بموت أهل البدع والضلال تنتشر الحقائق، وتزول الشبه، وتستقيم الأمور على ما يرضي الله ورسوله، وفي ذلك انتصارًا للدين، ورفعًا للمعروف، ونصرًا للمؤمنين.
ففى هذا الموضوع سنتناول:
أولاً: الترحم على أهل البدع (غير المكفرة) يكون سراً لأنهم مسلمون، ولكن ليس جهاراً على الملأ لأن الترحم عليهم جهاراً يعتبر نوعًا من التبجيل لهم والتأييد لبدعتهم،
فليس هذا من هدي السلف الصالح، ولم ينقل عنهم أنهم ترحموا جهاراً على من مات من أهل البدع، فقف حيث وقف القوم.
ثانياً: الفرح بموت أهل البدع وإظهار ذلك فى كل الأوقات هو من هدي السلف الصالح، ولم ينقل عن واحد منهم خلاف ذلك،
فلم يكن السلف الصالح يقتصرون على التحذير من أمثال هؤلاء وهم أحياء فقط فإذا ماتوا ترحموا عليهم وبكوا على فراقهم ،
بل كانوا يبينون حالهم بعد موتهم ويظهرون الفرح بهلاكهم ويبشر بعضهم بعضاً بذلك،
إظهاراً لنعمة الله أن خلّصهم من بدعهم وضلالهم وشرهم وآذاهم على الناس.
- ففي الصحيحين : من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه : أن النبي ﷺ قال عن موت أمثال هؤلاء : (يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب) .
فكيف لا يفرح المسلم بموت من آذى العباد وأفسد في البلاد؟!.
** ومن هدى السلف الصالح فى ذلك:
1- كبَّر الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسجد شكراً لله-لمقتل " المخدَّج " الخارجي لما رآه في القتلى في محاربته له. ينظر: (مصنف ابن أبي شيبة ، ج15 / ص 317 - 319).
2 - لما جاء خبر موت المريسي الضال : وبشر بن الحارث في السوق قال : ( لولا أنه كان موضع شهرة لكان موضع شكر وسجود والحمد لله الذي أماته ). ينظر: [تاريخ بغداد: 7/66] [لسان الميزان: 2/308].
3 - قيل للإمام أحمد بن حنبل : الرجل يفرح بما ينزل بأصحاب ابن أبي دؤاد عليه في ذلك إثم؟ قال : (ومن لا يفرح بهذا)؟!. ينظر: [السنة للخلال: 5/121]
4 - وقال سلمة بن شبيب : كنت عند عبد الرزاق- يعني الصنعاني- فجاءنا موت عبد المجيد- فقال : ( الحمد لله الذي أراح أمة محمد من عبد المجيد ). ينظر: [سير أعلام النبلاء: 9/435].
وعبد المجيد هذا هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد وكان رأسا في الإرجاء.
5 - ولما جاء نعي وهب القرشي وكان ضالا مضلا لعبد الرحمن بن مهدي، قال : (الحمد لله الذي أراح المسلمين منه). ينظر: [لسان الميزان لابن حجر: 8/402].
6 - قال الحافظ ابن كثير: عن أحد رؤوس أهل البدع : ( أراح الله المسلمين منه في هذه السنة في ذي الحجة منها ودفن بداره، ثم نقل إلى مقابر قريش فلله الحمد والمنة .
وحين مات فرح أهل السنة بموته فرحا شديدا وأظهروا الشكر لله فلا تجد أحدا منهم إلا يحمد الله )!.ينظر: [البداية والنهاية12/338].
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارج ، وذكر فيهم سنَّة رسول الله المتضمنة لقتالهم ، وفرح بقتلهم ، وسجد لله شكراً لما رأى أباهم مقتولاً وهو ذو الثُّدَيَّة .
بخلاف ما جرى يوم " الجمل " و " صفين " ؛ فإن عليّاً لم يفرح بذلك ، بل ظهر منه من التألم والندم ما ظهر،
ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سنَّة بل ذكر أنه قاتل باجتهاده. انتهى من" مجموع الفتاوى " ( 20 / 395 ) .
** هكذا كان موقف السلف الصالح رحمهم الله عندما يسمعون بموت رأس من رؤوس أهل البدع والضلال،
وفي مقابل هذا الفرح ، مع الأسف يحزن آخرون ويبكون أسفاً وحزناً إذا مات أحد هؤلاء، ويدعون الله أن يخلف على المسلمين مثله!، لا أجاب الله دعاءهم .
- قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
عند باب : (تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية) :
.. “ أو مصلحة شرعية ” : مثل أن يكون هذا الميت صاحب بدعة ينشرها بين الناس ، فهنا من المصلحة أن نسبَّه، ونحذِّر منه، ومن طريقته، لئلا يغتر الناس به. ينظر: (شرح رياض الصالحين (2 /230-231 )).
- وقال أيضا رحمه الله :
قوله : “ وعلى الغاسل ستر ما رآه إن لم يكن حسنًا ” ..
قال العلماء : إلا إذا كان صاحب بدعة، وداعية إلى بدعته، ورآه على وجهٍ مكروه، فإنه ينبغي أن يبين ذلك حتى يحذر الناس من دعوته إلى البدعة،
لأن الناس إذا علموا أن خاتمته على هذه الحال، فإنهم ينفرون من منهجه وطريقه،
وهذا القول لا شك قول جيد وحسن، لما فيه من درء المفسدة التي تحصل باتباع هذا المبتدع الداعية، وكذا لو كان صاحب مبدأ هدّام كالبعثيين والحداثيين. انتهى من (“الشرح الممتع على زاد المستقنع” (5 /297-298)).
- وقال الشيخ زيد المدخلي رحمه الله:
لا حرج من أن يُترحّم عليهم فيقول : رحمه الله.
لكن لا يعلن ويشهر تحسّره عليه لأن صاحب البدعة من أعداء أهل السنة، فلا يُظهر أهلُ السنة الأسفَ عليه، لأن موته خير لأهل الأرض من بقائه.
فبحكم الإسلام : له أن يترحّم عليه بينه وبين نفسه فلا يُعلن ذلك لأن خطر أهـل البدع واضح ومعلوم على أهل السنة ومحاربتهم لها. انتهى من (إحدى المواقع الاسلامية).
- قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله:
ولذلك فإن من السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كانوا يفرحون بموت أهل البدع ويُظهرون ذلك ،
إظهاراً لنعمة الله أن خلّصهم من بدعهم وضلالهم وشرهم وآذاهم على الناس. ينظر: " الذريعة شرح كتاب الشريعة للآجري ".
- وقال الشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله :
أهل السنة والجماعة لا يمنعون من الإستغفار لمؤمن ولو كان مبتدعا، ولو كان عاصيا،
ولكن أهل الأهواء والبدع لا يظهر الإستغفار لهم علنا زجرا عن البدع، وإن كان الإنسان في نفسه يستغفر لهم وإذا كان لوحده يستغفر لهم،
لكن لا يظهر ذلك على رؤوس الأشهاد، لأن هذا يهوّن من شأن معاصيهم في نفوس العامة ويجرئ العامة على ذلك. انتهى من (دراسات في المنهج | ص ١٤٦-(١٤٧)).
** قد يحتج بعض الناس علينا
بما نقله الحافظ ابن القيم في [مدارج السالكين: 2/345] عن موقف شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية من خصومه - حيث قال :
(وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له، فنهرني وتنكر لي واسترجع،...).
ولكن من تأمل ذلك وجد أنه لا تعارض بين الأمرين،
فمن سماحة شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا ينتقم لنفسه ، ولذلك عندما أتاه تلميذه يبشره بموت أحد خصومه وأشدهم عداوة وأذى له نهره وأنكر عليه،
فالتلميذ إنما أبدى لشيخه فرحه بموت خصم من خصومه لا فرحه بموته لكونه أحد رؤوس البدع والضلال. انتهى.
* نسأل الله عز وجل أن يفرحنا بهلاك كل داعية إلى ضلال،
وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يثبتنا على دينه وعلى التمسك بكتابه وسنة نبيه ﷺ
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق