">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الأفضل أن لا يطلب المسلم الدعاء من غيره


 طلب المسلم الدعاء من الرجل الذي ترجى إجابته إما لصلاحه وإما لأنه يذهب إلى أماكن ترجى فيها إجابة الدعاء كالسفر والحج والعمرة وما أشبه ذلك هو في الأصل جائز وليس من السؤال المذموم وذلك بأن تنوي بدعاءه لك نفعه ونفعك جميعا لا تنوي حين تطلب أنك محتاج إلى أن يدعو لك هذا خلاف السنة .

فالسنة أن تنوي النفع حين تطلب منه الدعاء تريد أن تنفعه يعني بأن تريد بذلك أن يقول الملك لك بالمثل وتنفع نفسك أيضا بالدعاء لكن مع ذلك لا ينبغي الإكثار من ذلك لأنه ليس من عادة الصحابة رضي الله عنهم أن يتواصوا بدعاء بعضهم لبعض فتركه أفضل .

أما إذا كان يُخشى منه محذور مثل أن يخشى منه اتكال الطالب على دعاء المطلوب وأن يكون دائماً متكلاً على غيره في ما يدعو به ربه فهذا يمنع لاشتماله على محذور .

والأولى بالمرء أن يدعو لنفسه بنفسه لقوله تعالى : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ .[غافر:60]. فقد أسند البيهقي في شعب الإيمان عن سفيان بن عيينة قوله : لا تتركوا الدعاء، ولا يمنعكم منه ما تعلمون من أنفسكم، فقد استجاب الله تعالى لإبليس وهو شر الخلق، قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . {الأعراف:14}، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. {الحجر:37}.

  ومما يدل على مشروعية طلب المسلم الدعاء من غيره ونفعهما بذلك الدعاء ما جاء في صحيح مسلم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان -وكان زوجًا للدرداء- قال : قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت : أتريد الحج العام؟ فقلت : نعم. قالت : فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل ". قال : فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال النووي رحمه الله : " أَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بِظَهْرِ الْغَيْب ) فَمَعْنَاهُ : فِي غَيْبَة الْمَدْعُوّ لَهُ , وَفِي سِرّه ; لِأَنَّهُ أَبْلَغ فِي الْإِخْلَاص ... وَفِي هَذَا فَضْل الدُّعَاء لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِظَهْرِ الْغَيْب . وَلَوْ دَعَا لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَة , وَلَوْ دَعَا لِجُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالظَّاهِر حُصُولهَا أَيْضًا , وَكَانَ بَعْض السَّلَف إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو لِنَفْسِهِ يَدْعُو لِأَخِيهِ الْمُسْلِم بِتِلْكَ الدَّعْوَة ; لِأَنَّهَا تُسْتَجَاب , وَيَحْصُل لَهُ مِثْلهَا ". انتهى من " شرح مسلم".

وفي النهي عن مسألة المخلوقين أحاديث كثيرة صحيحة منها :

1- جاء فى صحيح  مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي :.......قلنا : قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، والصلوات الخمس، وتطيعوا، (وأسر كلمة خفية)، ولا تسألوا الناس شيئا. فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه .

جاء فى موقع الدرر السنية : قال النبي صلى الله عليه وسلم « كلمة خفية »، أي : لم يجهر بها كما جهر بما تقدم وهذه الكلمة الخفية هي عدم سؤال الناس شيئا وهو حث على العفة وإفراد الله بإنزال الحاجات به وعدم سؤال أحد من العباد شيئا ويشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أسر النهي عن سؤال الناس ليخص به بعضهم دون بعض ولا يعمهم بذلك لأنه لا يمكن العموم إذ لا بد من السؤال ولا بد من التعفف ولا بد من الغنى ولا بد من الفقر وقد قضى الله تبارك وتعالى بذلك كله فلا بد أن ينقسم الخلق إلى الوجهين.

والمراد بالسؤال المنهي عنه : السؤال المتعلق بالأمور الدنيوية، فلا يتناول السؤال عن العلم وأمور الدين؛ لقوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }. [النحل: 43]وهذا كله تربية روحية وتهذيب نفسي للمسلمين بأن يفردوا ربهم بالسؤال وفي ذلك عفة لأنفسهم وحمل منه صلى الله عليه وسلم على مكارم الأخلاق والترفع عن تحمل منن الخلق وتعليم الصبر على مضض الحاجات والاستغناء عن الناس وعزة النفوس .

ثم قال عوف رضي الله عنه : « فلقد رأيت بعض أولئك النفر » والمراد بهم الصحابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الجلسة، « يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدا يناوله إياه »، أي : أن بعضهم حمل النهي عن السؤال على العموم فلم يكن يسأل أحدا أن يناوله أي شيء سقط منه حتى ولو سقط من يده وهو راكب على دابته فإنه ينزل ويأخذه ولا يطلب من أحد أن يناوله إياه امتثالا لما بايع عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا فيه دليل على عنايتهم وقيامهم بتنفيذ ما بويعوا عليه على التمام والكمال حتى في هذه الأمور اليسيرة .انتهى

2- قوله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : " إذا سألتَ؛ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ؛ فاستعنْ بالله " . صحيح الترمذي. فهذا مُنتزعٌ من قوله تعالى-: { إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نَستعين }. فإنَّ السُّؤال هو دعاؤُه والرَّغبةُ إليه.

3- قد ثبت في "الصحيحين" عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : أن الله عزَّ وجلَّ- يقول : " هل مِن داعٍ فأستجيب له؟ هل مِن سائل فأعطيه؟ هل مِن مُستغفرٍ فأغفر له؟ ".

قال ابن رجب الحنبلي فى جامع العلوم والحكم : واللهُ سبحانه يحبُّ أن يُسألَ ويُرغب إليه في الحوائج، ويُلَح في سؤالِه ودعائِه، ويغضبُ على مَن لا يسأله، ويستدعي من عبادِه سؤاله، وهو قادر على إعطاءِ خَلقه كلِّهم سُؤلَهم مِن غير أن ينقص من ملكه شيء.

والمخلوق بخلاف ذلك كله : يَكره أن يُسأل، ويُحب أن لا يُسأل؛ لعجزِه وفقرِه وحاجته ولهذا قال وهب بن منبه لرجلٍ كان يأتي الملوك : ويحك! تأتي مَن يُغلق عنك بابَه، ويظهر لك فقرَه، ويواري عنك غناه، وتدع مَن يفتح لك بابَه نصف الليل ونصف النهار، ويظهر لك غناه، ويقول : ادعني أستجب لك؟!. انتهى

قال إبراهيم النخعي رحمه الله : " كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير ثم يتفرقون ، لا يستغفر بعضهم لبعض ، ولا يقول : يا فلان ادع لي " . رواه ابن أبي خيثمة في كتاب "العلم"

4- وأخرج ابن جرير عن سعد بن أبي وقاص أنه لما قدم الشام أتاه رجل فقال له : استغفر لي، وكان سعد مجاب الدعوة، فقال له سعد : (غفر الله لك)، ثم أتاه آخر، فقال : استغفر لي، فقال له : (لا غفر الله لك، ولا غفر الله لذاك، أنبي أنا؟)فهذا واضح في أنه فهم من السائل أمرا زائدا،وهو أن يعتقد فيه أنه مثل النبي، أو أنه وسيلة إلى أن يعتقد ذلك، أو يعتقد أنه سنة تلزم، أو يجري في الناس مجرى السنن الملتزمة. ينظر: (كتاب الاعتصام : في أحكام البدع الحقيقية والإضافية).

4- وأسند الخطيب في كتاب "التلخيص" : عن عبيد الله بن أبي صالح قال : ( دخل علي طاووس يعودني فقلت له يا أبا عبد الرحمن ادع الله لي ) فقال : ( ادع لنفسك فإن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه ).

قال ابن رجب رحمه الله :

 (وقد كان عمر وغيره من الصحابة والتابعين ، يكرهون أن يطلب منهم الدعاء، ويقولون : أأنبياء نحن؟ فدل على أن هذه المنزلة لا تطلب إلا من الأنبياء )انتهى من كتاب " الحكم الجديرة بالإذاعة "
 
وقال أيضا رحمه الله :

والدُّعاء هو العبادة، كذا رُوي عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- من حديث النُّعمان بن بشير، وتلا قولَه -تعالى-: {وقَالَ ربُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. [غافر: 60] خرَّجه الإمام أحمد، وأبو داود، والتِّرمذي والنسائي، وابن ماجه، وخرَّج الترمذي من حديث أنس بن مالك عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: "الدُّعاء مخُّ العبادة"؛ فتضمن هذا الكلام أن يُسألَ اللهُ -عزَّ وجل-، ولا يُسألَ غيرُه، وأن يُستعانَ بالله دون غيرِه .

وأما السؤال : فقد أمر الله بمسألته، فقال : {واسْأَلُوا اللهَ مِن فَضلِه}. [النساء: 32]، وفي "الترمذي" : عن ابن مسعود -مرفوعًا-: " سَلُوا اللهَ مِن فضلِه، فإنَّ اللهَ يُحبُّ أن يُسألَ"، وفيه -أيضًا- عن أبي هريرة -مرفوعًا-: " مَن لا يسأل اللهَ يغضَب عليه "، وفي حديث آخر : " لِيسألْ أحدُكم ربَّه حاجَتَهُ كلَّها حتى يسأل شسعَ نَعله إذا انقطع ".

وفي النهي عن مسألة المخلوقين أحاديث كثيرة صحيحة.

وقد بايع النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- جماعة من أصحابه على أن لا يسألوا النَّاس شيئًا : منهم أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وكان أحدُهم يسقط سوطُه أو خطام ناقته، فلا يسأل أحدًا أن يناوله إياه.

وخرَّج ابن أبي الدُّنيا من حديث أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود : أنَّ رجلاً جاء إلى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فقال : يا رسول الله، إن بني فلان أغاروا علي فذهبوا بابني وإبلي! فقال له النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: إنَّ آل محمد كذا وكذا أهل بيت، ما لهم مد من طعام، أو صاع؛ فاسأل اللهَ عز وجل، فرجع إلى امرأته، فقالت : ما قال لك؟ فأخبرها، فقالت : نِعم ما رد عليك، فما لبث أن ردَّ الله عليه ابنَه وإبله أوفر ما كانت، فأتى النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- فأخبره، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وأمر النَّاس بِمسألة الله عز وجل والرغبة إليه، وقرأ : { ومَن يتقِ اللهَ يجعل لهُ مَخرجًا ، ويرزقهُ مِن حيثُ لا يَحتسب }. [الطلاق: 2].

وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: أن الله -عزَّ وجلَّ- يقول : "هل مِن داعٍ فأستجيب له؟ هل مِن سائل فأعطيه؟ هل مِن مُستغفرٍ فأغفر له؟".

وخرج المحاملي وغيره من حديث أبي هريرة : عن النبي -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-، قال : "قال الله تعالى : مَن ذا الذي دعاني فلم أجبه؟ وسألني فلم أُعطه؟ واستغفرني، فلم أغفر له وأنا أرحم الراحمين ؟".

واعلم أن سؤال الله -تعالى- دون خلقه هو المُتعيِّن، لأنَّ السؤالَ فيه إظهارُ الذلِّ مِن السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعترافُ بقدرة المسئول على دفع هذا الضَّرر، ونيل المطلوب، وجلب المنافع، ودرء المضار، ولا يصلح الذلُّ والافتقار إلا للهِ وحده؛ لأنه حقيقةُ العبادة.

وكان الإمامُ أحمد يدعو ويقول : ( اللهم! كما صنتَ وجهي عن السجود لغيرِك؛ فصُنهُ عن المسألة لغيرِك)، ولا يقدر على كشف الضرِّ وجلب النَّفع سواه؛ كما قال : { وَإنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فلا كاشفَ له إلا هو وإن يُرِدكَ بخيرٍ فلا رادَّ لِفضلِه }. [يونس: 107]، وقال : { ما يَفتَحِ اللهُ للناسِ من رحمةٍ فَلا مُمْسكَ لَها وما يُمسِكْ فلا مُرْسِلَ له مِن بعدِه }[فاطر: 2].

واللهُ -سبحانه- يحبُّ أن يُسألَ ويُرغب إليه في الحوائج، ويُلَح في سؤالِه ودعائِه، ويغضبُ على مَن لا يسأله، ويستدعي من عبادِه سؤاله، وهو قادر على إعطاءِ خَلقه كلِّهم سُؤلَهم مِن غير أن ينقص من ملكه شيء .

والمخلوق بخلاف ذلك كله : يَكره أن يُسأل، ويُحب أن لا يُسأل؛ لعجزِه وفقرِه وحاجته؛ ولهذا قال وهب بن منبه لرجلٍ كان يأتي الملوك : ويحك! تأتي مَن يُغلق عنك بابَه، ويظهر لك فقرَه، ويواري عنك غناه، وتدع مَن يفتح لك بابَه نصف الليل ونصف النهار، ويظهر لك غناه، ويقول: ادعني أستجب لك؟!

وقال طاوس لعطاء : إياكَ أن تطلب حوائِجَك إلى مَن أغلق بابَه دونك ويجعل دونها حجابه، وعليك بِمَن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة، أمَرَك أن تسألَه، ووعدَك أن يُجيبَك .انتهى من "جامع العلوم والحكم"، الحديث (19)

وقال أيضا رحمه الله :

(( اجتمع الفضيل بشعوانة العابدة فسألها الدعاء، فقالت : يا فضيل! وما بينك وبينه؟ إن دعوتَه؛ أجابك! فشهق الفُضيل شهقة خرَّ مغشيًّا عليه.

وقال أبو جعفر السائح : أتى الحسن إلى حبيب أبي محمد هاربًا من الحجاج، فقال : يا أبا محمد! احفظني من الشُّرط، هُم على إثري.

فقال : استحييت لك -يا أبا سعيد-، أليس بينك وبين ربِّك من الثِّقة ما تدعوه فيسترك من هؤلاء؟ ادخل البيت! فدخل الشرط على إثره فلم يَروه، فذكروا ذلك للحجاج فقال : بل كان في بيته إلا أن الله طمس أعينهم فلم يروه )) . انتهى من كتاب "نور الاقتباس" (70).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

 " ومن المشروع في الدعاء : دعاء غائب لغائب ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه ، وطلبنا الوسيلة له ، وأخبر بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك ، فقال في الحديث : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي ، فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد . فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة) ...

لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا ، وأن من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك ، وفرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه ، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط " . انتهى من "مجموع الفتاوى" (27/69) .

وقال أيضا رحمه الله في رسالته [ التوسل والوسيلة ] صفحة1/ 193 :

وأما سؤال المخلوق المخلوق أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يؤمر به ; بخلاف سؤال العلم فإن الله أمر بسؤال العلم كما في قوله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "

ولهذا لم يعرف قط أن الصديق ونحوه من أكابر الصحابة سألوه شيئا من ذلك ولا سألوه أن يدعو لهم وإن كانوا يطلبون منه أن يدعو للمسلمين كما أشار عليه عمر في بعض مغازيه لما استأذنوه في نحر بعض ظهرهم فقال عمر : يا رسول الله كيف بنا إذا لقينا العدو غدا رجالا جياعا ولكن إن رأيت أن تدعو الناس ببقايا أزوادهم فتجمعها ثم تدعو الله بالبركة فإن الله يبارك لنا في دعوتك . وفي رواية : فإن الله سيغيثنا بدعائك . } وإنما كان سأله ذلك بعض المسلمين كما سأله الأعمى أن يدعو الله له ليرد عليه بصره وكما سألته أم سليم أن يدعو الله لخادمه أنس وكما سأله أ بو هريرة أن يدعو الله أن يحببه وأمه إلى عباده المؤمنين ونحو ذلك .

وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات.

فالنبي صلى الله عليه وسلم - فيما يطلبه من أمته من الدعاء - طلبه طلب أمر وترغيب ليس بطلب سؤال . فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه فهذا أمر الله به في القرآن بقول : { صلوا عليه وسلموا تسليما }. والأحاديث عنه في الصلاة والسلام معروفة ومن ذلك :

 أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود كما ثبت في صحيح مسلم.

ومن هذا الباب الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن ماجه { أن عمر بن الخطاب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له ثم قال لا تنسنا يا أخي من دعائك } فطلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمر أن يدعو له كطلبه أن يصلي عليه ويسلم عليه وأن يسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة وهو كطلبه أن يعمل سائر الصالحات فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه.

ومن قال لغيره من الناس : ادع لي - أو لنا - وقصد أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤتم به ليس هذا من السؤال المرجوح . 

وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به في ذلك بل هذا هو من السؤال المرجوح الذي تركه إلى الرغبة إلى الله وسؤاله أفضل من الرغبة إلى المخلوق وسؤاله . وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع . انتهى

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :

شيخنا ، هنا شيخ الإسلام رحمه الله بيقول : وأما سؤال المخلوقِ المخلوقَ أن يقضي حاجة نفسه أو يدعو له فلم يؤمر به ، ويستدل على هذا الكلام ...

فأجاب : 

لا تسأل الناس شيئا ، ولو ناولني السوط ، وكان الواحد إذا سقط السوط من يده من الناقة يبرك الناقة وينيخها حتى يأخذ السوط ؟ ولاَّ يقول لأحد : من فضلك أعطني ؟

السائل : 

هو ذكر هذا الحديث واستدل بهذا ، وقال أن الدعاء ، يعني ، سؤال.

الشيخ :

 فعلاً سؤال ، لكن مو حرام ، هذا الأفضل.

السائل :

 يعني : الأفضل ما يسأل ؟

الشيخ : 

ما أمكنه ، ما أمكنه ، آآآآآآه

السائل :

 شيخنا ، فيه حديث الأعمى الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه سلم وطلب منه أن يدعو له فَخَيَّرَه النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدعو له أو أن يصبر ، هذا فيه إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء.

الشيخ :

 طبعاً ، لكنه قال : إنْ صبرت ، فهو خير لك . 
انتهى باختصار من (سلسلة الهدى والنور- رقم الشريط: 3-رقم الفتوى: (7))

وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

قول شيخ الإسلام أن تركه أولى.. طلب الدعاء من أخيه؟

الجواب :

الذي يظهر أن قول شيخ الإسلام في هذا مرجوح، السنة مقدمة عليه وعلى غيره، السنة صريحة بهذا، فإن قوله : " إذا دعا لأخيه الملك الموكل يقول ولك بمثل " مما يشعر الرغبة في هذا الشيء... حديث صريح وهو صحيح رواه مسلم في الصحيح، وحديث عمر صريح وإن كان فيه مقال لكن له شواهد في المعنى.

وهو إحسان لأخيه، لكن بعض الناس قد يكثر من هذا، بعض الناس ينبغي له ألا يكثر، بعضهم كلما لقيك يقول كلما شافك يقول : لا تنسني من دعائك، كل ساعة كل ساعة، ترك هذا أوْلى، في بعض الأوقات يعني في أوقات غير متكررة، يكون بين وقت وآخر، لا يلح دائمًا في ذلك؛ لأن هذا قد يثقل على النفوس. 

لكن إذا كان فعله بعض الأحيان أو عند طول الغربة أو طول الغيبة أو نحو هذا؛ لعل هذا يكون أوْلى من الإكثار . انتهى من ( فتاوى الدروس)

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

.......... وأما سؤال بعض الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن المعلوم أنه لا أحد يصل إلى مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد طلب منه ثابت بن قيس بن الشماس وإلا فقد طلب منه عكاشة بن محصن أن يدعو الله له فيجعله من الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، فقال : ( أنت منهم ) ودخل رجل يسأله أن يسأل الله الغيث لهم فسأل .

وأما إيصاء النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يطلبوا من أويس القرني أن يدعو لهم فهذا لا شك أنه خاص به، وإلا فمن المعلوم أن أويساً ليس مثل أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة، ومع ذلك لم يوصِ النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من أصحابه أن يَطلب من أحدهم أن يدعو له.

وخلاصة الجواب أن نقول : إنه لا بأس بطلب الدعاء ممن ترجى إجابته، بشرط ألا يتضمن ذلك محذوراً، ومع هذا فإن تركه أفضل وأولى . انتهى من (سلسلة لقاء الباب المفتوح-(059))

وقال أيضا رحمه الله :

طلب الإنسان من غيره أن يدعو له لو لم يكن فيه إلا أنه سأل الناس، وقد كان من مبايعات الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه : ألا يسألوا الناس شيئًا، و(شيئًا) نكرة في سياق النفي تعم كل شيء، هذه هي القاعدة الأصولية؛ حتى كان عصا أحدهم يسقط منه وهو على راحلته فينزل ويأخذه لا يقول لأحد : ناولني العصا؛ لأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسألوا الناس شيئًا، لو لم يكن فيه إلا هذا لكفى،

 لكن ربما يكون في قلب الإنسان احتقارٌ لنفسه وسوء ظنٍ فيسأل غيره؛ فيقال : يا أخي! أحسن الظن بالله عز وجل.

وأنت إذا كنت لست أهلاً لقبول الدعاء؛ فإن دعاء غيرك لا ينفعك؛ فعليك أن تحسن الظن بالله، ولا تجعل واسطة بينك وبين الله يدعو لك؛ ادع ربك أنت؛ فالله عز وجل يقول : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }. [الأعراف:55] فنفس دعائك لله عبادة، فكيف تفوت على نفسك هذه العبادة العظيمة؟!.

 وكذلك فإن بعض الناس إذا طلب من شخص يظهر فيه الصلاح أن يدعو له فإنه ربما يعتمد على دعائه هذا ولا يدعو لنفسه أبدًا، 

ثم إن فيه -أيضًا- مسألة ثالثة : وهي أنه ربما يحصل للذي طلب منه الدعاء غرور بنفسه، وأنه أهل لأن يطلب منه الدعاء.

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- قال : إذا طلبت من أخيك الدعاء -تريد بذلك نفعه بإحسانه إليك، أو نفعه إذا دعا لك بظهر الغيب- إن الملك يقول : آمين، ولك بمثله. فهذا لا بأس به، أما إذا أردت مجرد انتفاعك أنت فقط؛ فهذا من المسألة المذمومة.

أما ما ذكرت من طلب عمر رضي الله عنه من أويس أن يدعو له رضي الله عنه فهذا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو خاص بالرجل؛ ولهذا لم يطلب من عمر أو غيره أن يقول لـ أبي بكر رضي الله عنه : ادع الله لنا، وأبو بكر أفضل من عمر، وأفضل من أويس، وأفضل من بقية الصحابة؛ لكن هذا خاص بهذا الرجل الذي حث النبي صلى الله عليه وسلم ممن أدركه أن يقول له  : ادع الله لي، والمسائل الخاصة لا تتعدى محلها . انتهى من (لقاء الباب المفتوح )

قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح كتاب التوحيد :

هل يجوز طلب الدعاء من الآخرين ؟

 قال العلماء : 

الأصل في ذلك الكراهة ، والمتأمل فيما روي عن الصحابة وعن التابعين الذين طلب منهم الدعاء : أنهم كرهوا ذلك ، ونهوا الطالب ، وربما قالوا له : أنحن أنبياء ؟!! كما قال ذلك حذيفة ، ومعاذ ، وغيرهما رضي الله عنهم ، 

وكان إمام دار الهجرة : أنس بن مالك - رحمه الله - إذا طلب منه الدعاء نهى الطالب ، خشية أن يلتفت الناس إليه ، وتتعلق قلوبهم به ، وإنما يتعلق في طلب الدعاء بالأنبياء ، أما من دونهم فلا يتعلق بهم في هذا الأمر ؛ 

لهذا اختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن طلب الدعاء من المسلم الحي يكون مشروعا إذا قصد به نفع الداعي ونفع المدعو له ، فإذا قصد الطالب أن ينفع الجهتين يعني : ينفع نفسه ، وينفع الداعي فهذا من المشروع ، وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء في السنة فيما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما « أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر لما أراد أن يعتمر : " لا تنسنا يا أخي من دعائك » ، وهذا الحديث إسناده ضعيف ، وقد احتج به بعض أهل العلم ومعناه ظاهر في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن ينفع عمر بهذه الدعوة ؛ فالطالب للدعاء محتاج إلى غيره . اهـ

وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (24/261) :

" طلب الدعاء وطلب الرقية مباحان، وتركهما والاستغناء عن الناس وقيامه بهما لنفسه أحسن ". انتهى


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات