يُستحب صلاة ركعتين بعد العصر والشمس مرتفعة بيضاء ما لم تَصفرَّ وتميل إلى الغروب،
أى: كلما صليت العصر فى وقته المشروع والشمس مرتفعة نقية فيجوز أن تصلي ركعتين .
وهاتين الركعتين كان الرسول ﷺ شُغل عنهما بعد الظهر فصلاهما بعد العصر،
لكن واظب عليهما النبي ﷺ كما أخبرت بذلك أم المؤمين عائشة رضى الله عنها فصارت سُنة مُستحبة .
ولا دليل صحيح على نسخهما أي الركعتين بعد العصر ولا على أنهما من خصوصيات النبي ﷺ.
وهو قول : علي بن أبي طالب، والزبير، وتميم الداري، وأبو أيوب، وأبو موسى، وزيد بن خالد الجهني، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وعائشة وأم سلمة -رضي الله عنهم.
** والسُنة أن تصلى في البيت، لقول النبي ﷺ : ( أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ). لكن إذا صلاها في المسجد جاز.
** وأما الأحاديث المطلقة التي تصرح بأنه : ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس )، متفق عليه. يُقيدها حديث : ( لا صلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة نقية ). (صحيح النسائي-رقم : (572)).
فالمقصود بهذا النهي هو الصلاة وقت الإصفرار وليس بعد صلاة العصر مباشرة،
وأن المراد بالبعدية فى الحديث ليس على عمومه وإنما المراد بها وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربهما. انتهى من [فتح الباري (2/ 61-62)].
** إذن الوقت المنهي عن الصلاة بعد العصر فيه ليس هو الوقت الذي يمتد بعد ما يصلي الإنسان فريضة العصر إلى غروب الشمس،
وإنما هو القسم الأخير منه وهو الوقت الذي تبدأ الشمس بالاصفرار لونها على الجدران وتهيئها للسقوط في الأفق أي للغروب.
وإليك جملة من الأحاديث الصحيحة:
1- حديث عائشة رضى الله عنها : ( ابن أختي ما ترك النبي ﷺ السجدتين بعد العصر عندي قط ). رواه البخاري ومسلم.
- وفي رواية لها : ( صلاتان ما تركهما رسول الله ﷺ في بيتي قط سرا ولا علانية : ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد العصر ).
- وفي رواية للبخاري (590) عنها رضي الله عنها قالت : ( ... وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته وكان يحب ما يخفف عنهم ).
* قال الشيخ الألباني رحمه الله : ... هذا نص صريح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى العصر في المسجد ودخل إلى بيت عائشة صلى ركعتين.
وعلى هذا جرى عمل بعض السلف الذين كانوا اطَّلعوا على حديث عائشة، منهم ابن أختها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه. انتهى من «الهدى والنور / ٦٩٢/ ٠٤: ٠١: ٠٠».
* وقال أيضا رحمه الله فى "السلسلة الصحيحة (7/ 528)" : ولا دليل على نسخهما أي الركعتين بعد العصر ولا على أنهما من خصوصياته. انتهى.
* قال ابن حزم رحمه الله : ولا يجوز أن يقال في شيء فعله عليه السلام إنه خصوص له إلا بنص في ذلك؛
لأنه عليه السلام قد غضب على من قال ذلك ، وكل شيء أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حرام. انتهى من " الإحكام في أصول الأحكام " ( 4 / 433 ).
2- عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله ﷺصلى العصر فقام رجل يصلي بعدها فرآه عمر فأخذ بردائه أو بثوبه،
فقال له اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل فقال رسول الله ﷺ : ((أحسن ابن الخطاب)). (السلسلة الصحيحة (3173)).
* قال الشيخ الألباني رحمه الله : والفائدة الأخرى عقب هذا الحديث : جواز التطوع بعد صلاة العصر لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم ثم عمر الرجل على الصلاة بعدها ،
مع أنه أنكر عليه ترك الفصل وصوبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، فدل ذلك على جواز الصلاة بعد العصر دون الوصل. انتهى من (السلسلة الصحيحة «٧/ ١/ ٥٢٤ - (٥٢٦»)).
3 - عن المقدام بن شريح عن أبيه قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ : كيف يصلي ؟ فقالت : (كان يصلي الهجير ثم يصلي ركعتين ثم يصلي العصر ثم يصلي ركعتين)،
قلت : فقد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما ؟! فقالت : كان عمر رضي الله عنه يصليهما وقد علم أن رسول الله ﷺ كان يصليهما،
ولكن قومك أهل اليمن قوم طَغَام يصلون الظهر ثم يصلون ما بين الظهر والعصر،
ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر وقد أحسن. (السلسلة الصحيحة (3488)) .
وهذا نص صريح أن نهي عمر رضي الله عنه عن الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون.
* قال الشيخ الألباني فى السلسلة (7/1427) : وفي قول عائشة الموقوف فائدة عزيزة لم يذكرها الحافظ في "فتح الباري"،
وهي أن عمر رضي الله عنه لم ينه عن الركعتين بعد العصر إنكاراً لشرعيتهما، وإنما من باب سد الذريعة وخشية أن يصلوها في وقت التحريم. انتهى .
4 - عن عائشة قالت : وَهِمَ عمر إنما نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. (صحيح مسلم ج:1 ص:(571)).
وهذا يدل على : أن أم المؤمنين – رضي الله عنها - لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم أثبتهما أى الركعتين بعد العصر كما جاء فى صحيح مسلم عنها،
فحملت النهي على تعمد وقصد الصلاة حين تطلع الشمس أو تغرب، وليس مطلق الصلاة بعد الفجر أو بعد العصر.
* قال ابن عبد البر رحمه الله : وبقول عائشة قال ابن عمر وغيره وهو مذهب زيد بن خالد الجهني أيضا ...". انتهى من (الإجابة لما استدركت عائشة ج:1 ص:(84)).
* قال ابن المنذر رحمه الله : فدلت الأخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن النهي إنما وقع في ذلك على وقت طلوع الشمس ووقت غروبها،
فمما دل على ذلك حديث ((علي بن أبي طالب وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم)) ((وهي أحاديث ثابتة بأسانيد جياد لا مطعن لأحد من أهل العلم فيها))... انظر: (الأوسط 2/ 388ح (1085)).
5 - خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر: حتى مر بتميم الداري فقال : لا أدعهما صليتها مع من هو خير منك رسول الله
صلى الله عليه وسلم،
فقال عمر : إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبال. (السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 7/1427، تاريخ مدينة دمشق ج:11 ص:82).
6- وجاء بإسناد صحيح :عن شعبة عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي قال : " قال ابن عباس لقد رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على الصلاة بعد العصر،
ثم قال ابن عباس: صل إن شئت ما بينك وبين أن تغيب الشمس ". (المحلى - ابن حزم - ج (٢)).
** إذن ضرب عمر رضي الله عنه كان لعدة أسباب وهي : عدم الفصل بين الفريضة والنافلة، مخافة الدخول في الوقت المنهي عنه.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (2/65) :
تنبيه : روى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد : سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال : عن زيد بن خالد أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه فذكر الحديث وفيه: فقال عمر :
(يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما).... انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
تحت الحديث رقم 200 : " نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة.
هذا الحديث مقيد للأحاديث التي أشار إليها البيهقي كقوله صلى الله عليه وسلم :" ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ". متفق عليه.
فهذا مطلق يقيده حديث علي رضي الله عنه وإلى هذا أشار ابن حزم رحمه الله بقوله المتقدم :" وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها".
"ثم قال البيهقي : " وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا. وروي ما يوافقه ". ثم ساق هو والضياء في " المختارة " (1 / 185) من طريق سفيان قال:
أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال:" كان رسول الله ﷺ يصلي ركعتين في دبر كل صلاة مكتوبة إلا الفجر والعصر ".
قلت : وهذا لا يخالف الحديث الأول إطلاقا لأنه إنما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر والحديث الأول لا يثبت ذلك حتى يعارض بهذا،
وغاية ما فيه أنه يدل على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس، وليس يلزم أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر،
نعم قد ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر وقالت عائشة : إنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك.
فهذا يعارض حديث علي الثاني ، والجمع بينهما سهل فكلٌ حدث بما علم ومن علم حجة على من لم يعلم.
ويظهر أن عليا رضي الله عنه علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث،
فقد ثبت عنه صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر وذلك قول البيهقي:
" وأما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... " ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال:
" كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر فصلى ركعتين ". ففي هذا أن عليا رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز.
وروى ابن حزم (3 / 4) عن بلال مؤذن رسول الله ﷺ قال :" لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس ".
قلت : وإسناده صحيح وهو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنهم.
وأما الركعتان بعد العصر فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من الصحابة فمن شاء فليرجع إليه.
وما دل عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلا بعد صلاة العصر وقبل اصفرار الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها،
وهو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعا لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ العراقي وغيره، فلا تكن ممن تغره الكثرة، إذا كانت على خلاف السنة.
ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ : ( لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ) . أخرجه الإمام أحمد (1 / 130) : حدثنا إسحاق بن يوسف: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره .
قلت : وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم وهو ابن ضمرة السلولي وهو صدوق. كما في " التقريب ".
فهذه الطريق مما يعطي الحديث قوة على قوة، لاسيما وهي من طريق عاصم الذي روى عن علي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد العصر،
فادعى البيهقي من أجل هذه الرواية إعلال الحديث ، وأجبنا عن ذلك بما تقدم ثم تأكدنا من صحة الجواب حين وقفنا على الحديث من طريق عاصم أيضا.
فالحمد لله على توفيقه. ثم وجدت له شاهدا حسنا من حديث أنس، سيأتي برقم (308). انتهى من (الحديث رقم 200 من السلسلة الصحيحة للإمام الألباني -رحمه الله- [ (1/386-391) من الشاملة ])
وقال أيضا رحمه الله :
... ويبدو أن هذا هو مذهب ابن عمر أيضا، فقد روى البخاري ( 589 ) عنه قال :
" أصلي كما رأيت أصحابي يصلون لا أنهى أحدا يصلي بليل ولا نهار ما شاء غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها " .
وهذا مذهب أبي أيوب الأنصاري أيضا، فقد روى عبد الرزاق عنه ( 2 / 433 ) بسند صحيح عن ابن طاووس عن أبيه :
أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر فلما استخلف عمر تركهما فلما توفي ركعهما فقيل له : ما هذا ؟
فقال : إن عمر كان يضرب الناس عليهما . قال ابن طاووس : و كان أبي لا يدعهما.
وهنا ينبغي أن نذكر أهل السنة الحريصين على إحياء السنن وإماتة البدع ،
أن يصلوا هاتين الركعتين كلما صلوا العصر في وقتها المشروع، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة .. ". وبالله التوفيق . انتهى من (" السلسلة الصحيحة " 6 / 1010 ).
وللمزيد ادخل على هذا الرابط : (تعرف على آثار الصحابة والتابعين فى الصلاة بعد العصر).
والله اعلم
تعليقات
إرسال تعليق