الصيام في شهر رمضان فريضة على كل مسلم بالغ عاقل قادر، ولكن ماذا عن الشخص الذي يفطر في نهار رمضان متعمدًا دون عذر شرعي؟
وما هي العقوبة التي تترتب على ذلك؟ وما الواجب عليه بعد ارتكاب هذه المعصية؟
▣ في هذا المنشور، سنتناول هذه الأسئلة بالتفصيل، مع الاستناد إلى الأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال العلماء.
▣▣ حكم الإفطار المتعمد في رمضان بغير عذر؟
الإفطار في نهار رمضان متعمداً دون عذر شرعي كالسفر أو المرض يُعد من الكبائر التي تُغضب الله تعالى.
▣ فالصيام فريضة محددة بوقت معين، والتعدي على هذه الفريضة يُعتبر عصيانًا لله ولرسوله،
وقد وردت العديد من الأحاديث التي تُحذر من الإفطار المتعمد في رمضان، ومنها:
- حديث أبي أمامة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بِضَبْعَيَّ... ثم انطلقا بي
فإذا قوم معلقون بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما، قلت : من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومهم ". (صححه الألباني في "الصحيحة" رقم 3951).
▣ فى الحديث : عقوبة من صام ثم أفطر عمداً بغير عذر قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟!.
▣▣ هل يجب قضاء اليوم الذي أفطره المسلم عمدًا؟
إذا أفطر المسلم عمدًا دون عذر شرعي، فلا يشرع له قضاء ذلك اليوم، ولا يُقبل منه إن فعله، إذ لا يوجد دليل شرعي يوجب القضاء في هذه الحالة.
▣ فكل عبادة محددة بوقت معين، إذا خرجت عن وقتها دون عذر، لم تُقبل من صاحبها، وهذا الحكم يستند إلى قوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". رواه مسلم.
▣ فى هذا الحديث : نص صريح عام فى أى عمل ، ومن ذلك أن من أفسد الصوم متعمداً من غير عذر وصام يوما مكانه ، فلا يقبل منه،
لأنه أحدث في دين الله ما لم يأذن به الله ، وذلك لأن القضاء إنما شُرع للمعذور، لقوله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }. [البقرة:184].
▣▣ ماذا يجب على من أفطر متعمدًا فى رمضان؟
الواجب عليه هو:
1- التوبة النصوح : أول ما يجب على من أفطر متعمدًا في رمضان هو التوبة إلى الله تعالى توبة صادقة.
** فالتوبة هي : الرجوع إلى الله والندم على ما فات، والعزم على عدم العودة إلى الذنب، قال الله تعالى : "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ". (النور: 31).
2- الإكثار من صيام التطوع : لا يوجد دليل شرعي على وجوب قضاء اليوم الذي أفطر فيه الشخص متعمدًا،
ولكن يُستحب له أن يُكثر من صيام التطوع الذي يكمل به ما نقص من الفرض ككفارة عن ذنبه، كما جاء به الحديث في الصلاة وسائر العمل،
- فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يُحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر،
فإن انتقص من فريضته شيء، قال الرب: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك ". (صحيح الترغيب).
3- الإكثار من الأعمال الصالحة : مثل : الصلاة، الصدقة، والاستغفار.
▣▣ ماذا قال العلماء فيمن أفطر رمضان متعمداً؟
- قال الإمام ابن حزم رحمه الله :
برهان ذلك : .. لم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء :
نص بإيجاب القضاء ، وإنما افترض تعالى رمضان - لا غيره - على الصحيح المقيم العاقل البالغ ،
فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به ، فهو باطل ،
ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل : إن صوم غيره ينوب عنه ، بغير نص وارد في ذلك -
وبين من قال : إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة ، والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة ، وهكذا في كل شيء .
قال الله تعالى : { تلك حدود الله فلا تعتدوها }. وقال تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } .
ثم شرع ابن حزم يرد على المخالفين قياسهم كل مفطر بعمد على المفطر بالقئ وعلى المجامع في رمضان. فراجعه. ينظر: (المحلى- كتاب الصيام (مسألة 735 )).
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وإذا تعمَّد تفويتَ الصلاة والصيام، مع علمه بالوجوب، فهذا فعلُه من الكبائر،
لا يَسْقُط عنه العقابُ ولو قضاه إلا بالتوبة، لكن هل يَخِفُّ عنه؟
فيه قولان، والأظهر أن القضاء لا ينفعه، وإنما تنفعه التوبة، وإذا تاب تاب الله. ينظر:.("جامع المسائل" (7/ 227)).
- قال العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ :
تَرْكُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَالْإِفْطَارُ فِيهِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ. ينظر: "الزواجر" (1/ 323) .
- وسئل الشيخ الألباني رحمه الله :
عمن أفطر متعمدا هل ينفعه صيام التطوع حيث لا دليل على قضاء الفطر المتعمد؟
فأجاب :
لا شك أنه ينفعه كالذي كان قد ضيع كثيرا من الفرائض فينفعه أن يعوض مما فاته بصلاة النوافل ،
كذلك الذي أفطر يوما من رمضان أو أفطر عامدا متعمدا فلا سبيل إلى القضاء وهو إثم أشد الإثم ،
حتى يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا وليعوض ما فاته من الحسنات بسبب إفطاره ، فيكثر من النوافل حتى يعوض شيئا مما فاته. ينظر: (سلسلة الهدى والنور-(019)).
▣▣ خاتمة :
* يجب على المسلم أن يعظم شعائر الله وأن يحرص على أداء فريضة الصيام كاملة، فمن أفطر عمدًا دون عذر،
فعليه أن يتوب ويكثر من الطاعات، وخاصة صيام التطوع، ليعوض ما فاته من الأجر.
* فشهر رمضان فرصة عظيمة للمغفرة والرحمة، فمن ضيّعه فقد خسر خسرانًا مبينًا.
والله اعلم
▣ شاركنا رأيك! هل لديك سؤال أو تجربة تريد مشاركتها حول هذا الموضوع؟ اترك تعليقك أدناه أو شارك المنشور لتعم الفائدة.
اقرأ أيضا :
تعليقات
إرسال تعليق