القرآن الكريم كلام الله تعالى ألفاظه وحروفه ومعانيه منه بدأ وإليه يعود تكلم الله تعالى به وسمعه منه جبريل عليه السلام وأنزله على محمد صلى الله عليه وسلم قال سبحانه : ( الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ). السجدة/ 1، 2 .
وهو من جملة كلامه الذي هو صفة من صفاته فمن قال : مخلوق ، فهو كافر هذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة خلافا لما عليه أهل الزيغ والانحراف .
ومعنى قول أهل السنة : " منه بدأ " أن الله تعالى تكلم به فظهوره وابتداؤه من الله تعالى .
ومعنى قولهم : " وإليه يعود " : أنه يرفع من الصدور والمصاحف في آخر الزمان فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف كما جاء ذلك في عدة آثار .
ومن الأدلة على ذلك :
1- قال تعالى : ( الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ ). سورة الرحمن . ففرَّق تعالى بين علمه وخلقه ، فالقرآن علمه ، والإنسان خلقه ، وعلمه تعالى غير مخلوق . وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ). البقرة/ 120. فسمى الله تعالى القرآن علمًا ، إذ هو الذي جاءه من ربه ؟ وهو الذي علمه الله تعالى إياه صلى الله عليه وسلم ، وعلمه تعالى غير مخلوق ، إذ لو كان مخلوقا لاتصف تعالى بضده قبل الخلق ، تعالى الله عن ذلك وتنزه وتقدس .
وبهذا احتج الإمام أحمد رحمه الله ، حيث قال في حكاية مناظرته للجهمية في مجلس المعتصم : " قال لي عبد الرحمن القزاز : كان الله ولا قرآن . قلت له : فكان الله ولا علم ! فأمسك ، ولو زعم أن الله كان ولا علم لكفر بالله ". رواه حنبل في " المحنة " (ص: 45).
وقيل له رحمه الله : قوم يقولون : إذا قال الرجل : كلام الله ليس بمخلوق ، يقولون : من إمامك في هذا ؟ ومن أين قلت : ليس بمخلوق ؟ قال : " الحجة قول الله تبارك وتعالى : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم )، فما جاءه غير القرآن ".
وقال رحمه الله : " القرآن علم من علم الله ، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر" .رواه ابن هانئ في " المسائل " (2/ 153، 154).
2- عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ). رواه مسلم (2708).
ولو كانت كلماته مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركا ؛ لأنها استعاذة بمخلوق ، ومن المعلوم أن الاستعاذة بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته شرك ، فكيف يصح أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته ما هو شرك ظاهر ، وهو الذي جاءهم بالتوحيد الخالص !
فدل هذا على أن كلمات الله تعالى غير مخلوقة .
قال نعيم بن حماد : " لا يستعاذ بالمخلوق ، ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة ". وقال البخاري عقبه : " وفي هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق ، وأن سواه خلق " ينظر: " خلق أفعال العباد " (ص: 143).
قال الربيع بن سليمان صاحب الشافعي وتلميذه ، حاكيًا المناظرة التي جرت بينه وبين حفص الفرد في القرآن : فسأل الشافعي ، فاحتج عليه الشافعي ، وطالت فيه المناظرة ، فأقام الشافعي الحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وكفَّر حفصا الفرد . قال الربيع : فلقيت حفصا الفرد في المجلس بعد ، فقال : أراد الشافعي قتلي . رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في " آداب الشافعي " (ص: 194 – 195) وسنده صحيح .
فأهل السنة والجماعة
يؤمنون بأن القرآن كلام الله تعالى حروفه ومعانيه - منه بدأ وإليه يعود، منزل غير مخلوق، تكلم الله به حقاً، وأوحاه إلى جبريل؛ فنزل به جبريل - عليه السلام - على محمد صلى الله عليه وسلم. أنزله الحكيم الخبير بلسان عربي مبين،
ونقل إلينا بالتواتر الذي لا يرقى إليه شك، ولا ريب،
قال الله تعالى : وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ. [الشعراء:192-195] والقرآن الكريم : مكتوب في اللوح المحفوظ، وتحفظه الصدور، وتتلوه الألسن، ومكتوب في الصحف.
قال الشيخ الألبانى رحمه الله :
[ قال سفيان ] : "القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود". أي المتكلم به، وهو الذي أنزله من لدنه، ليس هو كما تقوله الجهمية أنه خُلِقَ في الهواء أو غيره، وبدأ من عند غيره .
وأما " إليه يعود" فأنه يسرى به في آخر الزمان من المصحف والصدور، فلا يبقى في الصدور منه كلمة ولا في المصاحف منه حرف. كذا في "العقيدة الواسطية" لشيخ الإسلام ابن تيمية . انتهى من ("مختصر العلو" (ص140)).
وأهل السنة والجماعة
يكفرون من أنكر حرفاً منه أو زاد أو نقص،وعلى هذا فنحن نؤمن إيماناً جازماً بأن كل آية من آيات القرآن منزلة من عند الله، وقد نقلت إلينا بطريق التواتر القطعي.
والقرآن الكريم : لم ينزل جملة واحدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نزل منجماً، أي مفرقاً حسب الوقائع، أو جواباً عن أسئلة، أو حسب مقتضيات الأحوال
في ثلاث وعشرين سنة .
وقد كتب القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبمرأى منه؛ حيث كان للوحي كتبة من خيرة الصحابة رضي الله عنهم – يكتبون كل ما نزل من القرآن وبأمر من النبي صلى الله عليه وسلم ثم جمع في عهد أبي بكر بين دفتي المصحف، وفي عهد عثمان على حرف واحد؛ رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وأهل السنة والجماعة
يهتمون بتعليم القرآن وحفظه وتلاوته، وتفسيره، والعمل به. قال تعالى : كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ. [ص:29]. ويتعبدون لله تعالى : بقراءته؛ لأن في قراءة كل حرف منه حسنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولا أقول : الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
وأهل السنة والجماعة
لا يجوزون تفسير القرآن بالرأي المجرد فإنه من القول على الله عز وجل بغير علم ومن عمل الشيطان، قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ . [البقرة:168-169]. بل يفسر القرآن بالقرآن وبالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين، ثم باللغة العربية التي نزل بها القرآن .
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة :
" وأن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولا وأنزله على رسوله وحيا ، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا ، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة ، ليس بمخلوق ككلام البرية.
فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمّه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى : (سأصليه سقر) فلما أوعد الله بسقر لمن قال : (إن هذا إلا قول البشر) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر ". انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" ومن كلام الله سبحانه : القرآن العظيم ، وهو كتاب الله المبين ، وحبله المتين ، وصراطه المستقيم ، وتنزيل رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على قلب سيد المرسلين ، بلسان عربي مبين ، منزّل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وهو سور محكمات ، وآيات بينات ، وحروف وكلمات ، من قرأه فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، له أول وآخر ، وأجزاء وأبعاض ، متلو بالألسنة ، محفوظ في الصدور ، مسموع بالآذان ، مكتوب في المصاحف ، فيه محكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، وخاص وعام ، وأمر ونهي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. فصلت/ 42، وقوله تعالى : قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا. الإسراء/ 88 .
وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا : لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ. سبأ /31 ، وقال بعضهم : إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. المدثر/ 25، فقال الله سبحانه : سَأُصْلِيهِ سَقَرَ المدثر/ 26 ... ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر ، وفي هذا حجة قاطعة على أنه حروف ". انتهى من " لمعة الاعتقاد" ص (28-22) .
قال الشيخ محمد بن مانع رحمه الله :
القرآن العظيم كلام الله لفظه ومعانيه, فلا يقال اللفظ دون المعنى كما هو قول أهل الاعتزال, ولا المعنى دون اللفظ كما هو قول الكلابية الضلال ومن تابعهم على باطلهم من أهل الكلام الباطل المذموم, فأهل السنة والجماعة يقولون ويعتقدون : أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق ألفاظه ومعانيه عين كلام الله, سمعه جبريل من الله, والنبي سمعه من جبريل, والصحابة سمعوه من النبي, فهو المكتوب بالمصاحف, المحفوظ بالصدور, المتلو بالألسنة ... انتهى باختصار من (التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية لأئمة الدعوة السلفية)
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
أبو الحسن الأشعري في مقاله الأول قبل أن يرجع إلى كلام أهل السنة، يعني يقولون : إنه معنى قائم بالله، وأنَّ الله لا يتكلم بشيءٍ ، وإنما هو معنى قائم بالله، فإن عُبر عنه من طريق الرسل بالعربية صار قرآنًا، وإن عُبر عنه بالعبرانية صار توراةً، وإن عُبر عنه بالسريانية صار إنجيلًا، وإن عُبر عنه بلغة داود كان زبورًا، وهكذا.
وهذا من أبطل الباطل، وأضل الضَّلال
فإنَّ القرآن هو كلام الله مُنزل غير مخلوقٍ، سمعه جبرائيل من الله ، وسمعه محمد من جبرائيل، وألقاه إلى الأمة عليه الصلاة والسلام، فالله يتكلم إذا شاء بالقرآن وغير القرآن، تكلم ويتكلم إذا شاء وليس في كلامه نقصٌ ولا عيبٌ، ولا مُشابهة لكلام البشر، بل كذاته، ذاته سبحانه لا تُشبه الذَّوات، وهي قائمة بنفسها، مصرف الأكوان، مُدبر الأكوان بذاته جلَّ وعلا، ولا تُشبه ذاته ذوات المخلوقات، هكذا كلامه وسمعه وبصره، وهذا من صفاته، كلها حق، لا يُشبه فيها صفات البشر، ولكن يُؤتى الناس من جهلهم وضلالهم وقلَّة بصيرتهم، ويُؤتون من عُجمتهم وقلَّة البصيرة وقلَّة العلم، وإلا فالرب من كماله ومن صفات كماله ومن أسباب استحقاقه للعبادة ومن أدلة أنه ربُّ العالمين كونه يتكلم .
وقد عاب الله الأصنام لأنها لا تتكلم، عاب الله الأصنام وآلهة المشركين من الأصنام والكواكب وأشباه ذلك بأنها لا تتكلم، لا ترجع إليهم قولًا، ولا تملك لهم ضرًّا ولا نفعًا، فعابها بهذا عابها بكونها لا تنطق ولا تتكلم، ولكن أهل الشرك وأهل الباطل وأهل البدع في ضلالٍ وعمًى . اه
وقد رد أيضا شيخ الاسلام ابن تيمية على الاشاعرة الذين قالوا أن القران معنى قائم بالنفس قديم أزلي لا يتعلق بمشيئة الله وقدرته، وأنه ليس بحرف ولا صوت، لذلك قالوا في هذا القرآن الذي يتلى إنه مخلوق، خلقه الله في الهواء, أو في اللوح المحفوظ، أو إنه أحدثه جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم، وليس هو كلام الله .
ولاشك أن الأساس الذي بنوا عليه الأشاعرة مذهبهم هذا باطل – كما سبق بيانه - :
1- فالكلام هو اللفظ والمعنى، ولا يسمى كلاماً مادام قائماً بالنفس.
2- كما أن النصوص دلت على أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وأن كلامه مثل فعله، وهذا ثابت لله وإن سماه هؤلاء حلولاً .
وإذا تبين بطلان هذه الأسس التي بنوا عليها مذهبهم علم أن قولهم في القرآن مخالف لنصوص الكتاب والسُّنة, وإجماع السلف والأئمة .
أما احتجاج الأشاعرة
على أن القرآن من جبريل أو محمد بقوله تعالى : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ . [الحاقة: 40، التكوير: 19]
– والرسول في آية الحاقة هو محمد صلى الله عليه وسلم وفي آية التكوير هو جبريل عليه السلام – فهو احتجاج غريب، خاصة وأن النصوص الأخرى واضحة الدلالة في أنه منزل من عند الله وأنه كلام الله .
وقد ردَّ عليهم شيخ الإسلام في استدلالهم بما يلي :
1- أنه أضافه إلى الرسول من البشر تارة وإلى الرسول من الملائكة تارة، باسم "الرسول"، ولم يقل : إنه لقول ملك، ولا نبي؛ لأن لفظ الرسول يبين أنه مبلغ عن غيره، لا منشئ له من عنده, وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. [النور: 54، العنكبوت: 18]، فكان قوله : إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. بمنزلة قوله :
لتبليغ رسول، أو مبلغ من رسول كريم، أو جاء به رسول كريم، وليس معناه أنه أنشأه, أو أحدثه, أو أنشأ شيئاً منه, وأحدثه رسول كريم، إذ لو كان منشئاً لم يكن رسولاً فيما أنشأه وابتدأه، وإنما يكون رسولاً فيما بلغه وأداه، ومعلوم أن الضمير عائد إلى القرآن مطلقاً ".
2- "وأيضا فلو كان أحد الرسولين أنشأ حروفه ونظمه, امتنع أن يكون الرسول الآخر هو المنشئ المؤلف لها، فبطل أن تكون إضافته إلى الرسول لأجل إحداث لفظه ونظمه".
ولو صح قول هؤلاء لجاز أن يقال : إنه قول البشر، وهذا قول الوحيد الذي فضحه الله وأصلاه سقر، ولو قالوا: الوحيد جعل الجميع قول البشر، ونحن جعلنا الكلام العربي قول البشر، وأما معناه فهو كلام الله، فيقال لهم : هذا نصف قول الوحيد، والقرآن الذي يتلى هو الذي كان يفهم منه المشركون أنه كلام الله دون أن يفرقوا بين ألفاظه ومعانيه .
3- ودلالة الآيتين واضحة، لأنه لما كان المبلغ للقرآن ملكاً وليس شيطاناً، أخبر تعالى أنه تبليغ ملك كريم، وكذلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو المبلغ لهذا القرآن للناس، وإن هذا الرسول ليس شاعراً ولا كاهناً, وإنما هو رسول كريم . انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (12/270-266)
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
أما من قال : إن القرآن مخلوق فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، وكلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة .
وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك، أي على من قال إن القرآن مخلوق إنكاراً شديداً، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، حتى إن بعضهم -أي بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال : إن القرآن مخلوق .
ولا شك إن من قال إن القرآن مخلوق فقد أبطل الأمر والنهي لأنه إذا كان مخلوقاً فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة فهو كالنقوش في الجدران وشبهها لا يفيد شيئاً، إذ ليس أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً.
وأما من قال : إن القرءان محدث فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى : ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾. نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول : إنه محدث خشية أن يتوهم ما ليس بجائز. نعم . اه
أي : ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث يريد في النزول وتلاوة جبريل على ا لنبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان ينزل سورة بعد سورة ، وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله تعالى عليه في وقت بعد وقت ؛ لا أن القرآن مخلوق . اه (تفسير القرطبى)
وأما قول الإمام أحمد رحمه الله :
" من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ".
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي : كنت جالسًا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه رجل فقال : يا أبا عبدالله، إن عندنا قومًا يقولون : إن ألفاظهم بالقرآن مخلوقة. فقال أحمد بن حنبل : "يتوجه العبد بالقرآن إلى الله لخمسة أوجه كلها غير مخلوقة، حفظ بقلب، وتلاوة بلسان، وسمع بآذان، ونظر ببصر، وخط بيد، فالقلب مخلوق والمحفوظ غير مخلوق، والتلاوة مخلوقة والمتلو غير مخلوق، والنظر مخلوق والمنظور إليه غير مخلوق" . انتهى [رسالة في أن القرآن غير مخلوق؛ لإبراهيم الحربي، ص31].
فأحمد يصرح هنا بأن التلاوة -التي هي فعل العبد- مخلوقة وهي التلفظ ويصرح بأن المتلو غير مخلوق وهو ألفاظ القرآن.
وقال أحمد في رواية ابنه عبدالله : " كل من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به : مخلوق - فهو جهمي ". انتهى [السنة لعبد الله بن أحمد ص165.]
فهو يقول : كل من قصد إلى القول بخلق القرآن ولبس باللفظ أو غيره فهو جهمي فهذا يدلك دلالة بينة على أن اللفظية كانوا يرون القرآن الذي نتلوه مخلوقا وأنهم إنما يسترون قولهم بمسألة اللفظ فهم جهمية ملبسون وأنهم حين يقولون : القرآن كلام الله غير مخلوق لا يريدون هذا المتلو وإنما يريدون المعنى، صنيع أبي الحسن الأشعري.
والصواب في ذلك أن يقال ما قاله الأئمة كأحمد وغيره : إن كلام الإنسان كله مخلوق حروفه ومعانيه، والقرآن غير مخلوق حروفه ومعانيه.
وأما تبديع أحمد من قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق، أو تلاوتي، وقراءتي.
فأحمد رحمه الله لـمّا جهم الذين يقولون : لفظي بالقرآن مخلوق لما علم من أنهم يريدون بهذا أن ألفاظ القرآن مخلوقة ولا يريدون التلفظ والتلاوة فإنه قد بدّع أيضا من يقول : لفظي بالقرآن غير مخلوق لأن هذا الكلام المجمل يحتمل أن يريد به المتكلم : أن تلفظه وتلاوته غير مخلوقة، فتكون أفعال العباد غير مخلوقة. فلما احتمل حقا وباطلا، وكان كلاما مبتدعا لم يقله أحد من السلف، رده أحمد، ومنع منه .
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق