">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

الراجح أنه لا يُصام عن الميت إلا فى النذر


من مات وعليه صيام يصوم عنه وليه وذلك في قضاء صوم النَّذر فقط.

 وأما من مات وعليه صيام رمضان وقد تمكَّنَ من القضاء ولم يقضِ حتى مات فلا يصومه عنه أحد كما لا يُصلى أحد عن أحد ولكن يطعم الولى عن الميت فى فرض رمضان كل يوم مسكينا نصف صاع ومقداره كيلو ونصف تقريبا .

ولكن من مات وعليه صوم رمضان قد فاته بسبب مرض أو سفرٍ أو غيرهما من الأعذارِ ولم يتمكَّن من قضائه لعذر حتى مات كمن استمر به المرض حتى مات فلا شيء عليه ولا يُصام عنه ولا يُطعَم عنه .

 وبيان ذلك أن النّذر ليس واجباً بأصل الشرع وإنّما أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه ولهذا شبَّهه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدَّين في حديث ابن عبّاس والمسؤول عنه فيه أنّه كان صوم نذر والدين تدخله النيابة .

وأمّا الصوم الذي فرَضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإِسلام فلا يدخله النيابة بحال كما لا يدخل الصلاة والشهادتين فإِنّ المقصود منها طاعة العبد بنفسه وقيامه بحقِّ العبودية التي خُلِقَ لها وأُمِر بها . 

وهذا أمر لا يؤدّيه عنه غيره كما لا يُسْلِم عنه غيره ولا يصلِّي عنه غيره وهكذا من ترك الحجّ عمداً مع القدرة عليه حتى مات أو ترَك الزكاة فلم يُخرجها حتى مات فإِنّ مقتضى الدليل وقواعد الشرع : أن فِعْلهما عنه بعد الموت لا يبرئ ذمَّته ولا يُقبل منه والحق أحقُّ أن يتبع .

والدليل :

1- عن عائشة -رضي الله عنها أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " من مات وعليه صيام  صام عنه وليُّه ". ( أخرجه البخاري: 1952، ومسلم: 1147).

والوليُّ الذي يقضي عنه الصَّومَ هو الوارِثُ؛ لقوله تعالى : وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ. [الأنفال: 75] .

قَولَه : ((صام عنه وليُّه)) خبَرٌ بمعنى الأمرِ، لكنَّه ليس للوُجوبِ لقَولُه تعالى : وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. الأنعام : 164 والحديث وإن كان مطلقا فهو محمول على صوم النذر ويؤيد ذلك من الأحاديث منها :

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أنّ امرأة ركبَت البحر فنذَرت، إِنِ الله -تبارك وتعالى- أَنْجاها أنْ تصوم شهراً، فأنجاها الله عز وجل، فلم تصم حتى ماتت. فجاءت قرابة لها [ إِمّا اختها أو ابنتها ] إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فذكرت ذلك له، فقال : [ أرأيتك لو كان عليها دَيْن كُنتِ تقضينه؟ قالت : نعم، قال : فَدَيْن الله أحق أن يُقضى]، [فـ] اقضِ [عن أمّك ] ". ( أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد والسياق مع الزيادة الثانية له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والزيادة الأولى لأبي داود والبيهقي، وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وصححه، وابن ماجه بنحوه، وفيه عندهم جميعاً الزيادة الثانية وعند مسلم الأخيرة. عن "أحكام الجنائز" (ص 214)).

3- وعنه رضي الله عنهما قال : " أنّ سعد بن عبادة -رضي الله عنه- استفتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال : إِنّ أمّي ماتت وعليها نذر فقال : اقضه عنها ". ( أخرجه البخاري (1953)، ومسلم (1148).)، 

4- وعنه رضي الله عنهما قال : إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ فِى رَمَضَانَ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصُمْ أُطْعِمَ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ (صحيح أبي داود (2078).).

فقوله : (ولم يَصُم) يدل على أنه كان يتمكن من الصوم وإلا لم يكن في ذكره فائدة لأن من أفطر لمرض قد عُلِم أنه لم يصم .

5- وجاء فى مصنف عبد الرزاق : عن ابن عباس رضي الله عنهما بسند صحيح : قال في الرجل المريض في رمضان فلا يزال مريضا حتى يموت , قال : ليس عليه شىء فإن صح فلم يصم حتى مات أطعم عنه كل يوم نصف صاع من حنطة . ( المصنف ج 4 ص 237)

- روى الإطعام بسند صحيح : عن عمر بن الخطاب والزهري والحسن والنخعي وعطاء . (المصنف ج 4 ص 237 , (239))

6-  وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها : أنَّ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : سَأَلَتها، فَقَالَتْ لَهَا : إِنَّ أُمِّيَ تُوُفِّيَتْ وَعَلَيْهَا رَمَضَانُ، أَيَصْلُحُ أَنْ أَقْضِيَ عَنْهَا؟ فَقَالَتْ : " لَا, وَلَكِنْ تَصَدَّقِي عَنْهَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى مِسْكِينٍ , خَيْرٌ مِنْ صِيَامِكِ عَنْهَا . ( أحكام الجنائز للألبانى (ص:170 الهامش) ). وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط فى تخريج مشكل الآثار رقم : 6/ 178 / : إسناده صحيح على شرط البخاري .

فهنا الراوي (عائشة- ابن عباس) أدرى بمرويه من غيره لأن فتوى الصحابي بخلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ ونسخ الحكم يدل على إخراج المناط عن الاعتبار وفي الاستذكار لم يخالف بفتواه ما رواه إلا لنسخ علمه وهو القياس على الأصل المجمع عليه.

 ولو قلنا إن فتوى الصحابي بخلاف مرويه ليست بمنزلة روايته للناسخ إلا أن فتياه بخلاف مرويه دليل على أن الراوي أدرى بمرويه من غيره أي أعلم بمعنى الحديث فدل ذلك على أن العمل على خلاف ما رواه ولهذا يحمل الصيام الوارد في حديث عائشة على أن الولي يطعم عن ميته الذي مات وعليه صيام وسمي الإطعام صياما على سبيل المجاز والاتساع لأن الطعام قد ينوب عن الصيام بدليل قوله تعالى : ((أو عدل ذلك صياما)) المائدة : 95، فدل هذا على أنهما يتناوبان في الحكم . انتهى. ينظر: (عون المعبود، المباركفوري (7/27-28))

قال العينى فى عمدة القاري شرح صحيح البخارى ردا على من قال : (الراجح أن المعتبر ما رواه الصحابي لا ما رآه ؛ لاحتمال أن يخالف ذلك لاجتهاد مستنده فيه لم يتحقق ، ولا يلزم من ذلك ضعف الحديث عنده ، وإذا تحققت صحة الحديث لم يترك به المحقق للمظنون ) .

 قلت ( العينى) : الاحتمال الذي ذكره باطل لأنه لا يليق بجلالة قدر الصحابي أن يخالف ما رواه من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأجل اجتهاده فيه ، وحاشا الصحابي أن يجتهد عند النص بخلافه ؛ لأنه مصادمة للنص ، وذا لا يقال في حق الصحابي ، وإنما فتواه بخلاف ما رواه إنما يكون لظهور نسخ عنده ، 

وقوله : ومستنده فيه لم يتحقق ، كلام واه ؛ لأنه لو لم يتحقق عنده ما يوجب ترك العمل به لما أفتى بخلافه ، وإلا يلزم نسبة الصحابي العدل الموثوق إلى العمل بخلاف ما رواه ، وقوله : وإذا تحققت إلى آخره ، يستلزم العمل بالأحاديث الصحيحة المنسوخة الثابت نسخها ، ولا يلزم العمل بحديث تحققت صحته ، ونسخه حديث آخر ، وقوله : " للمظنون " ، يعني لأجل المظنون ،

قلنا : المظنون الذي يستند به هذا القائل هو المظنون عنده ، لا عند الصحابي الذي أفتى بخلاف ما روى ؛ لأن حاله يقتضي أن لا يترك الحديث الذي رواه بمجرد الظن . والله أعلم . انتهى

قال في "المغني" ( ص241 ج 3 ط دار المنار ) :

" وجملة ذلك أن من مات وعليه صيام من رمضان لم يَخلُ من حالين :

أحدهما : أن يموت قبل إمكان الصيام ، إما لضيق الوقت ، أو لعذر من مرض ، أو سفر ، أو عجز عن الصوم : فهذا لا شيء عليه في قول أكثر أهل العلم ، وحكي عن طاوس وقتادة أنهما قالا : يجب الإطعام عنه ، ثم ذكر علة ذلك وأبطلها .

ثم قال (ص 341) : الحال الثاني : أن يموت بعد إمكان القضاء ، فالواجب أن يُطعَمَ عنه لكل يوم مسكين ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، رُوي ذلك عن عائشة وابن عباس ... انتهى باختصار

قال الشيخ حسين العوايشة حفظه الله فى الموسوعة الفقهية :

جاء في "أحكام الجنائز" (ص 215) -بتصرّف بعد أنْ ذكَر هذه الأحاديث:

"قلت (الألبانى) : وهذه الأحاديث صريحة الدَّلالة في مشروعيَّة صيام الوليّ عن الميِّت صوم النَّذر، إلاَّ أنّ الحديث الأوّل (حديث عائشة -رضي الله عنها- المتقدّم.) يدلُّ بإِطلاقه على شيء زائدٍ على ذلك، وهو أنّه يصوم عنه صوم الفرض أيضاً، وقد قال به الشافعيَّة، وهو مذهب ابن حزم (7/ 2، 8) وغيرهم .

وذهب إِلى الأوّل الحنابلة، بل هو نصُّ الإِمام أحمد، فقال أبو داود في "المسائل" (96) : "سمعت أحمد بن حنبل قال : لا يُصامُ عن الميِّت إلاَّ في النَّذر".

وحمَل أتباعه الحديث الأوَّل على صوم النَّذر، بدليل ما روت عَمْرة : أن أمّها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة : أقضيه عنها؟ قالت : لا بل تصدَّقي عنها مكان كل يوم نصف صاعٍ على كل مسكين . أخرجه الطحاوي (3/ 142) وابن حزم (7/ 4) واللفظ له بإِسنادٍ؛ قال ابن التركماني : صحيح.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : "إِذا مرض الرجل في رمضان، ثمّ مات ولم يصم؛ أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نَذْر قضى عنه وليُّه". أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم (7/ 7) وصحح إِسناده.

قلت : [أي: شيخنا -رحمه الله-] وهذا التفصيل الذي ذَهَبتْ إِليه أمّ المؤمنين، وحَبْر الأمّة ابن عبّاس -رضي الله عنهما- وتابعهما إِمام السنَّة أحمد بن حنبل، هو الذي تطمئنُّ إِليه النَّفس، وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوال في هذه المسألة وأوسطها .

وفيه إِعمالٌ لجميع الأحاديث؛ دون ردٍّ لأيّ واحد منها، مع الفهم الصحيح لها؛ خاصّة الحديث الأول منها، فلم تَفْهَم منه أمُّ المؤمنين ذلك الإِطلاق الشامل لصوم رمضان، وهي راويته .

ومن المقرَّر أنَّ راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيّما إِذا كان ما فَهِمَ هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا . انتهى.

وجاء في "مجموع الفتاوى" (25/ 269) :

" وسُئل عن الميِّت في أيّام مرضه أدركه شهر رمضان، ولم يكن يقدر على الصّيام، وتوفّي وعليه صيام شهر رمضان. وكذلك الصلاة مدّة مرضه، ووالديه بالحياة. فهل تسقط الصلاة والصيام عنه إِذا صاما عنه، وصلّيا؟ إِذا وصَّى، أو لم يوصِ؟

فأجاب :

 إِذا اتّصل به المرض، ولم يمكنه القضاء فليس على ورثته إلاَّ الإِطعام عنه، وأمّا الصلاة المكتوبة، فلا يصلِّي أحد عن أحد، ولكن إِذا صلَّى عن الميت واحد منهما تطوُّعا، وأهداه له، أو صام عنه تطوُّعاً وأهداه له، نفَعه ذلك، والله أعلم " .

وجاء في "تهذيب السنن" لابن القيم -رحمه الله- (7/ 27) : 

" وقد اختلف أهل العلم فيمن مات وعليه صوم هل يقضى عنه؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : لا يُقضى عنه بحال، لا في النّذر ولا في الواجب الأصلي، وهذا ظاهر مذهب الشافعي، ومذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابه.
 
الثاني : أنّه يُصام عنه فيهما، وهذا قول أبي ثور وأحد قولي الشافعي.

الثالث : أنّه يُصام عنه النَّذر دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد المنصوص عنه، وقول أبي عبيد والليث بن سعد، وهو المنصوص عن ابن عباس .

روى الأثرم عنه أنه "سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر، وعليه صوم رمضان؟ قال : أمّا رمضان فليطعم عنه، وأمّا النَّذر فيصام"وهذا أعدل الأقوال، وعليه يدلُّ كلام الصحابة، وبهذا يزول الإِشكال .

وتعليل حديث ابن عباس أنه قال : "لا يصوم أحد عن أحد، ويُطْعم عنه"، فإِنّ هذا إِنّما هو في الفرض الأصلي، وأمّا النَّذر فيصام عنه، كما صرَّح به ابن عباس ولا معارضة بين فتواه وروايته، وهذا هو المرويُّ عنه في قصّة مَنْ مات وعليه صوم رمضان وصوم النَّذر، فرَّق بينهما، فأفتى بالإِطعام في رمضان، وبالصوم عنه في النَّذر فأيُّ شيء في هذا ممّا يوجب تعليل حديثه؟ 

وما روي عن عائشة من إِفتائها في التي ماتت وعليها الصوم : أنّه يُطعَم عنها؛ إِنما هو في الفرض لا في النذر؛ لأنّ الثَّابت عن عائشة فيمن مات وعليه صيام رمضان : "أنّه يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام"فالمنقول عنها كالمنقول عن ابن عباس سواء، فلا تعارُضَ بين رأيها وروايتها . وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب، وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس .

 لأنّ النّذر ليس واجباً بأصل الشرع، وإنّما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه ولهذا شبَّهه النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالدَّين في حديث ابن عبّاس، والمسؤول عنه فيه؛ أنّه كان صوم نذر، والدين تدخله النيابة .

وأمّا الصوم الذي فرَضه الله عليه ابتداء؛ فهو أحد أركان الإِسلام، فلا يدخله النيابة بحال، كما لا يدخل الصلاة والشهادتين، فإِنّ المقصود منها طاعة العبد بنفسه، وقيامه بحقِّ العبودية التي خُلِقَ لها وأُمِر بها وهذا أمر لا يؤدّيه عنه غيره، كما لا يُسْلِم عنه غيره، ولا يصلِّي عنه غيره، وهكذا من ترك الحجّ عمداً مع القدرة عليه حتى مات أو ترَك الزكاة فلم يُخرجها حتى مات ، فإِنّ مقتضى الدليل وقواعد الشرع : أن فِعْلهما عنه بعد الموت لا يبرئ ذمَّته ولا يُقبل منه، والحق أحقُّ أن يتبع .

وسرُّ الفرق : أنَّ النَّذر التزام المكلَّف لِمَا شُغِل به ذمَّته، لا أنّ الشارع ألْزَمه به ابتداءً، فهو أخف حُكْماً ممّا جعله الشَّارع حقاً له عليه، شاء أم أبى والذِّمّة تسَع المقدور عليه والمعجوز عنه، ولهذا تقبل أنْ يشغلها المكلِّف بما لا قُدرة له عليه؛ بخلاف واجبات الشرع، فإِنِّها على قدر طاقة البدن، لا تجب على عاجز .

فواجب الذِّمَّة أوسع من واجب الشرع الأصلي، لأنَّ المكلّف متمكِّن من إِيجاب واجبات كثيرة على نفسه لم يوجبها عليه الشارع والذِّمَّة واسعة، وطريق أداء واجبها أوسع من طريق أداء واجب الشرع، فلا يلزم من دخول النِّيابة في واجبها بعد الموت دخولها في واجب الشرع .

وهذا يبيِّن أنّ الصحابة أفقه الخلْق، وأعمقهم عِلماً، وأعرفهم بأسرار الشرع ومقاصده وحكمه، وبالله التوفيق ". ( انتهى كلام ابن القيم ) .

والخلاصة :

"أنّه لا يُصام عن الميِّت إلاَّ صوم النَّذر، أمّا رمضان فيطعم عنه"والحديث المتقدم : "من مات وعليه صيام صام عنه وليّه". يحمل على صوم النّذر وكذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- " جاء رجل إِلى النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال : يا رسول الله إِنّ أُمّي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ قال : نعم؛ فدين الله أحقّ أن يقضى" .

فقد جاء ما يفسّرهما عند الشيخين أنّه صوم النَّذر قال شيخنا في "تمام المنّة" (ص 428) في الرَّد على السيد السابق -رحمهما الله تعالى- بعد قوله وروى أحمد وأصحاب السنن : 

"هذا يوهم أنّه لم يخرِّجه من هو أرقى في الصحَّة من المذكورين، وليس كذلك، فقد أخرجه الشيخان في "الصوم" عن ابن عباس، وفي رواية لهما : "ماتت وعليها صوم نذر"فهذا الحديث إِذن وارد فى صوم النَّذر، فلا يجوز الاستدلال به على صوم الفرض كما فعل المؤلِّف". انتهى من (الموسوعة الفقهية) .

قال الشيخ الالبانى رحمه الله :

وهنا قد يرد في البال كيف يقال : «لا يصوم أحد عن أحد» ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول في الحديث الصحيح : «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»؟ إذاً : هذا كأنه يعارض ذاك الذي قلته آنفاً.

الجواب :

 الحديث إنما يراد به من مات وعليه صيام نذر وليس صيام فريضة، أي : هو نذر على نفسه نذراً ما كان الله عز وجل فرضه عليه إلا بفرضه هو بهذا الصيام على نفسه .. هذا الذي لولي الميت أن يصوم عنه؟ 

من أين أخذنا هذا القيد؟ هنا مسألة تتعلق بقاعدة فقهية أصولية وهي : الراوي أدرى بمرويه من غيره، الراوي - أي : في الحديث - أدرى بمرويه من غيره .. هذه القاعدة معشر طلاب العلم! إذا فهمتموها ورسخت في أذهانكم ساعدتكم على فهم بعض المسائل الخلافية بين العلماء فهماً صحيحاً.

فهنا نبدأ بالراوي الأول : هذا الحديث رواه صحابيان جليلان أحدهما عائشة رضي الله تعالى عنها، والآخر عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما .. هذان الراويان حملا الحديث على صوم النذر، إذاً : الراوي أدرى بمرويه من غيره، ولا أريد أن أطيل أيضاً في الإجابة . انتهى (سلسلة الهدى والنور :(732))

وقال أيضا رحمه الله :

 الميت إذا مات وعليه صيام من شهر رمضان فهو بين حالة من حالتين :

 إما أن يكون من مات معذورا ، فهذا ليس مؤاخذ عند الله ، كالمريض الذي أشرتي إليه ، وإما أن يكون مستهترا متهاونا بالصّيام وبالصّلاة وبغير ذلك من العبادات ، فهذا لا يستطيع أحد أن ينقذه من عذاب الله عزّ وجلّ الّذي استحقّه بسبب تعمّده ترك الصيام والصلاة ونحو ذلك من العبادات .

 ولكن بخصوص الوالدين فقط ، يجوز للولد ذكرا كان أو أنثى أن يصوم نفلا وأن يتصدّق نفلا ، وأن يفعل كل خير نفلا للوالدين ، هذا يجوز ، أما أن يسقط عنه ما تركه في قيد حياته فهذا لا سبيل إليه لقوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاث ، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ). انتهى (سلسلة الهدى والنور - شريط : (322))

الخلاصة

من مات وعليه صيام وقد فرط فيه فإنه يصام عنه النذر ويطعم عن صيام رمضان . وهو قول أكثر أهل العلم .


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات