يُشرع لمن أتى المسجد قبل الجمعة أن يصلي ما شاء من الركعات إلى أن يصعد الخطيب المنبر وهذا هو المأثور عن الصحابة رضوان الله عليهم .
والدليل :
- عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من اغتسل يوم الجمعة، وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادهن أو مس من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين فصلى ما كتب له ثم إذا خرج الإمام أنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى). رواه البخاري
فهذا الحديث يدل على فضل الصلاة قبل الجمعة من غير تقدير للصلاة؛ فيكون أقل ذلك ركعتين، والزيادة عليهما بحسب التيسير.((فتح الباري)) لابن رجب (5/538).
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم استحب التبكير إليها ثم رغب في الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء .
- عن نافع قال : كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك . (صحيح سنن أبي داود)
- روى ابن سعد في الطبقات ( 8/360 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم عن صافية قالت : " رأيت صفية بنت حيي ( وهي من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ماتت في ولاية معاوية ) صلت أربعا قبل خروج الإمام وصلت الجمعة مع الإمام ركعتين " . انظر : [الأجوبَة النافعة ].
قال الشافعي رحمه الله :
(من شأن الناس التهجير للجمعة والصلاة إلى خروج الإمام . ((الأم)) (1/173.
قال ابن تيمية رحمه الله :
المأثور عن الصحابة كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر فمنهم من يصلي عشر ركعات ومنهم من يصلي اثنتي عشرة ركعة ومنهم من يصلي ثمان ركعات ومنهم من يصلي أقل من ذلك .اه (مجموع الفتاوى 189/24)
قال ابن قدامة في المغني :
وينقطع التطوع بجلوس الإمام على المنبر فلا يصلي أحد غير الداخل يصلي تحية المسجد ويتجوز فيها لما روى ثعلبة بن أبي مالك : أنهم كانوا في زمن عمر ابن الخطاب يوم الجمعة يصلون حتى يخرج عمر فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون جلسوا يتحدثون حتى إذا سكت المؤذن وقام عمر سكتوا فلم يتكلم أحد. وهذا يدل على شهرة الأمر بينهم . انتهى.
وقال العمراني رحمه الله :
(ولا ينقطع التنفل ولا الكلام قبل خروج الإمام بالإجماع . ((البيان)) (2/596 .
قال الشيخ الألبانى رحمه الله :
قبل صلاة الجمعة ما فيه سنة بالمعنى الفقهي الذي ذكرناه آنفاً، لكن هناك أمر مرغوب فيه مندوب لكل من دخل يوم الجمعة المسجد عليه أن يصلي ما تيسر له في بعض الأحاديث ما كتب الله له. في حديث آخر : ما بدا له. يصلي ركعتين، أربعة، ستة، ثمانية، عشرة، إلى أن يصعد الخطيب على المنبر، فحنيئذٍ تنتهي الصلاة ويتهيأ للإنصات والإصغاء .انتهى باختصار (الهدى والنور /٥٤/ ١٣: ٨.: .. )
وقال أيضا رحمه الله :
المستحب لمن دخل المسجد يوم الجمعة في أي وقت أن يصلى ما شاء نفلا مطلقا غير مقيد بعدد ولا موقت بوقت حتى يخرج الإمام أما أن يجلس عند الدخول بعد صلاة التحية أو قبلها فإذا أذن المؤذن بالأذان الأول قام الناس يصلون أربع ركعات فمما لا أصل له في السنة بل هو أمر محدث وحكمه معروف.
وقد يتوهم متوهم أن هذا القيام والصلاة كان معروفا على عهد عثمان وأن من أسباب أمره بالأذان الأول هو إيجاد فسحة من الوقت بينه وبين الأذان الثاني ليتمكنوا من السنة القبلية، وهذا مع أنه مما لا دليل عليه وإنما هو مجرد ظن والظن لا يغني من الحق شيئا، ومع أنه لم ينقل، فإن في حديث السائب السابق ما يبعد وقوعه ففيه أن الأذان الأول كان في السوق والسنة القبلية لا تكون في السوق عادة بل في المسجد ومن كان فيه لا يسمعه حتى يصلي حينئذ، ثم إنه لم ينقل أيضا أن هشاما لما نقل الأذان العثماني من الزوراء إلى باب المسجد ونقل الأذان النبوي إلى داخل المسجد كما تقدم لم ينقل أنهم كانوا يصلون بين الأذانين ولو فعلوا لما كان في ذلك حجة لأنه بعد انقراض عهد الصحابة وما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى.
ولذلك قال ابن الحاج في المدخل «٢/ ٢٣٩» : «وينهي الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة لأنه مخالف لما كان عليه السلف رضوان الله عليهم لأنهم كانوا على قسمين: فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم، ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي الجمعة، ولم يحدثوا ركوعا بعد الأذان الأول ولا غيره فلا المتنفل يعيب على الجالس ولا الجالس يعيب على المتنفل، وهذا بخلاف ما هم اليوم
يفعلونه فإنهم يجلسون حتى إذا أذن المؤذن قاموا للركوع (١) فإن قال قائل: هذا وقت يجوز فيه الركوع فقد روى البخاري عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بين كل أذانين صلاة» قالها ثلاثا وقال في الثالثة: «لمن شاء» فالجواب أن السلف رضوان الله عليهم أفقه بالحال وأعرف بالمقال فما يسعنا إلا أتباعهم فيما فعلوه».
قلت : وهذا الجواب غير كاف ولا شاف لأنه أوهم التسليم بأن الحديث يدل على مشروعية قصد الصلاة بين أذان عثمان والأذان النبوي وليس كذلك. فلا بد من توضيح ذلك فأقول : إن الحديث لا يدل على ذلك البتة لأن معنى قوله فيه : «أذانين» أي أذان وإقامة قال الحافظ : وقد جرى الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم «القمرين» للشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلان بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت.
قلت : وسواء كان هذا أو ذاك فالمراد بالأذان الثاني فيه الإقامة قولا واحدا فإذا كان الأمر كذلك فلا يصلح لما ذهب إليه القائل المذكور. ثم إننا فرضنا أن الحديث على ظاهره وإنه يشمل أذان عثمان مع أنه لم يكن في عهده - صلى الله عليه وسلم - اتفاقا - لما دل إلا على استحباب صلاة مطلقة غير مقيدة بعدد وليس البحث في ذلك وإنما هو في كونها سنة راتبة مؤكدة وفي كونها أربع ركعات فهذا مما لا يقوم بصحته دليل لا هذا الحديث ولا غيره كما تقدم بيانه مفصلا.
ويؤيد ما ذكرته أن أحدا من العلماء لم يستدل بالحديث المذكور على سنية صلاة معينة بركعات محدودة بين الأذانين وخاصة أذان المغرب وإقامته بل غاية ما قالوا أنه يدل على الندب فقط وعلى صلاة مطلقة غير محدودة الركعات فليكن الأمر كذلك هنا على الفرض الذي ذكرنا وهذا ظاهر لمن أنصف ولكن الحق أن الحديث لا يدل على مشروعية التنفل إطلاقا بين أذاني الجمعة كما سبق بيانه في أول البحث فهو المعتمد. هذا وأما قول السائل في هذه الفقرة: «وهل تصلى السنة عقب دخول الوقت بلا أذان؟ »
فنقول : يجب أن يتولى الإجابة عن هذا الذين يذهبون إلى مشروعية هذه السنة وأما نحن الذين لا نرى مشروعيتها فالسؤال غير وارد علينا وإنما نقول كلمة موجزة وهو كالخلاصة لهذا البحث المتقدم :
إن الثابت في السنة والذي جرى عليه الصحابة هو الصلاة قبل الأذان وقبل الوقت صلاة مطلقة غير مقيدة بوقت ولا بعدد، فمن كان مقتديا فبهداهم فليقتد، فإن خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. انتهى [الأجوبة النافعة ص ٣٤ - ٤٠].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
يوم الجمعة الصواب أنه ليس فيها وقت نهي عند الزوال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للناس إذا دخلوا المسجد أن يصلوا ما قدر الله لهم، ولم يقل لهم: إلا إذا وقفت الشمس، فدل ذلك على أن يوم الجمعة الصلاة فيه مستمرة إلى دخول الخطيب، وليس فيه وقت نهي في وسط النهار، هذا هو الأرجح؛ فإذا صلى المسلم في المسجد ما يسر الله له من الركعات حتى يدخل الخطيب، فلا بأس . اه ((فتاوى نور على الدرب)) (10/436).
أما الصلاة بعد الجمعة
فقد ورد في عدد الركعات التي تصلى بعد الجمعة حديثان :
الأول : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف ، فيصلى ركعتين. رواه البخاري
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعا. رواه مسلم
فالإنسان مخير في ذلك إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعا والافضل له أن يصليهم فالبيت .
لما رواه البخارى ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. فالتطوع في البيت أفضل لأن الصلاة في البيت أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء وهو من عمل السر وفعله في المسجد علانية والسر أفضل.
قال الإمام الألبانى رحمه الله :
السنة البعدية
مخير فيها الإنسان بعد الجمعة بين ركعتين وبين أربع والتفصيل الذي يذكره بعضهم أنه إذا صلّى أربعا في المسجد وإذا صلّى ركعتين في البيت هذا التّفصيل لا أصل له لكن عموما صلاة النوافل في البيت أفضل من صلاتها في المسجد فإذا كان المصلي للجمعة أراد أن يسلك السبيل الأفضل في صلاة ما بعد الجمعة ركعتين أو أربع ففي البيت وإن أراد أن يصلي على سبيل الجواز ففي المسجد .
أما هذا التفريق بين ركعتين في البيت وأربعة في المسجد فهذا لا أصل له في السنة .اه سلسلة الهدى والنور-((484))
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق