من نسي فتوضأ قبل إزالة النجاسة ثم أزال النجاسة قبل الصلاة أو تذكر بعد الصلاة أنه لم يستنج فقد صح وضوؤه وصلاته في قول جمهور أهل العلم .
جاء في المغني لابن قدامة :
وظاهر كلام الخرقي اشتراط الاستنجاء لصحة الوضوء فلو توضأ قبل الاستنجاء لم يصح كالتيمم .
والرواية الثانية : يصح الوضوء قبل الاستنجاء ويستجمر بعد ذلك بالأحجار أو يغسل فرجه بحائل بينه وبين يديه ولا يمس الفرج .
وهذه الرواية أصح وهي مذهب الشافعي لأنها إزالة نجاسة فلم تشترط لصحة الطهارة كما لو كانت على غير الفرج . انتهى.
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
فَلَوْ صَلَّى وَبِبَدَنِهِ، أَوْ ثِيَابِهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا إلَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَغَيْرِهِ، وَأَحْمَدَ فِي أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا، أَوْ جَهِلَهَا ابْتِدَاءً، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَمَّا أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّ بِهِمَا أَذًى، وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَسْتَأْنِفْهَا . اهــ.
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
" قوله : ولا يصحُّ قبلَه وُضُوءٌ ولا تيمُّمٌ .
يعني : يُشترطُ لصحَّة الوُضوء والتيمُّم : تقدم الاستنجاء، أو الاستجمار والدَّليل فعلُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، فإِنَّه كان يُقدِّمُ الاستجمار على الوُضُوء .
ولكن هل مجرد الفعل يدلُّ على الوجوب؟
الرَّاجحُ عند أهل العلم أن مجرَّد الفعل لا يقتضي الوجوب إِلا إذا كان بياناً لمجمل من القول يدل على الوجوب بناءً على النَّصِّ المبيَّن.
أما مجرَّدُ الفعل : فالصَّحيح أنَّه دالٌ على الاستحباب .
ولكنَّ فقهاء الحنابلة استدلُّوا على الوجوب بقول النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لعليٍّ رضي الله عنه : يغسُل ذَكَرَه ويتوضَّأ قالوا : قَدَّمَ ذِكْرَ غَسْلِ الذَّكَر والأصل أن ما قُدِّمَ فهو أسبق . ويدلُّ لذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم حين أقبل على الصَّفا : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ؛ أبْدَأُ بما بَدَأ اللَّهُ به» .
ولكن هذه الرِّواية في مسلم يعارضها رواية البخاري ومسلم حيث قال : " توضَّأ وانضحْ فرجك ". فظاهرهما التَّعارض لأنَّ إِحدى الرِّوايتين قَدَّمَتْ ما أخَّرتَه الأخرى والجمع بينهما أن يُقالَ إِن الواو لا تستلزم التَّرتيب .
فأما رواية النَّسائي : يغسلُ ذَكَره ثم ليتوضَّأ وهذه صريحة في التَّرتيب . فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أنها منقطعة والانقطاع يضعِّفُ الحديث فلا يُحتَجُّ بها .
ولهذا كان عن الإِمام أحمد في هذه المسألة روايتان :
الأولى : أنَّه يصحُّ الوُضُوءُ والتيمُّمُ قبل الاستنجاء.
الثانية : أنَّه لا يصحُّ وهي المذهب.
والرِّواية الأولى اختارها الموفَّق وابن أخيه شارح المقنع والمجد.
وهذه المسألة :
إِذا كان الإِنسانُ في حال السَّعَة فإِننا نأمره أولاً بالاستنجاء ثم بالوُضُوء وذلك لفعل النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم .
وأما إِذا نسيَ، أو كان جاهلاً فإِنه لا يجسر الإِنسان على إِبطال صلاته أو أمره بإِعادة الوُضُوء والصَّلاة ". انتهى من ("الشرح الممتع" (1/ 141)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق