرات كعائشة - مثلًا - ونحوها ،
وليس من مصلحة الفتاة أن تُعنى بهذه الدِّقَّة في التصوير ، ولذلك يقولون : " ما كان على خلاف القياس فعليه لا يُقاس " ؛
فنحن لا نستطيع أن نتوسَّع هنا إلا بما أفاده النَّصُّ في لُعَبِ السيدة عائشة ، ولم يُنقل أنها كانت لُعَبًا فيها هذه الدقة في التصوير ، فيُكتفى بصُنع هذه التماثيل من الخِرَق ليس إلا .
وأما القول أن هذا منسوخ لعموم تلك الأحاديث ؛ فهذه في اعتقادي غفلة عن بعض الشروط التي يذكُرُها علماء الأصول في كتبهم :
من أنه يُشترط في معرفة الناسخ والمنسوخ أن يُعرف أوَّلًا المتقدم من المتأخر ،
وثانيًا - وهذا أهم - ألَّا يُمكن في الأصل التوفيق بين النَّصَّين ، فإذا تعذَّر حينَ ذاك التوفيق صِيرَ إلى النسخ .
أما ادِّعاء أن هذا الحكم الخاص هو منسوخ بالنَّصِّ العام فهذا لا يقول به علماء الفقه - أي : أصول الفقه - أبدًا ،
وهذا في الوقع يقع فيه بعض أفاضل العلماء الذين ينسخون بعض النُّصوص الخاصَّة لِمُعارضتها لبعض النُّصوص العامة ،
والصواب في ذلك أن يُخصَّص النَّصُّ العام بالنَّصِّ الخاص ، وإن كان السلف يُطلقون على النَّصِّ المخصِّص أنه ناسخ وعلى النَّصِّ العام أنه منسوخ ، ولكنهم يعنون أن جزءًا من أجزائه هو المنسوخ ،
وإذا لُوحظ الفرق بين اصطلاح السَّلف واصطلاح الخَلَف بين الناسخ والمنسوخ زالَتْ أمام طالب العلم إشكالات كثيرة ،
حينما يجد - مثلًا - " السيوطي " في كتاب " الإتقان في علوم القرآن " يذكر بأن هناك ثلاث مئة آية تقريبًا منسوخة ؛ فإنما يعني هو تحت الاصطلاح العام ؛ الاصطلاح العام السلفي يعني ،
وهو بالاصطلاح الخاص الخَلَفي التخصيص كما قُلْتَ ، حينئذٍ يزول الإشكال ، ثلاث مئة آية منسوخة ! لا ، لا يوجد في القرآن مثل هذا الآيات المنسوخة أبدًا ، لكنهم يعنون مُخصَّصة .
على هذا فأحاديث لُعَب الأطفال التي كانت تصنَعُها عائشة لنفسها ، والتي كان بعض الأنصار يصنعونها لأولادهم لِيُشغلوهم بها عن الإفطار عن الطعام الذي يفطِّرهم في رمضان ؛
فهذه تكون لُعَب بدائيَّة سطحيَّة جدًّا فقط لتحقيق هذه المصلحة التي أشرنا إليها آنفًا ، والله أعلم . انتهى من (تسجيلات متفرقة - شريط : (251)).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق