من دخل المسجد ووجد الإمام راكعاً فيجوز له أن يركع قبل الصف ثم يمشي إلى الصف،
سواء رفع الإمام قبل أن ينتهي إلى الصف أو لم يرفع الإمام رأسه من الركوع، فإن الركعة تجزيه،
فإن رفع الإمام رأسه رفع معه ثم يمشي حتى يشارك في الصف، وهذا الذي ذكرناه مُخَصِّص لحديث: «لا صلاة لمن صلى خلف الصف وحده».
فقد ثبت أن ابن عباس رضي الله عنهما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عن يساره فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه، وهذا المشي عمل من الطرفين لمصلحة الصلاة.
وأما كيفية ذلك: بأن يخطو المصلي خطوة ثم يضم الثانية إليها بحيث لا يظن أنه يمشي ولا يصلي فالمشي اليسير لمصلحة الصلاة كالخطوة والخطوتين لا حرج فيه.
والحكمة من تشريع الرُّكوع دون الصَّفِّ : هو إطفاء طمع المصلِّي في إدراك الرَّكعة حتَّى لا يسعى ويجري فهو يمشي في سكينة حتَّى إذا ما اقترب من الصَّفِّ ركع دونه ثُمَّ دبَّ.
وهو قول سعيد بن جبير وعطاء وزيد بن ثابت وعروة ومجاهد وأبو سلمة وأبوعبيدة بن عبد الله بن مسعود وابن جريج ومعمر واللَّيث والأوزاعي والزُّهري،
وهو مذهب الأئمة مالك والشافعي ورواية عن أحمد واختيارالإمام الألباني.
وإليك الأدلة على ذلك:
1- عن أَبي بَكْرة رَضِيَ اللهُ عنه : أنَّه انتهى إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو راكعٌ، فركَعَ قبل أن يَصِلَ إلى الصفِّ،
فذَكَر ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال : زادَكَ اللهُ حِرصًا، ولا تَعُدْ. رواه البخاري.
فلو كانَ انفرادُه قادحًا في صلاتِه لأَمَره بالإعادة.
تنبيه: لا تعارض بين حديث أبي بكرة في التكبير قبل الصف، وحديث وابصة فى النهي عن الصلاة منفردًا خلف الصف، لأن هذا خاص وذاك عام فهو مخصص لحديث وابصة.
وقد دل الحديث على : أن الصحابي أحرم خلف الصف بمفرده ثم تقدم فدخل في الصف، فلم يأمُرْه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقضاءِ تِلك الركعةِ فلمَّا لم يأمُرْه عُلِمَ أنَّها صحيحةٌ وأنَّه مُعتَدٌّ بها.
فمعنى قوله ( ولا تعد) : أي لا تعد إلى الإتيان إلى الصلاة مسرعاً كما ورد في طرق نفس الحديث ( فقال : من الساعي ).
وفي رواية : ( فقال : أيكم صاحب هذا النَفَس ). ويشهد لهذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون".
فهذا النهي الذى فى الحديث لا يشمل الإعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف وإنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة والوقار، وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( قوله : [ لاتعد ] يشبه قوله : [ لا تأتوا الصلاة تسعون ] ) .
- قال الإمام الشافعي رحمه الله : " فكأنه أحب له الدخول في الصف ، ولم ير عليه العجلة بالركوع حتى يلحق بالصف ، ولم يأمره بالإعادة ، بل فيه دلالة على أنه رأى ركوعه منفردا مجزئا عنه ". انتهى من " الأم " (8/636) .
- وذكر ابن عبد البَّر أنَّ معنى قوله : ( ولا تعد ) عند العلماء : لا تعد إلى الإبطاء عن الصَّلاة حتَّى لا يفوتك منها شيء. انتهى من (فتح الباري لابن رجب (6/4)).
- وهو قول ابن حبَّان، قال : أَرَادَ : لَا تَعُدْ فِي إبْطَاء الْمَجِيء إلَى الصَّلَاة. نقله عنه الشوكاني في النيل (5/170).
- قال الإمام أبو داود في مسائله صفحة 35 : سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن رجل ركع دون الصف ثم مشى حتى دخل الصف وقد رفع الإمام قبل أن ينتهي إلى الصف ؟
قال: تجزئه ركعة وإن صلى خلف الصف وحده أعاد الصلاة. انتهى.
2- عن أبي بكرة رضى الله عنه - بسند صحيح : أنه كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا فيركع معهم ثم يدرج راكعًا حتى يدخل في الصف ثم يعتد بها. (أخرجه علي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (١٢٣) قال ثنا حميد عن القاسم بن ربيعة عن أبي بكرة به).
دل هذا الأثر على : أن المقصود بالنهي فى الحديث إنما هو الإسراع في المشي، لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره.
3- عن زيدِ بنِ وهبٍ، قال : إنَّه كان وابن مسعود، وإنَّهما ركعَا دون الصفِّ، قال : فلمَّا فرَغَ الإمامُ قُمتُ أقضي، وأنا أرى أنِّي لم أُدركْ،
فقال ابنُ مسعودٍ : قد أدركتَه. (صحَّحه العيني في ((نخب الأفكار)) (6/212)، وصحح إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/263).
4- وجاء أيضا : أن عبد الله بن مسعود وزيد بن وهب رضي الله عنهما أنهما خرجا إلى المسجد فلما توسطا المسجد ركع الإمام فكبرا وركعا ثم مشيا راكعين حتى انتهيا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم. (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ([(1/99)]) وعبد الرزاق و الطحاوي و الطبراني و البيهقي بسند صحيح و الآثار في ذلك كثيرة و ذكرها الألباني ([السلسلة الصحيحة تحت رقم (229) ]).
5- عن عبدالله بن الزبير قال : إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع ؛ فليركع حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة. (السلسلة الصحيحة رقم (229)) ورواه ابن خزيمة ( 1571 ) والطبراني في المعجم الأوسط والحاكم في المستدرك ( 1 / 214 ) وقال : صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي وشعيب الارناؤوط.
فقول عبد الله بن الزبير (من السُنَّة) له حكم المرفوع وقاله وهو يخطب في المسجد الحرام ولم ينكر عليه أحد.
قال ابن تيمية رحمه الله :
وأما حديث أبي بكرة فليس فيه أنه صلى منفردا خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركا للركعة،
فهو بمنزلة أن يقف وحده ثم يجيء آخر فيصافه في القيام فإن هذا جائز باتفاق الأئمة،
وحديث أبي بكرة فيه النهي بقوله : " ولا تعد " وليس فيه أنه أمره بإعادة الركعة كما في حديث الفذ فإنه أمره بإعادة الصلاة وهذا مبين مفسر وذلك مجمل،
حتى لو قدر أنه صرح في حديث أبي بكرة بأنه دخل في الصف بعد اعتدال الإمام كما يجوز ذلك في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره،
لكان سائغا في مثل هذا دون ما أمر فيه بالإعادة فهذا له وجه وهذا له وجه. انتهى من (مجموع الفتاوى (23/ 397)).
** وقال العلامة الألباني رحمه الله :
ومما يشهد لصحة قول عبد الله ابن الزبيرعمل الصحابة به من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبوبكر الصديق وزيد بن ثابت وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن الزبير .
1- فقد روى البيهقي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام : أن أبابكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع فركعا ثم دبا وهما راكعان حتى لحقا بالصف.
2- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف : أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع كبر فركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف. (رواه البيهقي ( 2 / 90 و 3 / 106 )، وسنده صحيح).
3- عن زيد بن وهب قال : خرجت مع عبدالله – يعني ابن مسعود من داره إلى المسجد فلما توسطنا المسجد ركع الإمام فكبر عبدالله وركع وركعت معه ثم مشينا راكعين،
حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم, فلما قضى الإمام الصلاة قمت وأنا أرى أني لم أدرك فأخذ عبدالله بيدي وأجلسني , ثم قال : أنك قد أدركت .
4- عن عثمان بن الأسود قال : دخلت أنا وعبدالله بن تميم المسجد فركع الإمام فركعت أنا وهو ومشينا راكعين حتى دخلنا الصف,
فلما قضينا الصلاة قال لي عمرو : الذي صنعت آنفاَ ممن سمعته ؟ قلت من مجاهد قال : قد رأيت ابن الزبير فعله.
والآثار في ذلك صحيحة وكثيرة فمن شاء الزيادة فليراجع المصنفين،
وهذه الآثار تدل على شيء آخر غير ما دل الحديث عليه وهو أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة،
وقد ثبت ذلك من قول ابن مسعود وابن عمر بإسنادين صحيحين عنهما وقد خرجتهما في إرواء الغليل وفيه حديث حسن مرفوع عن أبي هريرة خرجته أيضاً هناك، فلا تغتر بنشرة تخالفه.........
إلى أن قال رحمه الله :
فإن قوله : ( لا تعد ), يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه فعله في هذه الحادثة، وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور :
الأول: اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط .
الثاني: إسراعه في المشي , كما في رواية لآحمد من طريق أخرى عن أَبِي بَكْرَةَ أنه:
جَاءَ وَالنَّبِيُّ رَاكِعٌ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَوْتَ نَعْلِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ يَحْضُرُ [ أي يعدو ] يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الرَّكْعَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ قَالَ مَنْ السَّاعِي قَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا قَالَ : ( فذكره ), وأسناده حسن في المتابعات,
وقد رواه ابن السكن في صحيحه نحوه , وفيه قوله : ( ان انطلقت أسعى ... ) , وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( من الساعي ... )،
ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأول بلفظ : ( جئت رسول الله راكع , وقد حفزني النفس , فركعت دون الصف...). الحديث وإسناده صحيح,
فإن قوله : ( حفزني النفس ), معناه : اشتد، من الحفز وهو الحث والإعجال, وذلك كناية عن العدو .
الثالث: ركوعه دون الصف, ثم مشيه إليه .
وإذا تبين لنا ما سبق: فهل قوله : ( لا تعد ) نهي عن الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها ؟
ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه، فأقول:
أما الأمر الأول: فالظاهر أنه لا يدخل في النهي لأنه لو كان نهاه عنه لأمره بإعادة الصلاة لكونها خداجاً ناقصة الركعة،
فإذا لم يأمره بذلك دل على صحتها وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدرك ركوعها.
فقول الصنعاني في سبل السلام : ( لعله لم يأمره لأنه كان جاهلاً للحكم والجهل عذر ). فبعيد جداً إذ قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أمره للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلاً أيضاً،
فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته وإنما الاطمئنان فيها لا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة وقد فوت على نفسه ركعة لو كانت لا تدرك بالركوع ؟
ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهياً وقد فعله كبار الصحابة كما تقدم في الحديث الذي قبله؟ فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله: ( لا تعد ).
وأما الأمر الثاني: فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الرويات, ولأنه لا معارض له,
بل هناك ما يشهد له وهو حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ والوقار). متفق عليه .
وأما الأمر الثالث: فهو موضع نظر وتأمل, وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه:( أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ), مع قوله له : ( لا تعد ),
يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر وإن كان ليس نصاً في ذلك لاحتمال أنه يعني شيئاً آخر غير هذا مما فعل،
وليس يعني نهيه عن كل ما فعل، بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا الأمر الثالث أيضاً .
وهذا وإن كان خلاف الظاهر فإن العلماء كثيراً ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع،
مثل ترك مفهوم النص لمنطوق نص آخر وترك العام للخاص ونحو ذلك .
وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من هذا القبيل فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف، مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبدالله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة.
وإذا كان الأمر كذلك : فلا بد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما لأن هذا دلالته على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله،
وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقاً به وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملاً,
ومما لا شك فيه أيضاً أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة بل محتملة، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث .
وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور :
أولاً : خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد الحرام وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد.
ثانياً : عمل كبار الصحابة به كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت – كما تقدم – وغيرهم فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول،
بخلاف هذا الحديث فإننا لا نعلم أن أحداً من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة،
فكان ذلك كله دليلاً قوياً على أن دلالته فيها مرجوحة وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في الدلالة عليها, والله أعلم.
وقد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث: ( وقد رأيت عطاء يصنع ذلك ) .
قال الصنعاني : ( قلت : وكأنه مبني على أن لفظ : [ ولاتعد ] بضم المثناة الفوقية من الإعادة أي : زادك الله حرصاً على طلب الخير, ولا تعد صلاتك, فإنها صحيحة,
وروي بسكون العين المهملة من العدو, وتؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة [ ثم ساقها , وقد سبق نحوها من رواية أحمد , مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه , ثم قال:
والأقرب أن رواية : [ ولاتعد ], من العود, أي: لا تعد ساعياً إلى الدخول قبل وصولك الصف , فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن لا يعيدها,
بل قوله: [ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا ], يشعر بإجزائها, أو: [ لاتعد ], من [ العدو].
قلت: لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع ولما دخل فيه الركوع خارج الصف,
ولم يوجد بالتالي أي تعارض بينه وبين حديث ابن الزبير , ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت فقد وقع في صحيح البخاري وغيره باللفظ المشهور: [ لا تعد ] .
قال الحافظ في الفتح : ( ضبطناه في جميع الرويات بفتح أوله وضم العين من العود ) .ثم ذكر هذا اللفظ ولكنه رجح ما في البخاري فراجعه إن شئت .
ويتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف وإنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة والوقار،
كما تقدم التصريح بذلك من حديث أبي هريرة وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : ( قوله : [ لاتعد ] يشبه قوله : [ لا تأتوا الصلاة تسعون ] ).
ثم وجدت ما يؤيد هذه الترجمة : من قول راوي الحديث نفسه أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه الذي يؤكد أن النهي فيه: [ لاتعد ], لا يعني الركوع دون الصف والمشي إليه ولا يشمل الاعتداد بالركعة،
فقد روى علي بن حجر في حديثه حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني: حدثنا حميد عن القاسم بن ربيعة عن أبي بكرة – رجل كانت له صحبة – أنه:
( كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا فيركع معهم ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف ثم يعتد بها )
قلت: وهذا إسناد صحيح, وفيه حجة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره،
ولا سيما إذا كان هو المخاطب بالنهي فخذها فإنها عزيزة قد لا تجدها في المطولات من كتب الحديث والتخريج. وبالله التوفيق. انتهى من (سلسلة الأحاديث الصحيحة ــ 1 / (401)) و(سلسلة الأحاديث الصحيحة ــ 1 / (404)) و(سلسلة الهدى والنور -الشريط رقم (265)).
تنبيه: حديث أبي هريرة : ( إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ). ضعيف مرفوعاً. (السلسلة الضعيفة-رقم : (977)).
الخلاصة
الركوع قبل الصف قول جمهور الصحابة والتابعين والأئمة المتبعين، ولا يضر جهل من جهله في عصرنا مع شهرته في عصر السلف، وهم القوم لا يشقى متبعهم، ورحم الله من أحيا سنتهم.
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق