إذا حصل أن الإنسان كان يأكل ويتسحر وفاجأه أذان الفجر وهو لم ينته من الطعام أو الشراب ،
فيجوز له أن يكمل حتى يقضى حاجته منه فهذه رخصة من الشرع ،
ولكن لا يتعمد الإنسان ذلك ولا يجوز له أن يتحرى الأكل أو الشرب أثناء أذان الفجر، فإن فعل فقد فسد صومه وعليه التوبة وقضاء ذلك اليوم .
إذن يجب على الصائم التوقف عن الأكل والشرب متى تيقن طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس فالعبرة بطلوع الفجر لا بالأذان، باستثناء الحالة التى ذكرناها فإنها رخصة،
وأما من لم يتيقن طلوع الفجر فله أن يأكل حتى يتيقن ،
وكذا لو علم أن المؤذن يؤذن قبل الوقت أو شك أنه يؤذن في الوقت أو قبله فله أن يأكل حتى يتيقن .
وإليك الأدلة :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : ( إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمْ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ ). (صحيح-تخريج سنن أبي داود للأرناؤوط -رقم : (2350)) و(صحيح أبي داود للألباني- رقم: (2350) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي ،
( النداء ) : أي أذان الصبح ( والإناء ) : أي الذي يأكل منه أو يشرب منه. ينظر: (عون المعبود- للآبادي).
- وأخرجه ابن حزم وزاد : " قال عمار ( يعني : ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة ) : وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر " قال حماد ( يعني : ابن سلمة ) عن هشام بن عروة : كان أبي يفتي بهذا. وإسناده صحيح على شرط مسلم .
قد ذكر ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" أن بعض السلف أخذ بظاهر الحديث وأجازوا الأكل والشرب بعد سماع أذان الفجر، فليراجع.
والحديث كما أشار الشيخ الألباني رحمه الله بأنه على ظاهره دون تكلف زائد ،
فهو إشارة إلى جواز شرب ما في اليد حال سماع الأذان الثاني ( الذي يؤذن عند الفجر الصادق ) والذي يحرم فيه الأكل فهو رخصة منه صلى الله عليه وسلم .
لأن حالة الدوام أقوى من الإبتداء بمعنى أنه لو رفع الإناء بعد الأذان فلا يجوز الشرب لأنه ابتداء للفعل بعد انتهاء زمن الإذن ،
بخلاف لو رفع الإناء زمن الإذن وقبل الأذان فانه يجوز له المداومة على هذا الفعل ففرق بين الاستدامة والابتداء .
مثاله: أن المحرم منهي عن التطيب ولكن في الصحيح عن عائشة أنها كانت تطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم ويبقى أثر الطيب بعد أن يغتسل للاحرام .
2- عن أبي أمامة قال : أقيمت الصلاة والإناءُ في يد عمر قال : أشرَبُها يا رسول الله؟ قال : نعم!، فشربها. (رواه الطبري بسند صحيح) و(قال الألباني في "الصحيحة" 3/ 382: إسناده حسن).
3- روى ابن المنذر بإسناد صحيح : عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له :
أخرج فانظر هل طلع الفجر، قال : فنظرت ثم أتيته فقلت : قد إبيض وسطع، ثم قال اخرج فانظر هل طلع الفجر فنظرت فقلت : قد اعترض فقال : الآن ابلغني شرابي. انظر : (فتح الباري لابن حجر)
4- روى ابن المنذر بإسناد صحيح : عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال : " الآن حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ".
قال ابن المنذر : ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض في الطرق والسكك والبيوت. انظر : (فتح الباري لابن حجر)
5- وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال : لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت. (كذا في عمدة القاري وفتح الباري).
6- عن أبي الزبير، قال : سألت جابرا عن الرجل يريد الصيام والإناء على يده ليشرب منه فيسمع النداء قال جابر : كنا نحدث أن النبي ﷺ قال : " ليشرب ". (واسناده لا باس به فى الشواهد)
قال ابن قدامة في المغني :
وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر. نص عليه أحمد، وهذا قول ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي . انتهى
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
وفيه دليل (أي حديث أبو هريرة) على أن من طلع عليه الفجر ، وإناء الطعام او الشراب على يده ،
أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه ، فهذه صورة مستثناة من الآية : {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. [سورة البقرة: آية 187.] .
فلا تعارض بينها وما في معناها من الاحاديث، وبين هذا الحديث ولا اجماع يعارضه،
بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث، وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق راجع الفتح ( 4/109 - 110) .
وإن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة ،
لانهم يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون ، ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة، فتأمل. انتهى من "تمام المِنّة" (ص 417).
وقال أيضا رحمه الله :
النص القرآني صريح في هذا ألا وهو قوله تعالى : (( فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)).
فالآية صريحة في استمرار المتسحر في طعامه وشرابه حتى يتبين الفجر أي حتى يتأكد من طلوع الفجر الصادق ،
وهذه الآية لحكمة ما جاء فيها ربنا عز وجل بقوله (( حتى يتبين )) لأن التبين من الشيء هو التأكد منه.
والواقع أنه هناك تساؤلات كثيرة بأن المؤذنين في هذه البلاد يؤذنون مع طلوع الفجر الصادق ،
فقد كنا في العمرة في رمضان هذا في مكة والمدينة فرأيناهم يتأخرون في الأذان أذان الفجر الصادق قرابة نصف ساعة.....إلى أن قال :
كما يفعلون في بدعة الأذان الأول حيث أنهم يسمونه بأذان الإمساك وهو في الحقيقة من الناحية الشرعية هو أذان الطعام والشراب وليس أذان الإمساك ،
فهم يسمونه أذان الإمساك حتى سجل بما يسمونه الإمساكية فصار لزاما على كل صائم أن يمسك عن طعامه وشرابه بمجرد أن سمع الأذان الأول،
وهو شرعا أذان الطعام والشراب بدليل حديث في البخاري ومسلم عن جماعة من صحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يغرنكم أذان بلال فإنما يؤذن بليل ليقوم النائم و يتسحر المتسحر فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) ،
فهو عليه السلام أمر بالأذان بالطعام والشراب أن يستمر فيه الإنسان ولو بعد أذان بلال ،
لأن بلال يقول يؤذن ليقوم النائم ويتسحر المتسحر فالأذان الأول هو غرض التنبيه هو الأذان وقت الطعام والشراب قال عليه السلام ( فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )،
وقد جاء في هذا الحديث أنه كان بين أذانيهما مقدار تلاوة خمسين آية أي أن الوقت في أذانين وقت قريب جدا ،
وليست أيضا هذه مسافة التي تأخذ من الزمن نحو ربع ساعة اليوم بين أذان الإمساك المزعوم و بين أذان الفجر
لذلك فممكن أن بعض الموقتين الذين يوقتون التوقيت الفلكي هذا ربما أيضا لاحظوا احتياطا ثانيا غير احتياط أذان الإمساك لاحظوا احتياطا ثانيا في توقيت الأذان الثاني ،
فتقدموا به حتى ما يدخل الفجر الصادق بزعمهم وبعضهم لا يزال يأكل و يفطر وإن كان هذا واقعا هذا يدل لأن هناك أمران كل منهما عبادة وطاعة،
فكما لا يجوز الإستمرار في الطعام و الشراب بالنسبة للمتسحر حتى دخول الفجر الصادق كذلك لا يجوز للإنسان أن يصلي قبل الفجر الصادق فكل منهما عبادة .
فخلاصة هذا الأذان الثاني يجب في الواقع التثبت من كونه يؤذن في الوقت وعندنا شكوك كثيرة جدا في الأمور التي ذكرناها،
ومع ذلك فهناك فسحة ورخصة صريحة في الحديث الصحيح فلو افترضنا أن هذا الأذان الثاني يؤذنه المؤذنون في الوقت الصحيح في الفجر الصادق تأتي هذه الرخصة الكريمة ،
حيث قال عليه الصلاة و السلام ( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ) إذا سمع أحدكم النداء يعني الثاني ،
أما الأول فكلوا و اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم أما الأذان الثاني فحتى تأخذ حاجتك ( إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يديه فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه )،
ففي هذا رخصة أن يستمر الصائم في الطعام حتى يأخذ حاجته وما يعود مثلا يتفكه أو يفصص بذر مثلا بحجة أنه حتى يقضي حاجته منه ،
هذا ليس مما له فيه حاجة هذا من باب التسلية الحديث صريح ( إذا سمع أحدكم النداء و الإناء على يديه فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ). انتهى من (متفرقات للألباني-(157)).
وقال أيضا رحمه الله :
فإذاً : يأكل الإنسان ولا بأس وإذا رأى الفجر الصادق بعينه، ما دام لم يكن قد أخذ حاجته من طعامه وشرابه ..
مداخلة : لو كان في يده صحن ...
الشيخ :
أنا أعني ما أقول؛ لذلك قلت : طعام أو شراب، نعم.
مداخلة : لأُبَيّن للإخوة صحن أو كأس ماء، يعني : كان بيده، طيب! لو لم يكن في يده كان على الأرض؟
الشيخ :
هذه ظاهرية .. سواءً كان في يده أو طاولته أو في أرضه، العلة مذكورة في الحديث : « حتى يقضي حاجته منه » والحمد لله.
مداخلة : لما يشبع يعني.
الشيخ :
هو هذا يقضي حاجته منه، نعم . انتهى
من (الهدى والنور / ٦٩٣/ ٣٩: ٣٥: ٠٠).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
والذي ينبغي أن يؤخر الإنسان تسحره بحيث ينتهي منه والفجر قريب جدا لأنه أفضل،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ثم يقوم إلى الصلاة وليس بينه وبين سحوره وصلاته إلا مقدار خمسين آية ،
وللإنسان أن يأكل ويشرب حتى يتبين الفجر ، وإذا كان المؤذن يؤذن بعد أن يشاهد الفجر والإناء في يدك تريد أن تشرب فلا بأس أن تشرب،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ) ، وهذا من تيسير الله عز وجل ،
لكن احرص على أن يكون انتهاؤك من السحور عند طلوع الفجر ، أحوط لك ،
وأما الشيء المباح فالحمد لله يباح لك حتى يتبين لك الفجر إما بمشاهدته أو بأذان ثقة عارف... انتهى باختصار من (شرح صحيح مسلم - كتاب الذبائح إلى كتاب الأطعمة-(04)).
قال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله :
إذا كان المؤذن الذي يؤذن يعتمد عليه في معرفة الوقت فإن الإنسان إذا كان قد بدأ يشرب فإنه يكمل الشرب، ولكنه لا يبدأ بعد الأذان،
وكونه عندما يسمع الأذان يبادر ويذهب ليشرب لا يجوز له ذلك؛ لأن الأذان حصل بعد دخول الوقت،
وإذا دخل وقت الفجر فإنه يمنع الأكل ويبيح الصلاة، أي: صلاة الفجر؛لأنه جاء وقتها، والأكل ذهب وقته في حق من يريد أن يصوم.
فمن أذن المؤذن وهو يشرب فإنه يكمل الشرب، وإذا كان لم يبدأ فإنه لا يجوز له،
وهذه المسألة من ضمن المسائل التي يقال فيها : يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، يعني: أن الإنسان لا يجوز له أن يبدأ الشرب، ولكنه إذا كان قد بدأ يكمل،
وليس معناه أن الذي في فمه يقذفه ولا يشرب، بل يبلع الذي في فمه ويكمل أيضاً؛
لأن الذي جاء عنه التحديد جاء عنه استثناء هذه الحالة، فيجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء.... انتهى من ((شرح سنن أبي داود [271] للشيخ : عبد المحسن العباد)).
وقال الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله :
يبدأ وقتُ السَّحورِ قُبَيْلَ الفجر، وينتهي بتَبيُّنِ الخيط الأبيض مِن الخيطِ الأسود مِن الفجر،
وإذا سَمِعَ النداءَ والإناءُ على يده، أو كان يأكل؛ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ حاجتَه منهما، ويَسْتكمِلَ شرابَه وطعامَه؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم : « إِذَا سَمِعَ أَحَدُكُمُ النِّدَاءَ وَالإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ فَلَا يَضَعْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ».(«السلسلة الصحيحة» (٣/ ٣٨١))؛.
ففي هذه الرُّخصةِ الواردةِ في الحديثِ إبطالٌ لبدعةِ الإمساكِ قبل الفجر بنحوِ عَشْرِ دقائقَ أو ربعِ ساعةٍ.
وإلزامُ التعبُّدِ بتوقيتِ الإمساكيةِ الموضوعةِ بدَعْوَى خشيةِ أَنْ يُدْرِكَ الناسَ أذانُ الفجرِ وهُمْ على سحورهم لا أصلَ له في أحكام الشريعة وآدابِها. انتهى من (الكلمة الشهرية رقم : ١٢ميزة شهر رمضان وفضائل الصيام وفوائده وآدابه).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق