فُرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة وصام الرسولﷺ تسع رمضانات ،
لأنه فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة وتوفي النبي ﷺ في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة .
فالصيام فيه نوع مشقة على النفوس فأُخذت به على التدريج شيئاً فشيئاً لتعتاده وتألفه على ثلاث مراحل .
والدليل :
1- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : أحيل الصيام ثلاثة أحوال فإن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان:
يصوم ثلاثةَ أيامٍ من كل شهرٍ ويصوم يومَ عاشوراءَ فأنزل الله تعالى ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) إلى قوله ( طعام مسكين ) ،
فمن شاء أن يصومَ صام ومن شاء أن يفطرَ ويطعمَ كلَّ يومٍ مسكينًا أجزأه ذلك وهذا حولٌ فأنزل اللهُ تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) إلى ( أيام أخر )،
فثبت الصيامُ على من شهد الشهرَ وعلى المسافرِ أن يقضيَ وثبت الطعامُ للشيخ الكبيرِ والعجوزِ اللذَينِ لا يستطيعان الصومَ... إلى اخر الحديث. (صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : (507)).
2- عن عبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي ليلى قال : وحدَّثَنا أصحابُنا أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لمَّا قدمَ المدينةَ أمرَهُم بصيامِ ثلاثةِ أيَّامٍ ثمَّ أُنْزِلَ رمضانُ ،
وَكانوا قومًا لم يتعوَّدوا الصِّيامَ وَكانَ الصِّيامُ عليهِم شديدًا فَكانَ من لم يصُم أطعمَ مسكينًا فنزلت هذِهِ الآيةُ ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) فَكانتِ الرُّخصةُ للمريضِ والمسافرِ فأُمِروا بالصِّيامِ ،
قالَ وحدَّثَنا أصحابُنا قالَ وَكانَ الرَّجلُ إذا أفطرَ فَنامَ قبلَ أن يأكلَ لم يأكل حتَّى يُصْبِحَ قالَ فجاءَ عمرُ بنُ الخطَّابِ فأرادَ امرأتَهُ فقالت إنِّي قد نمتُ،
فظنَّ أنَّها تعتلُّ فأتاها فجاءَ رجلٌ منَ الأنصارِ فأرادَ الطَّعامَ فقالوا حتَّى نسخِّنَ لَكَ شيئًا فَنامَ فلمَّا أصبحوا أُنْزِلَت عليهِ هذِهِ الآيةُ ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ). (صحيح أبي داود | الصفحة أو الرقم : (506)).
ففى هذين الحديثين كان المسلمون فى بداية الإسلام يؤمرون بصيام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر المحرّم ،
وصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر قمري وذلك قبل أن يفرض الله صيام رمضان والذى مر بثلاث مراحل .
وإليك مراحل تشريع صيام رمضان:
المرحلة الأولى : كان الصوم في أول الأمر على التخيير إما أن يصوم وإما أن يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا، وهذه المرحلة كانت يُسر على المسلمين .
والدليل :
1- قال تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون }. [البقرة: 184].
2- قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : ( لما نزلت { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }. كان من أراد أن يفطر ويفتدي حتى نزلت الاية التي بعدها فنسختها ). صحيح البخارى
المرحلة الثانية : وجوب الصيام على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس،
فإذا غربت الشمس كان للصائم أن يأكل ويشرب ما لم ينم فإن نام قبل أن يفطر ،
حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى غروب شمس اليوم التالي، وهذه المرحلة كانت عُسر على المسلمين.
والدليل :
- عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر،
لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما، فلما حضر الإفطار أتى امرأته، فقال لها : أعندك طعام؟ قالت : لا،
ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عيناه، فجاءته امرأته، فلما رأته، قالت : خيبة لك، فلما انتصف النهار غشي عليه،
فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الاية : ﴿ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ﴾. [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحا شديدا،
ونزلت : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل . سورة البقرة اية 187 ". (رواه البخاري).
المرحلة الثالثة : فرض الله الصوم من غير تخيير للمطيق وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة .
والدليل :
قال عز وجل : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وبقي تحت التخيير الذين لا يطيقون صيامه أو يطيقونه مع شدة وضرر .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقرأ : { وعلى الذين يطوقونه فلا يطيقونه فدية طعام مسكين }،
قال رضي الله عنه : ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا. (رواه البخارى)
فعلى قوله رضي الله عنه يكون معنى ( يطيقونه ) أي : يشق عليهم .انتهى .
إذن لم يفرض الله علينا صيام شهر رمضان مرة واحدة كغيره فى كثير من الأحكام الشرعية ،
بل مر فرض صيام شهر رمضان بثلاث مراحل. ذكرها الإمام ابن القيم فى كتابه زاد المعاد فقال :
وكان للصوم رتب ثلاث :
إحداها : إيجابه بوصف التخيير.
والثانية : تحتمه، لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة، فنسخ ذلك الرتبة الثالثة .
الرتبة الثالثة : وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة. انتهى. .
سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
هل حدث تدرج في صيام رمضان كما حصل في تحريم الخمر؟
الإجابة :
نعم حصل تدرج، فحين نزل الصوم كان من شاء صام، ومن شاء أطعم ثم بعد ذلك صار الصوم واجبا، لقوله تعالى:
{ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو علىٰ سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علىٰ ما هداكم ولعلكم تشكرون }.
التدرج الاۤخر : أنهم كانوا إذا ناموا بعد الإفطار أو صلوا العشاء لا يحل لهم الأكل والشرب والجماع، إلا عند غروب اليوم التالي، ثم خفف عنهم، قال تعالى:
{ أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلىٰ نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالن بٰشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم
وكلوا واشربوا حتىٰ يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى اليل ولا تبٰشروهن وأنتم عٰكفون في المسٰجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذٰلك يبين الله اياته للناس لعلهم يتقون }،
فكانت المحظورات على الصائم إذا نام أو صلى العشاء ثم نسخ ذلك فكانت جائزة إلى أن يتبين الفجر. انتهى من (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين المجلد (17)).
وأما الحكمة من تشريع الصيام
قال ابن القيم رحمه الله
" لما كان - أي : الصوم - غير مألوف لهم، ولا معتاد، والطباع تأباه؛ إذ هو هجر مألوفها ومحبوبها، ولم تذق بعد حلاوته وعواقبه المحمودة،
وما في طيه من المصالح والمنافع، فخيرت بينه وبين الإطعام، وندبت إليه، فلما عرفت علته وألفته، وعرفت ما تضمنه من المصالح والفوائد،
حتم عليها عينا، ولم يقبل منها سواه، فكان التخيير في وقته مصلحة، وتعيين الصوم في وقته مصلحة،
فاقتضت الحكمة البالغة شرع كل حكم في وقته؛ لأن المصلحة فيه في ذلك الوقت....انتهى من (" مفتاح دار السّعادة " (2/377)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق