القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

مشروعية صيام العشر من شهر ذي الحجة وفضائلها


يُشرع صيام الأيام التسعة الأولى من ذي الحجة فمن فضل الله ومنته أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة وكلمة العمل الصَّالح كلمةٌ عامَّة تشمل الصَّلاة والصِّيام والصدقةَ والذِّكر وغير ذلك .

والدليل :

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما : ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه. قالوا : ولا الجهاد؟ قال : ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء. رواه البخاري (969)

2- وفي رواية الترمذي : أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ! وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ . (صحيح سنن الترمذي، (757))

فكلمة (العمل الصَّالح) كلمةٌ عامَّة؛ تشمل : الصَّلاة، والصِّيام، والصدقةَ، والذِّكر، وغير ذلك ..

3- وعن عبدالله ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " ما مِن أيَّام أعظم عند الله، ولا أحبُّ إليه العملُ فيهنَّ مِن هذه الأيَّام العشْر؛ فأكثِروا فيهِنَّ مِن التَّكبير والتَّهليل والتَّحميد "( صحيح - تخريج المسند لشعيب الأرناؤوط - رقم: (5446))

 يشير هذا الحديث إلى أن المقصود بالعمل الصَّالح هنا - أصالةً - هو : الإكثار من ذكر الله . "فأكْثِروا فيهِنَّ من التَّهْليلِ"، وهو قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ "والتَّكْبيرِ"، وهو قَولُ : اللهُ أكبَرُ "والتَّحْميدِ"، وهو قَولُ : الحَمدُ للهِ، وهذا الذِّكْرُ هو الباقياتُ الصَّالِحاتُ، ويَحسُنُ عَمَلُ الطَّاعاتِ بأنْواعِها في هذه الأيَّامِ مع الذِّكْرِ والدُّعاءِ .

4- عن هُنَيْدَةَ بن خالد رضي الله عنه عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عن الجميع قالت :  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ . " صحيح سنن أبي داود "

فيستحب الصوم فى هذه الأيام لإندراجه فى العمل الصالح فالعمل الصالح في هذه الأيام العشر أفضل من غيرها وأما الصيام فلا يصام فيها إلا تسعة أيام فقط واليوم العاشر هو يوم العيد يحرم صومه فصوم التسعة كلها من السنة وليس فرضاً.

 والمراد من ( صيام عشر ذي الحجة ) صيام تسعة أيام فقط  وإنما أطلق عليها أنها عشر على سبيل التغليب .

 وقول بعضهم : إن المراد بتسع ذي الحجة اليوم التاسع هو تأويل مردود وخطأ ظاهر للفرق بين التسع والتاسع .

وأما ما رواه مسلمٌ : 

عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالت : ما رأيتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صائماً في العَشْرِ قَطُّ ).

فهذا لا يمنع من استحباب صومها بدليل أنها داخلة ضمن الأعمال الصالحة والرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حث على العمل الصالح مطلقا فالقول الصادر من الرسول عليه السلام الموجه إلى الأمة هو شريعة عامة أما الفعل الذي يفعله هو فيمكن أن يكون شريعة عامة حينما لا يوجد معارض له ويمكن أن يكون أمراً خاصاً به عليه الصلاة والسلام. 

وقد يكون المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما وعدم رؤيتها له صائماً لا يستلزم العدم لأن الصوم قد لا يظهر أمره .

قال ابن خزيمة رحمه الله فى صحيحه - بعد حديث عائشة السابق : 

" باب ذكَر علّةٍ قد كان النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك لها بعض أعمال التطوع، وإن كان يحثّ عليها، وهي خشية أن يُفرَض عليهم ذلك الفعل؛ مع استحبابه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما خفف على الناس من الفرائض ".

ثمّ روى -رحمه الله- بإِسناده حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت : " كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترك العمل وهو يحب أن يفعله؛ خشية أن يستن به فيفرض عليهم "(وأصله في "صحيح مسلم").

وقال الإِمام النووي -رحمه الله- في "شرحه" (8/ 71) :

 " قال العلماء : هذا الحديث ممّا يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيّام التسعة من أول ذي الحِجّة.

قالوا : وهذا ممّا يتأول؛ فليس في صوم هذه التسعة كراهة؛ بل هي مُستحبّة استحباباً شديداً؛ لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة . ثمّ ذكَر حديث : " ما من أيّام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه ".

قال : " فيتأول قولها لم يصم العشر؛ أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائماً فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر، ويدل على هذا التأويل حديث هُنَيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصوم تسع ذي الحجة ... ". انظر "شرح النووي" (8/ 50).

وقال أيضا رحمه الله :

"وأما حديث عائشة قالت : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط " ، وفي رواية " لم يصم العشر " رواهما مسلم في صحيحه ,

فقال العلماء : وهو متأول على أنها لم تره ، ولم يلزم منه تركه في نفس الأمر لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام , والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن , أو لعله صلى الله عليه وسلم كان يصوم بعضه في بعض الأوقات ، وكله في بعضها , ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما , وبهذا يجمع بين الأحاديث ". انتهى من " المجموع " (6/441) .

قال الحافظ رحمه الله :

" وَاسْتُدِلَّ بِهِ – أي بحديث ابن عباس - عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ ، وَلَا يَرد عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ ". انتهى من (" فتح الباري " (2/460) )

وقال الشوكاني رحمه الله :

" تقدمت أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة على العموم  والصوم مندرج تحتها . وأما ما أخرجه مسلم عن عائشة أنها قالت : " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط"

فقال العلماء : المراد أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيرهما , أو أن عدم رؤيتها له صائما لا يستلزم العدم ,على أنه قد ثبت من قوله ما يدل على مشروعية صومها كما في حديث الباب فلا يقدح في ذلك عدم الفعل ". انتهى من " نيل الأوطار " (4/283)

وقال في "الروضة النديّة" (1/ 556) :

 "وعدم رؤيتها وعِلمها لا يستلزم العدم". انتهى

سئل الشيخ الألباني رحمه الله :

ما هو الجمع بين حديث : ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ) يعني أيام العشر ، وبين ما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط ) ؟

فأجاب :

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام ) ... القاعدة وتأسيسها والتدليل لها بأمثلة كثيرة جداً. 

من ذلك أنه يوجد لدينا حديث آخر في فضل عشر ذي الحجة يدخل في عمومه فضل صيام عشر ذي الحجة حيث جاء هذا الحديث صريحاً في ذكر الصيام وفضله في عشر ذي الحجة فهناك حديث في * صحيح البخاري *: ( ما العمل في يوم بأفضل من العمل في عشر ذي الحجة ) فهنا لم يذكر صياماً لكنه يقول بنص عام أنه لا يوجد يوم العمل الصالح فيه خير من العمل في عشر ذي الحجة، فإذن هذا بعمومه يدل على فضيلة صيام عشر ذي الحجة أي باستثناء يوم العيد.

 فيأتي الآن السؤال : السيدة عائشة تروي أن الرسول عليه السلام ما صام أيام العشر قط فهل يقدم القول الذي ثبت في * صحيح البخاري * بعمومه أم الفعل الذي ثبت في * صحيح مسلم * عن عائشة ؟ 

الجواب من القواعد الأصولية : " القول مقدم على الفعل ".

مثاله : من نفس الباب الذي تضمنه السؤال وهو الصيام ، لقد ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أفضل الصيام صيام داوود عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان لا يفر إذا لاقى ) وفي رواية أن الرسول عليه السلام لما روى هذا الحديث رواه جواباً لابن عمرو حينما رغب أن يزيده في الصيام أن يصوم أكثر من يوم إي ويوم لا ، ( قال: يا رسول الله إني أريد أفضل من ذلك فقال عليه الصلاة والسلام : لا أفضل من ذلك )

فأفضل الصيام هو صوم داود عليه السلام ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، ترى هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم هكذا ، يصوم يوماً ويفطر يوماً ؟ 

الجواب : لا ، يعني هذا الصيام الأفضل الذي نص عليه الرسول عليه السلام في قوله : لم ينقل مطلقاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عمله يجري عليه بل ثبت عن السيدة عائشة نفسها خلاف ذلك، فقد قالت السيدة عائشة : ( ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً إلا رأيناه صائماً وما كنا نشاء أن نراه مفطراً إلا رأيناه مفطراً )

إذن لم يكن الرسول عليه السلام منهاج وخطة عملية في الصيام ، لم هذا وهو يقول : ( أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) ؟ 

لأنه كان لا يتيسر للرسول عليه السلام هذا النهج في الصيام أن يصوم يوماً ويفطر يوماً، لأنه كان بالإضافة إلى صفة النبوة فقد كان رجل دولة ومثل هذا الرجل لا يتسنى له أن يحافظ على النوافل من العبادات والطاعات كما يتسنى ذلك للمتعبد المتفرغ بمثل هذه الطاعة والعبادة.

إذن أفضل الصيام بشهادة قول الرسول عليه السلام صوم يوم وإفطار يوم ، لكن هو ما كان يفعل ذلك بل كان يفعل خلاف ذلك، فأيهما المقدم القول أم الفعل؟ القول مقدم على الفعل ولهذا أمثلة كثيرة وكثيرة جداً ولا أطيل القول بها، 

وإنما أختم هذا الكلام بمثال من واقع حياتنا اليوم المنحرف فيها أكثر الناس عن قول الرسول عليه الصلاة والسلام وأعني بذلك الشرب قائماً، فقد ثبت في غير ما حديث ( نهي الرسول عليه السلام عن الشرب قائماً ) بل لما رأى رجلاً يشرب قائماً قال له متلطفاً في بيان مبلغ خطأ الشرب قائماً ، قال له : ( يا فلان أترضى أن يشرب معك الهر؟ قال: لا يا رسول الله ، قال : فقد شرب معك من هو شر منه الشيطان ، قئ قئ ) يعني استفرغ ما شربت في حالة القيام إلى هذه الدرجة بالغ الرسول عليه الصلاة والسلام في النهي عن الشرب من قيام، 

ومع هذا فقد ثبت أيضاً في * صحيح البخاري * ( أن الرسول عليه السلام شرب قائماً ) وخاصة حينما أتى زمزم في حجة الوداع شرب قائماً فما العمل؟ هل نشرب قياماً أم نشرب قاعدين؟ 

الجواب : نشرب قاعدين ولا يجوز أن نشرب قائمين وإن كان ثبت هذا عن الرسول فقد نهى الرسول عن الشيء الذي ثبت عنه، لأن القول مقدم عن الفعل قاعدة مضطردة، ومن حفظ هذه القاعدة وقاعدة المثبت مقدم على النافي وكثير من القواعد الأصولية بمثلهما تيسر له التوفيق بين كثير من الأحاديث التي يتبادر إلى ذهن بعض الضعفاء في العلم أنها متنافرة متناقضة، 

والحقيقة أن لا تنافر ولا تناقض، لأن القاعدة الأصولية تسهل لنا التوفيق بين هذه النصوص فهو شرب قائماً صحيح ، لكن ترى لم شرب قائماً؟

 يحتمل أن هذا الشرب كان قبل النهي عن الشرب قائماً فإذن كان ذلك في وقت إباحة، يحتمل أن الرسول شرب من قيام لشدة الزحام لا يتيسر له الجلوس، يحتمل أخيراً شربه قائماً خصوصية له كما اختص بأن يتزوج بأكثر من أربع، فكما لا يجوز لمسلم مؤمن بالله ورسوله أن يقول أخي (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )) فهو تزوج بأكثر من أربعة فنحن نتزوج بأكثر من أربعة، 

كذلك لا يجوز أن يقول شرب الرسول قائماً فأنا أشرب قائماً، لأن الجواب في كل من هاتين المسألتين ومثيلاتها أنه تزوج بأكثر من أربع ولكن نهى عن التزوج بأكثر من أربع، شرب قائماً ولكن نهى عن الشرب قائماً، وهذا آخر الأمثلة التي أردت أن أوضح أن القول مقدم على الفعل في كل شيء على الإطلاق . انتهى من (شرح كتاب الأدب المفرد-(166)).

 وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :

على من يقول : صيام عشر ذي الحجة بدعة؟

الجواب :

هذا جاهل يُعلَّم فالرسول ﷺ حض على العمل الصالح فيها، والصيام من العمل الصالح لقول النبي ﷺ : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر قالوا : يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء. رواه البخاري في الصحيح .

ولو كان النبي ﷺ ما صام هذه الأيام، فقد روي عنه ﷺ أنه صامها، وروي عنه أنه لم يصمها؛ 

لكن العمدة على القول، القول أعظم من الفعل، وإذا اجتمع القول والفعل كان آكد للسنة؛ 

فالقول يعتبر لوحده، والفعل لوحده، والتقرير وحده، فإذا قال النبي ﷺ قولًا أو عملًا أو أقر فعلًا كله سنة، لكن القول هو أعظمها وأقواها، ثم الفعل، ثم التقرير، والنبي ﷺ قال : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام يعني العشر. فإذا صامها أو تصدق فيها فهو على خير عظيم، وهكذا يشرع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله ﷺ : ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد. وفق الله الجميع. انتهى من ضمن الأسئلة المقدمة لسماحته في يوم عرفة، حج عام 1418هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 15/ 418).

وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله :

هل الصيام من الأعمال الصالحة فى عشر ذى الحجة؟

الجواب :

نعم بلا شك ولهذا جعله الله من أركان الإسلام، فالصيام بلا شك من الأعمال الصالحة حتى قال الله تعالى في الحديث القدسي : «الصوم لي وأنا أجزي به»وإذا كان كذلك فإن الصوم مشروع،

ومن زعم أن العشر لا تصام فليأت بدليل على إخراج الصوم من هذا العموم : « ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ». 

وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمها فهذه قضية عين، ربما كان لا يصوم؛ لأنه يشتغل بما هو أنفع وأهم، لكن عندنا لفظ الرسول عليه الصلاة والسلام : «ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر».

 على أنه قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يدع صيامها، وقدَّم الإمام أحمد هذا -أعني : أنه لا يدع صيامها- على رواية النفي، وقال : إن المثبت مقدم على النافي، لكن على فرض أنه ليس هناك ما يدل على أنه يصوم فإنه داخلٌ في عموم «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر». اه

وسئل أيضا رحمه الله :

هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صيام عشر ذي الحجة كاملة؟

فأجاب :

" ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبلغ من أن يصومها ، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ، قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) ، ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة .

أما فعله هو بنفسه فقد جاء فيه حديثان : حديث عائشة ، وحديث حفصة ، أما حديث عائشة فقالت : " ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر قط " ، وأما حديث حفصة فإنها تقول : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها " ، 

وإذا تعارض حديثان أحدهما يثبِت والثاني ينفي ، فالمثبت مقدم على النافي ، ولهذا قال الإمام أحمد : حديث حفصة مثبت ، وحديث عائشة نافي ، والمثبت مقدم على النافي .

وأنا أريد أن أعطيك قاعدة :

 إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة ، 
 
ولو أننا قلنا : لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به ، لفات علينا كثير من العبادات ،

ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا ، يجب علينا أن نعمل بمدلوله ، سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق ، أم لم يعملوا به ". انتهى. " لقاء الباب المفتوح " (92 /12) .

وجاء فى فتاوى اللجنة :

صوم تسع ذي الحجة ليس خطأ كما يقوله البعض، بل هو سنة عند جمهور أهل العلم، 

قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على شرح (الزاد) : (صوم تسع ذي الحجة هو قول جمهور أهل العلم، وقال في (الإنصاف) : بلا نزاع) اهـ. وهو يدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه العشر » الحديث رواه البخاري وأهل السنن وغيرهم، والصيام من أفضل الأعمال، 

قال أبو داود في (سننه) : باب في صوم العشر، حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة عن الحر بن الصباح، عن هنيدة بن خالد، عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، أول اثنين من الشهر والخميس » قال في (المنتقى) : رواه أحمد والنسائي، 

وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) : وقد تقدم في كتاب العيدين أحاديث تدل على فضيلة العمل في عشر ذي الحجة على العموم، والصوم مندرج تحتها، 

وقول بعضهم : إن المراد بتسع ذي الحجة اليوم التاسع : تأويل مردود، وخطأ ظاهر للفرق بين التسع والتاسع. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاءالفتوى رقم (20247)

 وإليك فضائل العشر

1- أن الله تعالى أقسمَ بها قال تعالى : ﴿ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾. [الفجر: 2]

قال ابنُ جرير : (والصوابُ من القولِ في ذلكَ عندَنا: أنها عَشْرُ الأَضْحَى، لإجماعِ الحُجَّةِ من أهلِ التأويلِ عليهِ). انتهى . (تفسير الطبرى).

2- أن الله أَمَرَ بذكره فيها قال تعالى : ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾. [الحج: 28]

قال ابنُ عبَّاسٍ : («واذكُرُوا اللهَ في أيامٍ معلُوماتٍ: أيامُ العَشْرِ، والأيامُ المعدُوداتُ: أيامُ التشريقِ») .اه. تفسير ابن كثير.

3- أن الله أقسمَ باليوم التاسع منها وهو يومُ عَرَفة قال تعالى : ﴿ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ  وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾. [البروج: 2، 3]. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (اليومُ الموعُودُ يومُ القيامةِ، وإنَّ الشاهدَ يومُ الجُمُعَةِ، وإنَّ المشهُودَ يومُ عَرَفَةَ، ويومُ الجُمُعَةِ ذخَرَهُ اللهُ لَنا، وصلاةُ الوُسْطَى صلاةُ العَصْرِ). السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني.

4- أن فيها أعظم الأيام قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (إنَّ أَعظَمَ الأيامِ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى يومُ النحرِ ثُمَّ يومُ القَرِّ) . صحيح الجامع.

قال الخطَّابي : يومُ القَرّ : هو اليوم الذي يلي يوم النحر، وإنما سُمِّي يوم القَرِّ لأن الناس يَقِرُّون فيه بمنى، وذلك لأنهم قد فَرَغُوا من طوافِ الإفاضة والنحر فاستراحوا وقرُّوا . انتهى.

وقال الإمام ابن القيِّم : فالزمانُ المتضمِّنُ لمثل هذه الأعمال أهلٌ أن يُقسمَ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ به . انتهى. (التبيان في أقسام القرآن).

قال ابن الجوزي رحمه الله :

اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ أَنَّ عَشْرَكُمْ هَذَا لَيْسَ كَعَشْرٍ وَهُوَ يَحْتِوي عَلَى فَضَائِلَ عَشْرٍ :

الأُولَى : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وجل أقسم به فقال { وليال عشر} وإذا أقسم العظيم بشيءٍ عظَّمه.

والثَّانِيَةُ : أَنَّهُ سَمَّاهُ الأَيَّامَ الْمَعْلُومَات،ِ فَقَالَ تَعَالَى : " ويذكروا اسم الله في أيام معلومات " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ.

والثَّالِثَةُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا.

والرَّابِعَةُ : حدَّث عَلَى أفضلية أَفْعَالِ الْخَيْرِ فِيهِ.

والْخَامِسَةُ : أَنَّهُ أَمَرَ بِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ فِيهِ.

والسَّادِسَةُ : أَنَّ فيه يوم التروية. 

والسَّابِعَةُ : أَنَّ فِيهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَصَوْمُهُ يكفِّر سَنَتَيْنِ.

والثَّامِنَةُ : أَنَّ فِيهِ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَهِيَ لَيْلَةُ الْمُزْدَلِفَةِ.

والتَّاسِعَةُ : أَنَّ فِيهِ الْحَجَّ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ.

والْعَاشِرَةُ : وُقُوعُ الأُضْحِيَةِ الَّتِي هِيَ عَلَمٌ لِلْمِلَّةِ الإِبْرَاهِيمِيَّةِ وَالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ . انتهى من (التبصرة لابن الجوزي)  

وأما الدعاء يوم عرفة الأرجح أنه عام للحاج ولغير الحاج.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيُّون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير . (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1536 )) ) .

قال ابن عبد البر :

"وفيه من الفقه أن دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره،... وفي الحديث أيضًا دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب" .اه. (التمهيد (6/41)) .

وقد ثبت عن بعض السلف أنهم أجازوا " التعريف " وهو الاجتماع في المساجد للدعاء وذكر الله يوم عرفة وإن كان الاجتماع للذكر والدعاء في المساجد يوم عرفة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن قدامة رحمه الله :

قال القاضي : ولا بأس بـ " التعريف " عشية عرفة بالأمصار ( أي ِ: بغير عرفة ) ، 

وقال الأثرم : سألت أبا عبد الله – أي : الإمام أحمد - عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة ، قال : " أرجو أن لا يكون به بأس قد فعله غير واحد " ،

وروى الأثرم عن الحسن قال : أول من عرف بالبصرة ابن عباس رحمه الله وقال أحمد : " أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حُرَيث " .

وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع : كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة ، قال أحمد : لا بأس به ؛ إنما هو دعاء وذكر لله . فقيل له : تفعله أنت ؟ قال : أما أنا فلا ، وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة " انتهى . " المغني " ( 2 / 129 ) . 

أخطاء عامة فى هذه الأيام

* مرور عشر ذي الحجة عند بعض العامة دون أن يعيرها أي اهتمام، وهذا خطأ بيِّن لما لها من الفضل العظيم عند الله (سبحانه وتعالى) عن غيرها من الأيام، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلمأنه قال : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر).

* عدم الاكتراث بالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد فيها وهــــذا الخطأ يقع فيه العامة والخاصة إلا من رحم الله تعالى، فالواجب على المسلم أن يبدأ بالتكبير حال دخول عشر ذي الحجة، وينتهي بنهاية أيام التشريق، لقوله تعالى : ((وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ....)). [الحج: 28].

والأيام المعلومات : العشر، والمعدودات : أيام التشريق، قاله ابن عباس رضي الله عنهما . (صحيح البخاري).

قال الإمام البخاري : وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكـبـر الناس بتكبيرهما . (صحيح البخاري)

قال النووي :

واعلم أنه يُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكارِ في هذا العشر زيادةً على غيرهِ، ويُستحبُّ من ذلكَ في يوم عَرَفةَ أكثرَ من باقي العشرِ ). الأذكار للنووى.

وقال ابن باز :

وبهذا تعلم : أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصحِّ أقوال العلماء في خمسة أيام، وهي: يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مُقيَّدٌ لِما تقدَّم من الآية والآثار .انتهى من (موقع الشيخ ابن باز)

وأما المفاضلة بين التكبير وقراءة القرآن

 فإن قراءة كتاب الله أفضل لقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ وَهِيَ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ . رواه أحمد وصححه الأرناؤوط . 

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن صدقة بن يسار قال : سألت مجاهداً عن قراءة القرآن أفضل يوم عرفة أو الذكر؟ قال : لا، بل قراءة القرآن .

 وقال النووي في شرح صحيح مسلم :

أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده. وفي رواية : أفضل، هذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل، وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل .


والله اعلم


وللفائدة..



هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات