لا يجوز التوسّل بحق أو بِجاه النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا من البدع ومن وسائل الشرك لأن جاه نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وإن كان عظيما عند الله غير أنه ليس سببا شرعيا ولا عاديا لإستجابة الدعاء. قال الله تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. [الأعراف:180]، ما قال : فادعوه بجاه فلان، أو بحقِّ فلان، قال : فَادْعُوهُ بِهَا .
ثم لا حق لمخلوق على الخالق بمجرد طاعته له سبحانه حتى يقسم به على الله أو يتوسل به ولا يُعْرَف هذا عن الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل عن نبينا صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أنه أرشد أمته إلى التوسل بجاهه أو حقه مع أن جاهه ومنزلته عند ربه فوق منزلة جميع ولد آدم بلا شك .
كما أن التوسّل يدخل في العبادات والأصل في العبادات أنها توقيفية فلا يُعمل منها شيء ولا يُتقرّب إلى الله منها بشيء إلاّ بناء على دليل صحيح وليس لدينا دليل صحيح صريح في جواز التوسّل بِجاه النبي صلى الله عليه وسلم فعلم أنه بدعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم : « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ». ( صحيح مسلم ).
بل عدل الصحابة عن التوسّل بحق أو بِجاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوسل بعمه العباس رضي الله عنه كما روى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه قال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون. وهذا دليل على أنهم كانوا يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته فلما توفاه الله توسلوا بالعباس رضي الله عنه ولا يقال : إن هذا لضرورة فعل الصلاة ودعاء الاستسقاء، لأنا نقول : قد كان بالإمكان أن يصلي عمر أو غيره ثم يتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه فلما لم يكن شيء من ذلك دل على أن الخير في غيره وأن الشرع على خلافه .
فالمشروع للمسلم أن يتوسل بأسماء الله وصفاته وبتوحيده والإيمان به وبالأعمال الصالحات التي يتقرب بها إلى ربه كأن تقول : " اللهم إني أسألك بمحبتي لك، أو بمحبتي لنبيك ﷺ، أو باتباعي لنبيك محمد ﷺ"، هذا توسل بالأعمال أو توسل بصفات الله أو بأسمائه ك :" اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، بمحبتك، بكرمك، بجودك".
قال ابن تيمية رحمه الله :
السؤال بالمعظّم كالسؤال بحق الأنبياء ، فهذا فيه نزاع وقد تقدم عن أبى حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز ذلك ومن الناس من يجوز ذلك فنقول قول السائل لله تعالى أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة والأنبياء والصالحين وغيرهم أو بجاه فلان أو بحرمة فلان يقتضى أن هؤلاء لهم عند الله جاه وهذا صحيح فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة وجاه وحرمة يقتضى أن يرفع الله درجاتهم ويعظم أقدارهم ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا ، مع أنه سبحانه قال : ( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ...
ولكن ليس نفس مجرد قدرهم وجاههم مما يقتضى إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك ، بل جاههم ينفعه أيضا إذا اتبعهم وأطاعهم فيما أمروا به عن الله ، أو تأسّى بهم فيما سَنُّوه للمؤمنين ، وينفعه أيضا إذا دعوا له وشفعوا فيه ،
فأما إذا لم يكن منهم دعاء ولا شفاعة ولا مِنْه سبب يقتضى الإجابة لم يكن متشفعا بجاههم ، ولم يكن سؤاله بجاههم نافعا له عند الله ، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه ، ولو قال الرجل لِمُطَاعٍ كبير : أسألك بطاعة فلان لك وبحبِّك له على طاعتك وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك لكان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلّق له به ، فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ومحبته لهم وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له وطاعتهم إياه ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم ، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم ، أو سبب منهم لشفاعتهم له ، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب .
نعم ، لو سأل الله بإيمانه بمحمد صلى الله عليه وسلم ومحبته له وطاعته له واتِّباعه لكان قد سأله بسبب عظيم يقتضى إجابة الدعاء ، بل هذا أعظم الأسباب والوسائل . اهـ . يُنظر : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 1/356 ) و ( 27/82 )
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة - الحديث رقم (22) : (توسلوا بجاهي ، فإن جاهي عند الله عظيم) (لا أصل له) :
مما لا شك فيه أن جاهه صلى الله عليه وسلم ومقامه عند الله عظيم ، فقد وصف الله تعالى موسى بقوله : ( وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ). [الأحزاب: 69] ، ومن المعلوم أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل من موسى ، فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى .
ولكن هذا شيء ، والتوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم شيء آخر ، فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم ، إذ إن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه ، وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل ، إذ إنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها ، فلا بد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة ، وهذا مما لا سبيل إليه البتة ، فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صلى الله عليه وسلم تنقسم إلى قسمين : صحيح ، وضعيف .
أما الصحيح ، فلا دليل فيه البتة على المدعى ، مثل توسلهم به صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ، وتوسل الأعمى به صلى الله عليه وسلم فإنه توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم ، لا بجاهه ولا بذاته صلى الله عليه وسلم ، ولما كان التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن ، كان بالتالي التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته غير ممكن ، وغير جائز .
ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر ، توسلوا بعمه صلى الله عليه وسلم العباس ، ولم يتوسلوا به صلى الله عليه وسلم ، وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع ، وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم ولذلك توسلوا بعده صلى الله عليه وسلم بدعاء عمه ، لأنه ممكن ومشروع.
وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى ، وذلك لأن السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة....) ، وإنما السر الأكبر في دعائه صلى الله عليه وسلم له كما يقتضيه وعده صلى الله عليه وسلم إياه بالدعاء له ، ويشعر به قوله في دعائه : ( اللهم فشفعه في ) ، أي : أقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم ، أي : دعاءه في ، ( وشفعني فيه ) ، أي : اقبل شفاعتي ، أي : دعائي في قبول دعائه صلى الله عليه وسلم في . فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء .
كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز ، فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع ، ولهذا أنكره الإمام أبوحنيفة ، فقال : ( أكره أن يسأل الله إلا بالله ) كما في "الدر المختار" ، وغيره من كتب الحنفية .
وأما قول الكوثري في " مقالاته " : ( وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكورة في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح) .
فمن مبالغاته ، بل مغالطاته ، فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : ( إني لأتبرك بأبي حنيفة ، وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائراً – فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين ، وجئت إلى قبره ، وسألت الله تعالى الحاجة عنده ، فما تبعد عني حتى تقتضى) ، فهذه رواية ضعيفة ، بل باطلة.
وقد ذكر شيخ الإسلام في "اقتضاء الصراط المستقيم" معنى هذه الرواية ، ثم أثبت بطلانه فقال : ( هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له أدنى معرفة بالنقل فإن الشافعي لما قدم ببغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة بل ولم يكن هذا على عهد االشافعي معروفا وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عند قبر أبي حنيفة ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن ابن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة ولا غيره ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور الصالحين خشية الفتنة بها وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعرف).
وأما القسم الثاني من أحاديث التوسل ، فهي أحاديث ضعيفة و تدل بظاهرها على التوسل المبتدع ، فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها ، والتنبيه عليها فمنها : ( الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها،بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين ). حديث ضعيف .
ومن الأحاديث الضعيفة في التوسل ، الحديث الآتي : ( مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنْ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ ). حديث ضعيف.
ومن الأحاديث الضعيفة ، بل الموضوعة في التوسل : ( لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك ). موضوع . انتهى كلام العلامة الالباني من (سلسلة الأحاديث الضعيفة الحديث رقم (22)).
وسئل أيضا رحمه الله :
الجاه، الاستعانة بجاه النبي عليه السلام هل يجوز أو لا يجوز؟
فأجاب الشيخ :
يعني أن يقول القائل : يا رب! أسألك بجاه محمد أن تغفر لي مثلاً.
مداخلة : نعم.
الشيخ :
لا ما يجوز؛ لأن كل شيء يتعلق بالمخلوق فهو مخلوق، والتوسل إلى الله بمخلوق لا يجوز، فالله أكبر من ذلك، لكن يتوسل الإنسان بما ثبت في الشرع ولا يزيد على ذلك أبداً.
تجد الناس كل الناس وفيهم بعض الخاصة بعض أهل العلم والمشايخ يلهجون في دعواتهم السؤال بجاه محمد، بحق محمد، هل سمعت أحدهم يلهج بالتوسل إلى الله باسم من أسماء الله أو بصفة من صفاته؟ الجواب : لا .
مداخلة : أنا حقيقة سمعت كثير.
الشيخ :
الجواب : لا. كيف سمعت كثير، اعطني شيخ يتوسل عندما يدعي لعامة الناس في المسجد يقول: أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد.
مداخلة : أنا بصراحة سمعت هذا الدعاء أكثر من مرة من واحد ...
الشيخ :
لك يا أخي الله يهديك سمعته من واحد، هذا لا يخرق القاعدة الذي نتكلم عنها.
مداخلة : لا، لا يخرق القاعدة صحيح.
الشيخ :
سبحان الله، نحن لم نحكم على أهل السنة بالإعدام، نقول هؤلاء قلة، يعني نحن نقول أنهم بدلاً من أن يلهجوا بالشيء المشهور والثابت في السنة، يلهجوا بالشيء المهجور غير الثابت في السنة، يعني يحققوا الآية التي أنزلها الله في حق اليهود : { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }. (البقرة: ٦١)، هذا هو الاستبدال . انتهى من ("الهدى والنور" (٢٢٧/ ٠٠٥٦: ٥٠: ٠٠))
وقال أيضا رحمه الله :
قوله : « دعا الله باسمه العظيم » فيه مشروعية التوسل إلى الله تعالى بأسماء الله تعالى الحسنى وصفاته، وهو ما أمر الله تعالى به في قوله : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }. [الأعراف: ١٨] . ولا سيما الاسم الأعظم. وقد اتفق العلماء على ذلك؛ لهذا الحديث وما في معناه .
وإن مما يؤسف له أن ترى الناس اليوم - وفيهم كثير من الخاصة - لا تكاد تسمع أحداً منهم يتوسل بأسماء الله تعالى؛ بل إنهم على العكس من ذلك يتوسلون بما لم يأت به كتاب ولا سنة، ولم يعرف عن السالفين من الأئمة؛ كقولهم : أسألك بحق فلان، أو جاه فلان، أو حرمة فلان، وقد يحتج أولئك على عملهم هذا بأحاديث بعضها صحيح - كحديث الأعمى، وإن تكلم فيه بعض المتأخرين، فالصواب ما قلناه -، ولكنه لا يدل على ما زعموه - كما بين ذلك العلماء المحققون -، والبعض الآخر ضعيف لا يصح، وفيها كثير من الموضوعات؛ كحديث : « لما أذنب آدم عليه الصلاة والسلام. .. »، وفيه قال : « أسألك بحق محمد إلا غفرت لي ». كما بينت ذلك في تعليقي على «المعجم الصغير» «٢/ ١٤٨»، [و «السلسلة الضعيفة» «رقم ٢٥»].
ولا أريد التوسع في ذلك الآن، وإنما أردت أن ألفت نظر المسلم البصير في دينه إلى ما يفعله الإحداث في الدين من صرف الناس عن الصحيح الثابت عن سيد المرسلين، وذلك مصداق قول بعض الصحابة رضي الله عنهم : ما أُحدثت بدعة إلا وأُميتت سنة.
وإن مما يتعجب منه أن أكثر علمائنا المتأخرين لا يجيزون لأحدهم مخالفة المذهب، ولو كان معه دليل صريح من الكتاب والسنة، ثم هم يخالفون المذهب بتجويزهم لذلك التوسل المبتدع بدون أي دليل صريح من الكتاب والسنة الصحيحة، أقول : إنهم يخالفون المذهب؛ لأنه قد جاءت نصوص صريحة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه في المنع مما أجازوا؛ فقال أبو حنيفة رضي الله عنه : « أكره أن يسأل الله تعالى إلا به ». وكذا قال أبو يوسف، وزاد : « وأكره أن يقول : بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك ». وكتب المتون مليئة بهذا المعنى.
والكراهة إذا أطلقت؛ فهي للتحريم - كما هو معروف عند علمائنا -.
وقال القُدُوري : « المسألة بخلقه لا تجوز؛ لأنه لا حق للخلق على الخالق؛ فلا تجوز وفاقاً ». فإذن المسالة متفق عليها بين علمائنا، فما بال المنتسبين إلى الحنفية اليوم ينبزون بشتى الألقاب مَن ذهب هذا المذهب الصحيح؛ الموافق للكتاب والسنة، وعمل السلف الصالح رضي الله عنهم؟ ! وصدق الله العظيم : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ }. انتهى من [أصل صفة الصلاة (٣/ ١٠١٧)]
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
التَّوسل بجاه النبي ﷺ، وبجاه الأنبياء، أو بحقِّ النبي، أو بحقِّ الأنبياء؛ بدعة في الدعاء، ومنكر لا يجوز، وهذا الذي قاله جمهورُ أهل العلم، وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأئمَّة الدعوة، كالشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرهم؛ لأنَّ الرسول ما كان يُعلِّم الناسَ هذا، يقول الله : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. [الأعراف:180]، ما قال : فادعوه بجاه فلان، أو بحقِّ فلان، قال : فَادْعُوهُ بِهَا.
والرسول كان يدعو الله بأسمائه، يقول للصديق لما قال : يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال : قل : اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنَّك أنت الغفور الرحيم، ما قال : ادعُ الله بجاهي.
والحديث الذي يقول : توسَّلوا بجاهي، فإنَّ جاهي عند الله عظيم. هذا موضوعٌ، أجمع العلماء على أنه موضوعٌ مكذوبٌ عن النبي ﷺ.
وقال لمعاذٍ : يا معاذ، والله إني لأحبُّك، لا تدعنَّ أن تقول دبر كل صلاةٍ : اللهم أعني على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، ما قال : بجاه نبيك، أو بحقِّ نبيك، فالدعاء عبادة، والوسائل عبادة، لا بد فيها من دليلٍ: قال الله، وقال رسوله.
يُروى عن بعض العلماء أنَّهم أجازوا ذلك، واحتجُّوا بحديث الأعمى، قالوا : إنَّ الأعمى علَّمه النبيُّ لما شكى، علَّمه النبيُّ ﷺ قال : توضأ وصلِّ ركعتين، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمدٍ نبي الرحمة، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك في حاجتي هذه أن تُقضى، اللهم شفِّعه فيَّ، وشفعني فيه، قال بعضُهم : وذكره بعضُهم عن العز ابن عبدالسلام، أنَّ هذا يدل على التوسل بالنبي خاصَّةً.
قال العلماء : الجواب عن هذا أن هذا توسّل بدعائه؛ لأنه حيٌّ، أمره أن يدعوه، هذا توسّل بدعاء النبي، ولهذا قال : اللهم شفّعه فيَّ، فقوله : اللهم إني أتوجه إليك وأتوسّل بنبيك محمدٍ يعني : بدعائه لي وشفاعته لي، ثم قال : اللهم شفّعه فيَّ، وشفعني فيه يعني : اللهم اقبل دعاءه فيَّ، ودعائي فيه، ولم يقل للناس : ادعوا الله بشفاعتي، بجاهي، أو بحقِّي، لا، بل يُدعى الربُّ بأسمائه وصفاته وبالأعمال الصَّالحة، كأن تقول : " اللهم إني أسألك بمحبتي لك، أو بمحبتي لنبيك ﷺ، أو باتباعي لنبيك محمد ﷺ"، هذا طيبٌ، توسل بالأعمال أو بالصفات: "اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، بمحبتك، بكرمك، بجودك"، توسل بصفات الله، أو بأسمائه، كله حقٌّ.
فالتوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده وبالأعمال الصَّالحة كله حقٌّ، كما قال تعالى : وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا. [الأعراف:180]، وعلم الصديق يقول : اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم، هذا توسّل بأسماء الله وصفاته، وهكذا في الحديث : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنَّك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، هذا توسل بصفات الله وتوحيده، كله حقٌّ.
وهكذا أصحاب الغار الثلاثة الذين أخبر عنهم النبيُّ ﷺ في "الصحيحين" : أنهم آواهم المبيت، وفي لفظٍ : المطر إلى غارٍ، جاؤوا إلى غارٍ في الليل بسبب المبيت والمطر، فدخلوا فيه، فانحدرت عليهم صخرةٌ عظيمةٌ سُدَّت الغارَ، فما استطاعوا أن يخرجوا ولا أن يدفعوها، فقالوا فيما بينهم : لن يُنجيكم من هذه المصيبة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، فقال أحدُهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنتُ لا أغبق قبلهما أهلًا ولا مالًا، يعني : اللبن الحليب، الغبوق : لبن يشربونه بعد العشاء، فنأى بي طلبُ الشجر ذات ليلةٍ، فلم أرح عليهما إلا وقد ناما -صيف عليهم- فوقفتُ بالقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، وكرهتُ أن أُوقظهما، والصِّبية يتضاغون تحت قدمي –يعني: يُريدون الشراب- فلم أزل أنتظرهما حتى برق الصبحُ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصَّخرةُ بعض الشيء، لكن لا يستطيعون الخروج.
ثم قال الثاني : اللهم إنه كانت لي ابنةُ عمٍّ كنتُ أحبها كأشدّ ما يُحب الرجال النساء، فطلبتُها لنفسي، فاعتذرت عليَّ، طلبها للزنا فأبت، فألمت بها حاجةٌ –يعني : فقرًا- فجاءت إليه تقول: يا عبدالله، أعطني كذا وكذا، أنا محتاجة، فقال : لا، حتى تُمكنيني من نفسك، فعند الضَّرورة وافقت على أن يُعطيها مئةً وعشرين دينارًا، مئة جنيه وعشرين جنيهًا ذهبًا حتى تُمكّنه من نفسها، ففعل، فلما جلس بين رجليها قالت : يا عبدالله، اتَّق الله ولا تفضّ الخاتم إلا بحقِّه، فخاف الرجلُ وقام وتركها وذهبها، ولم يُجامعها، ثم قال: اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرةُ بعض الشيء، لكن لا يستطيعون الخروج .
فقال الثالث : اللهم إنه كان لي أُجراء، فأعطيتُ كلَّ أجيرٍ حقَّه، إلا أجيرًا واحدًا ترك عندي حقَّه، فثمرته له، واشتريتُ منه إبلًا وبقرًا وغنمًا ورقيقًا، ثم جاء يطلب حقَّه فقلتُ: كل هذا من حقِّك، هذه الإبل، وهذا البقر، وهذه الغنم، وهذا الرقيق؛ كله من حقِّك، وحقّه كان أرزًا أو ذرةً، شيء من طعامٍ، فباعه وثَمَّره هذا حقّك، فساقه كلَّه ولم يدع منه شيئًا، اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا.
هذه من آيات الله، أراهم الله العبرة، ودعوا ربَّهم بهذه الأعمال الصَّالحة، فهذا لا بأس به، التوسل إلى الله بأعمالك الصَّالحة : بتوحيد الله، بأسمائه وصفاته، بمحبَّتك له؛ لأنَّ هذا عملٌ صالحٌ، المحبَّة لنبيه والمؤمنين عملٌ صالحٌ، هذا لا بأس،
أما بالجاه والحقّ : بجاه فلان، أو بحق فلان، فهذا ليس وسيلةً، بل هذا بدعة، لا يجوز التَّوسل بها على الصحيح الذي عليه جمهورُ أهل العلم . والله ولي التوفيق . انتهى من (فتاوى الدروس).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
نوجهكم إلى أن تَدَعُوا التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك من البدع، ولأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفعك، والله تبارك وتعالى إنما يتوسل إليه بما يكون سبباً ووسيلة لحصول المقصود، وجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار الداعي لا يفيده، ونحن لا نشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وأن له جاهاً عظيماً عند الله عز وجل كسائر إخوانه من المرسلين، ولكن جاهه عند الله إنما ينتفع به هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما نحن فلا.
وقد أبدلنا الله تعالى عن التوسل المحرم بتوسل مباح، فلماذا نعدل عن التوسل المباح المشروع إلى توسل لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، وليس أيضاً هو سبباً لحصول المقصود؟
فمن التوسل في الدعاء :
التوسل إلى الله تبارك وتعالى بأسمائه عموماً مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور : « أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري». . الخ ،
أو يتوسل باسم خاص من أسماء الله مناسب لما يدعو به، مثل أن يقول : اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي، أو يقول : يا رحيم ارحمني، أو يقول : اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وما أشبه ذلك، ومنه حديث : « اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي » .
أو يتوسل إلى الله تعالى بصفاته، أي بصفة من صفاته، مثل : « اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم » إلى آخر دعاء الاستخارة المشروع .
أو يتوسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله، مثل قوله : « اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، أو يقول : اللهم كما مننت على فلان بالعلم والعمل أنعم علي بمثل ذلك.
أو يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، مثل قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ ومثل قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا ﴾ ، ومن ذلك توسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة عجزوا عن إزالتها عن باب الغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، والحديث في ذلك مشهور معلوم.
أو يتوسل إلى الله عز وجل بحاله، أي : بحال الداعي، مثل أن يقول : اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، أو يقول: اللهم إني فقير فأغنني، وكقول موسى عليه الصلاة والسلام : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ .
أو يتوسل إلى الله تبارك تعالى بدعاء العبد الصالح الذي ترجى إجابته، مثل قول عكاشة بن محصن- لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب- قال : ادع الله أن يجعلني منهم. فهذه الأنواع من التوسل أنواع مشروعة، وفيها الكفاية عن التوسل إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة.
فالتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم توسل بدعي ممنوع، وفي التوسل المشروع المباح غُُنية عنه. انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [317])
وجاء فى فتاوى اللجنة الدائمة :
أن يسأل الله بجاه أنبيائه أو ولي من أوليائه بأن يقول : (اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الحسين) مثلا - فهذا لا يجوز؛ لأن جاه أولياء الله وإن كان عظيما عند الله وخاصة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم غير أنه ليس سببا شرعيا ولا عاديا لاستجابة الدعاء ولهذا عدل الصحابة حينما أجدبوا عن التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستسقاء إلى التوسل بدعاء عمه العباس مع أن جاهه عليه الصلاة والسلام فوق كل جاه، ولم يعرف عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وهم خير القرون وأعرف الناس بحقه وأحبهم له ........ ثم لا حق لمخلوق على الخالق بمجرد طاعته له سبحانه حتى يقسم به على الله أو يتوسل به. هذا هو الذي تشهد له الأدلة، وهو الذي تصان به العقيدة الإسلامية وتسد به ذرائع الشرك . وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم . انتهى من (اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء- الفتوى رقم (١٣٢٨))
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق