لا يجوز أن نشهد شهادة خاصة أو معيّنة لشخص بذاته واسمه لم يحكم عليه الله ورسوله أنه في الجنة أو في النار إلا في حق من أخبر الله تعالى عنه أو رسوله أنه في الجنّة أو في النار .
فالقاعدة في مذهب أهل السنة والجماعة أن الشهادة لمعيّن لم يحكم عليه الله ورسوله بالجنة والنار من أمور العقيدة التي تؤخذ بالتلقي من الكتاب والسنة ولا مجال للعقل بالاجتهاد فيها .
فلا طريق لمعرفة الغيب إلا بخبر الصادق ولا يمكن الجزم بشيء فيه بالإجتهاد وذلك أن الحكم بالكفر من الأحكام الدنيوية التي علمتنا إياها الشريعة أما الحكم بالنار فهو من الأحكام الأخروية التي لم تطالبنا الشريعة بها بإستثناء من نص الله ورسوله عليه بعينه فالواجب علينا حينئذ التصديق .
إذن
نشهد بأن الكفار في النار على وجه العموم ونحكم على من لم يعتنق الإسلام وينطق بالشهادتين بالكفر ونعامله بأحكام الكفار ونشهد بالنار لمن شهد له الكتاب والسنة بذلك كفرعون وعمرو بن لحي وأبي لهب ونحو ذلك .
أما بقية الكفار فلا نحكم على معين منهم بالنار جزماً وإن كنا نحكم بكفره لأنه قد يكون ممن لم تقم عليهم الحجة ومع ذلك نجري عليه أحكام الكفار في الدنيا .
فأهل السنة قاطبة يقررون عدم جواز الحكم على معين بجنة ولا نار ومن خالف في أمر ( الكافر الأصلي ) لزمه الدليل على المخالفة لأن أمر النار غيبي فالحكم على أحد بعينه بأنه من أهلها حكم بالغيب فيلزم من حكم أن يأتي بالدليل وإلا فلا يؤخذ بقوله وذلك أن من توقف في الحكم بالنار فقد توقف عن أمر غيبي لا دليل عليه عنده أما من حكم بالنار فهو المطالب بالدليل لأنه مدَّعٍ شيئاً من أمر الغيب يلزم فيه الدليل
فهنا أمران اثنان :
1- عدم جواز الحكم على معين بجنة ولا نار مالم يحكم عليه الله ورسوله بذلك .
2- عدم جواز الحكم على شيء من أمور الغيب إلا بدليل من كتاب أو سنة .
وهذان الأمران من الأمور الواضحة المحكمة التي لا خلاف فيها عند أهل السنة.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
" الشهادة بالنار على نوعين : عامة وخاصة
فالعامة : أن نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار ...
والخاصة : أن نشهد لشخص معين بالنار وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة مثل أبي لهب وامرأته وأبي طالب وعمرو بن لحي الخزاعي " .اه ( تعليقات على الواسطية ، مجموع الفتاوى 4 / 310 ) .
بل قال رحمه الله كلاماً أصرح من هذا :
" رأينا رجلاً كافراً ملحداً مُسَلَّطاً على المسلمين يمزق كتاب الله ويدوسه برجليه ويستهزئ بالله ورسوله هل نقول : هذا من أهل النار ؟
لا. بل نقول : مَن فعل هذا فهو من أهل النار .
والتعيين : لا تـُـعيـِّـن لأنه من الجائز في آخر لحظة أن الله يمن عليه ويهديه فأنت لا تدري لذلك يجب عليكم أن تفرقوا بين التعيين والإطلاق أو التعيين والإجمال .
مات رجل ونحن نعرف أنه مات على النصرانية حسب ما يبدو لنا من حاله -هل نشهد له بالنار ؟
لا نشهد ؛ لأنه أولاً إن كان من أهل النار فسيدخل ولو لم نشهد وإن لم يكن من أهل النار فشهادتنا شهادة بغير علم .
فمثل هذه المسائل لا داعي لها يعني : لو قال قائل : مات رجل من الروس من الملحدين منهم مات رجل من الأمريكان من الملحدين منهم من اليهود من الملحدين العنه واشهد له بالنار !
نقول : ما يمكن ، نحن نقول من مات على هذا فهو من أهل النار من مات على هذا لعناه أما الشخص المعين فلا ولهذا كان من عقيدة أهل السنة والجماعة قالوا : لا نشهد لأحد بالجنة أو بالنار إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم ولكننا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء هذه عقيدة أهل السنة والجماعة .اه ( الباب المفتوح ، لقاء 139 ، تفسير)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
لا تجوز الشهادة لمعين بجنة أو نار أو نحو ذلك إلا لمن شهد الله له بذلك في كتابه الكريم أو شهد له رسوله عليه الصلاة والسلام وهذا هو الذي ذكره أهل العلم من أهل السنة .
فمن شهد الله له في كتابه العزيز بالنار كأبي لهب وزوجته -
وهكذا من شهد له الرسول بالجنة كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان وعلي
وبقية العشرة رضي الله عنهم وغيرهم ممن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة كعبد الله بن سلام وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما .
أو بالنار كعمّه أبي طالب وعمرو بن لحي الخزاعي وغيرهما ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار نعوذ بالله من ذلك نشهد له بذلك .
أما من لم يشهد له الله سبحانه ولا رسوله بجنة ولا نار فإنا لا نشهد له بذلك على التعيين وهكذا لا نشهد لأحد معين بمغفرة أو رحمة إلا بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أهل السنة يرجون للمحسن ويخافون على المسيء ويشهدون لأهل الإيمان عموما بالجنة وللكفار عموما بالنار .اه (المصدر :مجموع فتاويه - المجلد الخامس )
وسئل أيضا رحمه الله :
" تسأل سماحتكم عن بعض العبارات مثلاً عبارة : (المغفور له فلان)، هل تجوز أو لا؟
فأجاب :
ظاهر الأدلة الشرعية أنها لا تجوز لأنه لا يجزم الله هو الذي يعلم الحقائق سبحانه وتعالى فأهل السنة والجماعة يقولون :
لا نشهد لمعين بجنة ولا نار، ولا بالمغفرة، إلا من شهد له الله أو رسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء، وقال : المؤمنون مغفور لهم، المؤمنون في الجنة، والكفار في النار، أما أن يقال فلان بن فلان، مغفور له أو في الجنة لا، إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كالعشرة الصديق وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة بن الجراح، وسعيد بن زيد، عشرة شهد لهم النبي ءصلى الله عليه وسلمء بالجنة –رضي الله عنهم، وجماعة آخرين .
فالمقصود من شهد له الرسول ءصلى الله عليه وسلمء بالجنة نشهد له، وهكذا من شهد له الله أو رسوله بالنار نشهد له بالنار، كأبي لهب،
أما نحن فلا نشهد لواحد معين نقول : فلان بن فلان في الجنة وفلان بن فلان في النار لكن نقول إن كان مؤمناً ومات على هذا فهو من أهل الجنة وإن كان كافراً ومات على كفره فهو من أهل النار نشهد بالعموم . انتهى
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله :
ما هو الضّابط في تكفير المعيّن؟ حيث بعض العلماء يقول : لا تُكفِّروا الشّخص وإن كان يهوديّا بعينهحتى تتحقق من موته على الكفر.
الجواب :
هذا خلط والعياذ بالله الكافر يُكفّر، يُحكم عليه بالكفر من أظهر الكفر فإنّه يُحكم عليه بالكفر من أشرك بالله يُحكم عليه بأنّه مشرك .
لكن لا تَجزم له بالنّار فيه فرق بين الجزم بالنّار وبين الحكم عليه بالكفر .
فأنت تحكم عليه بالكفر بموجب ما صدر منه وأمّا في الآخرة فأنت لا تحكم على معيّن بأنّه من أهل النّار قد يكون تاب وأنتَ ما دريتَ، أو مات على التوبة وأنتَ ما دريتَ فهذا الذي يتكلّم هذا خَلَطَ بين الأمرين خلط بين مسألة التّكفير ومسألة الحُكمِ بالنّار على معيّن . اه (شرح نواقض الإسلام للشيخ الفوزان)
وسئل أيضا حفظه الله :
هل كلّ من كفّرناه يكون في الآخرة في النّار؟
الجواب :
سمعتم الإجابة عنها، أمور الآخرة عند الله سبحانه و تعالى. الكفّار على وجه العموم في النّار، لا شكّ في هذا، أنّ الكافرين في النّار. لكنّ الأفراد المعيّنين لا نحكم عليهم بأنّهم في النّار لأنّنا لا ندري ما عاقِبَتُهُمْ و ما خاتِمَتُهم. اه [أسئلة شرح نواقض الإسلام]
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي في شرحه للطحاوية :
وكذلك الشخص المعين الكافر لا نشهد له بالنار إلا إذا علمنا أنه مات على الكفر وقامت عليه الحجة وليس له شبهة مات يعبد الأصنام وعلمنا أنه قامت عليه الحجة وعلم أن هذا وثنا وأنه لا يجوز فأصر هذا يحكم عليه بالنار .
يهودي قامت عليه الحجة عرف أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يؤمن به هذا نشهد له أما إذا لم نعلم نشهد على العموم :
كل كافر في النار كل مؤمن في الجنة أما التعيين ما نشهد بالجنة إلا من شهدت له النصوص ولا نشهد بالنار إلا لمن شهدت له النصوص أو لمن علمنا أنه مات على الكفر وليس له شبهة .
وأهل السنة بهذا يخالفون أهل البدع فإن الخوارج يشهدون بالنار لكل فاسق : كل من ارتكب كبيرة يشهد الخوارج عليه بأنه في النار هذا خلاف معتقد أهل السنة والجماعة كذلك أيضا المعتزلة يشهدون لمن مات على الكبيرة أنه في النار أنه خرج من الإيمان ودخل في الكفر فهذا - أيضا - يخالف معتقد أهل السنة والجماعة ولذلك هذا هو الغرض من إدخال هذه المسألة في كتب العقائد. نعم .
فإذن منهج أهل السنة والجماعة يقفون في الشخص المعين فلا يشهدون له بجنة أونار إلا عن علم لأن الحقيقة باطنة وما مات عليه لا نحيط به لكن نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.. اه
وقال أيضا الشيخ الراجحى فى شرح أصول السنة للإمام أحمد :
هذه عقيدة أهل السنة والجماعة لا يشهدون للمعين بجنة ولا نار، لكن يرجون للمحسن ويخافون على المسيء، من رأيناه مستقيما على طاعة الله، وعمل الطاعات نرجو له الجنة لكن ما نشهد له بالجنة بعينه، ومن رأيناه يعمل المعاصي والمخالفات نخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد له بالنار بعينه، ولكن نشهد بالعموم، فنقول: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار.
أما المعين فهل يشهد له؟
فيه ثلاثة أقوال لأهل العلم في الشهادة للمعين بالجنة :
القول الأول : أنه لا يشهد للمعين إلا لمن شهدت له النصوص فمن شهد له بالجنة فإنه يشهد له بالجنة، مثل العشرة المبشرين بالجنة نشهد لهم بالجنة،الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، يُشهد لهم بالجنة، ابن عمر، عكاشة بن محصن، عبد الله بن سلام، وغيرهم، والعشرة المبشرين بالجنة .
هذا هو الصواب وهذا هو الراجح أنه لا يشهد للمعين بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص كالعشرة المبشرين بالجنة، وكذلك أهل بدر بالعموم، لا يدخل النار أحد، وأهل بيعة الشجرة، لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، أهل بيعة الرضوان، كذلك شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أيضا أهل بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم: « قال لعمر: وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ».(البخارى)
القول الثاني : أنه لا يشهد إلا للأنبياء فقط لا يشهد إلا للأنبياء.
القول الثالث : أنه يشهد لمن شهدت له النصوص ولمن شهد له عدلان شخصان عدلان إذا شهدا له بالجنة يشهد له بالجنة ومن ذلك أن أبا ثور كان يشهد للإمام أحمد بالجنة دليل هذا القول ما ثبت في الحديث الصحيح :
« أن النبي صلى الله عليه وسلم- كان جالسا فمروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت، ثم مرت جنازة أخرى فأثنوا عليها شرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال عمر : يا رسول الله ما وجبت؟ قال : هذا أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض ». (البخارى) .
الدليل الثاني : قول النبي صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: « يوشك أن تعلموا أهل الجنة من أهل النار، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بالثناء الحسن، والثناء السيئ ».(ابن ماجه).
بالثناء الحسن والثناء السيئ قالوا : هذا دليل على أنه يشهد بالجنة لمن شهد له أهل الخير وأهل العدل دون الفساق، الفساق ما لهم، الفساق وأهل التفريط ما لهم، لكن من شهد له أهل الخير أهل الصلاح والتقى، شهدوا له بالخير، هذا دليل على أنه من أهل الجنة.
والصواب هو القول الأول : إنه لا يشهد بالجنة إلا لمن شهد له الأنبياء ولمن شهد له النصوص النبي، الأنبياء في الجنة وكذلك من شهد له النصوص مثل العشرة المبشرين بالجنة لا يشهد إلا لمن شهدت له النصوص هذا هو الصواب في المسألة لأنه لو كان يشهد لكل شخص معناه لم يكن هناك ميزة للمبشرين بالجنة كل واحد يشهد له اثنان بالجنة وصار مثل المبشرين بالجنة .
وأما الحديث
أجاب عنه بعض العلماء قال بعضهم :
إنه خاص بالصحابة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم وعدلهم يعني هذا في مسائل خاصة .
فالصواب أنه لا يشهد بالجنة والنار إلا لمن شهدت له النصوص لا يشهد بالجنة إلا لمن شهدت له النصوص والنار كذلك من شهد له النصوص كأبي لهب وأبي جهل نشهد له بالنار .
وأما عداهم فإذا علمنا أنه إذا مات على الكفر ولم يكن له شبهة قامت عليه الحجة، علمنا أنه مات على الكفر هذا نشهد له بالكفر ونشهد عليه بالنار، إذا علمت خاتمته وليس له شبهة، مثل : شخص حضرته الوفاة وهو يفعل الشرك، ونهيته عن الشرك، فقال: لا، أريد الشرك، ومات على ذلك، وتعلم هذا وبلغته الحجة، هذا يشهد له بالكفر ويشهد له بالنار، من شهد بالكفر شهد له بالنار فالنار مثوى الكافرين، نعوذ بالله.
أما ما لم تعلم حاله ما أدري عنه هل هو له شبهة، ما له شبهة، قامت عليه الحجة يمكن جاهل، يمكن عنده شبهة؟
نقول : اشهد بالعموم يكفيك بالعموم كل كافر في النار، وكل مؤمن في الجنة.
ومن ذلك : « أنه لما مات طفل قالت عائشة : يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة، قال : وما يدريك يا عائشة إن الله خلق للجنة أقواما خلقهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أقواما خلقهم وهم في أصلاب آبائهم ».(مسلم). أنكر عليها لأنها شهدت له بعينه معين وإن كان يعني النصوص دلت على أن الأطفال في الجنة . انتهى
قال الشيخ عبد الرحمن البراك :
القاعدة أنه لا يُشهد لمعين بأنه في الجنة أو في النار إلا من قام الدليل على حكمه في الآخرة، وقد نص أهل العلم في كتب العقائد أنه لا يشهد لمعين من أهل القبلة بجنة ولا نار إلا لمن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام، فمن قام الدليل على أنه في الجنة وجب الإيمان بأنه في الجنة، ومن قام الدليل على أنه بعينه في النار وجب الإيمان بأنه في النار وإلاّ فالواجب إطلاق الحكم العام بأن المؤمنين في الجنة والكفار في النار
لأن الكافر المعين لا يدرى على ماذا يموت، أو لا يدرى ما مات عليه، فالله أعلم بأحوال عباده، وكذلك لا يُعلم عن حاله بينه وبين ربه، هل هو ممن يعذره الله أو لا يعذره ؟
فلهذا أقول : إن الواجب هو الجزم بالحكم العام بأن الكفار من اليهود والنصارى والمشركين وسائر أمم الكفر في النار، كما نطق بذلك القرآن : {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}. [النحل:88]، {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. [المجادلة:17]، نعوذ بالله من الكفر بالله، ونسأله سبحانه وتعالى الثبات على الإسلام بمنه وكرمه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. انتهى
قال العلامة سليمان بن سحمان الفزعي الخثعمي رحمه الله :
..وبالجملة فمن دان بدين غير دين الإسلام وقام به هذا الوصف الذي يكون به كافراً فهو كافر ولا نحكم على معيّن بالنّار بل نكِل أمره إلى الله وإلى علمه وحكمه في باطن أمره هذا في أحكام الثواب والعقاب وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر..انتهى. (كشف الأوهام والالتباس عن تشبيه بعض الأغبياء من الناس، (1/118))
وأما الكلام عن
1- حديث : (إن أبي وأباك في النار).
الحديث خارج محل النزاع لأن البحث في الحكم على معين لم يحكم عليه الله ولا رسوله.
2- وأما حديث "وفد بني المنتفق" وفيه : (إذا مررت بقبر قرشي أو دوسي فقل: ابشر بما يسؤك تجر على وجهك إلى النار).
الحديث متكلم فيه وفيه ( يعقوب بن محمد بن عيسى وهو ضعيف ( كمال قال الذهبي في التلخيص ) .ناهيك عن كونه حديثاً في العقائد وينفرد بإخراجه الحاكم في مستدركه دون غيره من أصحاب الكتب الستة !
3- وأما حديث : " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار " !
فمع ضعف الحديث إلا أنه يدل كذلك على الحكم بالنار على الكافر المرتد بعينه ! وكلامنا في الأصلي أما المرتد إن مات على فعله فلم يقل أحد بأنه من أهل النار لاحتمال وجود العذر كما هو معلوم في موانع التكفير .
وفى هذا سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مررت بقبر الكافر فبشره بالنار )
الشيخ : نعم
السائل :
وش يؤخذ من هذا الحديث يا شيخ؟
الشيخ :
إيه نعم هذا مراد الرسول عليه الصلاة والسلام الذين دفنوا في حياته لأنهم غالبهم قامت عليهم الحجة نعم . اه
4- وأما حديث : (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي يهودي أو نصراني من هذه الأمة ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا دخل النار).
الحديث خارج محل النزاع لأن كلامنا في الحكم على معين لا على عموم الكفار . كما أنه لا بد من السماع الحقيقى عن الإسلام وليس المشوه كمن يرى النبى فى المنام على غير صفاته التى وصفوه بها الصحابة لذا فهو لم يره .
5- وأما قول أبي بكر رضى الله عنه : في قتلى المرتدين وأنه صالحهم على أن يشهدوا أن قتلاهم من المرتدين في النار وهو إجماع الصحابة.
هو كذلك - خارج محل النزاع لأنه في حق طائفة أو جماعة وكلامنا في الحكم على المعين . فكأنه قال : الكافر في النار اليهودي في النار المشرك في النار .
فقال ذلك على العموم ولم يقل اشهدوا أن فلان بن فلان فالنار بأسمائهم. فهؤلاء الجماعة المحكوم عليهم بالنار محصورون من حيث العدد التقريبي وهذا لا شك فيه .لكن كلامنا في الكافر المعين المعروف بعينه وهذا ما يتعذر هنا ولذلك لا يكاد يعلم أحد
من هؤلاء الجماعة بعينه ( = باسمه ) .
وأختم موضوعنا بكلام أهل العلم فى اشتراط بلوغ الحجة وفهمها.
إن الله جلّ وعز حكم عدل لا يعذّب أحدا من خلقه ما لم تقم عليه الحجّة الرّسالية من الكتاب والسنّة كما قال جلّ ثناؤه : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا }. [الإسراء: 15] وقوله تعالى : {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم}. [ محمد : 32 ] ونحو ذلك من الآيات وعلى هذا فقيام الحجة لا يكفي فيه مجرد بلوغها بل لابد مع ذلك من فهمها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
- في تفسير قوله تعالى : { فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ }-
قد علم أن المراد أنه يسمعه سمعا يتمكّن معه من فهم معناه، إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي لوجب أن يترجم له ما تقوم به عليه الحجة، ولو كان عربيا وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست من لغته، وجب أن نبيّن له معناها، ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثير من الناس ولم يفقه المعنى وطلب منا أن نفسره له ونبين له معناه، فعلينا ذلك، وإن سألنا عن سؤال يقدح في القرآن أجبناه عنه،كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أورد عليه بعض المشركين أو أهل الكتاب أو المسلمين سؤالا يوردونه على القرآن، فإنه كان يجيبهم عنه . انتهى من [ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ( 2 / 114 ) ]
وقال ابن القيم رحمه الله :
والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل ، فهذا مقطوع به في جملة الخلق ، وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا ؟ فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه . انتهى من [ طريق الهجرتين ]
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق