">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع ما

هل العادة السرية في نهار رمضان تُفسد الصيام؟


صيام شهر رمضان عبادة عظيمة تتطلب الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
 
 لكن هناك تساؤلات عديدة تدور حول بعض الممارسات التي قد يقوم بها الصائم، ومنها العادة السرية (الإستمناء)، فهل تُفسد الصيام؟.

▣▣ هل العادة السرية في نهار رمضان تُفسد الصيام؟

بداية نقول أن العادة السرية (الإستمناء) حرام ولا يجوز فعله، سواء في رمضان أو غيره، 

ولكن من قام بالعادة السرية في نهار رمضان، سواء كان ذلك باليد أو بضم الزوجة، فإنه لا يُفسد صومه بذلك، ولا يُطالب بالقضاء أو الكفارة،

وعليه التوبة والإستغفار لوقوعه فى هذه المعصية، والإستمرار في صيامه.
 
 إذ لا يوجد دليل صحيح صريح يثبت بطلان الصوم والمطالبة بالقضاء أو الكفارة بسبب العادة السرية (الإستمناء)،

وذلك لأن الأصل في الشريعة الإسلامية هو براءة الذمة حتى يثبت الدليل على خلاف ذلك.

 والأصل في نواقض الصيام هو المنع حتى يثبت الدليل، ولم يقم للمخالفين دليل صريح من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وهذا هو مذهب جمع من السلف الصالح.

▣ فالعادة السرية محرمة في الأصل، لكن إن وقع فيها أحد أثناء الصيام، فإن حاله كحال من يرتكب معصية أخرى في رمضان، 

كمن يلبس الذهب أو الحرير المحرم، أو ينظر نظرة محرمة، أو كأن تخرج المرأة متبرجة وهي تزعم أنها صائمة، فهل نقول إن صوم هؤلاء قد بطل بسبب معاصيهم؟!.

▣▣ الفرق بين الجماع والعادة السرية (الإستمناء) في الصيام:

اتفق العلماء على أن الجماع في نهار رمضان يُفسد الصيام ويوجب الكفارة الكبرى.
 
▣ لكن قياس العادة السرية (الإستمناء) على الجماع قياس مع الفارق، حيث إن الجماع أغلظ وأشد تأثيرًا من العادة السرية (الإستمناء)، 

فاللذة في الجماع أقوى واظهر منها في الاستمناء، وشرط الإلحاق أن يكون وجود الوصف في الفرع مساويا للأصل أو أقوى،

فإن كان أضعف امتنع الإلحاق، كما هو مقرر في شروط القياس، فلا تقاس عليه لفساد العلة.

▣ كما أن الجماع دون إنزال مفطّر بالإجماع، فلو كانت العلة هي الإنزال للزم أن لا يُفطّر الجماع إلا بشرط الإنزال، فلمّا لم يعتبر الإنزال في الجماع، انتقضت هذه العلّة.

▣ ومن تناقض القائلين بهذا القياس حكموا بأن الاستمناء يُفطر، ولكنهم لم يُلزموا فاعله بكفارة الجماع، مبرّرين ذلك بأن الجماع أغلظ، والأصل عدم الكفارة!.

▣ فأنتم تجرون القياس وتفرقون في الحكم؛ فتقيسون الاستمناء على الجماع وتقولون إنه يُفطر مثله، لكن عندما نسألكم عن الكفارة تقولون إنها تختلف،

فكيف يستقيم هذا القياس مع وجود هذا التفريق؟! كيف تقيسونه على الجماع ثم لا تعطونه حكمه كاملاً؟!.

▣ وبناءً على هذا نقول أيضًا : الأصل عدم الإفطار ، لأن الجماع أشد من الاستمناء، فلا يصح قياسه عليه، والأحكام عُلقت بالجماع فقط ولو لم يكن إنزال، فافترقا.

▣▣ تفسير (الشهوة) في حديث : "يَدَع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".

تفسير الشهوة بالجماع في هذا الحديث: هو التفسير الصواب الذي ينبغي أن يُصار إليه،

لأن كثيرًا ممن استدل بهذا الحديث يجيز للصائم القُبْلة والمباشرة والنظر، وكلها من الشهوة؛ فهل يُفطرونهم لأنهم لم يتركوا الشهوة من أجل الله؟!.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

والمراد بـ'الشهوة' في الحديث : شهوة الجماع؛ لعطفها على الطعام والشراب، ويحتمل أن يكون من العام بعد الخاص. 

ووقع في رواية الموطأ بتقديم الشهوة عليها فيكون من الخاص بعد العام، 

وأصرح من ذلك : ما وقع عند الحافظ سمويه في فوائده من طريق المسيب بن رافع عن أبي صالح: 'يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي'. ينظر: [فتح الباري 4/107].

▣ فهذه الرواية الأخيرة هى رواية صريحة صحيحة فى المعنى المقصود- وقد أخرجها قوام السنة فى الترغيب والترهيب برقم (1751) من طريق ابن مردويه بإسناد صحيح: 

(يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي) تقطع الشك في تفسير معنى (الشهوة) وتبيّن الإجمال الوارد في غيرها.

▣ وكلام النبي ﷺ في بعض طرق الحديث هو خير ما يُفسَّر به ما روي عنه بإجمال؛ بل هو المتعين، فعلام نتعب أنفسنا في مثل تلك التأويلات المحتملة؟!!.

▣▣  الآثارِ السلفيةِ الدالَّةِ على أنّ المباشرةَ بغير جِماع لا تُفطر ولو أنزل:

1- حديث عائشة رضى الله عنها :" كان النبي  يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه "(صحيح البخاري).

▣ فإمساك النبي ﷺ لإربه (الجماع) دون توضيح عائشة رضى الله عنها أن ذلك يشمل الإنزال – يُعد تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة.

▣ والمُباشَرةُ هي : الاستِمتاعُ بالزَّوجةِ مِن نحْوِ الضمِّ والمداعبة واللمس وإدخال الفرج ما بين الفخذين وكل ما دون الجماع، فهل كل ذلك لا يحدث معه نزول المنى للرجل منا؟!.

2- روى عبد الرزاق في "مصنفه" ( 4 / 190 / 8439 ) بإسناد صحيح عن مسروق :سألت عائشة : ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت : كل شيء إلا الجماع.

▣ فى هذا إشارة على : أن كل أنواع المداعبة، بما في ذلك التقبيل والاحتضان والمباشرة بدون جماع، لا تفطر حتى لو أدت إلى نزول المني الذي هو أثر لمطلق هذا الإستمتاع.

3- عن عمرو بن شرحبيل : «أن ابن مسعود كان يباشر امرأته بنصف النهار وهو صائم». (إسناد صحيح: أخرجه عبد الرزاق (8442)، وابن أبي شيبة (3/ 63)).

4- روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (9447)- أن جابر بن زيد : سُئل عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها، هل يفطر؟ فقال : لا، يتم صومه. (إسناد جيد- "السلسلة الصحيحة" (1/437)).

▣ وهذا الأثر : يدل على أن الإنزال بسبب الشهوة لا ينقض الصوم، سواء كان بسبب النظر أو المباشرة، إذ كلاهما مثير للشهوة المؤدية إلى الإنزالانظر: ( فقه الإمام البخاري 3/71).

5- عن سعد بن أبي وقاص : أتقبل وأنت صائم؟ قال : نعم وأقبض على متاعها. ( شرح البخاري لابن الملقن - رقم : 13/194 / خلاصة حكم المحدث : صحيح).

▣ إذ كيف تتصور فى هذا الأثر الصحيح إباحة التقبيل، والمباشرة والتى منها :

(المداعبة والقبض على فرج المرأة، وإدخال الفرج ما بين الفخذين وكل ما دون الجماع)، ولا يكون مع ذلك إخراج منى؟!.

▣▣ آراء العلماء حول حكم العادة السرية في الصيام:

- قال الإمام ابن حزم رحمه الله :

 وأما الاستمناء: فإنه لم يأت نص بأنَّه ينقض الصوم،.. ولم يأت بذلك نص ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس.. ينظر: [ المحلى لابن حزم ٢٣٤/٦ ] .

- وقال العلامة الصنعاني رحمه الله :

الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد. انظر: ("المحلى" ( 6 / 175 - 177 و 205 )).

قال الإمام الألباني رحمه الله :

... وقال الرافعي ( 6 / 396 ) : "المني إن خرج بالاستمناء أفطر، لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل، فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا".

قلت (الألبانى) : لو كان هذا صحيحا، لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الايلاج بدون إنزال، وهم لا يقولون أيضا بذلك. فتأمل تناقض القياسيين!.

أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل، وقد ذكرت بعضها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت الأحاديث (219 - 221) ، 

... كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شئ، ومباشرة الصائم شئ آخر، 

ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم، خشية أن يقع في المحظور، الجماع،..

وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي ( ص ) وهو صائم : "وأيكم يملك إربه ؟"... ينظر: ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)).

وقال أيضا رحمه الله :

... حديث عائشة الآخر قالت : " كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، فأراد رسول الله ﷺ أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت : وأيكم يملك إربه ". رواه البخاري ( 1 / 320 ).

فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد ، والدلالة واحدة والرواية واحدة أيضا ، 

وكما أنه ليس هنا ما يدل على تخصيص المباشرة بمعنى دون المعنى الأول ، فكذلك الأمر في حديث الصيام ، بل إن هناك ما يؤيد المعنى المذكور.

 وهو الأمر الآخر : وهو أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى وهو قولها في رواية عنها :

" كان يباشر وهو صائم ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج ". ينظر: ("السلسلة الصحيحة" 1 / 384 ).

وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله:

ليس هناك دليل على أن عليه القضاء،..

ففيه التوبة ويعتبر عاصياً ، والنبي - ﷺ - يقول في شأن الصائم فيما يرويه عن ربه : " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي " وهذا لم يترك شهوته من أجل الله .

لو مسك بيد امرأته ، أو قبلها وأمنى وهو لا يقصد الإمناء لا شيء عليه ، أما إذا قصد الإمناء وقضاء الشهوة ، أو استمنى فيكون آثماً. ينظر: شريط : ( أسئلة الشيخ الوصابي والزائرين ) و( أسئلة شباب الشعر وبعدان ).

▣▣ وإليك العلماء القائلون بعدم فساد صوم من أمنى:

1 - البخاري ( ت 256 هـ ) .
2 - ابن خزيمة ( ت 311 هـ ) .
3 - ابن حزم ( ت 456 هـ ) .
4 - أبو بكر الإسكاف ( فقيه حنفي، ت 336 هـ).
5 - ابن مفلح الحنبلي ( ت 763 هـ ) .
6 - الأمير الصنعاني ( ت 1182 هـ ) .
7 - الشوكاني ( ت 1250 هـ ) .
8 - الألباني ( ت 1420 هـ ) .
9- الوادعي ( ت 1422 هـ ).

▣▣ الخلاصة :

العادة السرية لا تُفسد الصيام : إذا وقعت في نهار رمضان، فلا يلزم القضاء أو الكفارة.

العادة السرية حرام : يجب على المسلم تجنبها، سواء في رمضان أو غيره.

ولمزيد الرد باستفاضة انظر:

"("السلسلة الصحيحة" 1 / 385-384 ) و ((تمام المنة في التعليق على فقه السنة)).
 https://tasfiawatarbia.blogspot.com/2013/01/blog-post_8055.html
https://www.kulalsalafiyeen.com/vb/showthread.php?t=10048


والله اعلم

▣ شاركنا رأيك في التعليقات! هل كنت تعرف هذا الحكم من قبل؟ ننتظر تفاعلك!

اقرأ أيضا:


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات