اتفق المسلمون على أن من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة ولا تصح الصلاة إلا به لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به في القرآن الكريم قال تعالى : { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ }. [سورة البقرة: الآية 150]. أي جهته .
كل ما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب وهناك طرق كثيرة لمعرفة اتجاه القبلة منها :
* الإستدلال على القبلة بالشمس والقمر ومواقع النجوم
قال الله تعالى : وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون. [الأنعام: 97]
فالله تعالى خلق هذه النجوم لمنافع العباد وهى أن الناس يستدلون بأحوال حركة الشمس على معرفة أوقات الصلاة وإنما يستدلون بحركة الشمس في النهار على القبلة ويستدلون بأحوال الكواكب في الليالي على معرفة القبلة .
قال العيني رحمه الله :
أما الشمس :
فمن أشكلت عليه القبلة وكان بالمشرق يجعل الشمس خلفه في أول النهار وتلقاء وجهه في آخره وإن كان في المغرب فعلى العكس، وإن كان بالشام يجعلها في أول النهار على جانبه الأيسر وفي آخر النهار على جانبه الأيمن، وإن كان باليمن فعلى العكس يجعلها .
أما القمر :
فإنه يطلع في أول الشهر على يمنة المصلي ويختلف مطلعه في اليمنة، فربما كان مع قرب شقه اليسرى، وربما كان إلى مدائرها أقرب، ويطلع في ليلة ثمان وعشرين رفيعا لحظة، ثم يغيب على يسرة المصلي .اه ((البناية)) (2/148).
قال ابن عبد البر :
أجمعوا أن على من غاب عنها بعد أو قرب أن يتوجه في صلاته نحوها بما قدر عليه من الاستدلال على جهتها، من النجوم، والجبال، والرياح، وغيرها . ((الاستذكار)) (2/455).
* الإستدلال على القبلة بالأنهار
يجوز الاستدلال على القبلة بالأنهار الكبار كدجلة والفرات والنيل .
قال العيني رحمه الله :
أما الأنهار والمياه : فإنها تحل جارية من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل يقرب من كتفه اليمنى وتنفذ من الماء في اليسرى، كدجلة والفرات، والنهرين وغيرها من الأنهار، أحدها بخراسان،
والأخرى: بالشام يسمى العاصي، ويقال لهما : العارض؛ لأنهما يخالفان لجريان الماء؛ لأنهما يجريان عن يسرة المصلي إلى يمينه، ولا اعتبار بالأنهار المحدثة والسواقي؛ لأنها بحسب الحاجات، ونيل مصر أيضا يجري إلى الشمال على خلاف الأنهار . ((البناية)) (2/149)
* الإستدلال على القبلة بالنجم القطبى الشمالى
معرفة اتجاة القبلة عن طريق نجم القطب الشمالي وهو بين الفرقدين والجدي وهذا النجم لا يزول من مكانه ويمكن لكل أحد معرفته وأقوى تلك الدلائل في معرفة القبلة نجم القطب الشمالي وهو نجم صغير من بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي وهذا النجم لا يزول من مكانه ويمكن لكل أحد معرفته .
ففي مصر يكون هذا النجم خلف أذن المصلي اليسرى وفي العراق يكون خلف اليمنى وفي الشام يكون وراءه وفي أكثراليمن يكون قبالته مما يلي جانبه الأيسر .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
على كل حال يستدل على القبلة بالقطب سواء كنت في البر أو في البلد ولكن يحتاج إلى معرفة القطب ما هو ... لكن القطب في الشمال وهو نجم خفي كما قال صاحب "الإقناع" وغيره لا يراه إلا حديد البصر في غير ليالي القمر في الليالي الصافية، كذلك يُستدل عليها بالشمس والقمر، طيب فإذا قال قائل ما هو الدليل على الاستدلال على القبلة بالقطب؟ قيل الدليل قوله تعالى (( وبالنجم هم يهتدون )) فإن الله سبحانه وتعالى أطلق الاهتداء بالنجم فالنجم يُهتدى به على الجهات لكل غرض . انتهى باختصار ( زاد المستقنع - كتاب الصلاة -(13))
* الإستدلال على القبلة بالآلات والأجهزة الحديثة
قال الشافعية :
ويجوز الاعتماد على بيت الإبرة في دخول الوقت والقبلة لإفادتها الظن بذلك كما يفيده الاجتهاد. (نهاية المحتاج 1/443).
قال ابن عابدين :
ينبغي الاعتماد في أوقات الصلاة وفي القبلة على ما ذكره العلماء الثقات في كتب المواقيت، وعلى ما وضعوه لها من الآلات كالربع والإصطرلاب، فإنها إن لم تفد اليقين تفد غلبة الظن للعالم بها، وغلبة الظن كافية في ذلك . ((حاشية ابن عابدين)) (1/431).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
وقد سئل : كيف يمكن تحديد اتجاه القبلة في الليل والنهار؟
فأجاب :
هذا يختلف باختلاف علم الناس، والناس يختلفون في هذا العلم، فالذي عنده بوصلة يعرف عن طريق البوصلة، والذي ما يعرف هذا يمكن أن ينظر إلى الشمس؛ طلوعها وغروبها . ((فتاوى نور على الدرب)) (7/362).
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
(وقد يسر الله في زماننا هذا ما يعرف به جهة القبلة بواسطة دلائل القبلة (البوصلة)، فإذا أراد الإنسان أن يسافر إلى جهة ما، فليأخذ معه هذه الآلة؛ حتى يكون على بصيرة من أمره . ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/417).
* الإستدلال على القبلة بخبر العدل الذي يعرف القبلة وتقبل شهادته
فمن اشتبهت عليه جهة القبلة وأخبره من يقبل خبره بجهتها فإنه يلزمه أن يصلي بقوله وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة .
فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة . رواه البخاري .أما خبر الفاسق والكافر فلا يُقبل خبر كل منهما فى ذلك إجماعاً
* الإستدلال على القبلة بمحاريب المسلمين
يجب اعتماد محاريب المسلمين في الدلالة على القبلة ولا يجوز معها الاجتهاد وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة .
قال النووي رحمه الله :
أما المحراب فيجب اعتماده ولا يجوز معه الاجتهاد ونقل صاحب الشامل إجماع المسلمين على هذا واحتج له أصحابنا بأن المحاريب لا تنصب إلا بحضرة جماعة من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة فجرى ذلك مجرى الخبر. (المجموع 3/201)
وهذا على الصحيح شامل لجميع المساجد قديمها وحديثها لأن الناس يعتنون في ضبط اتجاه القبلة قبل البناء .
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق