من صَال على نفسه أو حُرمته أو ماله آدمي أو بهيمة فله الدفع عن ذلك بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به فإن لم يندفع إلا بالقتل فله ذلك ولا ضمان عليه وإن قُتل فهو شهيد ولكنه يغسل ويصلى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء بخلاف شهيد المعركة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه .
فالمعتدي على النفس أو المال أو العرض يسميه العلماء صائلاً ودفع الصائل بما يندفع به مشروع بالأخف فالأخف فلا يجوز قتله إن كان يندفع بما دون ذلك، وان لم يندفع إلا بالقتل جاز قتله بعد إنذاره فإن قتل فهو في النار وأما إن قتل هو من يدفعه عن نفسه أو عرضه أو ماله فالمقتول شهيد.
وإليك الأدلة :
1- فعَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
"جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : الرَّجُلُ يَأْتِينِي فَيُرِيدُ مَالِي ، قَالَ : ذَكِّرْهُ بِاللَّهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ ؟ قَالَ : فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ : فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ ، قَالَ : فَإِنْ نَأَى السُّلْطَانُ عَنِّي ؟ قَالَ : قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَكُونَ مِنْ شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ، أَوْ تَمْنَعَ مَالَكَ " .
(صحيح النسائي).
2- جاء في صحيح الإمام مسلم :
أن رجلاً قال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار.
قال الإمام النووي
في شرحه على مسلم :
فيه جواز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلاً أو كثيراً لعموم الحديث. وهذا قول لجماهير العلماء.. وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز قتله إذا طلب شيئاً يسيراً كالثوب والطعام وهذا ليس بشيء والصواب ما قاله الجماهير، وأما المدافعة عن الحريم فواجبة بلا خلاف.اه
وجاء في روض الطالب :
ويجب الدفع للصائل بالأخف إن أمكن كالزجر ثم الاستغاثة ثم الضرب باليد ثم بالسوط، ثم بالعصا، ثم بقطع عضو، ثم بالقتل..ومتى أمكنه الهرب أو التخلص لزمه... اهـ
جاء في
"تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" :
"(ومَنْ شَهَرَ على المسلمين سيفًا وَجَبَ قتْلُه ولا شيءَ بِقَتْلِه)؛ لقولِه عليه الصلاة والسلام : "مَنْ شَهَرَ على المُسلمين سيفًا فقدْ أطلَّ دَمَهُ". -أي أهدره- ولأنَّ دفعَ الضَّررِ واجب، فوَجَبَ عليْهِم قتلُه إذا لم يُمْكِن دفعُه إلاَّ به، ولا يَجِبُ على القاتل شيءٌ لأنَّه صار باغيًا بذلك، وكذا إذا شَهَرَ على رجُلٍ سلاحًا فقَتَلَهُ أو قَتَلَهُ غيرُه دفعًا عنْهُ فلا يَجِبُ بقَتْلِه شيء لما بيَّنَّا". اه
قال ابن تيمية رحمه الله :
" وأما الدفع عن الحرمة :
مثل: أن يريد الظالم أن يفْجُر بامرأة الإنسان أو ذات محرمه ، أو بنفسه ، أو بولده ونحو ذلك فهذا يجب عليه الدفع لأن التمكين من فعل الفاحشة لا يجوز ... وإذا لم يندفع إلا بالقتال وهو قادر عليه قاتل ". اه
"جامع المسائل" (4 / 230) .
وقال القرطبي رحمه الله :
مذهب ابن عمر والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والنعمان، وبهذا يقول عوام أهل العلم أن للرجل أن يقاتل عن نفسه وأهله وماله إذا أريد ظلما، للأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص وقتاً دون وقت، ولا حالاً دون حال إلا السلطان. فإن جماعة أهل الحديث كالمجتمعين على أن من لم يمكنه أن يمنع عن نفسه وماله إلا بالخروج على السلطان ومحاربته أنه لا يحاربه ولا يخرج عليه. انتهى.
( تفسير القرطبي - تفسير سورة المائدة - الآية 33)
وسئل العلامة ابن باز رحمه الله :
إنسان مثلاً : قتل شخصًا آخر بقصد الدفاع عن النفس فهل في ذلك شيء؟
الجواب :
إذا كان القاتل دافع عن نفسه ظلمه المقتول وأراد قتله، أو ضربه فلم يزل يدافعه حتى قتله فلا شيء عليه؛ لأنه مدافع عن نفسه مظلوم، لكن يدفع بالأسهل فالأسهل فإذا لم يتيسر دفع الصائل إلا بالقتل قتله والحمد لله، نسأل الله العافية. نعم. اه
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
"الآدمي لو صال على آدمي آخر ليقتله أو يأخذ ماله أو يهتك عرضه ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله .
فإن قال قائل : ما هو الدليل في مسألة الآدمي؟ الدليل : أنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن رجلاً سأله وقال: (يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجلٌ يطلب مالي؟ قال: «لا تعطه مالك»، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: «قاتله» ، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلته؟ قال: «هو في النار»، قال: يا رسول الله! أرأيت إن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد».
لكن بشرط :
ألا يندفع إلا بالقتل، أما إذا كان يندفع بدون القتل فإنه لا يجوز أن تقتله، كما لو كنت أقوى منه، وتستطيع أن تمسك به وتأسره وتسلم من شره لا يجوز لك أن تقتله، لأنه يدفع بالأسهل فالأسهل ". انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (82/12) بتصرف يسير.
وقال أيضا رحمه الله :
الدفاع عن العرض لا شك أنه شهادة، لكنه ليس كالشهادة في سبيل الله. بمعنى : لو أن الإنسان أراد أهلك مثلا يفعل بهم الفاحشة فلك أن تدافع حتى تموت، فإذا قتلت فأنت شهيد، لكن الشهادة في سبيل الله هي أن يقتل الإنسان وهو مقاتل لتكون كلمة الله هي العليا. هذا هو الميزان. اه
(مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(25/456))
ولا تنس أخى المسلم
أن على المعتدى عليه أن يتدرّج في دفع العدوان بالأخف فالأخف فإن لم يستطع كفّ المعتدي إلا بالقتل جاز القتل حينئذ .
قال النووي رحمه الله :
" أما كيفية الدفع
فيجب على المصول عليه رعاية التدريج والدفع بالأهون فالأهون فإن أمكنه الدفع بالكلام ، أو الصياح ، أو الاستغاثة بالناس لم يكن له الضرب ...أما إذا لم يندفع الصائل إلا بالضرب فله الضرب ... ولو أمكن بقطع عضو ، لم يجز إهلاكه ... ولو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ولم يجد المصول عليه إلا سيفا أو سكينا فالصحيح أن له الضرب به ... والمعتبر في حق كل شخص حاجته ". اه
. (" روضة الطالبين " (10 / 187) ).
فإذا أمكن دفع الصائل بالأمر بالمغادرة
فليس للمصول عليه أن يجرحه أو يقتله وإذا انصرف بالضرب فليس له جَرْحُه وكذلك إذا جرحه جرحاً عطَّله لم يكن له أن يثني عليه لأنه كُفي شره فإن فعل ذلك كان ظالماً ومعتدياً وتحمَّل مسؤولية فعله بالقصاص منه لأنه تجاوز حد الدفاع الشرعي. اه [الأم للشافعي: 7/79].
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
لو رأى شخص أحدًا يعتدي على عِرْض امرأة مسلمة ودافع عنها ثم قُتل؟
الجواب :
شهيد ما في شك لأنه مظلوم.
س :
ولو قتله؟
الشيخ :
المقتول ظالم، المقتول في النار، الظالم يتعدى على حرم المسلمين هو ظالم، نسأل الله العافية، يعني مُتَوَعَّد بالنار وتحت مشيئة الله .
س :
لو قتله دفاعًا عن المرأة؟
الشيخ :
القاتل مجتهد مأجور، والمقتول الذي قُتل على إقدامه على الفاحشة مستحق للنار، كما جاء في الحديث؛ لظلمه، نسأل الله العافية.
س :
لو كان الصائل
يندفع بغير القتل؟
الشيخ :
يدفعه بالأسهل فالأسهل، بالضرب بالكلام بالوعيد، فإذا لم يندفع إلا بالقتل ساغ له القتل فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. [التغابن:16].اه
وأما التوفيق
بين أحاديث
ترك الدفاع على النفس كحديث :
"فكُنْ عَبْدَ اللَّه المقتولَ ولا تَكُنْ عَبْدَ اللَّه القاتِل".
وبين أحاديث الدفاع عن النفس
هو أن أحاديث الدفاع عن النفس خاصة بزمن غير الفتنة وأحاديث ترك الدفاع عن النفس خاصة بالفتنة وانتشار القتل فلا تعارض بينهما .
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق