يُشرع الأذان الأول لصلاة الجمعة وهو ما فعله عثمان رضي الله عنه وأقره الصحابة عليه ثم فى زمن علي رضى الله عنه ثم إجماع كل الأمة على مر العصور إلى زماننا هذا من غير نكير ولا يزال العمل قائماً بها إلى الآن في كل أنحاء العالم .
ولكن ينبغي أن يكون متقدماً بزمن يتمكن حضور البعيدين إلى الصلاة وأما كونه قريباً من الأذان الثاني بحيث لا يكون بينهما إلا خمس دقائق وشبهها فإن هذا ليس بمشروع .
والدليل :
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : ( كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر فلما كان في خلافة عثمان وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث فأذن به على الزوراء فثبت الأمر على ذلك ). رواه البخارى
قال ابنُ حجر :
وتبيَّن بما مضَى أنَّ عُثمانَ أحْدَثه لإعلامِ الناس بدخولِ وقتِ الصَّلاة قياسًا على بقيَّة الصَّلوات فألحق الجُمُعةَ بها وأبْقَى خصوصيتَها بالأذان بين يدي الخَطيب .اه ((فتح الباري)) (2/394).
قال شمسُ الدِّين ابن قُدامة :
النِّداء الأوَّل مستحَبٌّ في أوَّل الوقت سَنَّه عثمانُ رضي الله عنه وعمِلَتْ به الأمَّة بعده وهو للإعلامِ بالوقتِ، والثاني للإعلامِ بالخُطبة، والثالث للإعلامِ بقِيام الصَّلاة .اه ((الشرح الكبير)) (2/188)
قال العينيُّ :
وأراد بالأذانِ الأوَّلِ الأذانَ الذي يُؤذَّن على الْمِئْذَنة وهو الأذان الذي أُحدِث على الزَّوراءِ في عهد عثمانَ بن عفَّان رضي الله عنه ولم يُنكِرْه أحدٌ من المسلمين .اه ((البناية)) (3/89).
وقال أيضًا :
... ولكنَّه ثالثٌ باعتبار شرعيَّته باجتهادِ عُثمانَ وموافقةِ سائرِ الصَّحابة به بالسكوت وعدم الإنكار فصار إجماعًا سكوتيًّا .اه ((عمدة القاري)) (6/211).
قال العلامة ابن باز رحمه الله :
كان الأمر في عهد النبي ﷺ أذان واحد مع الإقامة كان إذا دخل النبي ﷺ للخطبة والصلاة أذن المؤذن ثم خطب النبي ﷺ الخطبتين، ثم يقام للصلاة، هذا هو الأمر المعلوم، وهو الذي جاءت به السنة كما قال السائل، وهو أمر معروف عند أهل العلم والإيمان.
ثم إن الناس كثروا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه في المدينة، فرأى أن يزاد الأذان الثالث، ويقال له : الأذان الأول، لأجل تنبيه الناس على أن اليوم يوم الجمعة، حتى يستعدوا ويبادروا إلى الصلاة قبل الأذان المعتاد المعروف بعد الزوال، وتابعه بهذا الصحابة في عهده، كان في عهده علي ، وعبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة، والزبير بن العوام أحد العشرة أيضًا، وطلحة بن عبيد الله .. وغيرهم من أعيان الصحابة وكبارهم،
وهكذا سار المسلمون على هذا في غالب الأمصار والبلدان تبعًا لما فعله الخليفة الراشد عثمان، وتابعه عليه الخليفة الراشد أيضًا علي وأرضاه، وهكذا بقية الصحابة.
فالمقصود أن هذا حدث في خلافة عثمان وبعده، واستمر عليه غالب المسلمين في الأمصار والأعصار إلى يومنا هذا، وذلك أخذًا بهذه السنة التي فعلها عثمان وأرضاه لاجتهاد وقع له، ونصيحة للمسلمين ولا حرج في ذلك؛ لأن الرسول قال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وهو من الخلفاء الراشدين،والمصلحة ظاهرة في ذلك فلهذا أخذ بها أهل السنة والجماعة، ولم يروا بهذا بأسًا، لكونها من سنة الخلفاء الراشدين عثمان وعلي ومن حضر من الصحابة ذلك الوقت جميعًا .اه
وأفتت اللجنة الدائمة :
بأن الأذان العثماني ليس بدعة لما ورد من الأمر بإتباع سنة الخلفاء الراشدين وأنه لم ينكر على عثمان رضي الله عنه أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وتبعه جماهير المسلمين على ذلك . اه (انظر فتاوى اللجنة الدائمة 8/198-(200)).
وسئل العثيمين رحمه الله :
هل نؤذن للجمعة أذاناً واحداً أم أذانين؟
الاجابة :
الأفضل أن يكون للجمعة أذانان اقتداءً بأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ لأنه أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم باتباع سنتهم؛ ولأن لهذا أصلاً من السنة النبوية حيث شرع في رمضان أذانين أحدهما من بلال، والثاني من ابن أم مكتوم رضي الله عنهما،
وقال : "إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم، فكلواواشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"،
ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينكروا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه، فيما نعلم، وأنتم محتاجون للأذان الأول لتتأهبوا للحضور. فاستمروا على ما أنتم عليه من الأذانين، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وتكونوا فريسة للقيل والقال بين أمم تتربص بكم الدوائر والاختلاف .
أسأل الله تعالى أن يجمع قلوبكم، وكلمتكم على الهدى، ويعيذكم من ضلالات التفرق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اه (مجموع الفتاوى للعثيمين - المجلد السادس عشر - كتاب صلاة الجمعة).
فاعلم أخى المسلم أن الأمر بحمد الله واسع فمن أذن أذانا واحدا فقد أحسن ومن أذن أذانين فقد أحسن واتبع سنة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وهو من الأئمة الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباع سنتهم .
أما الوقت المشروع بين الأذان الأول والثاني للجمعة
الوقت الذي يفصل بين أذان الجمعة الأول والثاني هو الوقت الكافي للناس في أن يتهيئوا لصلاة الجمعة ويذهبوا إليها فالأذان الأول لتنبيه الناس على قرب وقت صلاة الجمعة . . حتى ينتبه الناس وينتهوا من بيعهم وشرائهم وأعمالهم الدنيوية ويتجهوا إلى صلاة الجمعة .
وأما الأذان الثاني فهذا إنما يكون إعلامًا بدخول وقت الصلاة ، وهو عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر كما كان في وقت النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى باختصار من "المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان" (1/101) .
إذن
ينبغي أن يكون الأذان الأول متقدماً بزمن يتمكن فيه البعيدين من التهيؤ للصلاة وحضورها. وأما كونه قريباً من الأذان الثاني بحيث لا يكون بينهما إلا خمس دقائق وما شابه فإن هذا ليس بمشروع وليس له فائدة ولم يكن هذا هو الذي قصده الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه حينما أمر به .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق