الأصل طهارة الماء حتى يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بنجاسة وقعت فيه أما إذا تغير أحد أوصاف الماء (لونه أو طعمه أو ريحه) بشيء طاهر كالصدأ والتراب والكلور فهو باق على طهوريته يجوز الوضوء به ما دام اسم الماء ثابتا له .
قال ابن حزم رحمه الله :
" وَكُلُّ مَاءٍ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ مُبَاحٌ فَظَهَرَ فِيهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَطَعْمُهُ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ فَالْوُضُوءُ بِهِ جَائِزٌ ، وَالْغُسْلُ بِهِ لِلْجَنَابَةِ جَائِزٌ... سَوَاءٌ كَانَ الْوَاقِعُ فِيهِ مِسْكًا ، أَوْ عَسَلاً ، أَوْ زَعْفَرَانًا ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ " .انتهى . " المحلى " (1/200)
وقال النووي رحمه الله :
وإن كان يسيرا ، بأن وقع فيه قليل زعفران فاصفرَّ قليلاً ، أو صابون أو دقيق فابيض قليلاً ، بحيث لا يضاف إليه ، فالصحيح أنه طهور ؛ لبقاء الاسم . انتهى . " المجموع شرح المهذب " (1/103). يعني : بقاء اسم الماء المطلق عليه
قال ابن قدامة رحمه الله :
الثاني : ما لا يمكن التحرُّز منه، كالطُّحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء، أو تحمله الريِّح فتلقيه فيه، وما تجذبه السُّيول من العيدان والتبن ونحوه، فتلقيه في الماء، وما هو في قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما، إذا جرى عليه الماء فتغيَّر به، أو كان في الأرض التي يقف فيها الماء. فهذا كلُّه يعفى عنه؛ لأنَّه يشقُّ التحرُّز منه... ولا نعلم في هذه الأنواع خلافًا . انتهى . ((المغني)) (1/12).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" فَمَا دَامَ يُسَمَّى مَاءً وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ أَجْزَاءُ غَيْرِهِ : كَانَ طَهُورًا ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ ، وَهِيَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا فِي أَكْثَرِ أَجْوِبَتِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ : ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ). وَقَوْلُهُ : ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ كُلَّ مَا هُوَ مَاءٌ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ ". انتهى . " مجموع الفتاوى" (21/ 26) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
تغير الماء بالطاهرات وبالأدوية التي توضع فيه لمنع ما قد يضر الناس، مع بقاء اسم الماء على حاله، فإن هذا لا يضر، ولو حصل بعض التغير بذلك، كما لو تغير بالطحلب الذي ينبت فيه، وبأوراق الشجر، وبالتراب الذي يعتريه وما أشبه ذلك كل هذا لا يضره فهو طهور باق على حاله لا يضره
إلا إذا تغير بشيء يخرجه من اسم الماء، حتى يجعله شيئًا آخر، كاللبن إذا جعل على الماء حتى غيره وصار لبنًا، أو صار شايًا، أو صار مرقًا خارجًا عن اسم الماء، فهذا لا يصح الوضوء به؛ لكونه خرج عن اسم الماء إلى اسم آخر.
أما ما دام اسم الماء باقيًا وإنما وقع فيه شيء من الطاهرات؛ كالتراب، والتبن، أو غير ذلك مما لا يسلبه اسم الماء فهذا لا يضره،
أما النجاسات فإنها تفسده إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه، أو كان قليلًا يتأثر بالنجاسة، وإن لم تظهر فيه فإنه يفسد بذلك، ولا يجوز استعماله .اه (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 10/ 19)
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" كل ماء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض ، فهو طهور ، يطهر من الأحداث والأخباث ، ولو تغير لونه أو طعمه أو ريحه بشيء طاهر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ ) رواه أهل السنن ، وهو صحيح . فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة فهو نجس ، يجب اجتنابه ". انتهى . "منهج السالكين" (1 / 33) .
الوضوء بماء البرك
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
إذا كانت البركة مصونة عن النجاسات وإنما تغيرها لطول المكث فلا يضر ذلك أما إن كان يقع فيها نجاسات أو يستنجي الناس فيها عن الغائط والبول، ويكون ذلك يسقط فيها حتى تغير طعمها أو ريحها أو لونها بذلك فإنها تنجس، قد أجمع العلماء على أن الماء إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة نجس
أما مجرد الوضوء منها من خارج كونه يتوضأ من خارج لا فيها، أو يتمسح مسوح فقط، يعني : يغسل وجهه ويديه من دون استنجاء هذا لا يضرها، ولو تغيرت بطول المكث كالمياه التي في البراري والصحاري فإن الأحواض التي في البراري والصحاري قد تتغير بالتراب وبالأوراق أوراق الشجر وغير هذا مما تلقيه الريح فلا يضر ذلك بل يكون الماء طهورًا سليمًا ولو تغير بهذه الأوراق أو بالتراب أو بغير ذلك .انتهى
أما الماء المقَيَّد : كماء الورد، وماء العنب، وماء الرمان
فهذا يسمى طاهرًا، ولا يسمى طهورًا، ولا يحصل به التطهير من الأحداث والنجاسة؛ لأنه ماء مقيد وليس ماء مطلقاً، فلا تشمله الأدلة الشرعية الدالة على التطهير بالماء، والشرع إنما وصف الماء المطلق بالتطهير؛ كماء المطر، وماء البحر، والأنهار، والعيون .
قال ابن المنذر رحمه الله :
أجمعوا على أن الوضوء لا يجوز بماء الورد وماء الشجر [هو عصير ورق الشجر] وماء العصفر [العصفر نبات أصفر يستخدم في الطعام وصبغ الثياب (الكركم) ولا تجوز الطهارة إلا بماء مطلق يقع عليه اسم الماء . اه (الإجماع)
الطهارة بالماء المغصوب
يصح الوضوء بالماء المغصوب مع الإثم .
قال الشيخ بن باز رحمه الله :
يحرم استعماله الماء المغصوب مُحرَّم لا لأجل أنه ما هو بطاهرٍ، هو طاهر، لكن ما يجوز؛ لأنك أخذتَه من صاحبه بغير حقٍّ .
س : صحَّة الطَّهارة به؟
ج : الصحيح صحّة الطهارة لأنَّ التحريم ما هو لأجل الطهارة وإنما من أجل الظلم مثلما تصحّ الصلاة على الأرض المغصوبة على الصحيح، لا لأنها جائزة، بل لأنَّ الطهارة تمت شروطها، لكن هو ظالم بغصبه إياها، واستيلائه عليها، وأخذه المال بغير حقٍّ، مطالب بهذا.
س : استدلَّ المانعُ بحديث : إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرام، فإن الطهارة لا تُجزئ؟
ج : حرام عليكم، لكن الطهارة صحيحة؛ لأنه ماء طهور توضأ به فأجزأه، لكنه ظالم بهذا، ولا تبطل الطهارة، كمَن صلَّى في الأرض المغصوبة؛ صحَّت صلاته وهو آثمٌ، المسألة خلافية، لكن هذا هو الأرجح.
س: هو استدلَّ بهذا الحديث على عدم صحّة الطّهارة؟
ج : هذا يدل على التَّحريم فقط .اه
أما الماء الكثير الذي خالطته نجاسة فغيرت أحد أوصافه
إذا تغيَّر بهذه النجاسةِ أحدُ أوصاف الماء وهي : طعمه، أو لونه، أو ريحه، فإنَّ الماء يصير نَجِسًا، لا يصح التطهر به والدليلُ على ذلك : الإجماعُ.
قال ابن المُنذِر رحمه الله :
والذي نقول به في هذا الباب وفي غيره من أبواب الماء : أنَّ قليلَ الماءِ وكثيرَه لا ينجِّسهُ شيءٌ في نهرٍ كان أو غيرِه، وإن سقطت فيه نجاسةٌ إلَّا أن يُغيِّرَ للماء طعمًا، أو لونًا، أو ريحًا . انتهى من ((الأوسط)) (1/386).
الماء القليل الذي خالطته نجاسة فلم تغير أحد أوصافه إذا لم يتغيَّرْ أحدُ أوصافه السابقة، فالماء على أصله : (طاهِر مطهِّر)، سواء في ذلك قليلُ الماء وكثيرُه . والدليلُ على ذلك :
حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال : قيل : يا رسولَ الله، أنتوضَّأ مِن بِئر بُضاعَة وهي بِئرٌ يُلقَى فيها الحِيَضُ ولحومُ الكلاب والنَّتَن فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم - : ((الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ)). وهذا هو مذهب المالكية، ورواية عن الإمام أحمد، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، واختاره ابن باز، وابن عثيمين (رحمهم الله جميعًا) .
أما الماء الآجن
وهو الماء الذي تَغيَّر بطول مكْثِه في المكان (مثل الماء الذي يوضع في خزان مدة طويلة فيتغير). حُكمه : أنَّه باقٍ على إطلاقه ويجوز التطهر به والدليل : الإجماع.
قال ابن المنذر رحمه الله :
"وأجْمعوا على أنَّ الوضوءَ بالماء الآجِن من غير نجاسةٍ حلَّتْ فيه، جائزٌ . (أي يجوز استعماله في الطهارة وغيرها ) . اه
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق