">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

إفطار رمضان بغير عذر: بين التوبة والكفارة


الفطر في نهار رمضان بغير عذر من أكبر الكبائر ويكون به الإنسان فاسقاً،

ويجب عليه أن يتوب إلى الله ويكثر من صيام التطوع ولا كفارة عليه ولا يشرع له قضاء ذلك اليوم ولا يقبل منه إذا فعله ،

لأنه لا دليل عليه فكل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها . 

ودليل ذلك :

1-  عن أبي أُمَامَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ ...إلى أن قال:

ثُمَّ انْطَلَقَا بِي فَإِذَا قَوْمٌ مُعَلَّقُونَ بِعَرَاقِيبِهِمْ مُشَقَّقَةٌ أَشْدَاقُهُمْ تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا قُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ(صححه الألباني في "الصحيحة" (3951)) .

 فهذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة . 

2- قد صح عند عبد الرزاق(7475) وابن أبي شيبة (9784) أن عبد الله بن مسعود قال : من أفطر يوما من رمضان من غير علة لم يجزه صيام الدهر حتى يلقى الله ، فإن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه .

3- قال النبى صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". رواه مسلم.

ففى هذا الحديث نص صريح عام فى أى عمل على أن من أفسد الصوم متعمدا من غير عذر وصام يوما مكانه ،

فقد أحدث في دين الله ما لم يأذن به الله وذلك لأن القضاء إنما شُرع للمعذور ، قال الله تعالى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }. [البقرة:184].

قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :

الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ وَالْحَادِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ بَعْدَ الْمِائَةِ : تَرْكُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ، وَالْإِفْطَارُ فِيهِ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، بِغَيْرِ عُذْرٍ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ. انتهى من "الزواجر" (1/ 323) .

قال ابن تيمية في "جامع المسائل" (7/ 227) :

" وإذا تعمَّد تفويتَ الصلاة والصيام، مع علمه بالوجوب، فهذا فعلُه من الكبائر،

لا يَسْقُط عنه العقابُ ولو قضاه إلا بالتوبة، لكن هل يَخِفُّ عنه؟

 فيه قولان، والأظهر أن القضاء لا ينفعه، وإنما تنفعه التوبة، وإذا تاب تاب الله ". انتهى.

سئل العلامة الألباني رحمه الله :

من أفطر عامدا متعمدا في نهار رمضان بأكل أو شرب هل يشرع له قضاؤه أم لا؟

فأجاب :

الظاهر الثاني : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال في "الاختيارات" : " لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ولا تصح منه ،

وما روي أن النبي صلـى الله عليه وسلم أمر المجامع في رمضان بالقضاء ضعيف لعدول البخاري ومسلم عنه ".

وهو مذهب ابن حزم ورواه عن أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب  وابن مسعود ، وأبي هريرة فراجع "المحلى".

لكن تعليل ابن تيمية بضُعف حديث أمر المجامع في رمضان بالقضاء بعدول البخاري ومسلم عنه ليس بشئ عندي ،

فكم من حديث عدل الشيخان عنه وهو صحيح ، والحق أنه ثابت صحيح بمجموع طرقه كما قال الحافظ ابن حجر وأحدها صحيح مرسل كما كنت بينته في تعليقي على رسالة ابن تيمية في "الصيام" ، ثم في "إرواء الغليل". 

 فقضاء المجامع من تمام كفارته فلا يلحق به غيره من المفطرين عمدا ويبقى كلام الشيخ في غيره سليما.

قال ابن حزم : " برهان ذلك أن وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلـى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل ،

ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء نص بإيجاب القضاء لإنما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح المقيم العاقل البالغ ،

فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به فهو باطل ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى،

 فيقول قائل : إن صوم غيره ينوب عنه بغير نص وارد في ذلك وبين من قال : إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة ،

والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة وهكذا في كل شئ  قال الله تعالى : ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ) وقال تعالى : ( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) ".

ثم شرع يرد على المخالفين قياسهم كل مفطر بعمد على المفطر بالقئ وعلى المجامع في رمضان.

ثم روى مثل قوله عن الخلفاء الراشدين حاشا عثمان وعن ابن مسعود وأبي هريرة . فراجعه.

قلت : لكن المجامع في رمضان قد صح أنه أمره صلـى الله عليه وسلم بالقضاء أيضا. انتهى من (كتاب تمام المنة ص(425ـ426)).

وسئل أيضا رحمه الله :

من أفطر متعمدا هل ينفعه صيام التطوع حيث لا دليل على قضاء الفطر المتعمد؟

فأجاب :

لا شك أنه ينفعه كالذي كان قد ضيع كثيرا من الفرائض فينفعه أن يعوض مما فاته بصلاة النوافل ،

كذلك الذي أفطر يوما من رمضان أو أفطر عامدا متعمدا فلا سبيل إلى القضاء وهو إثم أشد الإثم ،

حتى يتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا وليعوض ما فاته من الحسنات بسبب إفطاره فيكثر من النوافل حتى يعوض شيئا مما فاته. انتهى من (سلسلة الهدى والنور-(019)).

إذن

الواجب على من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة وأن يكثر من العمل الصالح ،

ومن ذلك الإكثار من صوم التطوع الذي يكمل به ما نقص من الفرض كما جاء به الحديث في الصلاة وسائر العمل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء،

 قال الرب : انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك ". صحيح الترغيب. 


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات