من قَتل شخصاً خطأً بحادث سير أو اصطدمت سيارته بسيارة أخرى فقتله وهو فيها فيجب عليه الكفارة ( وهي صوم شهرين متتابعين لا يفطر فيهما إلا بعذر شرعي من سفر أو مرض أو نحوهما ) والدية ( مائة من الإبل، أو قيمتها عند التعذر ومقدارها (4250) جراما من الذهب الخالص ) ويدفع الدية عاقلته ( كأبيه ، وأعمامه وإخوانه وأبنائهم ) وهذا اذا لم يعفو الورثة عن الدية .
وذلك إذا فرط السائق في شيء من ذلك كأن يعلم أن سيارته لا تصلح للقيادة أو تجاوز السرعة المحددة أو كسر الإشارة الحمراء أو وجود خلل في فرامل السيارة أو المقود أو غفا بعد أن شعر بالنعاس ولم يتوقف فإن الدية والكفارة واجبتان عليه .
وإن اشتركا السائقان في الخطأ فالدية على عاقلتهما معاً ( كلٌّ حسب نسبة خطئه ) وعلى كل واحد منهما كفارة كاملة .
وأما إذا كان أحد السائقين قد أخذ بأسباب السلامة من تأكده من القدرة على تسيير المركبة وعدم الإحساس بالنوم ولم يتجاوز حد السرعة المسموح به من قبل أهل الاختصاص ولم يخرج عن مساره المحدد له ولم يستطع وقت وقوع الحادث تلافي ما وقع من الضرر فإنه لا دية عليه ولا كفارة وتكون الكفارة على السائق الآخر المخطئ والدية على عاقلته ( كأبيه وأعمامه وإخوانه وأبنائهم ).
كذلك أيضا إذا كان هناك سائق ما يسير بسيارته فى الطريق ثم قابله فجأة ما يخشى الضرر باصطدامه به أو يخرج عليه شيئا كسيارة من اليمين أو الشمال على وجه لا يتمكن فيه من الوقوف فينحرف ليتفادى الخطر فيحصل الحادث أو يصل إلى حفرة عميقة لم يشعر بها فيحرف السيارة عنها أو فجأة انفجر إطار عجلة السيارة أو ينكسر ذراع المقود فيحصل الحادث فلا يترتب عليه شيء من وجوب كفارة أو ضمان لأنه لم يحدث ذلك بتفريط منه أو تعد بل أراد السلامة .
كذلك إذا كان هناك سائق متَّبع للتعليمات وأتى سائقٌ من ورائه فصَدَمه ومات الصادمُ أو صدم سيارة واقفة في موقف مصرَّح بالوقوف به فمات فهنا المقتول متعديًا فلا كفارة على غيره ولا دية له في مال غيره وفي ماله ضمان المتلف والدية على عاقلته. ينظر :["المغني" (10/360، 362.)]
والكفارة تتعدد بتعدد المقتولين
فيجب على من تسبب بقتل الجماعة الدية والكفارة عن كل قتيل فإن كان الحادث وقع بسبب السائق وحده وقتل مثلا خمسة أشخاص فيجب عليه خمس ديات وخمس كفارات، أما إن كان الحادث مشتركاً مع سائق آخر فتوزع الديات على السائقين .
ودليل ذلك :
1- قال الله تعالى : وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. {النساء:92}.
وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي: إذا ارتكبَ المؤمنُ القتْلَ غيرَ عامدٍ له ولا قاصِدٍ إليه، فعليه أن يُكَفِّرَ عن ذلك بتحريرِ مؤمنٍ أو مؤمنةٍ من رِقِّ العبوديَّةِ .
وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أي: وعلى القاتِل دفْعُ دِيَةٍ كاملة- ولكنْ تتحمَّلُها عاقِلَتُه- إلى ورثَةِ المقتولِ عِوَضًا لهم عمَّا فاتَهُم من قريبهم وجَبْرًا لقلوبهم إلَّا إذا تصدَّقُوا بإسقاطِ الدِّيَة، فلا تجب حينئذٍ .
فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي: فإنْ كان هذا المقتولُ الَّذي قَتَلَه المؤمِنُ خطأً من كُفَّارٍ حربِيِّينَ، لكنَّه مؤمنٌ، فلا دِيَةَ لهم، وعلى القاتل عِتْقُ رقبةٍ مؤمنة لا غيرُ .
وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أي : وإنْ كان القَتيلُ الَّذي قتَلَه المؤمنُ خطأً من قومٍ بينكم- أيُّها المؤمنونَ- وبينهم عهْدٌ وذمَّةٌ أو هُدْنة, وليسوا أهلَ حربٍ لكم .
فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أي : فعَلى القاتِلِ دِيَةٌ- تتحمَّلُها عاقِلَتُه- يدفعها إلى ورثة المقتولِ، وعِتْقُ رقبةٍ مؤمنة كفَّارةً لقتْلِهِ.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أي : فمَن لم يَجِدْ رقبةً مؤمنةً يُعْتِقُها كفَّارةً لخطئه في القتل، أو لم يَجِدْ ثَمَنَها، بأنْ كان مُعْسِرًا، ليس عنده ما يَفْضُل عن حوائجِه الأصليَّة، فعليه ِصيامُ شهرين، يَسْرُدُ صومَهُما إلى آخرهِمَا دون إفطارٍ فيهما .
تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ أي : هذه الكَفَّاراتُ الَّتي شَرَعَها اللهُ للمُؤمِنِ الذي قَتَلَ مؤمنًا خطأً؛ توبةً منه على عباده ورحمةً بهم، وتكفيرًا لما عَسَاه أنْ يَحصُلَ منهم من تقصيرٍ وعَدَمِ احترازٍ، ولو شاء اللهُ تعالى لشَقَّ عليهم، ولكان الواجبُ بقتلِ الخطأِ أكبرَ من ذلك .
وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا أي : إنَّ اللهَ تعالى عليمٌ بكلِّ شيءٍ، ومن ذلك عِلْمُه بما يُصلِحُ عباده فيما يكلِّفُهم من فرائِضِه وغير ذلك، وهو سبحانه الحكيم في كلِّ شيء، فيَضَع كلَّ شيء في موضِعِه اللَّائق به، ومن ذلك حِكْمَته فيما يَشْرَعه لعباده من أحكام . ينظر : (تفسير الطبري).
2- عن عبدُ اللهِ بن عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال : منْ قُتِلَ خطأً فديتُهُ مائةٌ منَ الإبلِ، ثلاثونَ بنتَ مخاضٍ، وثلاثونَ بنتَ لبونٍ، وثلاثونَ حِقَّةً، وعشرةٌ بني لبونٍ ذكورٍ - إنَّ منْ كان عقلُهُ في البقرِ على أهلِ البقرِ مائتي بقرةٍ، ومن كان عقلُه في الشاةِ ألفي شاةٍ . وقضى رسولُ اللهِ : أنَّ العقلَ ميراثٌ بينَ ورثةِ القتيلِ على فرائضِهم، فما فضلَ فللعصبةِ . وقضى رسولُ اللهِ : أنْ يعقلَ على المرأةِ عصبتُها من كانوا، ولا يرثونَ منهُ شيئًا إلا ما فضلَ عن ورثتِها، وإنْ قُتِلتْ فعقلُها بين ورثتِها، وهم يقتُلونَ قاتِلَها. ((صحيح النسائي)).
والمعنى : أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وسَّع على القاتِلِ وأوليائِه، حيثُ لم يُلزِمْهم بدَفعِ العَقلِ مِن الإبلِ فقط، بل جَوَّز العقْلَ في البقَرِ والشَّاءِ؛ فمَن لم يَكُنْ له إبِلٌ وكانتْ له بقَرٌ، أدَّى العَقْلَ مِنها، وهي مِئتَا بقَرةٍ، ومن لم يكُنْ له إبلٌ وكانت له شَاءٌ، أدَّى العقْلَ مِنها، ومِقْدارُها ألْفَا شاةٍ. ... قال عبدُ اللهِ : "وقَضى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنَّ العقْلَ ميراثٌ"، أي: تكونُ الدِّيَةُ وتُوزَّعُ، "بينَ ورَثةِ القتيلِ على فَرائضِهم"، أي : بالمقدارِ الَّذي حدَّده الشَّارعُ لكلِّ نَصيبِ وارثٍ فيهم، "فما فضَل"، أي : بَقي من تلك الدِّيَةِ بعدَ تَوزيعِها على الورَثةِ، "فلِلعَصَبةِ"، أي : لأقاربِ القَتيلِ وأوليائِه الذُّكورِ الَّذين ليسَتْ لهم فَريضةٌ، وَقَد استَعمل الفقهاءُ العَصَبَةَ في الواحدِ، إذا لم يَكُنْ غيرُه؛ لأنَّه قام مَقامَ الجَماعةِ في إحرازِ جَميعِ المالِ، والشَّرعُ جعَل الأُنثى عَصبَةً في مسألةِ الإعتاقِ، وفي مَسألةٍ مِن المواريثِ. قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عَنه: "وقضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أنْ يَعقِلَ على المرأةِ"، أي : إنَّ الَّذي يَدفَعُ دِيةَ المرأةِ إذا كانت قاتِلةً، "عَصَبتُها مَن كانوا"، أي : تُوزَّعُ على القَريبِين منها والبَعيدين، وعَصَبةُ المرأةِ : ذَوو أَرحامِها مِن الرِّجالِ، "ولا يَرِثون منه شيئًا"، أي: وليس لهم مِن مِيراثِ مالِها وتَرِكَتِها ودِيَتِها شيءٌ إذا كانتْ هي المقتولةَ، "إلَّا ما فضَل عن ورَثتِها"، أي : لهم أن يَأخُذوا ما تبَقَّى مِن الورَثةِ بعدَ تمامِ فُروضِهم الشَّرعيَّةِ؛ وذلك حتَّى لا يتَوهَّمَ العَصَبةُ أنَّهم إذا كانوا هم الدَّافِعين للدِّيةِ في حالِ كَونِها قاتِلَةً فيَحسَبون أنَّهم ورَثتُها في حالةِ إذا كانَت مَقتولةً، فنفى ذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "وإن قُتِلَت"، وإنْ كانت المرأةُ مقتولةً خطَأً، "فعَقْلُها بين ورَثتِها"، أي : ودِيَتُها تَكونُ بينَ الورَثةِ أصحابِ الفُروضِ على قَدْرِ مِيراثِهم، وليس للعصَبةِ، "وهم يَقتُلون قاتِلَها"، أي : وإنْ قُتِلَتْ عَمدًا فالورثةُ هم مَن يَطلُبون بدَمِها لا العَصَبةُ، والمرادُ : أنَّ القِصاصَ حقٌّ للورَثةِ في حالةِ القتلِ العمدِ، فإنْ شاؤوا اقتَصُّوا، وإنْ شاؤوا عفَوْا، ولا حَقَّ في ذلك لغيرِهم مِن الأقاربِ، كالعصَباتِ. ينظر: (الدرر السنية).
قال ابن قدامة رحمه الله :
" ( والخطأ على ضربين : أحدهما : أن يرمي الصيد ، أو يفعل ما يجوز له فعله ، فيئول إلى إتلاف حر ، مسلما كان أو كافرا ، فتكون الدية على عاقلته ، وعليه عتق رقبة مؤمنة ) [ ص: 217 ]
وجملته أن الخطأ أن يفعل فعلا لا يريد به إصابة المقتول ، فيصيبه ويقتله ، مثل أن يرمي صيدا أو هدفا ، فيصيب إنسانا فيقتله .
قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، أن القتل الخطأ ، أن يرمي الرامي شيئا ، فيصيب غيره ، لا أعلمهم يختلفون فيه . هذا قول عمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، والنخعي ، والزهري ، وابن شبرمة ، والثوري ، ومالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي . فهذا الضرب من الخطإ تجب به الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل ، بغير خلاف نعلمه .
والأصل في وجوب الدية والكفارة ، قول الله تعالى : { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا } . وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا له عهد ; لقول الله تعالى : { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة } . ولا قصاص في شيء من هذا ; لأن الله تعالى أوجب به الدية ، ولم يذكر قصاصا ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } . ولأنه لم يوجب القصاص في عمد الخطأ ، ففي الخطأ أولى ". انتهى من "المغني-كتاب الجراح"
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
عن رجل انقلبت به السيارة فماتت زوجته ، فهل عليه كفارة أو لا ؟
فأجاب :
" إذا كنت ما فرطت في سيرك ولا في شيء من متطلبات سيارتك ، وأن الحادث حصل ووضْعُ سيارتِك وسَيْرِك وصحتك عادي ، فلا شيء عليك لعدم ثبوت تسببك في الحادث ،
أما إن كان الواقع تسبب عن شيء مما ذكر فعليك الكفارة ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين ، لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/92 . ولا يجزيء في ذلك الإطعام ، وبالله التوفيق ". انتهى من ("فتاوى إسلامية" (3/358-359)) .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله في رسالته عن أحكام حوادث السيارات :
إن الإصابة بحوادث السيارات تنقسم إلى قسمين :
أحدها : أن تكون الإصابة في أحد الركاب الذين ركبوا باختيار منهم بإذن قائد السيارة ، فهؤلاء قد أمنوه على أنفسهم وأموالهم التي معهم ، فهو تصرّف لهم بقيادته تصرّف الأمين ، وحينئذ لا يخلو الحادث من أربع حالات :
الحال الأولى :
أن يكون بتعد من القائد وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر ، مثل : أن يحمل السيارة حملاً يكون سبباً للحادث أو يسرع بها سرعة تكون سبباً له أو يحاول أن يصعد بها ما في صعوده خطر أو ينزل بها ما في نزوله خطر أو يضرب على الفرامل بقوة لغير ضرورة فيحصل الحادث بذلك التعدي .
الحال الثانية :
أن يكون بتفريط من القائد ، والفرق هو أن التعدي فعل ما لا يسوغ ، والتفريط ترك ما يجب وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر : مثل أن يتهاون في غلق الباب أو في تعبئة العجلات أو في شد مسترخ يحتاج إلى شده فيحصل الحادث بهذا التهاون .
ففي هاتين الحالين يترتب وجوب الكفارة على القائد وهي : عتق رقبة لكل نفس آدمي محترم مات به ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر فيهما إلا بعذر شرعي من سفر أو مرض أو نحوهما ، ويترتب أيضاً ضمان ما تلف من الأموال على القائد وضمان دية النفوس على عاقلته .
الحال الثالثة :
أن يكون بتصرف من القائد يريد به السلامة من الخطر ، وذلك على سبيل المثال لا الحصر : مثل أن يقابله ما يخشى الضرر باصطدامه به ، أو يخرج عليه من اليمين أو الشمال على وجه لا يتمكن فيه من الوقوف فينحرف ليتفادى الخطر فيحصل الحادث ، أو يصل إلى حفرة عميقة لم يشعر بها فيحرف السيارة عنها فيحصل الحادث .
الحال الرابعة :
أن يكون بغير سبب منه ، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر : مثل أن ينفجر إطار عجلة السيارة وينكسر الذراع ، أو يهوي به جسر لم يتبين عيبه .
ففي هاتين الحالين لا يترتب عليه شيء من وجوب كفارة أو ضمان ، لأنه في الأولى أمين قائم بما يجب عليه من محاولة تلافي الخطر فهو محسن وما على المحسنين من سبيل ، وفي الثانية أمين لم يحصل منه تعد ولا تفريط فلا شيء عليه لأنه لم يكن منه تسبب في هذا الحادث .
والقسم الثاني من الإصابة بحوادث السيارات أن تكون في غير الركاب وهذا القسم له حالان :
الحال الأولى :
أن يكون بسبب من المصاب لا حيلة لقائد السيارة فيه ، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر : مثل أن تقابله سيارة في خط سيره لا يمكنه الخلاص منها أو يفاجئه شخص برمي نفسه أمامه لا يمكنه تلافي الخطر .
ففي هذه الحال لا ضمان على قائد السيارة ، لأن المصاب هو الذي تسبب في قتل نفسه أو إصابته ، وعلى قائد السيارة المقابلة الضمان لتعديه بسيره في خط ليس له حق السير فيه .
الحال الثانية :
أن يكون بسبب من المصيب ، وذلك على سبيل التمثيل لا الحصر : مثل أن يدعس شخصاً يسير أمامه في الطريق أو يصدم شجرة أو باباً أو يرجع إلى الوراء فيصيب شخصاً أو غيره .
ففي هذه الحال : يضمن ما أتلفه أو أفسده من الأموال وعليه كفارة القتل والدية على عاقلته ، وإن كان ذلك خطأ غير مقصود ،
قال في المغني : الخطأ أن يفعل فعلاً لا يريد به إصابة المقتول فيصيبه فيقتله مثل : أن يرمي صيداً أو هدفاً فيصيب إنساناً فيقتله ، ثم نقل عن ابن المنذر أنه أجمع على ذلك من يحفظ قوله من أهل العلم ، وقال لهذا الضرب من الخطأ فيه الدية على العاقلة والكفارة في مال القاتل بغير خلاف نعلمه .
وقال في الروض المربع وأصله : من قتل نفساً محرمة أو شارك في قتلها مباشرة أو تسبباً بغير حق فعليه الكفارة ، وتتعدد بتتعدد قتل . أهـ ملخصاً .
فإن قيل : كيف تجب الدية والكفارة في قتل الخطأ وقد قال الله تعالى : ( وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدتم قلوبكم ) ، وأرشد عباده إلى أن يدعوه بقوله : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وقال : قد فعلت . رواه مسلم في صحيحه .
قلنا : تجب الدية والكفارة في قتل الخطأ لأن الله تعالى قال : ( ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) الآية ، وفرق بين قتل الخطأ والعمد ، فأوجب في قتل الخطأ الكفارة والدية ولم يتوعد القاتل ، أما قتل العمد فأوجب فيه القصاص إذا لم يعف أولياء المقتول وتوعد القاتل بقوله : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً ) ، وعلى هذا فيفرق بين القتل وغيره في وجوب الكفارة بالخطأ فيه ، لأن القتل أمره عظيم وخطره جسيم .
فليحرص قائدو السيارات غاية الحرص على مراعاة ما يأتي :
أولاً : أن لا يتولوا قيادة السيارات حتى يكونوا حاذقين فيها وأهلاً لها .
ثانياً : أن يتفقدوا السيارات عند الحاجة إلى تفقدها ولا يتهاونوا في إصلاح ما يكون ترك إصلاحه سبباً للخطر ، لأن الله تعالى يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) .
ثالثاً : أن لا يتهوروا في القيادة فيخرجوا عن الحد الذي ينبغي أن يكونوا عليها في السير .
رابعاً : أن لا يحملوا السيارة ما يزيد على المقرر لها ، لأن ذلك من أسباب الخطر .
خامساً : أن يراعوا الأنظمة المصطلح عليها عند الوقوف والانطلاق واتجاه السير والانحراف يميناً وشمالاً ، لأن ذلك أقرب إلى الحفاظ على أنفسهم وسياراتهم وعلى غيرهم .
سادساً : أن يقولوا عند الركوب إذا ركبوا : سبحان الذين سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، الحمد لله ، الحمد لله ، الحمد لله ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح ، ويجنب ما فيه الشر والفساد والحمد لله رب العالمين . انتهى كلامه رحمه الله.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
قال الفقهاء : إذا كان الاصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ كهبوب الريح أو العواصف فلا ضمان على أحد،
وإذا كان الاصطدام بسبب تفريط أحد رباني السفينتين أو قائدي السيارتين كان الضمان عليه وحده،
ومعيار التفريط – كما يقول ابن قدامة – أن يكون الربان – وكذلك القائد – قادراً على ضبط سفينته أو سيارته أو ردِّها عن الأخرى فلم يفعل، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرها. انتهى من (الموسوعة الفقهية الكويتية (28/293)).
وإليك ما جاء فى فتاوى اللجنة الدائمة
س : قدر الله وحدث علي حادث اصطدام سيارات، وكنت أقود سيارتي وبرفقتي والدي وشقيقتي اللذان توفيا في هذا الحادث، وقد توفي قائد السيارة المقابلة ومعه زميله في الحال، ونتيجة للتحقيق ومعاينة المرور قدر علي الخطأ كله، فكم يلزمني دية للمتوفين، وقد ذهبت إلى أبناء عمي ميسوري الحال لمساعدتي إلا أنهم رفضوا بحجة أنني جاهل ولا هم مساعدين لي.آمل التكرم بإحاطتي بما يلزم هذا الحكم من كفارة ودية وما يلحق بأبناء عمومتي من واجب نحو ابن عمهم وإلى كم جد تلحقهم هذه الدية؟
الجواب :
إذا كان الأمر كما ذكر وجب عليك كفارة الخطأ عن كل شخص توفي في الحادث، والكفارة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين، وأما الدية فيرجع فيها إلى المحكمة. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٤٠١٦)).
س : تقدم لنا النقيب طبيب (غ. ج) مستشفى القوات المسلحة بالهدا بسؤال مرفق، حيث إن المذكور يقول في سؤاله: إنه تعرض لحادث مروري نتيجة تصادم مع سيارة أخرى عن وفاة ابنه البالغ من العمر خمسة أشهر تقريبا، حيث كان مع والده في السيارة، وقد اتضح من تقرير المرور أن أولوية السير كانت للسائق الآخر؛ حيث يقول السائل: كنت خارجا من شارع فرعي إلى الشارع الرئيسي الذي كانت تمر فيه تلك السيارة الأخرى، ويقول : ولم أكن منتبها بوجود تلك السيارة في الشارع الرئيسي، والتي كانت تمر بسرعة فائقة، حسب تقرير المرور، فتم قضاء الله وقدره. وسؤاله لفضيلتكم : هل يستوجب عليه كفارة بسبب وفاة ابنه في هذا الحادث؟ نأمل من فضيلتكم وفقكم الله الإجابة لهذا السائل والله يحفظكم.
الجواب :
على الشخص المذكور الكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا }. (سورة النساء الآية ٩٢). إلى قوله : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }. (سورة النساء الآية ٩٢)
وعليه أن يبحث ويتحرى عن رقبة مؤمنة يعتقها حسب الإمكان، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٤١٨٢)).
س : إنني كنت أسير بسيارتي في طريق الكباري بالرياض، وفجأة خرج علي رجل وقطع الطريق علي ولم أستطع التصرف، تفاديا لسلامته؛ لأنه فاجأني والسيارة تسير، فحدث دهس نتج عنه وفاة المذكور ساعة الحادث، رغم أن السير كان عاديا وخاليا من السرعة، غير أن المذكور كان مخالفا ولذا فقد قرر المرور ما نسبته ٥٠% خطأ من قبله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونظرا إلى أني حكم علي صلحا بما نسبته ٧٠% وبقي ما يلزم من كفارة فإني أتقدم مستفتيا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب :
إذا كان الواقع كما ذكر فعليك كفارة القتل خطأ، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين لا يجزئك غير ذلك؛ لقوله تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا }. (سورة النساء الآية ٩٢). إلى قوله : { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }. سورة النساء، الآية ٩٢. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (٤٧٢٩)).
س : حصل علي حادث انقلاب بسبب نوم بعد قدرة الله جل وعلا، ونتج عن الحادث ما يلي : وفاة زوجتي في الحال، والدتي كانت في حالة غيبوبة من جراء الحادث لمدة شهرين، ثم بعدها صحت وتكلمت وعرفت كل شيء، ثم حصل لها مضاعفات أخرى، بصدرها بلغم، وتوفيت بعد مضي ثلاثة أشهر من الحادث، وهي لا زالت بالمستشفى لم تخرج. السؤال: ماذا يلزمني في الرقبتين : الأولى في الحال والثانية مضى عليها ثلاثة أشهر وهي على قيد الحياة، فإذا كان يلزمني كفارة.
الجواب :
يجب عليك كفارتان لتسببك في وفاة زوجتك ووالدتك، والكفارة عن كل واحدة هي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصم شهرين متتابعين . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٣٩١٥)).
س : أحد جماعتي من عشيرتي الخاصة حصل عنده حادث، الذين توفوا ثمانية، خمسة رجال وثلاث نساء، هو المخطئ، طوف في الخط على سيارة أخرى فهجم على هذه العائلة وقضى الله عليهم، الديات دفعت وباقي حق الله، هو صغير السن، وأيضا لا يحسن السياقة، وقد حاولت أن يصوم، ولكن هنا عدد كثير، أحببت عرض أمره عليكم، حيث أمرني بالسؤال.
الجواب :
إن كان المذكور بالغا عاقلا وقت الحادث فعليه الكفارة عن كل قتيل عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين،
وأما إن كان وقت الحادث لم يبلغ الحلم فليس عليه كفارة في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « رفع القلم عن ثلاثة : عن الصغير حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ ». (مسند أحمد بن حنبل (١/١١٦).
ويحصل البلوغ في حق الذكر بإكماله خمس عشرة سنة أو بإنبات الشعر الخشن حول الفرج، أو بإنزال المني عن شهوة، وتزيد المرأة أمرا رابعا وهو الحيض. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (٢٢٦٥)).
س : جزاكم الله كل خير، قدر الله وصار على والدي حادث سيارة وهو يقودها، ومن جراء الحادث توفي شخص واحد في السيارة التي تصادم معها والدي، أما والدي فقد أصيب بكسر في الرجل ورقد في المستشفى ما يقارب من شهرين، ثم توفي، سؤالي جزاك الله خيرا ورحم والديك: هل على والدي صيام أم لا، وإذا عليه صوم هل يجوز أن يصوم عنه أحد أولاده أو دفع كفارة عنه؟
الجواب :
إذا كان والدك متسببا في الخطأ أو مشاركا فيه فيجب عليه كفارة قتل الخطأ، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ويستحب لأحد أوليائه أن يصوم عنه؛ لما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من مات وعليه صيام صام عنه وليه ». (صحيح مسلم). وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٤٢٩٦)).
س : وقع علي حادث سيارة وأنا الذي أقود السيارة ومعي الأطفال، وكان الحادث في ٩ \ ١١ \ ١٤١٠ هـ، وكان الخلل من السيارة؛ الترس صلب في السيارة، والطريق نزلة مع لفة، حاولت قدر الإمكان أن يعشق ولكن وقع الحادث، وتوفيت معي بنت من بناتي، أرجو من فضيلتكم الإفتاء هل يلزمني صوم ودمتم؟
الجواب :
يجب عليك الكفارة لكونك قد فرطت في عدم تفقدك أحوال السيارة، قبل السير فيها، قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }. (سورة النساء الآية ٩٢)، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء-الفتوى رقم (١٤٠٨١)).
والله اعلم
اقرأ أيضا..
تعليقات
إرسال تعليق