">

القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

ما ضابط التشبه بالكفار في المظهر


التشبه بالكفار في الظاهر  يورث التشبه بهم في العقيدة أو مودتهم ومسايرتهم وموافقتهم على هواهم مما يحدث التميع في حياة المسلم ويجعله إمعة يتبع كل ناعق والله يريد له العزة والكرامة .

فالتشبه بالكفار المنهي عنه هو : ما كان تشبها فيما اختصوا به من شعائر دينهم وعاداتهم كلبس الصليب والاحتفال بليلة عيد الميلاد ( عيد الكرسمس) فكل ما كان من خصائص الكفار الدينية والعادية فإنه يحرم التشبه بهم فيه مطلقاً دون التفات إلى القصد.

ولكن لا يحرم شيء كالملبس وغيره لمجرد أن الكفار يفعلونه وإنما يحرم التشبه بهم في ما يختصون به فالشيء إذا تفشى بين المسلمين والكفار ولم يكن خاصا بالكفار زال مانع التشبه فهذا هو ضابط التشبه المنهي عنه شرعاً .

كما أنه لا يشترط في التشبه قصد التشبه فإذا كان الفعل من خصائص الكفار فهو تشبه منهي عنه ولو من غير نية التشبه.. ففي حديث عَمْرُو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ قَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم : ( صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ) . رواه مسلم (832).

فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، حتى لا يتشبه المسلم بالكفار في صلاته، مع أنه لا يتصور قصد التشبه بالكفار؛ فصلاة المسلم لله وصلاتهم لغير الله، وربما يجهل المصلي الحكمة من النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ويمنع من ذلك .

لكن الثواب والعقاب على قصد القلب فيقال الفعل تشبه وينهى عنه، لكن لو وقع التشبه من جاهل من غير قصد فلا إثم عليه، لكن يجب عليه أن يقلع عنه متى ما نبه عليه .

قال الحافظ ابن حجر في الفتح :

 وإن قلنا : النهي عنها (أي : عن المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم، فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة . انتهى.

وقال أيضا رحمه الله :

 وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان، وقد سئل مالك عنه فقال : لا بأس به. قيل : فإنه من لبوس النصارى. قال : كان يلبس ههنا . انتهى.

سئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

 ما الضابط في مسألة التشبه بالكفار ؟

فأجاب :

" التشبه بالكفار يكون في المظهر واللباس والمأكل وغير ذلك لأنها كلمة عامة ومعناها أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار بحيث يدل من رآه أنه من الكفار وهذا هو الضابط .

أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز وإن كان أصله مأخوذاً من الكفار ما لم يكن محرماً لعينه كلباس الحرير". انتهى . ("مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي" (3/367)) .

وسئل أيضاً :

 ما هو مقياس التشبه بالكفار ؟

فأجاب :

" مقياس التشبه أن يفعل المتشبِّه ما يختص به المتشَّبه به ، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم ، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه ، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى ، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة ،

 وقد صرح بمثله صاحب الفتح [ابن حجر] حيث قال (10/272) : ( وقد كره بعض السلف لبس البرنس ؛ لأنه من لباس الرهبان ، وقد سئل مالك عنه فقال : لا بأس به . قيل : فإنه من لبوس النصارى ، قال كان يُلْبَسُ ههنا . ا هـ) .

قلت ( ابن عثيمين ) : لو استدل مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم ، فقال : ( لا يلبس القميص ولا العمامة  ولا السراويل ولا البرنس ... الحديث ) ، لكان أولى .

وفي الفتح أيضاً (1/307) : وإن قلنا النهي عنها (أي المياثر الأرجوان) من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى ، فتزول الكراهة . والله أعلم . ا هـ . " انتهى . ("فتاوى العقيدة" (ص245) ).

وسئل الشيخ سليمان بن سليم الله الرحيلي حفظه الله : 

ما هو الضابط في التشبه بالكفار ؟

فأجاب :

الضابط للتشبه بالكفار (أن يفعل الإنسان فعلًا لا يفعله إلا الكفار لا بمقتضى الإنسانية) ، انتبهوا لهذه الضوابط ، (لا يفعله إلا الكفار) فيُخرج ما يفعله الكفار وغيرهم ، فإذا كان هذا الفعل يفعله الكفار وغيرهم ؛ فإنه لا يكون تشبهًا.

 ومن ذلك - فيما يظهر لي أنا والله أعلم - لبس السروايل أو ما يسمى في هذه الأيام بالبناطيل للرجال - إذا لم يكن البنطال ضيقًا ولا شفافًا - فإن لبسه ليس تشبهًا ، لأن هذا لا يختص به الكفار ، بل يلبسه الكفار وغير الكفار من القديم ، وكان يسمى قديما عند العرب بالسراويل .

وأقول : (مالا يفعله إلا الكفار بغير مقتضى الإنسانية) فإذا كان يفعلونه بمقتضى الإنسانية فإنه لا بأس أن نأخذه عنهم ، مثلًا : السيارات ، السيارات اختُرعت عند الكفار ، ويركبون السيارات بمقتضى حاجة الإنسان إلى ركوبها ، فنأخذ عنهم السيارات ، ونركب السيارات ، هذا بمقتضى الإنسانية ، هذا ليس من باب التشبه .

 لكن إذا كان الفعل لا يفعله إلا الكفار ، ويفعلونه بغير مقتضى الإنسانية ، مثل بعض الألبسة الخاصة بهم ، يمثِّل العلماء بطاقية اليهود مثلا ، أو في الألبسة - أنا فيما يظهر لي والله أعلم - أن ما يسمى بالكرفتة من هذا الباب ، من الألبسة الخاصة بالكفار التي يفعلها الكفار ، بل قرأت في بعض الكتب التي تؤرخ لهم أن هذه الكرفتة إنما هي مكان الصليب ، حيث كانوا يضعون في رقابهم صليبًا كبيرًا من خشب أو نحوه ، فلما تمدنوا وثقل عليهم ذلك وضعوا ما يسمى بالفوونكا أو نحوها التي تكون لها وردة طويلة ثم حبل من أسفل ، ثم طوروه إلى ما سموه بالكرفتة ، ويشترطون أن يكون لها عُقَد جانبية وحبل في الوسط يقوم هذا مقام الصليب عندهم، فأنا - يظهر لي والله أعلم - أنه لا يجوز للمسلمين أن يلبسوها .اهـ (من شرح الأصول الثلاثة في درسه في المسجد النبوي في موسم حج 1429-(1430)  

وقال الدكتور خالد بن عثمان السبت حفظه الله :

فالقضايا الدينية لا يجوز أن نشابههم بها بحال من الأحوال - على تفصيل سيأتي - وأما القضايا العادية فإنها على قسمين :

القسم الأول : لا يجوز أن نتشبه بهم فيه، وهي الأمور التي هي بمثابة الشعار لهم، أو التي يفعلونها دون غيرهم، وهي من خصائصهم في العادات، والأزياء، وما إلى ذلك، فهذا أمر يحرم محاكاتهم فيه.

القسم الثاني : أمور العادات الأخرى فالأصل فيها الإباحة، ويجوز للناس أن يفعلوها، لكن بشرط أن لا يكون ذلك بقصد محاكاة الكافر، وعلى أن يكون ذلك فيما ليست من خصائصهم . 
                                                      
 القواعد والضوابط العامة في باب التشبه

القاعدة الأولى :

" كل ما كان من خصائص الكفار الدينية، والعادية فإنه يحرم التشبه بهم فيه مطلقاً دون التفات إلى القصد " : وقد أشرت إلى هذا المعنى قبل قليل في شرح ضابط، أو معنى التشبه.

هذه القاعدة إذا حفظناها انحلت كثير من الإشكالات، فكل ما كان من خصائص الكفار الدينية، والعادية فإنه يحرم التشبه بهم فيه مطلقاً دون التفات إلى قصد الفاعل. فلو أن أحداً من الناس لبس زُنَّاراً - وهو ما يشده النصارى على أوساطهم - فإن ذلك لا ينظر فيه إلى قصد الفاعل، بل يحرم عليه ذلك مطلقاً؛ لأنه من خصائصهم الدينية. وكذلك لو أنه فعل شيئاً من خصائصهم العادية، وقال : أنا لا أقصد ذلك، فإنه لا يجوز له هذا الفعل، وإن كان قصده سليماً .

فلو أنه انتشر بين الناس موضة من الموضات - وهي لبس الزنار مثلاً - فهذه لا تغير من حقيقة الحكم، ولو لبسه أهل الأرض جميعاً؛ فإنه لا يجوز للمسلم أن يلبسه. كذلك لو أن الناس لبسوا الصليب - مثلاً - أو أن النساء لبست القلائد التي عليها الصليب، فإن ذلك لا يجوز، ولو فعله أهل الأرض جميعاً؛ لأن هذا من خصائصهم الدينية، فهذا لا يؤثر فيه الانتشار، وغلبة الفعل على الناس من المسلمين، والكفار .

وبهذا نعرف أيضاً أن قضايا العادات يتغير الحكم معها بالانتشار، فالأمور التي هي من عاداتهم، ولا تتعلق بدينهم إذا صارت من غير ما يختص بهم فإنه يجوز للناس أن يفعلوها، وأن يقوموا بها، أو يلبسوا هذه الأزياء؛ لأن ذلك لم يعد مما يتميز به الكفار .

وأما ضابط كون الشيء من خصائص الكفار فذلك بأن يكون مما يفعلونه دون غيرهم، أو أن يكون ذلك شعاراً لهم بحيث يُظن بمن فعله أنه منهم، وإن وجد من يفعله من بعض الأفراد الذين قد يحسبون على المسلمين، فإن ذلك يبقى من خصائصهم، وفعل هؤلاء الأفراد ممن تقحموا هذا الفعل، وأقدموا عليه لا يغير من حقيقة الحكم شيئاً. ومرجع هذا - أي أن الشيء يكون من خصائصهم في باب العادات، أو ليس من خصائصهم - مرجع ذلك إلى العرف، فإذا شاع في أعراف الناس، وذاع أن هذا الأمر يفعله سائر الناس، وهو ليس من قضاياهم الدينية فإنه يجوز للمسلم أن يفعل ذلك .

القاعدة الثانية :

"كل ما زال اختصاصه بالكفار من العادات فإنه ليس من التشبه" : وهذه ذكرتها مفردة من أجل أن تحفظ، وتضبط، وإلا فقد أشرت إليها في شرح القاعدة السابقة .

كل ما زال اختصاصه بالكفار من العادات فإنه ليس من التشبه، والمثال على ذلك : الأكل على الطاولة : فلربما كان ذلك قد فعله ابتداءً غير المسلمين، ولكنه انتشر في الناس، وليس من خصائص الكفار الدينية، فصار ذلك مشتركاً بين المسلمين، وبين الكفار، فهذا يجوز للمسلم أن يفعله، أي يجوز لنا أن نأكل على هذه المقاعد، وعلى هذه الطاولات، وما إلى ذلك؛ لأن ذلك لم يعد مما يختص بهم.

القاعدة الثالثة :

" ما كان منهياً عنه للذريعة فإنه يفعل للمصلحة الراجحة " : وهذه من أنفع القواعد؛ ذلك أن الأمور المنهي عنها إما أن تكون منهي عنها قصداً، وإما أن تكون منهي عنها من باب النهي عن وسائل الفساد فالقاعدة في هذا الباب أن كل ما كان منهياً عنه للذريعة - يعني من باب الوسائل - فإنه يفعل للمصلحة الراجحة، وأمثلة ذلك كثيرة، ومنها :

 أن يلبس المسلم زي الكفار، إذا كان في بلادهم، وخشي على نفسه الضرر فإنه يجوز أن يتزيا بزيهم، ولا يكون في هذه الحال مذموماً، ولا متشبهاً بهم - كما ذكر ذلك الشيخ تقي الدين ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) - وذلك لدفع مفسدة، وهي خشية الضرر على نفسه، أو لتحصيل مصلحة راجحة، كأن يأتي بأخبارهم للمسلمين، وأن يطلع على عوراتهم.

القاعدة الخامسة :

 "كل ما يعمله المسلم من تشبه بالكفار، أو ما يفضي إلى التشبه فإنه لا يُعان عليه بأي لون من الإعانة؛ لأن الله  يقول : وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. [المائدة: 2] " : فإذا كان هذا المسلم - مثلاً - يريد أن يشارك المشركين في عيد الميلاد، أو هذه المرأة أرادت أن تلبس لباساً هو من خصائص الكفار العادية، أو من خصائصهم الدينية، فإنها لا تُعان على ذلك، فلا يجوز للخياط أن يفصل لها هذا الثوب، ولا يجوز للبائع أن يبيعها هذا الثوب.

إذا جاء من يشتري هذه الكعكة ليشارك اليهود، أو النصارى في عيد من أعيادهم، فإنه لا يجوز للمسلم أن يبيعه ذلك، ولا يجوز له أن يعينه على هذه المشاركة بحال من الأحوال . انتهى باختصار

وإليك الحكمة من النهي عن التشبه

1- التشبه بهم يؤدي إلى تبعية وخضوع المسلمين لهم والشريعة لا تقبل من المسلمين أن يعلنوا تلك الهزيمة حتى وإن كانت واقعاً .

2- التشبه بهم يورث الإختلاط وارتفاع التمييز بين المسلمين والكفار وإضعاف هذا الأصل من أصول الدين يضيع معه أصل عظيم وهو البراءة من الكفار وبغضهم .

3- المشابهة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي وقد يصل الأمر إلى أن يعتقد اعتقادهم أو يرى تصحيح مذاهبهم وآرائهم فبين الظاهر والباطن ارتباط وثيق ويؤثر أحدهما على الآخر .

قال ابن تيمية رحمه الله :

 "فالمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة ، توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي ، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين ، هم أقل كفراً من غيرهم ، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى ، هم أقل إيماناً من غيرهم ". اه. (اقتضاء الصراط المستقيم (1/548))

4- التشبه بهم يورث المودة والمحبة لهم ولدينهم فالتشبه في المظهر الخارجي ملازم للمحبة والولاء القلبي فلا يتشبه الإنسان إلا بمن يحبه والمسلمون مأمورون بالبراءة من الكفار بشتى أنواعهم .

قال ابن تيمية رحمه الله :

 " المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة ، وموالاة في الباطن ، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر ، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة ". انتهى . ("اقتضاء الصراط المستقيم" (1/549)) 


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

تعليقات