">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع فا

يُعتبر الصيام من العبادات العظيمة في الإسلام، 

ولكن ماذا لو مات المسلم وعليه صيام؟ هل يجوز لأحد أن يصوم عنه؟ وهل يختلف الحكم بين صيام الفريضة وصيام النذر؟

 هذا ما سنوضحه بالتفصيل في هذا المنشور استنادًا إلى الأدلة الشرعية وآراء العلماء.

▣▣ حكم الصيام عن الميت في الإسلام؟

عندما يتوفى المسلم وعليه صيام، يُنظر إلى نوع الصيام الذي تركه دون قضاء، وذلك على النحو التالي:

1- إذا كان الصيام الذي عليه نذرًا، فيجوز لوليه أن يصوم عنه،

لقوله ﷺ: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليُّه". (رواه البخاري ومسلم).

** والوليُّ الذي يقضي عنه الصَّومَ هو الوارِثُ (سواء ابنه أو قريبه)؛ لقوله تعالى : وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ. [الأنفال: 75] .

2- أما إذا كان الصيام الذي عليه من رمضان، فهناك تفصيل:

▣ إذا مات وكان قادرًا على القضاء لكنه لم يفعل، فلا يُصام عنه، كما لا يُصلى أحد عن أحد، وإنما يُطعم عنه عن كل يوم مسكين.

▣ إذا مات وكان عاجزًا عن القضاء بسبب المرض المستمر، فلا شيء عليه ولا يُقضى عنه لا صيامًا ولا إطعامًا، لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

▣▣ لماذا لا تجوز النيابة عن الميت في صيام رمضان؟

الجواب: لا تجوز النيابة في صيام رمضان لأنه فرض عين، وهو أحد أركان الإسلام التي يجب على المسلم أداؤها بنفسه، مثل الصلاة والشهادتين، 

لذا يجب الإطعام عنه بدلاً من الصيام.

أما صيام النذر، فيجوز فيه النيابة لأنه التزام أوجبه العبد على نفسه، وهو أشبه بالدَّين الذي يمكن قضاؤه عنه. 

كما أن الواجبات الشرعية الأصلية لا تُؤدَّى عن العاجز، بخلاف النذر الذي تتسع له الذمة، مما يتيح للغير أداؤه عن الميت.

وهذا يبيِّن أنّ الصحابة أفقه الخلْق، وأعمقهم عِلماً، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه، وبالله التوفيق. ينظر: "تهذيب السنن" (7/ 27) ) .

▣▣ كيفية الإطعام عن الميت إذا كان عليه صوم رمضان؟

إذا توفي المسلم وعليه صيام رمضان ولم يتمكن من قضائه، فيتم الإطعام عنه على النحو التالي:

** يُطعم عن كل يوم مسكينًا.

** مقدار الإطعام نصف صاع من الطعام (ما يعادل 1.5 كجم تقريبًا من القمح أو الأرز أو غيرهما من الأطعمة الأساسية).

▣▣ الأدلة الشرعية من السنة النبوية :

1 - حديث عائشة رضي الله عنها- أن النبي ﷺ قال : "من مات وعليه صيام صام عنه وليه". (رواه البخاري ومسلم).

قَولَه : ((صام عنه وليُّه)) خبَرٌ بمعنى الأمرِ، لكنَّه ليس للوُجوبِ، لقَولُه تعالى : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

 هذا الحديث : وإن كان مطلقاً فهو محمول على صوم النذر، وبيان ذلك الأحاديث الأتية:

2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة ركبت البحر فنذرت، إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرا، فأنجاها الله عز وجل، فلم تصم حتى ماتت، 

فجاءت قرابة لها إما أختها أو ابنتها إلى النبي  فذكرت ذلك له، فقال : 

[ أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه ؟ قالت : نعم. قال : فدين الله أحق أن يقضى] [ ف ] اقض [ عن أمك ]. (صحيح أبي داود-رقم: (3308)) و( أحكام الجنائز-رقم : 214).

 هذا الحديث : يؤكد أن الصيام عن الميت يكون في النذر فقط.

3 - فتوى : ابن عباس رضي الله عنهما : إذا مرض الرجل فى رمضان ثم مات ولم يصم أُطْعِمَ عَنْهُ ولم يكن عليه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه". (صحيح أبي داود (2078)).

 هذا التفريق بين صيام الفرض والنذر : يؤكد أن صيام رمضان لا يُقضى عن الميت، بل يتم الإطعام عنه، أما النذر فيُقضى عنه بالصيام.

4 - وعنه أيضا بسند صحيح : قال في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت , قال : ليس عليه شىء،

فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة. ( المصنف ج 4 ص 237).

5 -  فتوى : عَائِشَةَ رضي الله عنها : أن عَمْرَةَ ابنة عبد الرحمن : سألتها، فقالت لها : إن أمي توفيت وعليها رمضان، أيصلح أن أقضي عنها؟

 فقالت : " لا, ولكن تصدقي عنها مكان كل يوم على مسكين , خير من صيامك عنها. (تخريج مشكل الآثارللأرناؤوط رقم : 6/ 178 - إسناده صحيح على شرط البخاري) .

تبين مما سبق أن الراوي (عائشة - ابن عباس) أدرى بمرويه من غيره،  وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده،

لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى بخلافه، 

وحاشا الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه ؛ لأنه مصادمة للنص ، وذا لا يقال في حق الصحابي. ينظر: (عون المعبود، المباركفوري (7/27-28)) و(عمدة القاري شرح صحيح البخارى).

▣ آراء الفقهاء في الصيام عن الميت:

جاء في "تهذيب السنن" لابن القيم -رحمه الله- (7/ 27) : 

... أنّه يُصام عنه النَّذر دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد المنصوص عنه، وقول أبي عبيد والليث بن سعد، وهو المنصوص عن ابن عباس ... 

وهذا أعدل الأقوال، وعليه يدلُّ كلام الصحابة، وبهذا يزول الإِشكال .

 وتعليل حديث ابن عباس أنه قال : "لا يصوم أحد عن أحد، ويُطْعم عنه"، فإِنّ هذا إِنّما هو في الفرض الأصلي، 

وأمّا النَّذر فيصام عنه، كما صرَّح به ابن عباس ولا معارضة بين فتواه وروايته، 

وهذا هو المرويُّ عنه في قصّة مَنْ مات وعليه صوم رمضان وصوم النَّذر، فرَّق بينهما،

فأفتى بالإِطعام في رمضان، وبالصوم عنه في النَّذر فأيُّ شيء في هذا ممّا يوجب تعليل حديثه؟

وما روي عن عائشة من إِفتائها في التي ماتت وعليها الصوم : أنّه يُطعَم عنها؛ إِنما هو في الفرض لا في النذر؛ 

لأنّ الثَّابت عن عائشة فيمن مات وعليه صيام رمضان : "أنّه يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام"

فالمنقول عنها كالمنقول عن ابن عباس سواء، فلا تعارُضَ بين رأيها وروايتها . 

وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب، وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس. انتهى.

قال الشيخ الألباني رحمه الله :

وهذه الأحاديث صريحة الدَّلالة في مشروعيَّة صيام الوليّ عن الميِّت صوم النَّذر، 

إلاَّ أنّ الحديث الأوّل (حديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدّم) يدلُّ بإِطلاقه على شيء زائدٍ على ذلك، وهو أنّه يصوم عنه صوم الفرض أيضاً، 

وقد قال به الشافعيَّة، وهو مذهب ابن حزم (7/ 2، 8) وغيرهم .

وذهب إِلى الأوّل الحنابلة، بل هو نصُّ الإِمام أحمد، فقال أبو داود في "المسائل" (96) : "سمعت أحمد بن حنبل قال : لا يُصامُ عن الميِّت إلاَّ في النَّذر".

وحمَل أتباعه الحديث الأوَّل على صوم النَّذر، بدليل ما روت عَمْرة : أن أمّها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة : أقضيه عنها؟ 

قالت : لا بل تصدَّقي عنها مكان كل يوم نصف صاعٍ على كل مسكين . أخرجه الطحاوي (3/ 142) وابن حزم (7/ 4) واللفظ له بإِسنادٍ؛ قال ابن التركماني : صحيح.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : "إِذا مرض الرجل في رمضان، ثمّ مات ولم يصم؛ أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نَذْر قضى عنه وليُّه".
أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم (7/ 7) وصحح إِسناده.

وهذا التفصيل الذي ذَهَبتْ إِليه أمّ المؤمنين، وحَبْر الأمّة ابن عبّاس -رضي الله عنهما- وتابعهما إِمام السنَّة أحمد بن حنبل، 

هو الذي تطمئنُّ إِليه النَّفس، وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوال في هذه المسألة وأوسطها .

وفيه إِعمالٌ لجميع الأحاديث؛ دون ردٍّ لأيّ واحد منها، مع الفهم الصحيح لها؛ خاصّة الحديث الأول منها، 

فلم تَفْهَم منه أمُّ المؤمنين ذلك الإِطلاق الشامل لصوم رمضان، وهي راويته.. ينظر: ("أحكام الجنائز" (ص 215)).

▣▣ الخلاصة :

 صيام النذر : يجوز للولي أن يصوم عن الميت إذا كان عليه نذر صيام.

▣ صيام الفريضة : لا يجوز الصيام عن الميت إذا كان عليه صيام رمضان، بل يجب الإطعام عنه.

▣ الإطعام : يتم إطعام مسكين عن كل يوم أفطره الميت.

 إذا كان لديك أي استفسارات، فلا تتردد في طرحها فى التعليقات.



والله اعلم

اقرأ أيضا :


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات