الصحيح من أقوال أهل العلم أن الخضِر عليه السلام نبي أطلعه الله على أمور غيبية محضة لا مجال للإطلاع عليها إلا من طريق النبوة والوحى كما أن الإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه وليس يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي . ولقد اتفق العلماء على وفاته وإنه ميت .
وسمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء (الحشيش اليابس) فإذا هي تحته تهتز خضراء . (صحيح البخاري)
والدليل :
1- قال تعالى : عالم الغيب . فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول . [الجن 25-26]. فلا شك أن الافعال التى عملها الخضر عليه السلام لا تكون إلا بالوحى وليس بالإلهام لأنها أمورغيبية فالإقدام على قتل الغلام، وخرق السفينة، وكذلك بناء الجدار، وإخبار موسى بأنه ليتيمين في المدينة، وأنهما سيبلغان أشدهما لا يعلم كل هذا إلا الله .
2- قال تعالى : ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾. [الكهف ٨٢] لَكِنِّي أُمِرْتُ بِهِ وَوُقِفْتُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ قَالَ بِنُبُوَّةِ الْخَضِرِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا﴾ . انتهى من تفسير ابن كثير
وقال القرطبي فى تفسيره :
وَالْخَضِرُ نَبِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَقِيلَ : هُوَ عَبْدٌ صَالِحٌ غَيْرُ نَبِيٍّ، وَالْآيَةُ تَشْهَدُ بِنُبُوَّتِهِ لِأَنَّ بَوَاطِنَ أَفْعَالِهِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِوَحْيٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَعَلَّمُ وَلَا يَتَّبِعُ إِلَّا مَنْ فَوْقَهُ، وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ النَّبِيِّ مَنْ ليس بنبي.
وَقِيلَ : كَانَ مَلَكًا أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ مِمَّا حَمَلَهُ مِنْ عِلْمِ الْبَاطِنِ . وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ . انتهى
وجاء فى شرح تفسير ابن كثير للعلامة الراجحى :
وأما معنى قوله تعالى : {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. سورة الكهف.
أي : هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح.
{وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي : لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام وهذه دلالة واضحة، وهذا هو الصواب؛ لأنه قال : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي : إنما فعله بوحي من الله، والجمهور يرون أنه عبد صالح، والصواب أنه نبي يوحى إليه؛ لما في الآية الكريمة : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}،
إنما فعله بوحي من الله، ولأن هذه الأعمال لا يمكن أن يفعلها الإنسان بالإلهام، وإنما يفعلها بوحي من الله، فالإقدام على قتل الغلام، وخرق السفينة، وكذلك بناء الجدار، وإخبار موسى بأنه ليتيمين في المدينة، وأنهما سيبلغان أشدهما لا يعلم كل هذا إلا الله، ومن يعلم أن هذين اليتيمين سيعيشان ويكبران ويأخذن كنزهما بغير وحي من الله؟!
ثم القول بأنه فعل هذه الأشياء بالإلهام هو من كلام الصوفية الذين يقدمون على الأفعال المحرمة ويدعون أن هذا بإلهام، ويحتجون بقصة الخضر . انتهى (شرح تفسير ابن كثير - الراجحي)
3 - قال النبي صلى الله عليه وسلم : الغلامُ الذي قتلهُ الخضِرُ طبُع كافرًا، ولو عاش لأرهقَ أبوَيهِ طغيانًا وكفرًا. (صحيح أبي داود رقم: (4705)). وعن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال : (فكان ابنُ عَبَّاسٍ يَقرأُ : « وأمَّا الغلامُ فكان كافِرًا وكان أبواه مؤمِنَينِ »). رواه البخاري (4725).
دل الحديث على نبوة الخضر عليه السلام لأنه لا يطلع على ذلك إلا نبي بوحى من الله تعالى فكيف للخضر أن يعرف الغلام طبع كافرا أى خلق وقدر له فى علم الله أن يكون كافرا "ولو عاش"، أي : لو تركه الخضر ولم يقتله، " لأرهق أبويه طغيانا وكفرا "، أي: لكان سببا في أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه، وهذا من علم الله الغيبي الذي أمر به الخضر أن يقتل هذا الغلام حتى يظل الأبوان مؤمنين .
4 - جاء فى صحيح البخارى رقم : 4725: ...... فَإِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى ثَوْبًا، فَسَلَّمَ عليه مُوسَى، فَقالَ الخَضِرُ : وأنَّى بأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قالَ : أنَا مُوسَى، قالَ : مُوسَى بَنِي إسْرَائِيلَ؟ قالَ : نَعَمْ، أتَيْتُكَ لِتُعَلِّمَنِي ممَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا، قالَ : {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}. [الكهف: 67]، يا مُوسَى، إنِّي علَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ، لا تَعْلَمُهُ أنْتَ، وأَنْتَ علَى عِلْمٍ مِن عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ، لا أعْلَمُهُ،... الى اخر الحديث.
5 - عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ : أنَّه تَمارَى هو والحُرُّ بنُ قَيْسِ بنِ حِصْنٍ الفَزارِيُّ في صاحِبِ مُوسَى، قالَ ابنُ عبَّاسٍ : هو خَضِرٌ، فَمَرَّ بهِما أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، فَدَعاهُ ابنُ عبَّاسٍ فقالَ : إنِّي تَمارَيْتُ أنا وصاحِبِي هذا في صاحِبِ مُوسَى، الذي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إلى لُقِيِّهِ، هلْ سَمِعْتَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ قالَ : نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ : بيْنَما مُوسَى في مَلَإٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ جاءَهُ رَجُلٌ فقالَ : هلْ تَعْلَمُ أحَدًا أعْلَمَ مِنْكَ؟ قالَ مُوسَى : لا، فأوْحَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ إلى مُوسَى : بَلَى، عَبْدُنا خَضِرٌ...الى اخر الحديث . (صحيح البخارى). فكيف يكون غير النبي أعلم من النبي وأيضا فكيف يكون النبي تابعاً لغير نبي؟!.
وقال ابن حزم في المحلى بالآثار (1/ 71) :
" [ مسألة النبوة هي الوحي من الله تعالى ]
مسألة : والنبوة هي الوحي من الله تعالى بأن يعلم الموحى إليه بأمر ما يعلمه لم يكن يعلمه قبل. والرسالة هي النبوة وزيادة، وهي بعثته إلى خلق ما بأمر ما - هذا ما لا خلاف فيه - والخضر عليه السلام نبي قد مات، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده، قال الله عز وجل حاكيا عن الخضر : { وما فعلته عن أمري }. [الكهف: 82]. فصحت نبوته. وقال تعالى : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين }. [الأحزاب: 40] ." . انتهى.
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثية (ص: 93) :
" لكن معنى قول الخضر عليه السلام لموسى عليه الصلاة والسلام : ( إنك على علم لا أعلمه أنا ). أي لا أعلم خصوص شرعك أو كماله، وإلا فالخضر كان له شرع آخر، بناء على الأصح أنه نبي، ويلزم من كونه نبيا أن له شرعا غير شرع موسى ومعنى قوله:
وأنا على علم لا تعلمه أنت، أي لا تعلم خصوص ما أوتيته فلا ينافي أن موسى علم من المعارف والإلهامات والأحوال والخصوصيات ما لم يحط به الخضر ". انتهى
وقال الإمام الألبانى رحمه الله :
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في أول رسالته «الزهر النضر» : «باب ما ورد في كونه نبياً : قال الله تعالى في خبره عن موسى حكاية عنه : {وما فعلته عن أمري}، وهذه ظاهرة أنه فعله بأمر من الله، والأصل عدم الوساطة، ويحتمل أن يكون بوساطة نبي آخر لم يذكره، وهو بعيد، ولا سبيل إلى القول بأنه إلهام، لأن ذلك لا يكون من غير نبي وحياً حتى يعمل به ما عمل؛ من قتل النفس، وتعريض الأنفس للغرق.
فإن قلنا : إنه نبي، فلا إنكار في ذلك. وأيضاً، كيف يكون غير النبي أعلم من النبي، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح : «أن الله تعالى قال لموسى : بلى عبدنا خضر»؟!. صحيح البخاري. وأيضا فكيف يكون النبي تابعاً لغير نبي؟!
وقال الثعلبي : هو نبي في جميع الأقوال .
وكان بعض أكابر العلماء يقول : أول عقدة تحل من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبياً،
لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبي إلى أن الولي أفضل من النبي! كما قال قائلهم: مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي. انظر ((طبقات الشعراني)) (1/ 68))
قلت : وهناك آية أخرى تدل على نبوته عليه الصلاة والسلام، وهي قوله تعالى في : { آتيناه رحمة من عندنا }، فقد ذكر العلامة الآلوسي في تفسيرها ثلاثة أقوال، أشار إلى تضعيفها كلها، ثم قال : « والجمهور على أنها الوحي والنبوة، وقد أطلقت على ذلك في مواضع من القرآن، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم عن ابن عباس، ... والمنصور ما عليه الجمهور، وشواهده من الآيات والأخبار كثيرة، وبمجموعها يكاد يحصل اليقين » .اه (تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٥ - الصفحة ٣٢٠).
قلت ( الألبانى) : ولقد صدق رحمه الله تعالى، فإن المتأمل في قصته مع موسى عليهما الصلاة والسلام يجد أن الخضر كان مظهراً على الغيب وليس ذلك لأحد من الأولياء، بدليل قوله تعالى : {عالم الغيب فلا يظهر على غيبة أحداً إلا من ارتضى من رسول}، وذلك ظاهر في مواطن عدة من القصة أذكر ما تيسر منها :
1 - قوله لموسى عندما طلب منه الصحبة {إنك لن تستطيع معي صبرا}. فهذا الجزم منه عليه السلام لدليل واضح على أنه كان على علم بذلك، ولم يكن من باب الظن والتخرص منه، حاشاه ويؤيده زيادة جاءت في بعض طرق الحديث عقب هذه الآية بلفظ : « وكان رجلاً يعلم علم الغيب، قد علم ذلك ». (تفسير ابن كثير).
2 - ومثله قوله في تأويله قتل الغلام : « وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك، أرهقهما طغياناً وكفراً, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحماً ». (صحيح الجامع) زاد في رواية : « ووقع أبوه على أمه فعلقت فولدت منه خيراً منه زكاة وأقرب رحماً ». (أخرجه مسلم).
وإخباره عليه السلام أن الغلام طبع كافراً، وأن أباه وقع على أمه فحملت وولدت خيراً منه، لهو من الأمور الغيبية المحضة التي لا مجال للاطلاع عليها إلا من طريق النبوة والوحي، فذلك من أقوى الأدلة على أنه كان نبياً، إن لم يكن رسولا .
قال ابن تيمية : ( يعني : طَبَعه اللهُ في أمِّ الكِتابِ أي: كتَبَه وأثبَتَه كافِرًا أي : أنَّه إن عاش كَفَر بالفِعلِ ) . ((مجموع الفتاوى)) (4/246).
3 - ومن ذلك قول صلى الله عليه وآله وسلم : « لما لقي موسى الخضر عليهما السلام، جاء طير، فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى : تدري ما يقول هذا الطير؟ قال : وما يقول؟ قال : يقول : ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذا منقاري من الماء ». مخرج في «الصحيحة» (2467)
فهذا صريح في أن الخضر قد علم منطق الطير وهو من الغيب الذي لا يعلمه البشر،
فهو في هذا على نحو النبي سليمان عليه الصلاة والسلام الذي حكى الله عنه في القرآن : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ}. (النمل: 16).
وخلاصة القول في هذه المسألة
أن الأدلة المتقدمة إذا تأملها المسلم ووعاها بقلبه تيقن أن الصواب القول بنبوة الخضر كما ذهب إليه جمهور العلماء ولذلك فعل ما فعل من العجائب التي لم يصبر لها موسى عليه الصلاة والسلام، وهو كليم الله تعالى،
وبه نستطيع أن نحل تلك العقدة من الزندقة التي أشار إليها الحافظ ابن حجر فيما سبق، ونحوها مما يعتقده كثير من الصوفية من الاعتقاد بالظاهر والباطن، والحقيقة والشريعة التي أفسد عقيدة كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، فاعتقدوا الصلاح بل الولاية في كثير من الفساق الذين لا يصلون ولا يشهدون جماعات المسلمين ولا أعيادهم بدعوى الظاهر، وأنهم في الباطن من كبار أولياء الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وما قصة شيخ الإسلام ابن تيمية مع البطائحية الذين كانوا يتظاهرون في دمشق بالولاية والكرامة في زمانه حتى نصره الله عليهم، وقضى على باطنهم وباطلهم عن القارئ يعيد . {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. (ق: 37) . انتهى . المصدر : (كتاب موسوعة الألباني في العقيدة) - "حياة الألباني" (1/ 420 - 429).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" الصحيح أن هذا الرجل هو الخضر صاحب موسى عليه الصلاة والسلام، وأنه نبي، وليس مجرد رجل صالح بل الصحيح أنه نبي، ولهذا قال : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} أي : بل عن أمر الله سبحانه وتعالى. " .انتهى من (فتاوى نور على الدرب لابن باز (ص: 109))
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (3/ 286) :
هل الخضر نبي أو رجل صالح؟
الجواب :
الصحيح أن الخضر عليه السلام نبي لما ذكره الله تعالى في سورة الكهف من قصته مع موسى عليهما السلام فإن فيها أنه خرق سفينة كانت لمساكين يعملون في البحر، وقتل غلاما لم يرتكب جريمة، وأقام جدارا ليتيمين بلا أجر في قرية أبى أهلها إطعامهما، وأنكر موسى كل ذلك عليه فبين له السبب أخيرا، ثم ختمت القصة بأن كل ذلك كان منه بوحي من الله وذلك فيما أخبر الله عنه من قوله : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} .انتهى وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم .
وفي شرح تفسير ابن كثير - للراجحي (60/ 10) :
يرى كثير من العلماء أن الخضر ليس نبياً، وأنه عبد صالح، وأنه فعل هذا بإلهام من الله، وهذا ليس بسديد، بل هو قول مرجوح وإن قال به الكثير، والصواب أنه لا يمكن أن يفعل هذا إلا بوحي من الله، ولهذا قال فى الحديث : ( أنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه )، ثم قال في آخر القصة : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. [الكهف:82]. أي : أنه إنما فعل هذا عن وحي من الله فالصواب أنه نبي يوحى إليه، كما بين الله في آخر القصة، كما أنه قال : {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ}. [الكهف:80]، وفي قراءة : ( وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين ).
فكيف يعلم الخضر أنه لو عاش لكان كافراً، وأنه سيرهق أبويه طغياناً وكفراً؟! إنما يعلم ذلك بوحي، وإن الله تعالى أمره بقتله، وأبدل الله أبويه خيراً من هذا الغلام ركاة وأقرب رحماً .
وكذلك الجدار فمن كان يعلم أن تحته كنزاً، وأنه لغلامين يتيمين في المدينة؟! والقول بأن هذا بإلهام من الله ومن العلم اللدني هو من خرافات الصوفية الذين يفعلون الفواحش ويقولون : هذا بإلهام من الله. وفي آخر القصة قال : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. [الكهف:82]. يعني أنه قاله عن أمر الله. انتهى.
وفى شرح سنن أبي داود للعباد (530/ 16 ) :
" الكلام في نبوة الخضر وموته :
وينبغي أن يعلم أن مثل هذا يدل على أن الخضر نبي، وليس بولي فقط؛ لأن الأولياء لا يعرفون الحق إلا عن طريق الأنبياء، وهم تابعون للأنبياء، وأما الخضر فهو نبي، والمحاورة التي جرت بينه وبين موسى تدل على ذلك فقد قال فالحديث : (أنا على علم من الله لا تعلمه وأنت على علم من الله لا أعلمه). ثم قال : (علمي وعلمك إلى علم الله مثل ما أخذه الطائر من البحر بمنقاره). وجاء في سورة الكهف أنه قال : {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}. [الكهف:82]. ".انتهى
دلائل موت الخضر عليه السلام
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الخضر ليس حيًّا وهو الراجح .
وهو قول البخاري ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن كثير ، وابن الجوزي وأبي بكر بن العربي المالكي ، وابن حجر ، وغيرهم .
واستدلوا بأدلة منها :
1- قال تعالى : ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴾. [الأنبياء: 34].
2- عن جابر بن عبدالله يقول : سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر : ( تسألوني عن الساعة وإنما علمُها عند الله وأُقسِم باللهِ ما على ظهر الأرض من نفس منفوسة [مولودة] اليوم يأتي عليها مائة سنة ) . رواه مسلم. فلو كان الخضر حياً زمن النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءت عليه مائة سنة إلا وقد مات .
وقال السهيلي : قال البخاري وطائفة من أهل الحديث : مات الخضر قبل انقضاء مائة سنة من الهجرة . انتهى من (عون المعبود (6/368)).
3- عن جابر بن عبدالله : أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم - فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال : (أمتهوِّكون فيه يا بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده، لو أن موسى صلى الله عليه وسلم كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني ) . حسنه الشيخ الألباني في الإرواء لشواهده (6/34) .
فهذا الأمر في حق موسى فمن باب أولى لو كان الخضر حيًّا ما وسعه إلا أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويجاهد معه ويؤمن به والله تعالى أخذ الميثاق على كل نبي لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه ولم يثبتْ هذا في حديث صحيح .
قال ابن القيم :
الأحاديث التي يذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب ولا يصح في حياته حديث واحد ، وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله - فقال : لو كان الخضر حيًّا ، لوجب عليه أن يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويجاهد بين يديه ويتعلم منه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - يوم بدر : (إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) ، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ، فأين كان الخضر حينئذٍ ؟ .انتهى من (المنار المنيف في الصحيح والضعيف)
وقال ابن الجوزي فى الموضوعات ج1 :
وقد أغرب خلق كثير من المهوسين بأن الخضر حي إلى اليوم وردوا أنه التقى بعلي بن أبي طالب وعمر بن عبدالعزيز ، وأن خلقًا كثيرًا من الصالحين رأوه ، وصنف بعض مَن سمع الحديث ولم يعرفه علله كتابًا جمع فيه ذلك ، ولم يسأل عن أسانيد ما نقل ، وانتشر الأمر إلى جماعة من المتصنِّعين بالزهد ، يقولون : رأيناه وكلمناه ؛ فواعجبًا ألهم فيه علامة يعرفونه بها ؟! وهل يجوز لعاقل أن يلقى شخصًا ، فيقول له : أنا الخضر ، فيصدقه ؟ .اه
قال ابن كثير في البداية :
وقد تصدى الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حالة الخضر" للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات فبين أنها موضوعة،
ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوال وجهالة رجالها. وقد أجاد في ذلك وأحسن الانتقاد . انتهى
وقال أيضا في تفسيره 3/135 :
وذكروا في ذلك أي القائلون بحياته- حكايات وآثاراً عن السلف وغيرهم، وجاء ذكره في بعض الأحاديث ولا يصح شيء من ذلك.. وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف. ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك واحتجوا بقوله تعالى : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ. [الأنبياء:34]. وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.
وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه، ولو كان حيا لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين : الجن والإنس، وقد قال : لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي. وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى من هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف.. إلى غير ذلك من الدلائل . انتهى.
قال ابن كثير أيضا في البداية والنهاية :
وقد قدمنا قول من ذكر أن إلياس والخضر يجتمعان في كل عام من شهر رمضان ببيت المقدس وأنهما يحجان كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من العام المقبل، وأوردنا الحديث الذي فيه أنهما يجتمعان بعرفات كل سنة، وبينا أنه لم يصح شيء من ذلك، وأن الذي يقوم عليه الدليل أن الخضر مات، وكذلك إلياس عليهما السلام . انتهى
قال الإمام الألباني رحمه الله :
قد جمع الحافظ الأحاديث الواردة في الخضرعليه السلام وحياته ولقائه للنبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن عللها في ترجمة الخضر من كتابه (الإصابة) . انتهى من ( السلسلة الضعيفة (12/541) )
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
الصواب أنه قد مات من مدة طويلة قبل بعث النبي ﷺ، هذا هو الحق أنه قد مات وليس بحي ، وكُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ. [العنكبوت:57]، ...
وقد أخبر النبي ﷺ في آخر حياته أنه لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض بعد مائة عام عين تطرف، فإن كان موجودًا ذلك الوقت فقد مات، وأنه ...الآن، مع أن الصحيح أنه قد مات قبل ذلك .انتهى
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق