القائمة الرئيسية

الصفحات

أحدث المواضيع

إذا بُني المسجد على قبر وجب هدمه ولا تصح الصلاة فيه سواء كان القبر في جوف المسجد أو في حوش المسجد لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البناء على القبور واتخاذها مساجد فإذا أتخذها الانسان مسجداً فقد عصى الله ورسوله وأما إن كان المسجد سابقاً على القبر بحيث يُدفن الميت فيه بعد بناء المسجد فتجوز الصلاة فيه مع الكراهة بشرط أن يكون القبر فى  غير اتجاه القبلة لماثبت في صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لاتجلسوا على القبور ولاتصلوا إليها» .

ولكن الأولى للمسلم أن يترك الصلاة فى أى مسجد فيه قبر سواء طرأ المسجد على القبر أو طرأ القبر على المسجد لأن بعض العلماء يحكمون ببطلان الصلاة فى كلا الحالتين .

وإليك ما جاء فى السنة :

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)). قالت : فلولا ذاك أبرز  قبره غير أنه خُشي أن يتخذ مسجداً. رواه البخاري (1390)، ومسلم (529).

2- عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة له، فإذا اغتم كشفها عن وجهه وهو يقول: ((لعنة الله على اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) تقول عائشة: ((يُحذِّر مثل الذي صنعوا)) . رواه البخاري (435، 436)، ومسلم (531).

قال الحافظ ابن حجر: وكأنه صلى الله عليه وسلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض، فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذمّ من يفعل فعلهم .اه

3- عن جندب بن عبدالله البجلي : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمسٍ وهو يقول : ((قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن يكون لي فيكم خليل، وإن الله عز وجل قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)). رواه مسلم (532).

4- عن عبدالله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء، ومن يتخذ القبور مساجد)). قال الألباني في ((تحذير الساجد)): صحيح.

5- عن أنس رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور). ((صحيح الجامع)) (6893): صحيح.

قال الفقيه ابن حجر الهيتمي :

الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون : اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها .

ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها، ثم قال : (تنبيه) : عدّ هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية، ... ووجه اتخاذ القبر مسجداً منها واضح، لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة، ففيه تحذير لنا كما في رواية : ((يُحذِّر مثل الذي صنعوا))  أي يُحذِّر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك، فيلعنوا كما لعنوا، ومن ثم قال أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت، فقال بعض الحنابلة: قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادّة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وابتداع دين لم يأذن به الله، للنهي عنها ثم إجماعاً، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها، واتخاذها مساجد، أو بناؤها عليها والقول بالكراهة محمول على غير ذلك، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله، ويجب المبادرة لهدمها، وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره .اهـ. ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/121).

فكل من يتأمل في تلك الأحاديث الكريمة يظهر له بصورةٍ لا شك فيها أن الاتخاذ المذكور حرام بل كبيرة من الكبائر لأن اللعن الوارد فيها ووصف المخالفين بأنهم شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يكون في حقّ من يرتكب ما ليس كبيرة كما لا يخفى. فالصلاة في المساجد التي بنيت على القبور لا تصح سواء كان القبر في مقدمها أو عن يمينه أو شماله أو خلفه أما إذا كان خارج المسجد والمسجد خارج عنه تصح الصلاة .

وللصلاة في مسجد فيه قبر داخل حدوده حالتان :

1- أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها كما يفعله كثير من العامة وغير قليل من الخاصة فلا شك فى بطلان الصلاة وتحريمها فى هذه الحالة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله : " فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". (مسلم 532)والأصل أن النهي في مثل هذه الحالة يقتضي فساد المنهي عنه.

 قال ابن تيمية رحمه الله :

 "وكل من قال : إن قصد الصلاة عند قبر أحد أو عند مسجد بني على قبر أو مشهد أو غير ذلك : أمر مشروع بحيث يستحب ذلك ويكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه : فقد مرق من الدين وخالف إجماع المسلمين". ( مجموع الفتاوى 27/488).

قال الله تعالى :

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}.

قال القرطبي : 

"فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. وإذا ثبت تجنب أصحاب المعاصي كما بينا فتجنب أهل البدع والأهواء أولى". (أحكام القرآن 5/418).

2- أن يصلي فيها اتفاقا لا قصدا للقبر وإنما لقرب المسجد ونحو ذلك فقد اختلف فيه أهل العلم على قولين :

• فذهب الشافعية إلى كراهة الصلاة فيه وينسب للجمهور. (تحفة المحتاج 2/167، وانظر: تحذير الساجد 163).

• وذهب الحنابلة إلى تحريم الصلاة فيه وبطلانها. (الفروع 3/381).

قال العلامة الألبانى رحمه الله :

أما في الحالة الثانية فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها وإنما الكراهة فقط لأن القول بالبطلان في هذه الحالة لا بد له من دليل خاص والدليل الذي أثبتنا به البطلان في الحالة السابقة إنما صح بناء على النهي عن بناء المسجد على القبر فيصح القول بأن قصد الصلاة في هذا إلا مع تحقق قصد البناء فيصح القول ببطلان الصلاة فيه دون قصد.

 فليس عليه نهي خاص يكمن الاعتماد عليه فيه ولا يمكن أن يقاس عليه قياسا صحيحا بل له أولويا ولعل هذا هو السبب في ذهاب الجهمور إلى الكراهة . (انظر: تحذير الساجد).

قال ابن تيمية رحمه الله :

"فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره هذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين ، وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك  ولأحاديث أخر" .انتهى . (اقتضاء الصراط ص (330)).

وقال العلامة العثيمين رحمه الله :

الصلاة في مسجد فيه قبر على نوعين : 

الأول :

 أن يكون القبر سابقاً على المسجد بحيث يبنى المسجد على القبر فالواجب هجر هذا المسجد وعدم الصلاة وعلى من بناه أن يهدمه فإن لم يفعل وجب على ولي أمر المسلمين أن يهدمه. 

والنوع الثاني :

 أن يكون المسجد سابقاً على القبر بحيث يدفن الميت فيه بعد بناء المسجد فالواجب نبش القبر وإخراج الميت منه ودفنه مع الناس وأما المسجد فتجوز الصلاة فيه بشرط أن لا يكون القبر أمام المصلي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.

 أما قبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي شمله المسجد النبوي فمن المعلوم أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بني قبل موته فلم يُبن على القبر، ومن المعلوم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُدفن فيه وإنما دُفن في بيته المنفصل عن المسجد.

 وفي عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلى أميره على المدينة وهو عمر بن عبد العزيز في سنة 88 من الهجرة أن يهدم المسجد النبوي ويضيف إليه حُجَرَ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فجمع عمر وجوه الناس والفقهاء وقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين الوليد فشق عليهم ذلك، وقالوا: تركها على حالها أدعى للعبرة، ويحكى أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة، كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً فكتب عمر بذلك إلى الوليد فأرسل الوليد إليه يأمره بالتنفيذ فلم يكن لعمر بد من ذلك،

 فأنت ترى أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم لم يوضع في المسجد ولم يبن عليه المسجد فلا حُجَّة به لمحتج على الدفن في المساجد أو بنائها على القبور وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قال ذلك وهو في سياق الموت تحذيراً لأمته مما صنع هؤلاء. 

ولما ذكرت له أم سلمة رضي الله عنها كنيسة رأتها في أرض الحبشة وما فيها من الصور قال : "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله".

 وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون من القبور مساجد". (أخرجه الإمام أحمد بسند جيد). والمؤمن لا يرضى أن يسلك مسلك اليهود والنصارى ولا أن يكون من شرار الخلق .اه (مجموع الفتاوى - المجلد الثاني عشر - باب اجتناب النجاسة)

 وسئل أيضا رحمه الله :

هل إذا كان المسجد مبنياً على قبر أو قبر أدخل المسجد على حد سواء؟

الجواب :

لا، إذا بني المسجد على قبر وجب هدمه ولا تصح الصلاة فيه .

وإذا دفن أحدٌ في المسجد : لم يجب هدم المسجد وإنما يجب نبش القبر ودفنه مع الناس ثم الصلاة في هذا المسجد صحيحة لكن لا يجعل القبر بينه وبين القبلة." انتهى من لقاء "الباب المفتوح" (234/27) ترقيم الشاملة .

وسئل أيضا :

 عن رجل صلى في مسجد به قبر ولم يعلم إلا بعد الصلاة فهل يعيد الصلاة مرة أخرى ؟

فأجاب :

 "لا يعيد الصلاة مرة أخرى "(انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/2) الشاملة )

 وسئل أيضا رحمه الله :

حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبور يفصل بينهما جدار المسجد؟

فأجاب : 

إذا كانت المقبرة عن يمين مستقبل القبلة أو يساره أو خلفه فلا بأس، إلا إذا كان المسجد قد بني في المقبرة فإنه لا يجوز الصلاة فيه، بل يجب هدمه وترك أرضه يدفن بها، وهدمه ليس من مسؤولية أفراد الناس بل من مسؤولية ولاة الأمور، بمعنى أنه لو لم يهدم فليس على الناس إثم، الإثم على ولي الأمر الذي يستطيع أن يأمر بهدمه، فيهدم.

 وأما إذا كانت القبور في القبلة فإن الأمر أشد، ولولا جدار المسجد الذي يحول بين المسجد وبين القبور لقلنا : إن الصلاة لا تصح بكل حال من الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا تصلوا إلى القبور». هذا هو جواب هذه المسألة، وأكرر أن هدم المسجد إذا وجب هدمه ليس إلى أفراد الشعب ولكنه إلى المسؤولين في الحكومة. اه

(فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [308])

فالواجب على أهل الإسلام أن يحذروا ما حرم الله وما نهى عنه رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس لهم أن يصلوا في المساجد التي اتخذت على القبور، لأن الرسول نهى عن ذلك ولعن من فعله عليه الصلاة والسلام، والصلاة عندها اتخاذ لها مسجد ولو لم يبن المسجد كونه يصلي عند القبور معناه أنه اتخذها مسجدًا .

ولا ريب أن الصلاة عندها والدعاء عندها، تحري الدعاء عندها، تحري القراءة عندها، كل هذا من أسباب الشرك ومن وسائله، فالواجب الحذر من ذلك، وإنما تزار، يزورها المسلم ويدعو للميتين ولنفسه معهم، يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين يغفر الله لنا ولكم ونحو هذا الدعاء يدعو لهم ولنفسه معهم غفر الله لنا ولكم، نسأل الله لنا ولكم العافية ثم ينصرف، ما يجلس عندها للقراءة أو الدعاء عندها ولا يطوف بها هذا منكر، والطواف على القبور بقصد التقرب إلى الميت هذا من الشرك الأكبر مثل الدعاء، كما لو قال : يا سيدي! أغثني، المدد المدد انصرني، اشفني هذا من الشرك الأكبر .

وإليك الرد على شبهة 

وجود قبر النبي ﷺ في المسجد النبوي ولو كان ذلك لا يجوز لما دفنوه صلى الله عليه وسلم في مسجده!.

قال الإمام الألبانى رحمه الله :

أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه و سلم دفنوه في حجرته التي كانت بجانب مسجده ، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منه إلى المسجد وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ولا خلاف في ذلك بينهم والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه وسلم في الحجرة إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره. ( ص 14 - 15 ).

ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم ذلك

 أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة فصار القبر بذلك في المسجد. ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لم توهم بعضهم قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في « الصارم المنكي » ( ص 136 ) :

" وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة وكان آخرهم موتا جابر بن عبد الله وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين والوليد تولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في « كتاب أخبار المدينة » :

مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج وماء الذهب ، وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه ».

يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم .

فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه ، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ولم يدخلا القبر فيه .

ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد فإنه كان باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة.

وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال :

" إنه لا سبيل إليها " فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد .

ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلا تاما بالجدر المرفوعة حسما للمحذور .

ونقل الحافظ ابن رجب في « الفتح » نحوه عن القرطبي كما في « الكواكب » ( 65 / 91 / 1 ) وذكر ابن تيمية في « الجواب الباهر » ( ق 9 / 2 ) :

" أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه و سلم أن يتخذ بيته عيداً وقبره وثناً " .

قلت : 

ومما يؤسف له أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون إن لم يكن قد أزيل تلك القبة الخضراء العالية وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه و سلم .

بل قد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 1368 هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محراباً صغيراً ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلا ، إشارة إلى أن هذا المكان خاص للصلاة وراء القبر فعجبت حينئذ كيف ضلت هذه الظاهرة الوثنية قائمة حتى في عهد دولة التوحيد ! أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحداً يأتي ذلك المكان للصلاة فيه ، لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين على منع الناس من يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية  ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي 

وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي « أحكام الجنائز وبدعها » ( 208 من أصلي ) : " فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق ، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائطٍ ، يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي محالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه وسلم أعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها ؟ " .

ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة

 والله المستعان . انتهى (" كتاب الثمر المستطاب" ص 483)

ومن يريد الإستزادة فعليه بكتاب : تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للعلامة الألبانى رحمه الله .


وإليك الرد على شبهة

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قَبر سبعين نبيًّا.

فالجواب :

 أننا لا نشك في صلاته صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد، ولكننا نقول : إن ما ذكر في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبياً لا حجة فيه من وجهين :

الأول : أننا لا نسلم صحة الحديث المشار إليه، لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح، ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين، ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه، فإن في إسناده من يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب لا يطمئن لصحة ما تفرد به، قال الطبراني في (معجمه الكبير): حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان، نا أبو همام الدلال، نا إبراهيم بن طمهان، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ : ((في مسجد الخيف قَبرُ سبعين نبياً))قال الألباني في ((تحذير الساجد)): ضعيف.

وأورده الهيثمي (المجمع) بلفظ : ((... قُبِرَ سبعون نبياً )) وقال : رواه البزار ورجاله ثقات. وهذا قصور منه في التخريج، فقد أخرجه الطبراني أيضاً كما رأيت.

وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرّف على أحدهما فقال : (قُبِر) بدل (صلى) لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث، فقد أخرج الطبراني في (الكبير) بإسنادٍ رجاله ثقات عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً : ((صلى في مسجد الخيف سبعون نبياً...)) الحديث ...قال الألباني في ((تحذير الساجد)): حسن.

وجملة القول :

 أن الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لصحته، فإن صح فالجواب عنه من الوجه الآتي وهو :

الثاني : أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف، وقد عقد الأزرقي في (تاريخ مكة)  عدة فصول في وصف مسجد الخيف، فلم يذكر أن فيه قبوراً بارزةً، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تُبنى أحكامها على الظاهر، فإذاً ليس في المسجد المذكور قبور ظاهرة، فلا محظور في الصلاة فيه ألبتة، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد، بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبراً! ولذلك لا يقع فيه تلك المفسدة التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة! .اه

(تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد لمحمد ناصر الدين الألباني - (68))

وإليك الرد على شبهة

بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في ((الاستيعاب)) لابن عبد البر.

الجواب :

أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فشبهة لا تساوي حكايتها! ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت لنفسي أن أسوّد الصفحات في سبيل الجواب عنها وبيان بطلانها! والكلام عليها من وجهين :

الأول : رد ثبوت البناء المزعوم من أصله، لأنه ليس له إسناد تقوم الحجة به، ولم يروه أصحاب (الصحاح) و(السنن) و(المسانيد) وغيرهم، وإنما أورده ابن عبدالبر في ترجمة أبي بصير من (الاستيعاب) مرسلاً، فقال : وله قصة في المغازي عجيبة، ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب. ذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن شهاب في قصة عام الحديبية، قال: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم، فأرسلت قريش في طلبه رجلين، فقالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلماً. فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرجلين، فخرجا حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا جيد يا فلان! فاستلّه الآخر، وقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال له أبو بصير: أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد وفرّ الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد بعده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه: ((لقد رأى هذا ذعراً))، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول. فجاء أبو بصير، فقال: يا رسول الله قد والله أوفى الله ذمتك: قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ويل أُمه مِسْعَر حرب، لو كان معه أحد)) فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر، قال: وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير... وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتمّ ألفاظٍ وأكمل سياقٍ قال:. .. وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين، فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي جندل، وأبو بصير يموت، فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقرؤه، فدفنه أبو جندل مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبره مسجداً .

 ... فأنت ترى أن هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار أنه تابعي صغير، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه، وإلا فهي معضلة، وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة، على أن موضع الشاهد منها وهو قوله : (وبنى على قبره مسجداً) لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري، ولا من رواية عبدالرزاق عن معمر عنه، بل هو من رواية موسى بن عقبة، كما صرح به ابن عبد البر، لم يجاوزه، وابن عقبة لم يسمع أحداً من الصحابة، فهذه الزيادة ... قوله: (وبنى على قبره مسجداً) معضلة ، بل هي عنده منكرة، لأن القصة رواها البخاري في (صحيحه)  موصولة من طريق عبدالرزاق عن معمر قال: أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون هذه الزيادة، وكذلك أوردها ابن إسحاق في (السيرة) عن الزهري مرسلاً كما في (مختصر السيرة) لابن هشام ، ووصله أحمد في (مسنده) من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عروة به مثل رواية معمر وأتم وليس فيها هذه الزيادة ، وكذلك رواه ابن جرير في (تاريخه)  من طريق معمر وابن إسحاق وغيرهما عن الزهري به دون هذه الزيادة، فدل ذلك كله على أنها زيادة منكرة؛ لإعضالها، عدم رواية الثقات لها. والله الموفق.

الوجه الثاني : أن ذلك لو صح لم يجز أن ترد به الأحاديث الصريحة، في تحريم بناء المساجد على القبور لأمرين :

أولاً : أنه ليس في القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره.

ثانياً : أنه لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك وأقره، فيجب أن يحمل ذلك على أنه قبل التحريم، لأن الأحاديث صريحة في أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك في آخر حياته كما سبق، فلا يجوز أن يترك النص المتأخر من أجل النص المتقدم - على فرض صحته - عند التعارض وهذا بيّن لا يخفى، نسأل الله تعالى أن يحمينا من اتباع الهوى!. اه

(تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد لمحمد ناصر الدين الألباني - (68))


والله اعلم


وللفائدة..


هل اعجبك الموضوع :
author-img
الحمدلله الذى بنعمته تتم الصالحات فاللهم انفعنى بما علمتنى وعلمنى ما ينفعنى وزدنى علما واهدنى واهد بى واجعلنى سببا لمن اهتدى.

تعليقات