">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

العادة السرية فى نهار رمضان لا تبطل الصيام


 من قام بالعادة السرية ( الإستمناء) في نهار رمضان سواء كان باليد أو غيره أو بضم الزوجة فلا يُفسد صومه بذلك ولا قضاء عليه ولا كفارة إذ لا دليل صحيح صريح على إبطال صومه بذلك لأن الأصل براءة الذمة حتى تشغل بدليل . وهو مذهب ابن حزمٍ وبه قال الصنعانيُّ والشوكانيُّ وغيرُهم .

تنبيه : لا يفهم من هذا أن الإستمناء مباح بل هو حرام لا يجوز والأصل في النواقض المنع حتى يثبتها الدليل ولم يقم للمخالفين دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس والعلماء القائلين بأنّه لا يفطّر لم يوجبوا عليه هذا الفعل .

والدليل :

1- سُئِلَ جابرُ بن زيد : عن رجل نظرَ إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر؟ قال : لا، يتمُّ صومه . ( أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: (9447)، قال الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/437): «إسناده جيّد»)

وهذا الأثر أورده البخاري للدلالة على أن الإمناء بسبب الشهوة لا ينقض الصوم ولا فرق بين النظر والمباشرة في كونها سبباً في الإمناء إذ كلاهما مثير للشهوة المؤدّية إلى الإنزال . (انظر: فقه الإمام البخاري 3/71) .

2- عن سعد بن أبي وقاص : أتقبل وأنت صائم؟ قال : نعم  وأقبض على متاعها. ( شرح البخاري لابن الملقن - رقم : 13/194 / خلاصة حكم المحدث : صحيح)

 إذ كيف تتصور فى هذا الأثر الصحيح إباحة المباشرة والتقبيل والمداعبة والأخذ بجهاز المرأة ساعات ولا يكون معذلك إخراج منى؟ فإنه لا يمكن التحرز منه إذا صنع ذلك.

قال الإمام الألباني رحمه الله تحت كلام المؤلف :

{{ومن (ما يبطل الصيام) قوله :

 "الاستمناء ( إخراج المني ) سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه، أو كان باليد، فهذا يبطل الصوم ويوجب القضاء".

قلت (الألبانى) : لا دليل على الإبطال بذلك، وإلحاقه بالجماع غير ظاهر ، ولذلك قال الصنعاني : " الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد". وإليه مال الشوكاني، وهو مذهب ابن حزم، فانظر "المحلى" ( 6 / 175 - 177 و 205 ). ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق ، أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة، قالوا : "لأن الجماع أغلظ، والأصل عدم الكفارة ". انظر "المهذب" مع "شرحه" للنووي ( 6 / 368 ).

فكذلك نقول نحن : الأصل عدم الأفطار والجماع أغلظ من الاستمناء فلا يقاس عليه. فتأمل.

وقال الرافعي ( 6 / 396 ) : "المني إن خرج بالاستمناء أفطر، لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل، فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا".

قلت (الألبانى) : لو كان هذا صحيحا، لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الايلاج بدون إنزال، وهم لا يقولون أيضا بذلك. فتأمل تناقض القياسيين! أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل، وقد ذكرت بعضها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت الأحاديث (219 - 221) ، ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سالها : ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت : "كل شئ إلا الجماع". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" ( 4 / 190 / 8439 ) بسند صحيح، كما قال الحافظ في "الفتح"، واحتج به ابن حزم. وراجع سائرها هناك.

وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في "صحيحه" ( 2 / 243 ): "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين: أحدهما مباح، والآخر محظور، إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ، ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور، قال المصطفى ( ص) : "إن الجماع يفطر الصائم"، والنبي المصطفى ( ص ) قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة".

وإن مما ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين :

الأول : أن كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شئ، ومباشرة الصائم شئ آخر، ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم، خشية أن يقع في المحظور، الجماع، وهذا سدا للذريعة المستفادة من عديد من دلة الشريعة، منها قوله ( ص ) : "ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه"، وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي ( ص ) وهو صائم : "وأيكم يملك إربه ؟"

والأمر الآخر : أن المؤلف لما ذكر الاستمناء باليد، فلا يجوز لأحد أن ينسب إليه أنه مباح عنده، لأنه إنما ذكره لبيان أنه مبطل للصوم عنده.

وأما حكم الاستمناء نفسه، فلبيانه مجال آخر، وهو قد فصل القول فيه في "كتاب النكاح"، وحكى أقوال العلماء، واختلافهم فيه، وإن كان القارئ لا يخرج مما ذكره هناك برأي واضح للمؤلف كما هو الغالب من عادته فيما اختلف فيه.

وأما نحن، فنرى أن الحق مع الذين حرموه، مستدلين بقوله تعالى : (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا، إلا إذا استعمل الطب النبوي، وهو قوله ( ص ) للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج : "فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء". ولذنك فإننا ننكر أشد الانكار على الذين يفتون الشباب بجوازه خشية الزنا، دون أن يأمروهم بهذا الطب النبوي الكريم.}} .انتهى كلامه رحمه الله من ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة))

وقال أيضا رحمه الله تحت حديث :

" كان يقبلني وهو صائم وأنا صائمة. يعني عائشة " .

و الحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان ، وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال أرجحها الجواز ، على أن يراعى حال المقبل ، بحيث أنه إذا كان شابا يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه ، امتنع من ذلك ، و إلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها .. وأيكم يملك إربه.

بل قد روى ذلك عنها صريحا فقد أخرج الطحاوي( 1 / 346 ) من طريق حريث بن عمرو عن الشعبي عن مسروق عنها قالت : ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم و باشرني و هو صائم ! أما أنتم فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف .

و لكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ ، ليس على سبيل التحديد بل التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة ، وإلا فالضابط في ذلك قوة الشهوة وضعفها ، أو ضعف الإرادة وقوتها ، وعلى هذا التفصيل نحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها ، فإن بعضها صريح عنها في الجواز مطلقا كحديثها هذا ، لاسيما وقد خرج جوابا على سؤال عمرو بن ميمون لها في بعض الروايات . و قال : ( و لكم في رسول الله أسوة حسنة ). وبعضها يدل على الجواز حتى للشاب ، لقولها " و أنا صائمة " فقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرها ( 18 ) سنة ، و مثله ما حدثت به عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق و هو صائم ، فقالت له عائشة ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها و تلاعبها ؟ فقال : أقبلها و أنا صائم ؟ ! قالت : نعم .
أخرجه مالك ( 1 / 274 ) و عنه الطحاوي ( 1 / 327 ) بسند صحيح .

قال ابن حزم ( 6 / 211 ) : " عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها وكانت أيام عائشة هي و زوجها فتيين في عنفوان الحداثة " . و هذا ومثله محمول على أنها كانت تأمن عليهما ، ولهذا قال الحافظ في" الفتح " ( 4 / 123 ) بعد أن ذكر هذا الحديث من طريق النسائي : " .. فقال : وأنا صائم ، فقبلني " :

" وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ ، لأن عائشة كانت شابة ، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق " .انتهى من ("السلسلة الصحيحة" 1 / 381 )

وقال أيضا تحت حديث :

" كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه " .

وفي الحديث فائدة أخرى على الحديث الذي قبله ، وهي جواز المباشرة من الصائم وهي شيء زائد على القبلة ، وقد اختلفوا في المراد منها هنا ، فقال القري" قيل : هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج و قيل هي القبلة و اللمس باليد " .

قلت : ولا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا لأن الواو تفيد المغايرة ، فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد والأول هو الأرجح لأمرين :

الأول : حديث عائشة الآخر قالت : " كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت : وأيكم يملك إربه " . رواه البخاري ( 1 / 320 ) و مسلم ( 1 / 166 ، 167 ) و غيرهما .

فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد ، والدلالة واحدة والرواية واحدة أيضا ، و كما أنه ليس هنا ما يدل على تخصيص المباشرة بمعنى دون المعنى الأول ، فكذلك الأمر في حديث الصيام ، بل إن هناك ما يؤيد المعنى المذكور.

 وهو الأمر الآخر : وهو أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى و هو قولها في رواية عنها : " كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج " . انتهى من ("السلسلة الصحيحة" 1 / 384 )

وقال أيضا تحت حديث :

" كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوبا. يعني الفرج " .

قلت : وفي هذا الحديث فائدة هامة وهو تفسير المباشرة بأنه مس المرأة فيما دون الفرج ، فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري ، وإن كان حكاه بصيغة التمريض ( قيل ) : فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد ، وليس في أدلة الشريعة ما ينافيه ، بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة. 

1- فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها فروى الطحاوي ( 1 / 347 ) بسند صحيح عن حكيم بن عقال أنه قال : سألت عائشة : ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم؟ قالت : فرجها . وحكيم هذا وثقه ابن حبان و قال العجيلي : " بصري تابعي ثقة " . 

2- قد علقه البخاري ( 4 / 120 بصيغة الجزم : " باب المباشرة للصائم وقالت عائشة رضي الله عنها : يحرم عليه فرجها " . وقال الحافظ : " وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال .... و إسناده إلى حكيم صحيح. 

3- ويؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق : سألت عائشة : ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت : كل شيء إلا الجماع " .

قلت : و ذكره ابن حزم ( 6 / 211 ) محتجا به على من كره المباشرة للصائم ، ثم تيسر لي الرجوع إلى نسخة " الثقات " في المكتبة الظاهرية ، فرأيته يقول فيه ( 1 / 25 ) : " يروي عن ابن عمر ، روى عنه قتادة ، و قد سمع حكيم من عثمان بن عفان " . ووجدت بعض المحدثين قد كتب على هامشه : " العجلي : هو بصري تابعي ثقة " .

4- ثم ذكر ابن حزم عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس : إني تزوجت ابنة عم لي جميلة ، فبني بي في رمضان ، فهل لي - بأبي أنت وأمي - إلى قبلتها من سبيل ؟ فقال له ابن عباس : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : قبل ، قال : فبأبي أنت وأمي هل إلى مباشرتها من سبيل ؟ ! قال : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : فباشرها ، قال : فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل ؟ قال : و هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : اضرب . قال ابن حزم : " و هذه أصح طريق عن ابن عباس " .

5- قال : " و من طريق صحاح عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل أتقبل وأنت صائم قال : نعم  وأقبض على متاعها .

6- وعن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم . و هذه أصح طريق عن ابن مسعود " .

قلت : أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة ( 2 / 167 / 2 ) بسند صحيح على شرطهما ، و أثر سعد هو عنده بلفظ " قال : نعم و آخذ بجهازها " و سنده صحيح على شرط مسلم ، وأثر ابن عباس عنده أيضا و لكنه مختصر بلفظ : " فرخص له في القبلة والمباشرة ووضع اليد ما لم يعده إلى غيره " . و سنده صحيح على شرط البخاري .

7- وروى ابن أبي شيبة ( 2 / 170 / 1 ) عن عمرو بن هرم قال : سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر ؟ قال : لا ، و يتم صومه " .

و ترجم ابن خزيمة للحديث بقوله : " باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم ، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح ، والآخر محظور ".انتهى من ("السلسلة الصحيحة" 1 / 385 )

وقال ابن حزم رحمه الله :

ولا ينقض الصوم : حجامة، ولا احتلام، ولا استمناء، ولا مباشرة الرجل امرأته فيما دون الفرج، تعمد الإمناء أم لم يمن، ولا قبلة، ولا تقطير في أذن، ولا من تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر كان قد طلع .اه [  المحلى لابن حزم ٢٣١/٦ ] 

وقال أيضا :

 وأما الاستمناء : فإنه لم يأت نص بأنَّه ينقض الصوم، والعجب كله ممن لا ينقض الصوم بفعل قوم لوط، وإتيان البهائم وقتل الأنفس، والسعي في الأرض بالفساد، وترك الصلاة، وتقبيل نساء المسلمين عمدًا إذا لم يمن ولا أمذى -: ثم ينقضه بمس الذكر إذا كان معه إمناء -يعني : أبو حنيفة - وهم لا يختلفون : أن مس الذكر لا يبطل الصوم، وأن خروج المني دون عمل لا ينقض الصوم، ثم ينقض الصوم باجتماعهما، وهذا خطأ ظاهر لا خفاء به .انتهى من [ المحلى لابن حزم ٢٣٤/٦ ] 

قال الشيخ فركوس حفظه الله :

فبِغضِّ النظر عن حُكْمِ الاستمناء فلا أعلمُ خلافًا في انتفاء الكفَّارة على من باشر الاستمناءَ باليد أو بأسبابِ الإنزال الأخرى كتقبيل الرجُلِ زوجتَهُ أو ضَمِّها إليه ونحوِ ذلك؛ لأنّ الأصلَ عدمُ الكفارةِ، وإنما الخلافُ في قضائه .

 وأصحُّ القولين في ذلك أنّ مباشرة الاستمناءِ باليد أو غيرِه لا توجب قضاءً ولا كفارةً، وهو مذهبُ ابنِ حزم، وبه قال الصنعاني والشوكاني وغيرُهم؛ لأنّ الأصلَ استصحاب صحّة الصوم إلى أن يَرِدَ دليلٌ على الإبطال، وإلحاقه قياسيًّا بالمُجَامِعِ ظاهرٌ في الفَرْقِ لكون الجِمَاع أغلظ من الاستمناء، ويعارضه بعضُ الآثارِ السلفيةِ الدالَّةِ على أنّ المباشرةَ بغير جِماع لا تُفطر ولو أنزل، منها قولُ عائشةَ رضي الله عنها لِمَن سألها : ما يحلّ للرجل من امرأته صائمًا؟ قالت : «كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الجِمَاع».( أخرجه عبد الرزاق في «المصنف»: (1258)، وانظر «السلسلة الصحيحة» للألباني: (1/434)، و«ما صح من آثار الصحابة في الفقه» لقادر الباكستاني: (2/654))، وعنها رضي الله عنها قالت : «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإرْبِهِ».( أخرجه البخاري في «الصوم»، باب المباشرة للصائم :(1836))، وقد ثبت عن ابن مسعود أنه كان يباشر امرأتَه نصف النهار وهو صائم.( الأثر صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/436))، وسُئِلَ جابرُ بن زيد عن رجل نظرَ إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر؟ قال : لا، يتمُّ صومه».(أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: (9447)، قال الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (1/437): «إسناده جيّد»)، وما إلى ذلك من الآثار الصحيحة.

ومع أنَّ حكم المستمني عدمُ قضاء صيامه إلَّا أنه يمكن حملُ مذهب الجمهور في إلزامه بالقضاء على الاحتياط عملًا بقاعدة : «الخُرُوجُ مِنَ الخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ» .اه

 فما أحد من العلماء على الإطلاق يقول أنَّ إنزال المَنِي بالإستمناء أو إنزال المني بمُداعبة الزوجة من غير جماع حُكمه حُكم الجماع لأنَّ العُلماء يقولون : حُكُم الجماع صيام شهرين مُتتابعين وجماهيرهم يقولون المُداعبة ونزول المني بالإرادة حكمه حكم يوم فقياسه على الجماع قياس مع الفارق .

ولذا قال بعض العلماء :

 المُداعبة لا تُفطر.

قالوا : لا هي تُفطر .

قال : أنتم تقولون تفطر لماذا ما الدليل ؟

قالوا : قياس على الجماع .

قال : لكن أنتم لا تقولوا المُداعبة مثل الجماع، أنتم تقيسوا وتُفرقوا ، يعني أنت تقيس على الجماع بالفطر ، تقول هذا يُفطر مثل الجماع ، ولما نسألكم عن الكفارة تقولون الكفارة تختلف ،: فكيف قياس مع التفريق؟ يعني كيف أنت تقيس على الجماع ثُم لا تُعطيه حُكُم الجماع.

 قالوا : يُفطر لأنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عن ربه في الحديث القدسي : يدعُ شهوته من أجلي.

 قُلنا : هل تقولون به على العُمُوم ؟ فلا يقولون به على العُمُوم ، لو رَجُل ضَمََّ زوجته وما ودع شهوته أو قَبَّلَ زوجته ولم يُمْنِي هل تفطروه ؟ فهذا ما وَدعَ شهوته من أجلي ، فكيف تستدلون بيدع شهوته من أجلي ، وأنتم تَرَوَن صوراً تقولون بها ، وما وَدعَ شهوته من أجلي؟ 

  فتفسير الشهوة بالجماع في حديث : ((يترك طعامه وشرابه وشهوته لأجلي)). هو التفسير الصواب الذي ينبغي أن يصار إليه لأن كثيرا ممن استدل بهذا الحديث يجيز للصائم القُبْلة والمباشرة والنظر وهم كلهم من الشهوة؛ فهل تفطرونهم لأنهم لم يتركوا الشهوة من أجلى؟!!

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

 ((والمراد بـ"الشهوة" في الحديث :

شهوة الجماع؛ لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص. ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام، ومثله حديث أبي صالح في التوحيد وكذا جمهور الرواة عن أبي هريرة، وفي رواية بن خزيمة من طريق سهيل عن أبي صالح عن أبيه : "يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي" وفي رواية أبي قرة من هذا الوجه : "يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي" وأصرح من ذلك ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح : " يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي ")) . انتهى من [الفتح 4/107]

والرواية الأخيرة تقطع الشك في تفسير معنى (الشهوة)، وأنها الجماع، وتبيِّن الإجمال الوارد في غيرها؛ وكلام النبي صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق الحديث - هو خير ما يُفسَّر به ما روي عنه - في غير تلك الطرق - بإجمال؛ بل هو المتعين.

إذن قد عرفنا أنَّ الشهوة في حديث : ((يدع طعامه وشرابه وشهوتهمن أجلي)) قد فُسِّرت برواية : ((يترك شهوته : من الطعام والشراب والجماع من أجلي)) وقد تقدَّم ذلك؛ فعلام نتعب أنفسنا في مثل تلك التأويلات المحتملة؟!!.

وسئل الشيخ الألبانى رحمه الله :

عمن يحتج بحديث : «يَدَع طعامه وشهوته من أجلي» دليلاً على بطلان الصوم؟

فأجاب :

 هذا خطأ شائع، صح أن الرسول عليه السلام قال في حديث معروف «إن الله عز وجل هو الذي يتولى جزاء الصائم بنفسه» لماذا؟ قال : يَدَع شهوتَه وطعامه من أجلي، شهوته هنا لا يجوز تفسيرها بالمعنى الشامل المطلق الذي يشمل ولو كانت شهوة مباحة -مثلاً- أنا طيبني آنفاً بعضهم وطُيبت في النهار وأنا صائم، هذه رائحة طيبة هي شهوة لكنها شهوة مباحة ليست مُحَرّمة، إذا مررت ببعض الطرق في مثل [الشونة] مثلاً مزروعة بالحمضيات التي نورها ريحها يعبئ الطريق وإلى آخره فشممتها، هذه شهوة، قَبَّلتَ زوجتك كما قلنا آنفاً، ولا نريد أن نُعَمِّق أكثر من ذلك، كل هذه شهوة، هذه لا تدخل في عموم الحديث وإنما هو يعني يَدَع شهوته المُحَرَّمة، المحرمة هنا فسروها ليس بالمفطرة تفطيراً مادياً، فسروها بالتفطير العام الذي يشمل كل المُحَرَّمات.

إذاً : يَدَع شهوته المحرمة، أما توسيع هذه الدائرة بحيث يشمل الشهوات المباحة، فهذا لا يقول به عالم . انتهى من (الهدى والنور / ٦٩٤/ ٠٥: ٠٣: ٠٠)

قال د . نزار الحمداني في " فقه الإمام البخاري " ( 2 / 69 / مطبوعات جامعة أم القرى ) : بوّب البخاري بابين : ( باب المباشرة للصائم ) و ( باب القبلة للصائم ) والظاهر فيهما إباحة الاستمتاع للصائم من طريق المباشرة والتقبيل إذا كان متملّكاً لنفسه بحيث لا يفضي استمتاعه إلى الجماع ، فلا يؤثّر هذا الاستمتاع على صومه وإن أمنى . ساق البخاري في البابين مستدلاًّ لمذهبه هذا - بما يلي :

1 - قول عائشة : ( يحرم عليه فرجها ) .

2 - حديث عائشة قالت : ( كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقبل ويباشر وكان أملككم لإربه ) .

3 - قول جابر بن زيد : ( إن نظر فأمنى يتم صومه ) .

4 - حديث عائشة قالت : ( إن كان النبي صلى الله عليه وسلّم ليقبّل بعض أزواجه وهو صائم ثم ضحكت ) .

5 - حديث أم سلمة وفيه : ( وكان يقبلها وهو صائم ) .

وبالجملة فقد دلّت الأحاديث والآثار التي ساقها البخاري في البابين على ما ذهب إليه - كما ترى - فالصائم يحرم عليه المباشرة في الفرج كما قالت عائشة رضي الله عنها، وهو المقصود بقولها : ( وكان أملككم لإربه )،

إذ لا معنى للإرب هنا سوى الجماع حيث أبيحت المباشرة والتقبيل ...ولا فرق بين أن يمني أو لا، إذ أن المباشرة مظنة الإنزال، وجاء الشرع بإباحتها دون تفريق .

ولذا أورد البخاري أثر جابر بن زيد للدلالة على أن الإمناء بسبب الشهوة لا ينقض الصوم، ولا فرق في الحكم بين النظر والمباشرة في كونهما سبباً في الإمناء إذ كلاهما مثار للشهوة المؤدّية إلى الإنزال . والله أعلم .اهـ.

وإليك العلماء القائلون بعدم فساد صوم من أمنى:

1 - البخاري ( ت 256 هـ ) .

2 - ابن خزيمة ( ت 311 هـ ) .

3 - ابن حزم ( ت 456 هـ ) .

4 - أبو بكر الإسكاف ( فقيه حنفي، هو محمد بن أحمد البلخي، كان إماماً كبيراً من أئمة الأحناف، وتوفي سنة 336 هـ ، انظر ترجمته في " الجواهر المضية في طبقات الحنفية " ) .

5 - أبو القاسم ( فقيه حنفي، ورد في " الجواهر المضية في طبقات الحنفية " عددٌ من الفقهاء كنيتهم أبي القاسم؛ أحدهم الداودي، ولم يترجّح لي أيّهم هو ) .

6 - ابن مفلح الحنبلي ( ت 763 هـ ) .

7 - الأمير الصنعاني ( ت 1182 هـ ) .

8 - الشوكاني ( ت 1250 هـ ) .

9 - صدّيق حسن خان القنوجي ( ت 1307 هـ ) .

10 - الألباني ( ت 1420 هـ ) .

11- محمد علي فركوس-حفظه الله

وأما حكم الاستمناء

 لا يجوز لا في رمضان ولا في غيره فالإستمناء محرم ومنكر عند جمهور أهل العلم لا يجوز فعله .

 فالعادة السرية الأصل فيها التحريم ولذلك فينبغي على الشباب أن ينتهوا عن هذه العادة سواء كانوا صائمين أو مفطرين لكن إن تورط أحدهم وعصى الله عز وجل، فشأنه كشأن الذي يتحلى بالذهب أو يلبس الحرير المُحَرّم في رمضان أو ينظر نظرة محرمة أو تتبرج المرأة وتظهر إلى الشارع وهي في زعمها صائمة ولكنها متبرجة فهل نقول : بأن صومها بَطُلَ بسبب هذه المعصية أو بسبب تلك المعاصي؟ .


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات