لو تهاون الإمام وأخل بركن من أركان الصلاة كما لو أخل بقراءة الفاتحة أو أسرع فترك الطمأنينة الواجبة في الركوع أو السجود فصلاته باطلة،
وعلى المأموم أن ينوي الإنفراد عن الإمام ويتم صلاته منفرداً بطمأنينة حتى تصح الصلاة .
وذلك لأن الطمأنينة في الصلاة ركن لا تصح الصلاة إلا بها ولا يجبرها سجود السهو وحدُّ الطمأنينة أن تستقر الأعضاء على هيئة الركن قياماً وقعوداً وركوعاً وسجوداً.
فإذا كانت سرعة الإمام في الصلاة لا تخل بالطمأنينة فالصلاة صحيحة وأما إن كانت سرعته تخل بالطمأنينة فالصلاة باطلة ويجب إعادتها على الإمام والمأموم .
ودليل ذلك :
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ وقال : (( ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ ))، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال : (( ارجع فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ )) ثلاثًا، فقال : والذي بعثك بالحق ما أُحسن غيره، فعلِّمني، فقال : (( إذا قمت إلى الصلاة فكبِّر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها )). متفق عليه
دل الحديث على : أن الطمأنينة في جميع الصلاة ركنٌ من أركانها لا تصح الصلاة بدونها ولا يجبُرُها سجود السهو ولذلك أبطل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الرجل ولو كان سجود السهو يجبُرُ ذلك لأمره به صلى الله عليه وسلم .
2- عن زيد بن وهب الجهني قال : ( رأى حذيفة رضي الله عنه رجلا لا يتم الركوع والسجود، قال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم عليها ). رواه البخاري
فقوله : (( ما صليت )) يدل على وجوب الطمأنينة في الركوع، والسجود، وعلى أن الإخلال بها يبطل الصلاة. ينظر: ((نيل الأوطار)) للشوكاني (2/310).
3- ينبغي للمصلي سواء كان إماماً أو منفرداً أن يصلي بخشوع وطمأنينة ولا ينقر الصلاة كنقر الديك فإن هذا يشبه فعل المنافقين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا. رواه مسلم.
قال النووي في شرحه : تَصْرِيح بِذَمِّ مَنْ صَلَّى مُسْرِعًا بِحَيْثُ لَا يُكْمِل الْخُشُوع وَالطُّمَأْنِينَة وَالْأَذْكَار ،
وَالْمُرَاد بِالنَّقْرِ : سُرْعَة الْحَرَكَات كَنَقْرِ الطَّائِرِ. انتهى.
قال ابنُ تَيميَّة رحمه الله :
وهذا إجماع الصَّحابة رضي الله عنهم، فإنَّهم كانوا لا يصلُّون إلَّا مطمئنِّين، وإذا رأى بعضُهم مَن لا يطمئنُّ أنكر عليه ونهاه،
ولا ينكر واحدٌ منهم على المنكِر لذلك، وهذا إجماعٌ منهم على وجوب السكون والطُّمأنينة في الصلاة قولًا وفعلًا . انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (22/569).
وسئل أيضا رحمه الله :
ما حكم قضاء ما مضى من الصلواتِ بسبب الجهل بركن الطمأنينة؟
فأجاب :
فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوبِ الطمأنينة في أثناءِ الوقت فوجبتْ عليه الطمأنينةُ حينئذٍ، ولم تجب عليه قبل ذلك،
فلهذا أمره بالطمأنينة في صلاة ذلك الوقت دون ما قبلها . انتهى من (مجموع الفتاوى لابن تيمية (22/44))
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله :
"إذا كان الإمامُ لا يطمئنُّ في صلاتِه الطمأنينة الواجبة، فإنَّ صلاتَه باطلة، لأنَّ الطمأنينة ركنٌ من أركانِ الصلاة،
وقد ثبت في الصحيحين وغيرِهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رجلاً جاء فصلَّى صلاةً لا يطمئن فيها، ثم جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسلَّم عليه فرد عليه السَّلام وقال : (( ارجع فصلِّ، فإنك لم تصلِّ... الحديث) )،
فبيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ هذا الرجلَ لا صلاةَ له؛ لأنه لم يطمئن، وكرره ثلاثًا ليستقرَّ في ذهنه أنَّ صلاته غير مجزئة، ولأجلِ أن يكونَ مستعدًّا تمام الاستعداد لتلقي ما يعلمه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم-
وإذا كان كذلك فإنَّ هذا الإمام الذي لا يطمئن في صلاتِه لا تصحُّ صلاته، ولا يصح الاقتداء به، وعليه أن يتقي الله - عزَّ وجلَّ - في نفسِه وفي من خلفه من المسلمين،
حتى لا يوقعهم في صلاةٍ لا تنفعهم، وإذا دخلتَ مع الإمام ثم رأيته لا يطمئنُّ فإنَّ الواجبَ عليك أن تنفردَ عنه، وتتم الصلاة لنفسك بطمأنينة حتى تكون صلاتك صحيحة،
وهذه المسألة أعني : عدم الطمأنينة؛ ابتلي بها كثير من الناس في هذا الزمن، ولا سيما في الركنين اللذين بعد الركوعِ وبين السجدتين،
فإنَّ كثيرًا من النَّاسِ من حين ما يرفع من الركوع يسجدُ، ومن حين ما يقومُ من السجدةِ الأولى يسجد الثانية بدون طمأنينة، وهذا خلاف هدي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وخلاف ما أمر به الرجلَ الذي قال له : (( ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ))، وكان أنس بن مالك - رضي الله عنه - يصلِّي فيطمئن في هذين الركنين، حتى يقول القائل : قد نسي من طول ما يطمئن فيهما، عكس ما عليه النَّاسُ اليوم، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
أما ما مضى فهم على جهل في الأمر فلا يلزمهم قضاء ما مضى، ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام هذا الرجل بقضاء ما مضى،
وأما بعد أن يبلغهم العلم ثم يصلون بعد العلم بأن صلاته لا تصح فإنه يلزمهم قضاء ما صلوا . انتهى من (فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [125]).
وقال أيضا رحمه الله :
إذا صلى الإمام صلاة يسرع فيها لا يطمئن فيها ولا يدع من خلفه أن يطمئن ، فها هنا لا تجوز الصلاة خلفه ويجب على من خلفه أن يفارقه ويتم الصلاة وحده ،
لأنه إذا كان تطويل الإمام إطالة مخالفة للسنة تبيح للمأموم أن يدع إمامه ويتم الصلاة وحده فإن ترك الإمام الطمأنينة يبيح الإنفراد.
فإذا كان الإمام يسرع إسراعا لا يتمكن المأموم فيه من القيام بواجب الطمأنينة فإنه يجب على المأموم في هذه الحال أن يفارق الإمام،
وأن يصلي وحده لأن المحافظة على الطمأنينة ركن من أركان الصلاة . انتهى من ("مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (13 /634))
وقال أيضا رحمه الله :
وقد ذكر أهل العلم أنه يُكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع بعض المأمومين من فعل ما يسن فكيف بمن أسرع سرعة تمنع بعض المأمومين أو أكثرهم من فعل ما يجب؟! ،
وهذه لا شك أنها محرمة وأنها خلاف أداء الأمانة التي أؤتمن الإمام عليها فإنه لو لم يكن إماماً لقلنا لا حرج أن تصلي صلاة تقتصر فيها على الواجب ،
ولكن إذا كنت إماماً فإنه يجب عليك أن تراعي المأمومين وأن تصلي فيهم أفضل صلاة تمكنهم من مراعاة فعل الواجب والمستحب فيها. انتهى من (مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين/ج(14)).
والله اعلم
وللفائدة..
تعليقات
إرسال تعليق