السنة هي قص الشارب حتى يبدو طرَفُ الشَّفة وليس حلقه فحلق الشارب ليس من السنة وبدعة عند الإمام مالك بن أنس ولكن السنة فى ذلك أن يجتهد في قصه قصًا تامًا مثلما قال النبي ﷺ : أحفوا الشوارب. لكن لا يكون حلقًا يكون له أساس بقية حتى يعرف أنه شارب والنبي ﷺ قال : قصوا الشوارب، جزوا الشوارب. وقوله : أحفوا الشوارب. يفسر بقوله : (جزوا) ليس معناه الحلق، وإنما معناه المبالغة .
والدليل :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الآباط ). رواه البخاري
قال العراقي رحمه الله : ( فيه استحباب قص الشارب، وهو مجمع على استحبابه، وذهب بعض الظاهرية إلى وجوبه ). انتهى. ((طرح التثريب)) (2/72).
قال الشوكاني رحمه الله : ( قوله : (( وقص الشارب )) هو سنة بالاتفاق ). انتهى.((نيل الأوطار)) (1/109).
2- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ). صحيح الترمذي
لم يقل : من لم يأخذ شاربه وإنما قال : ( من لم يأخذ من شاربه ) وهذه من للتبعيضية فدل على أن الشارب لايؤخذ كله .
- وروى البيهقي في "السنن الكبرى" (1/151) بسنده عن : "عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال : ذكر مالك بن أنس إحفاء بعض الناس شواربهم فقال : ينبغي أن يضرب من صنع ذلك ، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفاء ، ولكن يبدي حرف الشفتين والفم .
وقال مالك بن أنس : حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس ". انتهى باختصار .
وقال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) : " روى ابن عبد الحكم عن مالك : ليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وروى أشهب عن مالك : حلقُهُ مِن البدع .
قال البهوتي رحمه الله :
" (وَ) سُنَّ (حَفُّ شَارِبٍ) أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ. وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا. وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي قَصِّهِ." . انتهى من "دقائق أولي النهى" (1/45) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بقصه ، حَتَّى يَبْدُوَ الْإِطَارُ ، وَهُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ.... وَلَا يُسْتَحَبُّ حَلْقُهُ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أنْهَكُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَعْفُوا اللِّحَى ) .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى مَوْضِعِ الْحَلْقِ " .
وَرَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا أُسَيْدٍ : يَجُزُّونَ شَوَارِبَهُمْ ، أَخَا الْحَلْقِ ". انتهى من "شرح العمدة" (1/222) ط عالم الفوائد .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
السنة قص الشارب بحيث لا يحفيه كله، بل يجتهد في قصه قصًا تامًا، مثلما قال النبي ﷺ: أحفوا الشوارب لكن لا يكون حلقًا، يكون له أساس بقية حتى يعرف أنه شارب، والنبي ﷺ قال : قصوا الشوارب، جزوا الشوارب وقوله : أحفوا الشوارب يفسر بقوله : ( جزوا ) ليس معناه الحلق، وإنما معناه المبالغة، حتى لا يكون له سبالات، وحتى لا يكون يقع في شرابه إذا شرب، بل يكون خفيفًا جدًا، لا يتأذى به في شربه، ولا في كلامه؛ لقوله ﷺ : قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى قصوا الشوارب، ووفروا اللحى .
ولا يجوز ترك ذلك أكثر من أربعين ليلة، لما ثبت عن أنس -رضي الله عنه- في صحيح مسلم قال : " وقت لنا في قص الشارب، وقلم الظفر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة ". ورواه أحمد وغيره بلفظ : " وقت لنا رسول الله ﷺ". فهذا شيء من الرسول ﷺ يتضمن ألا يزيد على أربعين ليلة، بل يقص شاربه قبل ذلك، وهكذا يقلم أظفاره، وينتف إبطه، ويحلق عانته قبل كمال الأربعين، يلاحظ هذا ويواظب عليه . انتهى من (فتاوى نور على الدرب)
وهنا توضيح للأحاديث التى فيها :
(أَحْفُوا الشَّوَارِبَ ، أَنْهِكُوا الشَّوَاربَ ، جُزُّوا الشَّوَارب).
1- من أوضحها ما رواه الإمام أحمد في مسنده وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود .من حديث المغيرة بن شعبة : ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وفى شاربه ) أي نما وطال حتى سد الشفة كما هو شأن بعض الذين خرجوا عن الإسلام قديماً وحديثاً ممن يتشبهون باستالين ولينين وأمثالهم فيطيلون شواربهم ( فأخذ الرسول عليه السلام سواكاً ووضعه تحت ما طال من الشارب وأخذ مقراضاً سكيناً فقرضه ) فكان هذا بيان عملي من الرسول عليه السلام لقوله : ( احفوا الشارب ). بمعنى استأصلوا ما زاد على الشفة، فهذا هو الصواب في مسألة الشارب، ليس هو الحلق .
2- جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يأخذ شاربه ولا يأخذه من أصله، بل وكان يطيل سبالته. وقد جاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله بالسند الصحيح : أن من خلق عمر رضي الله عنه أنه كان إذا غضب نفخ وفتل شاربه، وهذا يدل على أن الشارب لا يؤخذ كله وإنما يؤخذ ما زاد على الشفتين.
3- أن المراد بالإحفاء والإنهاك : هو قص طرف الشعر الذي على الشفة ، وليس حلق أصل الشعر ، بدليل الروايات التي فيها ذكر القص فقط ، فهي مُبَيِّنَةٌ لأحاديث الإحفاء .
قال أبو الوليد الباجي في "المنتقى شرح الموطأ" (7/266) :
روى ابن القاسم عن مالك : أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار : وهو ما احمَرَّ من طرف الشفة ، والإطار جوانب الفم المحدقة به . انتهى .
وقال النووي في "المجموع" (1/340) :
" وهذه الروايات – يعني روايات ( أحفوا..أنهكوا..الشوارب ) - محمولةٌ عندنا على الحف من طرف الشفة ، لا مِن أصل الشعر ". انتهى .
4- أن المراد بالإنهاك ، والإحفاء : المبالغة في قصه ، لا حلقه بالكلية .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد ذكر ألفاظ أحاديث الباب واختلافها :
" فكل هذه الألفاظ تدل على أن المطلوب : المبالغة في الإزالة ؛ لأن (الجز) - وهو بالجيم والزاي الثقيلة - : قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد . و(الإحفاء) - بالمهملة والفاء - : الاستقصاء؛ ومنه : ( حتى أحفوه بالمسألة ) .
وقال الخطابي : هو بمعنى الاستقصاء .
والنهك - بالنون والكاف - : المبالغة في الإزالة ، ومنه ما تقدم في الكلام على الختان ، قوله صلى الله عليه وسلم للخافضة : ( أشمي ولا تنهكي ) ؛ أي لا تبالغي في ختان المرأة . وجرى على ذلك أهل اللغة ". انتهى من "فتح الباري" (10/347) .
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :
شيخ نرى بعض المتدينين قد أطلق لحيته وحلق شاربه فما الحكم في ذلك ؟
فأجاب :
أما إعفاء اللحية فأمر معروف في السنة بل في أوامره عليه الصلاة والسلام أما حلق الشارب فبدعة في الدين لا أصل لها وإنما هو فهم من بعض العلماء قديماً وحديثاً لبعض الأوامر الصادرة منه عليه السلام بخصوص الشارب كمثل قوله : ( حفوا الشارب ) وقوله : ( أنهكوا الشارب ) ونحو ذلك من الألفاظ التي تشعر بأن المقصود استئصال الشارب وحلقه هذه الألفاظ في الحقيقة تعطي هذا المعنى .
لكن الدقة في الموضوع هو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال ( حفوا الشارب ) هل يعني الشارب كله أم يعني حافة الشارب وهو الإطار الذي على الشفة ؟ هذا المعنى الثاني هو المقصود بهذه الأحاديث التي تأمر بقص الشارب بجز الشارب بإنهاك الشارب ، حينئذٍ من الناحية العربية يكون إطلاق الشارب من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء كقوله تعالى : (( فاقرؤوا ما تيسر من القرآن )) فهنا عفواً هذا عكس ما نحن فيه هذا من إطلاق الجزء وإرادة الكل
إنما ما نحن فيه من إطلاق الكل وهو الشارب وإرادة الجزء أي حافته وطرفه طبعاً هذا لا يسوغ القول به لأنه يشبه التأويل الذي ينكره علماء السلف لكن هذا لا بد منه للجمع بين الأحاديث الواردة في هذا الصدد من ذلك مثلاً قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا ) لم يقل : من لم يأخذ شاربه وإنما قال : ( من لم يأخذ من شاربه ) وهذه من للتبعيضية فدل على أن قوله عليه السلام في الأحاديث السابقة ( قصوا الشارب ) يعني بعضه وليس كله ، ثم هذا البعض ما هو ؟ هل المقصود قص السيبال ، طرفي الشارب أم المقصود ما على الشفة مما يطول من الشارب ؟ هذا الثاني بلا شك هو المراد في مثل ذلك الحديث : ( من لم يأخذ من شاربه فليس منا )
والدليل على ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في المسند وأبو جعفر الطحاوي في كتابه * شرح معاني الآثار * بالسند الصحيح عن المغيرة بن شعبة قال : أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل وقد وفى شاربه ) أي نما وطال ( فأمر أن يؤتى إليه بسواك وسكين مقراض ، فوضع السواك على ما طال من شارب ذلك الرجل ثم قرضه ) فكان هذا الفعل من الرسول عليه السلام هو المبين أولاً لقوله : ( من لم يأخذ من شاربه ) وأن الأخذ هذا إنما يراد ما طال من شعر الشارب على الشفة ثم هذا الحديث الأخير والحديث الذي قبله المبين والمبيَّن يعطينا في النتيجة وفي النهاية أن الأحاديث التي فيها الأمر بجز الشارب وإنهاك الشارب أنه لا يعني الشارب كله وإنما يعني ما طال منه على الشفة ،
ثم يتأكد هذا في النهاية لأثر أخرجه الإمام مالك في الموطأ ( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا غضب فتل شاربه ) عادة له ، والشاهد من هذا الأثر هو أنه كان لا يستأصل الشارب كله لأن هذا الفتل صريح الدلالة أنه قد أبقى على سبالتيه.
فبمجموع إذن ما سبق وما تقدم من أحاديث وهذا الأثر الصحيح عن عمر نخرج بنتيجة السابقة الذكر وهي أن حلق الشارب كله بدعة خلاف السنة وهذا ما صرح به إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه حين قال : " حلق الشارب مثلة " "حلق الشارب مثلة " يعني حلق الشارب تشويه لخلق الإنسان تشويهاً يدخل في عموم حديث الرسول عليه السلام : ( نهى عن المثلة ) وهذا جواب ما سألت . انتهى من (متفرقات للشيخ الألباني -(041))
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
الأفضل قص الشارب كما جاءت به السنة، إما حفّاً بأن يُقص أطرافه مما يلي الشفة حتى تبدو، وإما إخفاءً بحيث يقص جميعه حتى يفيه .
وأما حلقه فليس من السنة، وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك قياس في مقابلة النص، فلا عبرة به، ولهذا قال مالك عن الحلق : ( إنه بدعه ظهرت في الناس فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة، فإن اتباعها الهدي والصلاح والسعادة والفلاح ) . انتهى من (مجموع الفتاوى للعثيمين - المجلد الحادي عشر - باب السواك وآداب الفطرة).
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
ورد في عدة أحاديث : ( قصوا الشارب ) فهل الحلق يختلف عن القص ؟ وبعض الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفته العليا ، ويترك شعر شاربه ، تقريباً يقص نصف الشارب ، ويترك الباقي ، فهل هذا هو المعنى ؟ أو ينهك الشارب أي : يحلق جميعه أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها .
فأجابت :
دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية قص الشارب ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : ( قصوا الشوارب وأعفوا اللحى ؛ خالفوا المشركين ). متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ؛ خالفوا المجوس ) ، وفي بعضها : ( أحفوا الشوارب ) والإحفاء هو المبالغة في القص ، فمن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا ، أو أحفاه : فلا حرج عليه ؛ لأن الأحاديث جاءت بالأمرين ، ولا يجوز ترك طرفي الشارب ، بل يقص الشارب كله ، أو يحفيه كله ؛ عملاً بالسنة ". انتهى من ("فتاوى اللجنة الدائمة" (5/149)) .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق